- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (027)سورة النمل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثالث عشر من سورة النمل.
ملخص عن حديث الدرس الماضي لبعض صفات الألوهية:
في الدرس السابق بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى بعضاً من صفات الألوهية، فخلقُ السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات الحدائق ذات البهجة، وجعلُ الأرض قراراً، وجعل الأنهار من خلالها، وخلقُ الجبال رواسي وأوتاداً للأرض، وإجابة المُضطر إذا دعاه، وأن يكون الإنسان خليفة لمن قبله، وسلفاً لمن بعده، هذه كلها من لوازم الألوهية ولا تستطيع جهةً في الأرض أن تدّعي ذلك، لذلك ربنا سبحانه وتعالى بعد كلّ صفةٍ من صفات الألوهية يقول:
﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60)﴾
وقال:
﴿ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ
وقال:
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ
من أسماء الله سبحانه وتعالى الهادي وقد بيَّن العلماء بعض معاني هذا الاسم:
واليوم يقول الله سبحانه وتعالى متابعاً خصائص الألوهية:
﴿
لذلك من أسماء الله سبحانه وتعالى الهادي، وقد بيَّن بعض العلماء ماذا يعني هذا الاسم، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ
إذاً الله سبحانه وتعالى هو الهادي، وفي هذه الآية إشارةٌ إلى أن الإنسان يختار
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي(78)﴾
شيء ثالث: الإنسان الذي آمن بالله حق الإيمان يتولى الله سبحانه وتعالى إخراجه من الظلمات إلى النور، يتولى الأخذ بيده، يتولى إرشاده، لذلك يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ
إذاً المؤمن بالذات مادام قد آمن بالله عزَّ وجل حق الإيمان يهديه إلى صراطٍ مستقيم، وكيف لا، والمؤمن يقف في اليوم خمس مراتٍ ليردد في كل ركعةٍ من ركعاتها:
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ(7)﴾
كأن الله سبحانه وتعالى يجيبه حينما يتلو الآيات، فإذا أردت أن يحدِّثَكَ الله عزَّ وجل، فاقرأ القرآن، وإذا أردت أن تُحَدِّثَهُ فادعُه، فالدعاء حديثٌ منك إليه، وتلاوة القرآن الكريم حديث الله إليك.
الدعاء كأنك تحدِّث الله وتلاوة القرآن الكريم كأنه يحدِّثُك:
تقول أنت في الصلاة:
﴿
وقال:
﴿
وقال:
﴿
هكذا الصلاة
إذا آمنت بالله تولَّى الله هدايتك ونقلك من الظلمات إلى النور:
ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿
وقد جاء في معنى الاسم العظيم اسم الهادي وهو من أسماء الله الحسنى، وأسماء الله سبحانه وتعالى كلُّها حسنى:
﴿
المعنى الأول لكلمة الهادي أنه هدى جميع المخلوقات إلى جلب مصالحها ودفع مضارِّها:
قال بعض العلماء: هدى جميع المخلوقات إلى جلب مصالحها ودفع مضارِّها، الله عزَّ وجل خلق وهدى.
﴿ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى(1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(3)﴾
وقال:
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى(49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50)﴾
من معاني الهادي أنه هدى جميع المخلوقات إلى جلب مصالحها ودفع مضارِّها، يستوي في ذلك الإنسان والحيوان بل والنبات، النبات يبحث عن الضوء، إذا زرعت شجرةً في أرضٍ منخفضةٍ تزداد طولاً إلى أن تصل إلى الضوء، وإذا افتقد الجذر الرطوبة في التربة، يمتد في أعماق التربة إلى قرابة ثلاثين متراً يبحث عن الماء، وإذا امتنع المُزارع عن سقي الشجرة أعطته الإشارة أولاً، تستهلك الشجرة ماء أوراقها أولاً، ثم ماء أغصانها ثانياً، ثم ماء فروعها ثالثاً، ثم ماء جذعها رابعاً، وتحافظ على ماء الجذر، لأن الأمل كله في الجذر، إذاً النبات هداه إلى جلب مصالحه ودفع مضاره، الحيوان هداه إلى رزقه، هداه إلى مأواه، هداه إلى الدفاع عن نفسه، هداه إلى البحث عن حاجاته، ودفع مضاره، وكذلك الإنسان.
المعنى الثاني الهادي هو الذي يهدي إلى طريق الحق:
إذا قلت: يا هادي، الهادي هو الذي يهدي المخلوقات إلى جلب مصالحها ودفع مضارها، هذا معنى.
المعنى الثاني الهادي هو الذي يهدي إلى طريق الحق، في الأرض حقٌ واحد، الحق لا يتعدد، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
﴿
ما أكثر أنواع الباطل، الباطل يتعدد أما الحق لا يتعدد، لذلك إما أن تكون على الحق؛ وإما أن تكون على الباطل، وليس هناك موقف ثالث، فإذا فسَّرنا اسم الهادي بأنه الذي يهدي إليه، وإلى طريقٍ مستقيم، وإلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة فهذا من أسماء الذَّات، وإذا بيّنا أن الهادي نَصَبَ الدلائل الدالة على وجوده، وعلى ربوبيته، وعلى ألوهيته، إذا قلنا كذلك فالهادي من أسماء الأفعال، كل شيءٍ في الكون يدل عليه، خلْقُ السماوات والأرض، الشمس والقمر، الليل والنهار، الأرض وما فيها، ما عليها، وما في باطنها، الهواء، الماء، الجبال، الحيوانات، النباتات، الإنسان، كل شيءٍ خلقه الله جملةً وتفصيلاً يدل على الله سبحانه وتعالى فهو الهادي.
هدى المخلوقات إلى جلب مصالحها ودفع مضارها، وهدى الإنسان إلى طريق الحق، وجعل كل شيءٍ خلقه يدل عليه، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى هلالاً قال عليه الصلاة والسلام:
(( هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا. ))
الهادي يخلق الهداية في نفوس الناس فمن طلب الهداية خلقها الله في قلبه:
بعضهم يقول: إن الهادي يخلق الهداية في نفوس الناس، من طلب الهداية خلقها الله في قلبه:
﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ
اطلب الهداية والله سبحانه وتعالى يشرح صدرك لها، تسعد بها، تقنع بها، وبعضهم قال: الهادي هدى خواصّ عباده إلى ذاته، ومن خلال رؤية ذاته يرى هؤلاء مخلوقاته، وبعضهم قال: هدى عوام عباده إلى مخلوقاته، ومن خلال مخلوقاته يرون ذاته، فإما أن تهتدي من خلال الخلق إلى الحق، وإما أن تفهم الخلق في ضوء رؤيتك للحق.
على كلٍ اسم الهادي من أسماء الله الحسنى، يهديك إلى سواء السبيل، يهديك إلى ذاته، يهديك إلى أمره، يهديك إلى شرعه، يهديك إلى حاجاتك، يهديك إلى دفع مضارك، يخلق في نفسك الهدى.
قال بعض العلماء: فما حظ الإنسان من هذا الاسم؟ نحن كعباد لله عزَّ وجل ما نصيبنا من اسم الهادي؟ قال بعضهم:
إذا كنت عبد الهادي يجب أن تشتغل في هداية الخلق إلى الحق، هذا أعظم عملٍ تقوم به، أن تعرِّف الناس بخالقهم، أن تعرف الناس بربِّهم، أن تعرف الناس بمن بيده ملكوت أمرهم.
إذاً الله سبحانه وتعالى يقول:
الله عزَّ وجل خلق وهدى لو خلق ولم يهدِ لهلك الإنسان:
قد تجد طائراً يعشش في بيت من بيوت دمشق، وليكن في حي الصالحية مثلاً، يهاجر في الشتاء إلى جنوب إفريقيا، يعود منها إلى الشمال، لو أنه انحرف نصف درجة لجاء في مصر، لو انحرف نصف درجةٍ أخرى لجاء في ليبيا، لو انحرف درجتين إلى اليمين لجاء في العراق، من هداه إلى أن يتجه بزاويةٍ دقيقةٍ جداً حتى يصل إلى دمشق لا إلى بيروت، ولا إلى تدمر، إلى دمشق، وإلى حي الصالحية، وإلى الحارة الفلانية، وإلى البيت الفلاني، حتى يعود إلى عُشِّه الذي بناه قبل عام، من الذي يهديه؟!
سمك السلمون الذي يهاجر من ينابيع الأنهار في أمريكا، ويستقر في المحيط الأطلسي، ثم يعود إلى مسقط رأسه، هذا السمك يتجه غرباً، كيف يصل تماماً إلى مصب الأمازون، أو إلى مصب المسيسبي، أو إلى مصب هذا النهر بالذات، لو انحرف قليلاً لجاء في مصب نهرٍ آخر، ويظل يقاوم تيارات الماء والشلالات في الأنهار إلى أن يصل إلى مسقط رأسه وهناك يبيض ويموت، من هداه؟!!
بعض أنواع الأفاعي في البحار تتجه من ينابيع نهر النيل إلى بحر الشمال تحت الماء، أيستطيع إنسان تحت الماء أن يتجه شمالاً في نهر النيل، فينتقل منه إلى البحر المتوسط، فيتجه غرباً إلى أن يقطع البحر كله من مضيق جبل طارق، ثم يتجه شمالاً محازياً إسبانيا، ثم يتجه شرقاً ليدخل بحر المانش، ثم يتجه شمالاً ليتجه إلى بحر الشمال، وبعدها يعود، من الذي هداه؟ الله هو الهادي.
هدى الأطيار، وهدى الأسماك، وهدى الوحوش في البراري، وهدى الحيوانات الأليفة، وهدى الإنسان، هداه إلى حاجاته، كل شيءٍ اسمه كشفٌ علمي هو من هداية الله عزَّ وجل، ما كان لعالمٍ مكتشف أن يكتشف لولا أن الله ألقى في قلبه هذه الفِكرة، اكتشاف الثروات، اكتشاف المعادن، اكتشاف خصائص المواد، كل شيءٍ يخترعه الإنسان أو يكتشفه صنَّفه علماء النفس في حقل الحدس الإشراقي، شيءٌ لا ندري ما هو، فكرةٌ تُلقى في قلب هذا العالم، ومضةٌ تبرق في ذهن هذا المكتشف، الله هو الهادي، الله عزَّ وجل خلق وهدى، لو خلق ولم يهدِ لهلك الإنسان.
الهداية لها معنى آخر فالله تعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية ليدرك ما حوله:
يهدي الطبيب إلى الدواء المناسب، يهدي الطبيب إلى تشخيص المرض الصحيح، يهدي المريض إلى الطبيب، خلق الأمراض وجعل لها علامات، خلق الأدوية وجعل لها علامات، وهدى العالِم المكتشف إلى خصائص الدواء، وإلى علاقته بهذا الداء، فلو أمضينا أوقاتاً طويلةً جداً في الحديث عن الاسم اسم الله عزَّ وجل الهادي لما انتهينا، شيءٌ لا ينتهي عند حد.
الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يشير إلى معنىً واحد من معاني اسم الهادي، وهو أنه يهدي المخلوقات إلى جلب منافعها ومصالحها ودفع مضارها.
الهداية لها معنى آخر، من أودع في الإنسان هذه القوة الإدراكية؟ هذا الحجر موجود وله ذرات تدور حول بعض النويّات، ولكن الحجر لا يدرك، النبات لا يدرك، الحيوان يدرك مصالحه فقط، هو يعيش لهذا الهدف، وكل ما يعينه على بلوغ هذا الهدف يدركه، لكن الإنسان يدرك كل ما حوله، من أودع فيه هذه الحواس الخمس التي يتلقف بها المعلومات من المحيط؟ من أودع فيه هذا الفكر الذي يحلل هذه الإحساسات؟
الإنسان أحياناً يرى أفعى في بستان، إذا نظر إليها ينطبع شكلها على شبكيته وهذا هو الإحساس، ثم تنتقل هذه الصورة من الشبكية عبر العصب البصري إلى الدماغ، فعلى شبكية العين يتم الإحساس، وبالدماغ يتم الإدراك، والإدراك متعلقٌ بالمفاهيم، حينما كان طفلاً صغيراً درس في الصف الثاني عن الأفعى، ورأى صورتها في كتاب العلوم، ثم رآها في زجاجة مُحَنَّطَة، ثم رآها مرةً مع أبيه في بعض البساتين، هذه الصورة، وهذا الشكل، وهذا المنظر، وهذه القصة التي سمعها عن أفعى لدغت طفلاً، يجتمع من خلال هذه المشاهدات والمسموعات مفهوم الأفعى؛ حيوانٌ خطِر، سامّ، لدغته قاتلة، فإذا انطبع شكل الأفعى على شبكية العين هذا هو الإحساس، انتقلت هذه الصورة إلى الدماغ، يتمُّ في الدماغ الإدراك في ضوء المفهومات التي حصَّلها الإنسان من خلال علاقته بالمحيط، الدماغ يدرك أن هذه الأفعى خطِرة، الدماغ يعطي أمراً إلى الغدة النخامية، وهي ملكة النظام الهرموني، الغدة النخامية تعطي أمراً هرمونياً، الدماغ ومن معه الأوامر عصبية من خلال موجات كهربائية، لكن الغدة النخامية هي ملكة ومن معها الأوامر هرمونية، فالغدة النخامية تعطي أمراً إلى الكظر، الكظر يعطي أربعة أوامر، يعطي أمراً إلى القلب ليزيد وجيبه، يزيد خفقانه من أجل أن يمر الدم سريعاً إلى العضلات، لأن العضلات بحاجةٍ إلى قوةٍ للتحرُّك، والكظر يعطي أمراً آخر إلى كل الأوردة والشرايين، إلى كل الأوعية الدموية كي تُضَيِّق لمعتها، لأن الإنسان وهو خائف ليس بحاجةٍ إلى شكلٍ وردي، بحاجةٍ إلى قوةٍ عضلية، فهذه غدة الكظر تعطي أمراً إلى كل الأوعية الدموية بتضييق لمعتها، فالخائف يصفر لونه، والخائف يزيد خفقان قلبه، ويصدر هرمون ثالث إلى الرئتين ليزداد وجيبها، حتى يتناسق ضربات القلب مع وجيب الرئتين، وأمرٌ رابع يتجه إلى الكبد لطرح كميةٍ إضافيةٍ من السكر، من هو الهادي؟ الله سبحانه وتعالى.
الإنسان بالعقل والفكر يستدل على شيءٍ مُغَيَّبٍ عنه بشيءٍ أمامه:
أنت لا تدري، أنت رأيت أفعى فولَّيت هارباً، واصفر لونك، وخفق قلبك، وازداد وجيب رئتيك، ولو فحصنا الدم لكان فيه كمية سكر إضافية، ما دريت شيئاً، من الذي هدى؟ من الذي هداك؟ من الذي أودع فيك هذه القوة الإدراكية؟ أدركت، انطبعت الصورة، حُلِّلَت في الدماغ، عُرف الخطر، انتقل الأمر من الدماغ إلى الغدة النخامية، الغدة النخامية إلى من معها، من معها الكظر أعطت أوامر، الله هو الهادي، أنت لا تدري فهذه حادثة واحدة.
جهاز الهضم معقد جداً، جهاز الدوران معقد جداً، أي جهازٍ تتمتع به في غاية التعقيد، الله سبحانه وتعالى هو الهادي، إذاً من أودع في الإنسان تلك القوة الإدراكية؟ الإنسان بالعقل يستدل، ماذا قال هذا الأعرابي؟ قال:
الإنسان بهذا العقل أو بهذا الفكر الذي أودعه الله فيه يستدل على شيءٍ مُغَيَّبٍ عنه بشيءٍ أمامه.
لو تتبعتم كيفية أو طريقة اكتشاف الجريمة، لرأيتم العجب العجاب، كل شيءٍ له أثر، لا يمكن أن يترك المجرم الجريمة من دون أثر، هذا الأثر ولو شعرة، ولو بصمة، ولو خيط، ولو بطاقة، ولو ورقة، ولو نقطة دم، هذه تقود المحققين إلى خيوط الجريمة، الله هو الهادي، بل إن جريمةً ارتُكبت في بعض ولايات أمريكا كما قرأت من دون أن يدع المجرم لهذه الجريمة دليلاً إطلاقاً، القاضي فكَّر في أن هذا الذي ارتكب هذه الجريمة لا بدَّ من أنه متخصصٌ في البحث عن المجرمين، إذاً قد يكون قاضياً، وكان عدم ترك الدليل دليلاً، إذاً الدليل هو الله عزَّ وجل الذي خلقه، فالإنسان بالفكر يستدل وبالفكر يستقرئ.
هذا المعدن تمدد بالحرارة، من خلال تجارب عديدة يُستنبط من أن المعادن تتمدد بالحرارة، هذا استقراء، عندنا استنتاج، ومحاكمة، وتذكُّر، ومفاهيم، وعملية الرَبط، وعملية التعميم، هناك البناء، والتحليل، هذا كله من نشاطات العقل البشري، من أودع في الإنسان هذه القوة الإدراكية؟ الله الهادي، هو الذي يهديك.
الإنسان مخلوق أول مكرم عند الله عزَّ وجل:
من جعل هذه الحواس تلتقط هذه الصور؟ العين تلتقط الصور وتخزنها في الذاكرة، هناك ذاكرة مرئيَّات، والأذن تلتقط الأصوات وتخزنها في ذاكرة المسموعات، والأنف يلتقط الروائح ويخزنها في ذاكرة المشمومات، والجِلد يلتقط الأحاسيس ويخزنها في ذاكرة الإحساسات، هذه الذاكرة التي تَنْعُمُ بها فيها عددٌ لا يحصى ولا يعد من الصور، تقول هذا الإنسان رأيته قبل عشرين عاماً، انطبعت صورته في ذهنك، هذا الصيدلي تسأله عن الدواء، يقول لك: نعم عندي، إنها على الرف الثالث على اليمين، وراء هذا الدواء هناك علبة أعطه إياها، معنى ذلك أن هذا الصيدلي كل الأدوية في صيدليته منظمةٌ في ذاكرته، وكل الباعة كذلك، من الذي يهدي؟ الله سبحانه وتعالى يهدي.
إذاً من جعل هذه الطاقة التي تدرك هذه المحسوسات تستدل، وتحاكم، وتتذكر، وتفهم، وتربط، وتحلل، وتركِّب، وتستنتج، وتستقرئ، وتستدل، الله سبحانه وتعالى، لذلك الإنسان مخلوق أول، مخلوق مكرم عند الله عزَّ وجل.
الحقيقة موضوع الهدى موضوع دقيق جداً، آثرت أن يكون هذا الدرس متمحوراً حول الهدى، لأن هناك أفكاراً العوام يتداولونها، هذه الأفكار تعيق الإنسان عن أن يهتدي، يقول لك أحدهم: الله عزَّ وجل هو الذي يهدي، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وكأنه لا علاقة له بالهدى، هذه فكرةٌ خطيرةٌ جداً، إذا نزعت عنك مسؤولية الهدى، وعزوت الهدى والضلال إلى الله عزَّ وجل من دون فهمٍ صحيح، فهذا شيءٌ خطير، هذا يُقْعِدُكَ عن طلب الهدى.
الله عزَّ وجل أنعم علينا بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الإرشاد:
بعض الآيات المتعلقة بهذا الموضوع، الله سبحانه وتعالى ماذا قال؟ قال:
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)﴾
الهدى علينا، أي أن على الله أن يهدي، وهذه (على) تفيد الإلزام، أي أن الله عزَّ وجل ألزم نفسه أن يهدي الخلق إليه، وإلى طريق الحق، وإلى طريق سعادتهم، لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق، قال:
﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ
والآية الكريمة المعروفة عندكم:
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا
إذا كنت مهتدياً فهذه نعمةٌ كبرى أنعم الله بها عليك، الله عزَّ وجل أنعم عليك بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الإرشاد.
إما أن تكون مع هدى السماء أو أن لا تكون مهتدياً لأن الهدى من الله وحده:
شيءٌ آخر هو أن الهدى لا يسمَّى هدى ولا يكون هدىً إلا إذا كان من الله:
﴿ وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ
وقال:
﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ
آيتان:
كل إنسان مخير في هذه الحياة الدنيا:
شيءٌ آخر، الله عزَّ وجل قال:
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
وقال:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
الإنسان إذا هداه الله عزَّ وجل أو إذا اهتدى إلى الله يزيده الله هدىً، والإنسان مخير، الله عزَّ وجل قال:
﴿
وقال:
﴿
وطريق الهدى هو الجهاد، جهاد النفس والهوى:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)﴾
الهدى متعلق بالإنسان ولو كان متعلقاً بمحبة النبي لهدى الناس جميعاً:
الهدى من دون جهد مستحيل، هدى وأنت في بيتك، العلم يؤتى ولا يأتي، لا بدَّ من أن تتحرك كي تهتدي، لا بدَّ من أن تبذل وقتاً تعرف فيه ربك، لا بدَّ من أن تبذل جهداً ثميناً في معرفة الله:
﴿
الهدى متعلق بالإنسان، لو أن الهدى متعلق بمحبة النبي لهدى الناس جميعاً:
الله عز وجل لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الكافرين:
شيءٌ آخر، لست محاسباً على عدم هدايتهم:
﴿
لكن هناك سؤال دقيق: يا ترى الله سبحانه وتعالى يقول في بعض الآيات:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ
من هؤلاء الذين يهديهم إليه، ومن هؤلاء الذين يضلُّهم؟ في آياتٍ كثيرة بيَّن الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين يهديهم، وهؤلاء الذين يضلُّهم، فمثلاً الله عزَّ وجل قال:
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ
لمجرد أن تقع في الظلم فإن الله لا يهديك، الظلم ظُلُماتٌ يوم القيامة، الذي يقع في ظلم زوجته، أو ظلم شريكه، أو ظلم جيرانه، أو ظلم من دونه، هذا لن يهتدي إلى الله عزَّ وجل، لأن عمله السيئ حجبه عن الله، والله سبحانه وتعالى طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً، وفي آيةٍ ثانية:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ
لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الكافرين، الكافر مُعْرِض، هذا الذي أعرض عن الله عزَّ وجل التفت إلى الدنيا، إلى الملذات المحرمة، إلى الشهوات المنحطة، إلى مآربه الدنيئة، إلى نزواته الشريرة، هذا الذي يلتفت إلى الدنيا ويدير ظهره للدين هذا كافر، لن يهديه الله عزَّ وجل.
كل إنسان له انحراف لن يهتدي إلى الله عزَّ وجل لعدة أسباب:
قال تعالى:
وقال:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ
كل إنسان له انحراف لن يهتدي إلى الله عزَّ وجل، لأسباب أولاً: لأن هذا الانحراف حجابٌ بينه وبين الله، ثانياً لأنه بدل أن يعتقد الحقيقة الموضوعية يدافع عن نفسه وعن انحرافه، يستخدم فكره وعقله لا لمعرفة الله عزَّ وجل بل للدفاع عما هو فيه من انحراف، يصبح منطقه تبريرياً، يصبح منطقه في خدمة شهواته، شهواته أولاً وعقله لتبرير شهواته ثانياً، هذا الإنسان لن يهديه الله عزَّ وجل.
أية خيانةٍ على وجه الأرض لابدَّ من أن تُكْشَف لأن الله تعالى لن يهدي صاحبها إليه:
قال تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
أية خيانةٍ على وجه الأرض لا بدَّ من أن تُكْشَف لأن الله عزَّ وجل لن يهدي صاحبها إليه..
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ
الكاذب مع نفسه والمسرف لا يهديه الله عزَّ وجل ولكنه يهدي من رجع وتاب إليه:
هذا الذي يدَّعي أنه يحب الحقيقة ولا يبتغيها، يريدها تُكْأَةً لمآربه، ولا يريدها لذاتها، هذا كاذب مع نفسه، فالكاذب مع نفسه لا يهديه الله عزَّ وجل:
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ
المسرف في الشهوات، المسرف في الظلم، المسرف في تجاوزه للحدود، المسرف في العدوان، هذا لن يهديه الله عزَّ وجل، يهدي من؟ الله سبحانه وتعالى يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام:
﴿
وقال:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ
من رجع إلى الله، من تاب إليه، من اصطلح معه يهديه إلى سواء السبيل.
الله عزَّ وجل يلهم المؤمن دائماً طريق الخير والنجاة والفوز والرضوان:
قال تعالى:
﴿
المؤمن مُسدَّد، المؤمن ملهَم، الله عزَّ وجل يلهمه دائماً طريق الخير، يلهمه النجاة، يلهمه الفوز والرضوان
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
أي أنك إذا اتبعت هذا النبي العظيم، إذا طبَّقت سنته بجملتها وتفصيلاتها تهتدي إلى الله عزَّ وجل:
﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(15)﴾
كل ما في الكون خُلِقَ ليهدي الإنسان والإنسان هو المخلوق الأول غافلٌ عن الله عزَ وجل:
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)﴾
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11)﴾
﴿
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ
هذه الورقة تسبِّح الله، هذا الغُصن، هذه الشجرة، هذه الزهرة، هذا المخلوق، هذا الحجر، هذا المدر يسبح الله، والإنسان هو المخلوق الأول غافلٌ عن الله عزَ وجل، إذاً العقل يهديك، والفطرة تهديك، والكون يهديك، والقرآن يهديك، والنبي يهديك، والسنة تهديك، والحوادث تهديك، وإلهامات المَلَك تهديك، وقد يريك الله مناماً يهديك به، فالطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
الشيء الخطير أن يكون الإنسان ضالاً ويحسب أنه مهتدِ:
لكن الشيء الخطير أن يكون الإنسان ضالاً ويحسب أنه مهتدِ، هنا الخطورة، فالكفَّار:
﴿ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ
هذه مشكلة كبيرة جداً.
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾
هو ضالٌ مُضِلّ ويحسب أنه مهتدِ، والشيء الدقيق أن المهتدين قِلَّة، ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ
وقال:
﴿
وقال:
﴿
الله وحده هو الذي يعلم من هو المهتدي ومن هو الضال:
الأكثرية في ضلال فلذلك:
﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ
وقال:
﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ
الهدى القسري الذي لا يُبنى على اختيارٍ شخصي من الإنسان لا قيمة له:
على كلٍ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13)﴾
وهناك آياتٌ كثيرة تقول:
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا
هذا الهدى القسري الذي لا يُبنى على اختيارٍ شخصي من الإنسان لا قيمة له إطلاقاً، لا عند الله، ولا عند الناس، ولا عند الذي تم الهدى له، فكلما مرت بكم مثل هذه الآيات يجب أن تفهموها فهماً دقيقاً، فالجامعة بإمكانها أن توزع أوراق الإجابة وقد كُتبت عليها الإجابة الصحيحة، ويُكلَّف الطلاب كتابة أسمائهم وأرقامهم ليس غير، ويعطى كل طالبٍ العلامة التامة، هذه طريقة من طرق النجاح العام، ولكن هذا النجاح لا قيمة له لا عند إدارة الجامعة، ولا عند الطلاب الناجحين بهذه الطريقة، ولا عند الناس.
سر رُقي الإنسان في الجنة أنه مخير:
كلما مرّ بكم آيةٌ بهذا المعنى:
﴿
قيمة العمل تأتي من حرية الاختيار، المسؤولية تأتي من حرية الاختيار، الجنة قيمتها من حرية الاختيار، النار عذابها من حرية الاختيار، لو ألغينا حرية الاختيار لَمَا كان هناك وعدٌ ولا وعيد، ولا ثوابٌ ولا عقاب، ولا جنةٌ ولا نار، ولكان إنزال الكتب عبثاً، وإرسال الرسل لعباً، ولكان الثواب وهماً، والعقاب ظُلماً، وهكذا.
الإنسان مسيَّر لما اختار وهو مسير لدفع ثمن اختياره:
إذاً آيات القرآن الكريم كثيرة تنطق بأن الإنسان مخير:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ(148)﴾
وقال:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.