وضع داكن
29-03-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 26 - التربية الاجتماعية -9- آداب الطعام -3- أدب الشراب
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ؤالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

التربية الاجتماعية:

 

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في التربية الاجتماعية، بل ولا زلنا في آداب الطعام والشراب.

آداب الشراب:

ننتقل اليوم إلى آداب الشراب، وقبل الحديث عن آداب الشراب ينبغي أن نعلم علم اليقين أن الحياة على وجه الأرض حياة الإنسان وحياة الحيوان وحياة النبات قوامها الماء.

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

( سورة الأنبياء الآية: 30 )

الحياة على وجه الأرض قوامها الماء:

الماء هو الوسيط الوحيد الذي يحمل الأملاح والمواد الغذائية المنحلة فيه إلى الكائن الحي، الماء وسيط، هل تصدقون أنه يهطل على سطح الأرض كل ثانية ستة عشر مليون طن من الماء، بكل ثانية على مدار العام.
والنبي عليه الصلاة والسلام من أدلة نبوته أنه قال:

(( ما من عام أمطر من عام ))

[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس ]

مجموع التهطال على مستوى الأرض ثابت لا يتغير، لكنه يوزع كل عام توزيعاً خاصاً، ففي بعض الأعوام يعاني الشرق الأوسط من الجفاف، وفي بعض الأعوام تعاني إفريقية من الجفاف، في أعوام أوربة، لكن:

(( ما من عام أمطر من عام ))

بعد أن قاسوا كمية الأمطار على مستوى الأقطار تبين أن التهطال السنوي ثابت لا يتغير، والماء يشكل 70% من مساحة اليابسة و70 % من وزن الإنسان.

دور الماء الخطير في تغيير سطح الأرض من البنية الصخرية إلى البنية الترابية:

أيها الأخوة، الماء له دور خطير بتغيير سطح الأرض من البنية الصخرية إلى البنية الترابية، لأن الماء إذا تغلغل في باطن الأرض ثم تجمد لا يوجد قوة في الأرض تقف أمام تمدده، فإذا تمدد فتت الصخور، وكل هذه الترب في الأرض التي نزرعها أساسها صخر، لكن الماء بتجمده وتمدده فتت الصخور.
أخوانا الكرام، هل تصدقون أن حياتنا جميعاً من آدم إلى يوم القيامة، وأن حياة الحيوانات جميعاً، وحياة النباتات جميعاً، متوقفة على خصيصة من خصائص الماء، الماء ينفرد بخاصة لا يشبهه بهذه الخاصة أي عنصر في الأرض، أي شيء في الكون إذا سخناه تمدد، حتى الصخور، وإذا بردناه تقلص.
لماذا يضعون فواصل تمدد ؟ في جميع الأبنية يضعون فراغات تسمى فواصل تمدد، لأن الحجر في الصيف يتمدد، وكل شيء في الأرض إذا بردناه يتقلص، إلا الماء، شأنه شأن أي عنصر، لتر ماء حرارته 40، بردناه إلى خمس و ثلاثين، انكمش، 30 ـ 25 ـ 20 ـ 15 ـ 10 ـ 5 ـ 4 ـ تنعكس الآية، يتمدد، ينفرد الماء من بين كل عناصر الأرض أنه في الدرجة زائد أربعة، تنعكس آليته من التقلص إلى التمدد، لو أنه تابع التقلص لقلّ حجمه وزاد وزنه، أي زادت كثافته، أي قطع الثلج غاصت إلى أعماق البحر، وفي كل عام تغوص كتل كبيرة، بعد حين تتجمد البحار، ينعدم التبخر، تنعدم الأمطار، يموت النبات، يموت الحيوان، يموت الإنسان، حياتنا جميعاً متوقفة على هذه الخاصة في الماء.

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

وجوده،

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

بخصائصه، لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة، يتبخر في الدرجة 14، ويتمدد.
لو أن محركاً للسيارة مصنوع من خلائط معدنية قاسية جداً، وفي ماء في الشتاء إن لم يكن مع الماء مادة مضادة للتجمد يشق المحرك.
لذلك أحدث طريقة لاقتلاع الرخام حفر ثقوب طويلة، إملاؤها بالماء، تبريد الماء تجد مكعباً مساحته متر بمتر، أزيح من الجبل عن طريق تبريد الماء.
فكل أنواع الترب أساسها الماء،

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

شيء آخر: عدد مرات كلمة الماء في القرآن 33 مرة، واليابسة عدد يساوي خمس هذا العدد، كمساحة اليابسة من البحر، موضوع الماء موضوع طويل، لكن أتمنى على الأخوة الكرام أن يجعلوا من هذا الموضوع أداة للتفكر.

 

الماء أحد أكبر موضوعات التفكر:

الآيات الكونية التي يمكن أن نتفكر بها لا تعد ولا تحصى، ولكن الله جل جلاله ذكر ألف و ثلاثمئة موضوع بالقرآن كونيات أنا أرى هذه الموضوعات الكونية هي منهج لنا للتفكر، الماء أحد أكبر موضوعات التفكر، وأنت بإمكانك أن تصل إلى الله من خلال التفكر في آيات التفكر بالله.نحن تحدثنا سابقاً أن الإسلام عقيدة، وعبادة، ومعاملة، وآداب، عقائد وعبادات، ومعاملات، وآداب، فهذه الدروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا سيما التربية الاجتماعية تنضوي تحت القسم الرابع من الآداب.
 

آداب الشراب:

1 ـ التسمية قبل الشرب و حمد الله على هذه النعمة:

الآن يستحب أن تسمي قبل أن تشرب، وقد ذكرت في اللقاء السابق أن معنى التسمية أن هذا الماء الذي أشربه من الذي جعله عذباً فراتاً بعد أن كان ملحاً أجاجاً ؟.
في بعض البلاد النفطية يحلون الماء عن طريق معامل عملاقة، معامل تحلية، هل تصدقون أن كلفة تحلية اللتر من الماء أغلى من ثمن البنزين الآن ؟ كلفة تحلية اللتر من الماء المالح حتى يغدو ماءً عذباً، يكلف أكثر من ثمن لتر البنزين، وأسعار البنزين عالية جداً، وهذا الماء المحلى لا يصلح للشرب، لأنه ماء مقطر ما فيه معادن أبداً، لا بد من خلطه بمياه الآبار، مياه الآبار فيها معادن.
إذاً إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم هذا الماء الذي كان ملحاً أجاجاً، من جعله عذباً فراتاً ؟ بسم الله الرحمن الرحيم.
المعنى الآخر للتسمية، ينبغي أن تشرب وفق منهج الله.
أن تشرب قاعداً لا واقفاً إلا في حالات خاصة، في أثناء الطواف، ازدحام شديد، مستثنى الحاج أن يشرب واقفاً، وأن تشرب على دفعات ثلاث، سنأتي على آداب الشرب، لكن كلمة بسم الله تعني أن تذكر نعمة الله عليك في هذا الماء.
والمعنى الآخر، أن تذكر منهج الله استحباب التسمية، وبعد التسمية الحمد لله.
يا أمير المؤمنين بكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا منع منك ؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه ؟ قال: بنصف ملكي الآخر.

على المؤمن أن يشكر الله عز وجل على نعمة الماء:

 

المؤمن يخترق النعمة إلى المنعم، يعني أيضاً في هذا البلد الطيب تفتح الصنبور ماء عذب فرات صالح للشرب، معظم بلاد العالم مياه الصنابير ليست صالحة للشرب، لابد من أن تشتري الماء، هذه نعمة تنفرد بها هذه المدينة الطيبة.
التسمية والحمد، والشرب ثلاثاً، يعني يبدو أن هناك عصباً اسمه العصب الحائر أو العصب المبهم، هذا العصب بين المعدة والقلب، ففي حالات كثيرة، أنا قرأت عن عشر حالات في العالم إنسان شرب الماء دفعة واحدة، وكان الماء بارداً فمات من فوره، لأن حرارته 37 والماء البارد واحد أو اثنان، البرد المفاجئ الذي أصاب المعدة نبه هذا العصب الحائر أو المبهم المرتبط بالقلب، في حالات سكتة قلبية عقب شرب الماء. لذلك الحديث:

(( مصوا الماء مصاً، ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب ))

[أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث انس بالشطر الأول ولأبي داود في المراسيل من رواية عطاء بن أبي رباح "إذا شربتم فاشربوا مصا"]
مص الماء مصاً، اشربه على دفعات ثلاث، بين الدفعتين أبن القدح عن فيك لأنه ثبت أن في الزفير قد تنتقل بعض الأمراض من إنسان إلى إنسان، أن تبعد الكأس عن فمك بين الشربتين، أن تسمي، ومعنى التسمية، أن تذكر نعمة الله عليك، ومع التسمية أن تذكر منهج الله في الشرب، ثم أن تحمد الله على هذا الكأس من الماء، ثم أن تمص الماء مصاً، وألا تعبه عباً، ثم أن تشرب قاعداً، ثم أن تبعد القدح عن فيك.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
 

(( لا تشربوا واحدا، كشُرب البعير، ولكن اشربوا مَثنى وثُلاث، وسَمُّوا الله إذا أنتم شَربتم، واحْمدوا الله إذا رَفعتم )) 

[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ]

أريت إلى هذا الأدب ؟ كأس ماء، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي سقانا فأروانا، تسمية، وحمد، وقعود، والشرب مثنى مثنى، مثنى وثلاث، وأبن القدح عن فيك، من أجل ألا تنتقل بعض الأمراض من إنسان على آخر.

2 ـ عدم الشرب من القرب مباشرة:

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب من السقاء أو القرب مباشرة، أحياناً يكون هناك وعاء ماء، يضعه على فمه ويشرب، لعله وضع في هذا الإناء شيء مؤذٍ، أما إذا صببت الماء في كأس، الكأس ترى كل شيء فيه.وليس من السنة أن تشرب مباشرة من القربة، أو من السقاء، والآن من الإبريق، ليس من السنة أن تشرب مباشرة من السقاء، أو القرب، أو من وعاء الماء، صب الماء في كأس، هذا من السنة أيضاً. 

3ـ كراهية النفخ في الشراب:

الأدب الثالث: كراهية النفخ في الشراب، يشرب ويتنفس، نفس طويل بالماء نفسه، أبن القدح عن فيك، كما قال عليه الصلاة والسلام: 

(( فأبنِ القدحَ عن فيك )) 

[ أخرجه أبو داود والترمذي ومالك عن أبي سعيد الخدري ]

والمعنى ألا يتنفس الإنسان في الإناء.

4 ـ استحباب الشرب والأكل في حال الجلوس:

الأدب الرابع: استحباب الشرب والأكل في حال الجلوس، كل هذه التوجيهات فيما أذكر هناك أبحاث علمية تؤكد صوابها، يعني الإنسان هو جالس هناك خصائص لشرب الماء ولتناول الطعام يبدو أن هذه الخصائص تكون أفضل للشارب والآكل مما لو كان واقفاً.

 

اقتباس الأشياء اللطيفة عند الآخرين:

الآن في بعض المجتمعات المخملية، يقول لك طعام مفتوح على الواقف، هذا خلاف السنة، كله واقف ماسك الصحن ويتمشى، من السنة أن تأكل جالساً، وأن تشرب جالساً.
لكن كتعليق، مرة كنت في دعوة في بلاد بعيدة في أمريكا، الأخ داعي أعتقد ثلاثين شخصاً على طعام، والغرفة صغيرة، في طاولة، الطعام على الطاولة، أنا عجبت كيف سنأكل ؟ الحياة بسيطة، كل واحد أخذ صحن ملأه مما يشتهي، وعاد إلى مكان جلوسه السابق.
نحن لما نعقد الحياة، أنا أذكر مرة دُعيت إلى مدينة اسمها إنديانا في أمريكا بمركز إسلامي، وجدت على الطاولة قريب من سبعين نوعاً من الطعام، طعام من الطراز الأول، و من رواد المركز الإسلامي يوجد رجال وزوجاتهم، في صالون كبير للرجال وصالون كبير للنساء، ومكان الطعام في الوسط، كل شخص حمل صحنه ووضع فيه ما يشتهي وعاد إلى مكانه، والنساء كذلك، وبعد نهاية هذه الوليمة الرائعة تبين أن كل أخ كريم جاء بطبخة من بيته، فلما انتهى الطعام أعاد الوعاء إلى المركبة، ما أحد دفع قرشاً، سبعون شخصاً تبرع كل واحد بنوع من الطعام، طعام رائع، والنساء أكلن مع بعضهن، والرجال مع بعضهم، وكل الأدوات بلاستيك ما في شيء اسمه غسيل، ولا في دفع، في أيام أشياء لطيفة جداً، إنسان عمل طبخة واحدة وجاء بها، أُكل خمسها، أعادها إلى السيارة، وأعادها إلى البيت.
أحياناً في أشياء لطيفة عند الآخرين أنا أحب أن أقتبسها منهم، الإنسان عقله مفتوح.
نهى عليه الصلاة والسلام أن يشرب الرجل قائماً، قال قتادة: قلنا لأنس: والأكل ! قال: ذلك أشر، يعني إذا كان ممكن في حالات نادرة أن تشرب واقفاً الأكل ينبغي أن يكون قاعداً.
قال بعضهم: إذا كان النهي عن الشرب واقفاً فالنهي عن الأكل واقفاً أشد من الأول.
في رواية لمسلم:

(( لا يَشْرَبَنَّ أحد منكم قائما ))

[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]

يعني كاستثناء النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الحالات شرب قائماً، في طريق، في ازدحام، في مكان مستحيل تجلس فيه أحياناً، في مثل هذه الحالات الشرع مرن.

5 ـ النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة:

الأدب الخامس: النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة، نريد أن نفرق بين آنية الذهب والفضة، وبين الإناء المذهب و المفضض، الفرق بينهما بالسعر، لو أن الإناء من الذهب سعره يمكن ألف ضعف عن إناء مذهب، يعني مطلي بطبقة رقية جداً من الذهب، المذهب ما في حرج، أما من الذهب الخالص فيه نهي قطعي، النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة.
مرة قال لي شخص: والله في صنبور بثمن بيت، صنبور ثمنه يعادل ثمن بيت صغير طبعاً، في الأثر:

(( إنَّ الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنمَّا يُجَرْجِر في بطنه نار جهنم ))

[أخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن عباس ]

يعني ليس ممنوعاً أن تأكل وأن تشرب، وأن يكون بيتك أنيقاً، وأن تكون أدواتك جميلة، شيء طبيعي، الله عز وجل جميل يحب الجمال، وأنا أتمنى أن يكون مسحة جمالية في كل بيت، ليس هذا ممنوعاً، أما الترف ممنوع، المترفون ورد ذكرهم في القرآن في ثماني آيات حصراً، والمترفون في الآيات الثمانية كفار.

﴿ وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 33 )

في الآيات الثمانية حصراً المترفون كفار، كلْ واشرب، واسكن بيتاً أنيقاً، وجمل هذا البيت من دون مخيلة، ومن دون إسراف.
لذلك قالوا: من دخل على الأغنياء ـ طبعاً غير المؤمنين ـ خرج من عندهم وهو على الله ساخط، ما عنده شيء أمامهم. 

(( يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب لا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه وإياك ومجالسة الأغنياء )) 

[أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]

إذا قلت الأغنياء في هذين الحديثين أعني بهما الأغنياء غير المؤمنين، أما الغني المؤمن والله تشتهي الغنى منه من تواضعه، من أدبه، من كرمه، من سخائه، من خدمته للناس، المال قوة، المال قوة كبيرة، وبإمكانك بالمال أن تصل إلى أعلى عليين، بإنفاقه على الفقراء والمساكين، وطلاب العالم، ونشر الكتب المفيدة، وتحقيق المصالح.

6 ـ النهي عن امتلاء المعدة بالأكل والشرب:

الأدب السادس: النهي عن امتلاء المعدة بالأكل والشرب، بما روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه حسب ابن آدم ثلاث أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ))

[ أحمد و الترمذي عن المقدام بن معدي كرب]

طرفة لكن لها أساس علمي: لو شخص وَزَنَ الطعام الذي يأكله، وجبة الصباح لها وزن، والظهر وزن، والمساء وزن، الطعام، والخضراوات، والفواكه، كل شيء، أخذ الأوزان الثلاثة، بشكل وسطي، ضربها بثلاثين (بشهر)، باثنتي عشرة (بسنة)، لو فرضنا سيعيش ستين سنة ضرب وزن الوجبات الثلاث بما يساوي ستين عاماً، بخرج رقم أنا ما حسبته 30 طن، 40 طن، تأكل قليل يطول عمرك، تستهلكهم بسرعة يقصر عمرك، هي طرفة لكن لها أساس علمي.
فالإنسان كلما كان معتدلاً في طعامه صحته تكون أعلى في الأعم الأغلب يكون عمره أطول، أطول ليس معنى أن اعتداله في الطعام طوّل عمره، لا العمر ثابت، لكن الذي عمره طويل تجده يهتم بالطعام القليل، والذي عمره قصير يأكل كثيراً.

توافق النفس مع منهج الله تسمو بالإنسان إلى مستوى الشرع:

أيها الأخوة، الحقيقة هناك نقطة دقيقة أن هذا الإنسان له مستوى، مستوى نفسي أحياناً يرقى مستواه إلى مستوى الشرع، أحياناً يتباعد عنه، أضرب بعض الأمثلة:
أحياناً إنسان قبل أن يتوب إلى الله يحب أغنية معينة، بعد أن تاب إلى الله امتنع كلياً عن سماع هذه الأغنية، ركب سيارة عامة، والسائق واضع هذه الأغنية، يطرب لها لكنه غير مؤاخذ، والحديث:

(( من استمتع إلى قينة ))

[ ابن عساكر عن أنس ]

الاستماع غير السماع، تركب في سيارة إلى حلب، أحياناً يفتحون المذياع على أغاني، الراكب غير مؤاخذ، هنا لم يكن مستمعاً بل سامعاً، من استمع يعني جاء بمسجلة وضع الشريط وجلس يسمع، أما سمع: يمشي بالطريق، في محل تجاري، يصدر منه غناء فهذا الذي تاب إلى الله توبة نصوحة، وتاب عن سماع هذه الأغنية خوفاً من الله عز وجل لو ركب مركبة عامة وهذا الغناء ظهر قد يطرب، لكن ليس مؤاخذاً، صدقوا ولا أبالغ بعد حين، بعد أن ترقى نفسه إلى الله عز وجل، لو سمع هذه الأغنية مرة ثانية لخرج من جلده تقززاً، ما الذي حصل ؟ دقق هنا، ارتقت نفسه من مستوى الامتناع عن المعصية خوفاً من الله إلى مستوى السمو الذي يرقى به إلى مستوى الشرع.
لذلك ورد في بعض الآثار:

(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه ))

حينما تتوافق النفس مع منهج الله، قد يقول أحدكم: أضعف الجهاد، طبعاً الجهاد ليس دائماً، بالمرحلة الأولى بعد حين تسمو النفس، يدع المعاصي تقززاً، واشمئزازاً، واحتقاراً، لا خوفاً فقط، هذه نقطة دقيقة جداً، حتى الآداب، ممكن أن تقوم بالآداب تقليداً لكن بعد حين يصبح الأدب جزءاً منك، من دون وعي تكون أديباً، في الطعام، في الشراب، في الاستئذان، في اللقاء، في الحديث، في الزيارة، في العيادة، أنا أتمنى أن تشعر أنك ترقى، دائماً المؤمن يتابع الترقي، أما غير المؤمن يدافع التدني، هو في صعود، في مرحلة تدع المعاصي خوفاً من الله، لكنها محببة إلى نفسك، هناك حالات الإنسان بعد أن يتابع جهداً إيمانياً عالياً إذا نام يرى في المنام أنه في مكة المكرمة، أو أمام قبر النبي مثلاً، أو يعمل عملاً صالحاً، أو يلتقي بعالم جليل، يصبح عقله الباطن كعقله الظاهر.
لا سمح الله ولا قدر أحياناً الإنسان يرى في المنام أنه يرتكب معصية كبيرة جداً طبعاً لا يحاسب، لكن هذا عقله الباطن لم يسمُ إلى مستوى الشرع، عقله الباطن.
فهذه الآداب آداب نظرية لكن يمكن بعد حين، بعد متابعة جهد إيماني، وبعد اتصال بالله عميق أن ننتقل من معلومات نحفظها إلى سلوك ثابت نمارسه.

 

التفكر ينقل الإنسان إلى معرفة الله عز وجل:

 

أخوانا الكرام، هناك شيء دقيق، لما الإنسان يعود نفسه يفكر فيما حوله، الحديث عن الماء والطعام والشراب، يعني ممكن يأكل الإنسان كما تأكل البهائم، المؤمن يفكر في رغيف الخبز، من صمم القمح ؟ كأس الماء، كأس الحليب، هذه البقرة معمل، معمل حليب صامت، الله قال:

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾

( سورة يس الآية: 72 )

الغدة الثدية بالبقرة كالقبة فوقها، والغدة الثدية يجري فوقها الدم، وتأخذ من الدم ما تحتاجه، وحتى هذه الساعة لا يعلم أحد من علماء الطبيعيات والفيزيولوجيا كيف تتم صناعة الحليب في الغدة الثديية في البقرة، أما الشيء الثابت أن أربعمئة حجم من الدم ينتج عنها حجماً من الحليب، يعني كل لتر حليب ساهم في صنعه أربعمئة لتر من الدم، الغدة الثدية كالقبة، تقطر من داخلها قطرات الحليب، ضرع البقرة فيه جدارين متعامدين، لأن أربعين كيلو غرام يتمزق الضرع، في جدار بالنصف، وجدار متعامد معه، وهناك أربع حلمات، وكل حلمة تعطي ربع الكمية بالضبط، والبقرة مذللة الله قال:

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾

يعني عقرب صغير يقفز الإنسان من جلده إن رآه، أما بقرة كبيرة يقترب منها وديعة، يعني تصور مشتقات الحليب صباحاً، في صحن لبن، في جبنة، في سمن، في زبدة، مشتقات الحليب شيء مهم جداً.

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

( سورة النحل الآية: 5 )

لكم خصيصاً، أنت أحياناً تدعو إنساناً إلى طعام اسمه الآن ضيف الشرف، يطرق الباب يأتي ضيف تدعوه إلى الطعام، لكن هذا الطعام ليس لهذا الطارئ، هذا الطعام لضيف الشرف، هذا معنى كلمة

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

أنت حينما ترى أن البقرة مسخرة لك أيها الإنسان، والدجاجة مسخرة لك، والتفاح مسخر لك، تأكد يقيناً أن أثمان الطعام والشراب إنما هي قيمة خدمتها فقط، إنك لا تدفع ثمنها أبداً، التفاحة، حجم مناسب، لو كانت كبيرة ؟! وجبة طعام صغيرة، لون مناسب، لون أصفر مع خد أحمر، قوام يتناسب مع أسنانك، لا كالصخر، طعم سكري، في فوائد، في حديد، في مواد، في فيتامينات، في سكريات، قوام، وغذاء، وشكل، وطعم، ورائحة، وقشرة، فكر.

 

على المؤمن أن يجتمع في قلبه تعظيم لله و محبة له و خوف منه:

أثناء الطعام فكر، أثناء الشرب فكر، رأيت خضراوات فكر

هذا التفكر ينقلك إلى معرفة الله.

(( أحِبُّوا الله لما يَغْذوكم من نعمه ))

[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس ]

في بعض الآثار قال:

(( يا رب أي عبادك أحب أليك حتى أحبه بحبك ؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي، ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني وذكرهم ببلائي كي يخافوني ))

[من الدر المنثور عن ابن عباس ]

فلابد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله عن طريق التفكر في آيات الله، ومحبة لله عن طريق التفكر في نعم الله، وخوف من الله عن طريق التفكر في البلاء الذي يسوقه الله لبعض الأشخاص. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور