وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة النمل - تفسير الآيتان 59 - 60 الإيمان قبل التقوى- الإعجاز في خلق النبات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس العاشر من سورة النمل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59)﴾

[  سورة النمل  ]


قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى


1 – الحمدُ مأمورٌ به:

 النبي عليه الصلاة والسلام أُمِرَ في نص هذه الآية أن يحمد الله عزَّ وجل، على كل شيء، من هذه الأشياء أنه أهلك الأقوام الكافرة المنحرفة، من هذه الأشياء نعمة الإيجاد، من هذه الأشياء نعمة الإمداد، من هذه الأشياء نعمة الإرشاد، الإنسان في كل حركاته وسكناته، في كل نشاطاته مغمورٌ بنعمة الله عزَّ وجل. 

2 – افتتاحُ الخطب والدروس:

 ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ هؤلاء الذين اصطفاهم الله لنشر الحق ولإبلاغ الرسالات، وقد استنبط العلماء الأقدمون أن كل كلمةٍ، وكل خطبةٍ، وكل كتابٍ يجب أن يُفتَتح بحمد الله عزَّ وجل والصلاة والسلام على صفوته من خلقه، لذلك دَرَجَ الخطباء، والكُتَّابُ، والعلماء، والمحاضرون، وكل من تصدى للكلام، بأن يفتتح كلامه بحمد الله عزَّ وجل والصلاة والسلام على أنبيائه وصفوته من خلقه. 

3 – السلام اسمٌ من أسماء الله:

 ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ السلام اسمٌ من أسماء الله عزَّ وجل، إذا اقتربت من الله عزَّ وجل، واستقمت على أمره، وتوخَّيْتَ رضاه، وجهِدت في التقرُّب إليه فسلامٌ عليك، إنّ حياتك تغدو سلاماً، تغدو حياةً غنيةً بالعمل الصالح، غنيةً برحمة الله عزَّ وجل، ثم إن الله عزَّ وجل يُقَرِّعُ أسماع المشركين. 


من المفارقات العجيبة: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ


 ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ هذا الصنم الذي اتخذته من دون الله إلهاً، أيوازَن مع الله عزَّ وجل؟ أنت متى تقع في حيرة؟ إذا وازنت بين شيئين على درجاتٍ متقاربة، ولكن تقع في حيرة إذا عُرِضَ عليك شيءٌ تافهٌ جداً، وشيءٌ عظيمٌ جداً؟ فالله سبحانه وتعالى أصل كل النِّعَم، أصل كل شيء، بيده كل شيء، بيده ملكوت كل شيء، إليه يرجع الأمر، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، هو الذات الكاملة، هو الرحمن الرحيم، هو الغني القدير، هو السميع البصير، خالق السماوات والأرض، لا حدود لعظمته، أيوازَنُ هذا الخالق العظيم مع قطعةٍ من حجرٍ نُحِتَت، أو مع شهوةٍ تأجَّجت، أو مع عرَضٍ من الدنيا قليل، أو مع إنسانٍ فقير لا يملك النفع لنفسه ولا الضُر؟!

﴿  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(154)﴾

[  سورة الصافات  ]

﴿  فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26)﴾

[  سورة التكوير  ]

﴿ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (75)﴾

[  سورة المائدة  ]

 هكذا يقول الله عزَّ وجل، لذلك: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ربنا سبحانه وتعالى أراد أن يؤكِّد في هذه الآية هذه المفارقة العجيبة، كيف أن هذا الإنسان ينصرف إلى مخلوقٍ مثله؟ ينصرف إلى صنمٍ أصمٍّ أبكم لا يتحرك، ولا يتكلم، ولا يسمع، ولا يُجيب، أو ينصرف إلى إنسانٍ ضعيف ضعفاً شديداً لا يملك شيئاً، ينصرف إليه بِكُلِّيَتِهِ، يعلِّق عليه الآمال، يتمنَّى رضاه، يسعى للتقرب منه، من هنا يقول الله عزَّ وجل في الحديث القدسي:

((  إني والإنس والجن في نبأٍ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكَر سواي  ))

[  رواه البيهقي بسند ضعيف ]

 من أجل أن يبين الله سبحانه وتعالى هذه المُفارقة الحادَّة بين ما يدّعونه من آلهةٍ من دون الله لا تنفع ولا تضر، ولا تقدم ولا تؤخر، ولا ترفع ولا تخفض، وبين خالق السماوات والأرض، يقول الله عزَّ وجل: 

﴿  أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60)﴾  

[ سورة النمل ]


أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ


 الله سبحانه وتعالى هو الخالق، هو الذي أوجد هذا الكون من عدم، كان الله ولم يكن معه شيء، هو خالق المكان، خالق الزمان، خالق الأكوان، خالق الليل والنهار، خالق الشمس والقمر، خالق المجرات، خالق الإنسان، خالق طبيعته، خالق فطرته، خالق طعام الإنسان وشرابه، خالق الأرض خالق الجبال، خالق السماوات.

1 ـ الكون كلُّه من خَلق لله:

 ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ السماوات والأرض تعبيرٌ قرآني يعني الكون، أَمَّنْ خلق هذا الكون، إذا كانت بعض المجرَّات تبتعد عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، فما هذا الكون؟ إذا كان أقرب نجمٍ ملتهبٍ إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ونحتاج كي نصل إليه إلى زمنٍ يقترب من خمسين مليون عاماً بالمركبة العادية، فما القول في هذه المجرات المترامية الأطراف البعيدة؟ 

2 ـ لم يُخلَق الكون عبثًا:

 هذا الكون كله مسخرٌ للإنسان، ماذا يريد الله منا إذاً؟ سخر هذا الكون بلا سبب؟!  

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) ﴾

[  سورة المؤمنون ]

 هكذا. 

﴿  أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)﴾

[  سورة القيامة  ]

 بلا حساب، بلا مسؤولية؟ 

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ(38)﴾

[  سورة الدخان  ]

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ(27)﴾

[  سورة ص ]

 الباطل الشيء الزائل، والعبث الشيء الذي لا هدف له، لم يخلق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض عبثاً ولعباً، ولم يخلقها باطلاً، ولم يخلق الإنسان سدىً. 

3 ـ الكون مسحةٌ من ا لجمال الربّاني:

 ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ لمن هذا الكون العظيم؟ الذي يلاحظه الإنسان أن كل شيءٍ في الكون في خدمة الإنسان، لو تصفَّحت كتاباً في الأزهار لرأيت آلافاً مؤلفةً من أنواع الأزهار التي لا وظيفة لها إلا أن تُمْتِع عيني الإنسان، أنواع الأزهار المنوعة، إذا تصفحت ما في الأرض من جمال، إن هذا الجمال ما هو إلا مسحة من جمال الله عزَّ وجل، خلقه لتستمتع به، إذا درست نظام الزوجية، كيف خلق الله الإنسان، وخلق له من نفسه زوجةً يسكن إليها، إذا تصفحت الصفات الأساسية للمرأة، الفيزيولوجية، النفسية، العقلية، الاجتماعية، وتصفحت صفات الرجل الفيزيولوجية، والنفسية، والعقلية، والاجتماعية، وكيف أن الذكر والأنثى يتكاملان، هذا التصميم الإلهي ما أبدعه.

 نظام التوالد ما أبدعه! كيف أن هذا الطفل الصغير أساسه حُوَينٌ منوي لقَّح بويضةً، انقسمت البويضة إلى آلافٍ مؤلفة، وصلت إلى الرحم، تعلَّقت بجداره، نَمَت، نمى القلب، نمت الأعضاء، نمى الدماغ، ما هي إلا تسعة أشهرٍ وعشر حتى يولد غلامٌ آيةٌ في الإبداع والإعجاز، له قلبٌ ورئتان، له عضلاتٌ وأعصاب، له معدةٌ وأمعاء، له دماغٌ، له مخيخ، له نخاعٌ شوكي، له أعضاء، له سمعٌ وبصر، له لسان له شفتان، يد مَن صنعته في بطن أمه؟ الله سبحانه وتعالى. 

هذا الفكر أيها الأخوة الذي أودعه الله فينا هو أعقد ما في الكون، وأثمن ما في الكون، فمن عطّله، أو من استخدمه استخداماً لا يليق به، استخدم فكره للإيقاع بين الناس، أو للاحتيال عليهم، إنه بهذا يحتقر هذه الجوهرة الثمينة التي أودعها الله فينا ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾

﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ(35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ(36)﴾

[  سورة الطور ]

 فإذا شَحَّتِ الأمطار ماذا بيدنا أن نفعل نحن جميعاً؟ لو اجتمعنا وقررنا وتركنا وفعلنا، ليس بيدنا شيء، إلا أن يتفضل الله علينا بماء السماء، نحن عبادٌ ضعاف.


وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء


نعمةُ الماءِ:

 ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أريد أن ندقق في كلمة لكم، وأنزل لكم، هذا الماء الذي أنزله الله من السماء ليطهِّرنا، للتنظيف، وليروينا للشرب، وليروي البهائم التي نعيش عليها، وليروي النبات الذي نقتات منه، كلمة لكم، أي هذا الماء المبارك الذي أنزله من السماء أنزله خصيصى لكم، من أجلكم، من أجل حياتكم، من أجل أن تستقيم حياتُكُم، من أجل أن تقوم حياتكم على الماء. 


أَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ


1 ـ كيف لو لم يكن النبات ؟!!

﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ تصوَّر أن نظام النبات ليس موجوداً، كيف نعيش؟ كيف نأكل؟ لو أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأرض حينما خلقها كمِّياتٍ كبيرة جداً من الطعام والشراب، وجاء جيلٌ فأكل هذا الطعام والشراب، ماذا يفعل الجيل اللاحق؟ نظام البذور من أبدعه؟ من صممه؟ من خطط له؟ أن هذه الثمرة في بطنها بذرة، وفي هذه البذرة كُلُّ صفات هذه الشجرة، شجرة تفاح، لها قوامٌ معين، ولها شكل معين، ولها أوراق معينة، ولها طبيعة معينة، تحتاج إلى مرتفعات، تحتاج إلى برد، تثمر فاكهةً ذات حجمٍ معين ولونٍ معين، وشكلٍ معين، ورائحةٍ معينة، وقوامٍ معين، ومواد تركيبية معينة، ومواد سكرية، كل هذه الصفات الفرعية كامنةٌ في هذه البذرة، وعلى هذا فَقِس؛ بذرة التفاح، بذرة الأجاص، بذرة العنب، كل شيءٍ خلقه الله عزَّ وجل جعل آلاف ملايين الصفات الثانوية كامنةً في هذه البذرة، هذه بذرة تفاح، هذه بذرة بطيخ، أنواع البطيخ، أشكاله، ألوانه، طعمه، حجمه، طباعه، علاقته بالبيئة، كل هذه الصفات في البذرة، ما هي هذه البذرة؟  

2 ـ هكذا ينمو النبات:

 من منا يصدق أن بعض البذور الغرام الواحد فيه أكثر من سبعين ألف بذرة؟ البذرة فيها غلاف، وفيها مستودع للغذاء، وفيها رُشيم، الرشيم هو الجزء الحي من النبات، الرشيم نفسه فيه جذير، وسويق، وقمة نامية، فإذا جاءته الرطوبة نمت هذه القمة باتجاه الأعلى، ونما هذا الجُذَير باتجاه الأسفل، وعاش على هذا المخزون الغذائي، فإذا انتهى هذا المخزون الغذائي في البذرة صار بإمكان الجُذير أن يأخذ مباشرةً من التربة الماء والأملاح وما شاكل ذلك. يد من؟ هذه البذور-هذا السؤال دقيق جداً- الخضروات، الفواكه، المحاصيل، الأشجار المثمرة، كل شيء له بذر، وكل الصفات التفصيلية الدقيقة كامنة في هذه البذرة، صنع من؟

 هذا النبات يقاوم البرد، لو أخذت هذه البذرة، وفتحتها أين تجد هذه المعلومة؟ هذا النبات مديدُ الإثمار، يعطيك لستة أشهر، هذا النبات حبَّته كبيرة، هذا النبات حبته صغيرة، هذا النبات حبَّته قاسية، هذا النبات نسيجه كثيف، هذا النبات كروي الشكل، هذا التصميم المودَع في البذرة من أودعه؟ سؤال دقيق. 

تستطيعون أن تفكروا في البذرة أياماً وشهوراً وسنوات ولا تنتهون، هذا النظام المعجز، ما من نباتٍ إلا وله بذور، وهذه البذور بعضها يعيش سنةً، أو سنتين، أو خمس سنوات، وبعضها يعيش مئتين وخمسين عاماً، وبعض أنواع القمح استُخرجت من الأهرامات وزُرِعَت فأنبتت، وقد مضى على تخزينها ستة آلاف عام. 

الرشيم؛ هو الكائن الحي، له محفظة غذاء، حبة الفاصولياء مثلاً ضعها في قطن مبلل وراقبها –اليوم افعل هذا- ينبت السويق، ينبت الجذير، بعد حين تمسك هذه الحبة فإذا هي فارغة، هذا المخزون الغذائي نما سويقاً، ونما جذيراً، هذا الجذر عبارة عن جذر وفروع صغيرة، وينتهي كل فرعٍ بكرةٍ صغيرةٍ اسمها القلنسوة، وهذه القلنسوة تشق طريقها في التراب، وقد تشق طريقها في الصخور، كيف يتم هذا؟ لا أحد يدري، أفيها مادةٌ تذيب الصخر؟ لا نعلم، وهذه القلنسوة تنتهي بأشعارٍ دقيقةٍ جداً، أشعار ماصة تمص الماء، تبحث عن الماء، فإذا زرعت النبات في الصحراء وكان الماء شحيحاً، غاص هذا الجذر إلى عمقٍ ثلاثةٍ وثلاثين متراً نحو الأسفل بحثاً عن الماء، والشجيرة صاحبة هذا الجذر لا يزيد ارتفاعها عن متر، يغوص جذرها في أعماق التربة 33 متراً، ما هذا؟ 

الجذور لها أنواع منوَّعة، هناك جذور ليفية، الأشجار التي نستخدمها للصناعة هذه لا بدَّ من أن تُقلع، إذاً جذورها ليفية، أما الأشجار المثمرة التي نستخدمها لغذائنا لها جذور من نوع آخر، شيء عجيب جداً، والأعجب من هذا أن بعض النباتات يزيد ارتفاعها عن تسعين متراً، وفي جذعها أوعيةٌ تحمل دم النبات أو النسغ إلى الأعلى، وأوعيةٌ تأخذ هذا النسغ إلى الأسفل، هذا صنع مَن؟ من صمم هذه الأوعية الدقيقة؟  

3 ـ حياة الشجرة بكل جزئياتها:

 إنّ الأوعية الصاعدة تماماً كالأوردة والشرايين، الأوعية الصاعدة في داخل الشجرة، والأوعية الهابطة في لحائها، الأوعية الصاعدة لئلا تضيق فتحتها، زوَّدها الله عزَّ وجل بحلزونات مقوِّية لها ليفية من أجل أن تبقى مفتوحة، والأوعية الهابطة زوَّدها الله عزَّ وجل بمصافٍ، هذا كله في حدود نصف ميليمتر، لو أخذت مقطعاً لشجرة لرأيت العجب العُجاب، النسغ الصاعد، فكيف يصعد هذا النُسُغ؟ الماء كيف يصعد نحو الأعلى؟ على عكس مبدأ الجاذبية؟ هذا صنع من؟

 الخاصة الشعرية، هذه كلمة، ولكن شجرة ارتفاعها تسعون متراً تمتص الماء من التربة، وهذا الماء يصعد نحو الأعلى خلال أوعيةٍ محكمةٍ دقيقةٍ، مدعّمةٍ بألياف حلزونية لئلا تضيق لمعتها، صنع من؟ صنع الله خالق الأكوان، هذا النُّسغ الصاعد يصعد، ويصعد حتى يصل إلى الأوراق، والأوراق كما قال عنها بعض العلماء، فيها معملٌ يأخذ بالألباب.

 إن أعقد الصناعات التي صنعها الإنسان، إن أرقى المعامل التي صنعها الإنسان، تبدو أمام معمل الورقة شيئاً تافهاً جداً، هذا النسغ الصاعد فيه الماء، وفيه المعادن المذابة في هذا الماء، نسقي التربة، فتنحل المعادن في التربة، فيأتي الجذر عن طريق القلنسوة، وعن طريق الأهداب الصغيرة تمتص هذا الماء مع المعادن، ولكن الشيء الذي لا يصدق أن الغشاء الرقيق الرقيق الذي يحيط بالأهداب الشعرية المتفرعة عن هذه القلنسوة، تلك الكرة الصغيرة التي ينتهي بها الجذير، هذا الغشاء يقوم بعمليات لا يعقل أن تصدَّق، إلا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يفعل هذا.

 هذا الغشاء يصطفي، هذه شجرة كرز، تحتاج إلى فسفور، إلى بوتاس، إلى معادن معيَّنة، هذا الغشاء هو الذي يأخذ من التربة ما يحتاجه، من أجل أن تعطي هذه الثمرة طعم الكرز، هذه الثمرة تفاح، تأخذ كميات الحديد أكثر، هكذا قال بعض العلماء، وهذا الغشاء يتمتع بصفات مذهلة، هو الذي يصطفي، ولكن الله هو الذي يصطفي، فإذا كان عند الإنسان قائمة حاجات في بيته، أكثر من مائة حاجة، فوضع على الباب غشاء، أو ستاراً، هل هذا الستار بإمكانه أن يعرف ما أنت محتاجٌ إليه؟ وبإمكانه أن يلتقط من الطريق ما أنت محتاجٌ إليه؟ شيءٌ لا يصدق، فإذا تعمقت في فهم آلية الامتصاص يأخذك العجب العجاب، وتخر لله ساجداً.

 جذير له فروع صغيرة، ينتهي بكرة هي القلنسوة، تنتهي بأشعار، لا تُرى بالعين، هذه الأشعار لها غشاء، هذا الغشاء هو الذي يأخذ من التربة ما يعجبه وما هي بحاجةٍ إليه، هذه تفاح، وهذا أجاص، وهذا خوخ، وهذا جوز، وهذا توت، كل فاكهةٍ لها تركيبٌ خاص، لها طعمٌ خاص، لها لونٌ خاص، لها رائحةٌ خاصة، لها صبغياتٌ خاصة، لها مواد كيماوية خاصة، هذا الغشاء هو الذي يأخذ؟!  

4 ـ المعملُ الصامت:

 لنَسِرْ مع هؤلاء إلى آخر الطريق، هذا الجذر يمتص الماء من التربة الذي أُذيبت فيه المعادن، التي اختارها الغشاء على علمٍ لتلبِّي حاجات النبات، يصعد هذا الماء من أطراف الجذور إلى أعلى قمة في الشجرة، إلى الأوراق، الورقة معمل يأتيها نسغٌ صاعد من الجذر، ماء ومعادن، تأخذ من الشمس طاقتها، وفي هذه الورقة مادة لا تزال تحيِّر العلماء "الكلورفيل"، المادة الخضراء تلتقط من الشمس بعض الطاقات، وتستعين بأملاح الحديد، وتصنع من هذا الماء، وهذا ثاني أكسيد الكربون الذي يدخل إلى الورقة من المسام، تصنع من ثاني أكسيد الكربون ومن الحديد والكلوروفيل وسيط مع بعض المياه والأملاح، تصنع النسغ النازل، فيصير هذا بطاطا، وهذا جزر، وذاك تفاح، شيءٌ لا يصدق، معمل صامت، معمل يتجه نحو الشمس، يأخذ من الشمس الطاقة، ومن الهواء غاز الفحم، يتفاعل غاز الفحم مع الماء ومع المعادن، وينزل هذا النُسُغ محمّلاً بالسكر والنشاء، فإذا هو تفاحة أو أجاص، أو خوخ، أو توت، أو مشمش، أو سبانخ، أو قرنبيط، شيء لا يصدق.

 من الذي أعطى هذه الخضرة لونها، وشكلها وطعمها وقوامها وموادَّها؟ أإلهٌ مع الله.

 يا أيها الأخوة الأكارم، ظاهرة النبات وحدها ظاهرةٌ كافيةٌ لمعرفة الله، بعض هذا البذور له أجنحة يطير عبر المحيطات من قارة إلى قارة، هذه الغابات العذراء التي خلقها الله عزَّ وجل من زرعها؟ لا أحد، لا أحد من بني البشر، ولكن بذور هذه الأشجار العملاقة مزودةٌ بأجنحة تحملها الرياح، وتأخذها من قارة إلى قارة، هذه المراعي من زرعها؟ إن بعض الأعشاب الرعوية تزرع بطريقةٍ عجيبة، إن البذرة موجودةٌ في حلزونٍ، فإذا وقع هذا الحلزون على الأرض انغمس في التربة، فنزلت البذرة عبر هذا الحلزون إلى مسافةٍ تبعد بضع سنتيمترات عن سطح التربة، وبهذا تتم الزراعة ونحن لا ندري، النباتات العشبية والرعوية في المراعي، الغابات، هذه كلها تمت زراعتها بيد الواحد القهار ونحن لا ندري، أشياء كثيرة في النبات، لأن الله عزَّ وجل يقول: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ﴾

5 ـ الله هو الذي أنبت كلَّ شيءٍ:

 أنبتنا، لمن عُزِيَ هذا الفعل؟ إلى الله عزَّ وجل، ماذا يفعل الإنسان؟ يضع هذه البذرة تحت التربة ويسقيها وانتهي الأمر، هذا الرشيم من حَرَّكَهُ؟ من أودع فيه الحياة؟ من جعل هذا الرشيم يتحرك نحو الأعلى نمواً؟ من جعل خلاياه تنقسم وتزداد على حساب المستودع الغذائي، ومن أودع في هذا الرشيم كل صفات النبات، أإلهٌ مع الله؟ 

لذلك ربنا سبحانه وتعالى عزا هذا الإنبات إلى ذاته، قال: ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ إذا عَطِش هذا النبات، ماذا يحصل؟ إذا امتنع البستاني عن سقي شجراته ماذا يحدث؟ الشيء الذي لا يصدق أن هذه الشجرة تستهلك ماء الأوراق أولاً، الأوراق تذبُل، ذبول أوراق الشجرة لفت نظرٍ إلى صاحبها أن اسقني، أنا عطشى، فإذا لم يستجب لها تستهلك هذه الشجرة ماء الأغصان، فإذا لم يستجب لها صاحبها تستهلك ماء الفروع، فإذا لم يستجب لها صاحبها تستهلك ماء الجذع، وآخر ماءٍ تستهلكه ماء الجذر حفاظاً على الأمل الكبير، لو أن هذا الفلاح غاب عن هذه الشجرة شهراً بأكمله، وسقاها تعود وتنبت من جديد، لو أن الشجرة تستهلك ماء الجذر لماتت بعد يومين من عطشها، من صمم هذا التصميم؟ الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض.  

6 ـ النبات قوام غذائنا وحياتنا:

 شيء آخر، هذا النبات الذي خلقه الله لنا، منه نأكل الأقوات، القمح والشعير والذرة والعدس والحمص هذه المحاصيل، والخضراوات كلكم يعرفها، والأشجار المثمرة، إذاً: هي قوام غذائنا، وهو قوام غذاء الحيوان، إذاً نحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى النبات، أليس في هذا تيسيراً لنا، وإكراماً لنا؟ لو أنك زرعت هذا الحقل كله من أجل أن ينبت كلأً تأكل منه البهائم، وحصدته، وانتهى الأمر، لا، تحصده فينبت مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة وسادسة في موسمٍ واحد، أليس هناك حكمةٌ بالغة؟ أليست أفعال الله سبحانه وتعالى لها غاياتٌ كبيرة؟

 شيء آخر، هناك نباتٌ يكسو أجسادنا، القطن، والكتان، هناك نباتٌ يغذينا، هناك نباتٌ نتفَكَّهُ به الفواكه، هناك نباتٌ يحسِّن طعم الطعام التوابل، هناك نبات نكتفي به.  

7 ـ هل فكرتَ في الخشب ؟!

 هناك نباتٌ نستخدمه لأثاثنا وهو الخشب، والخشب أنواع منوَّعة، هل فكَّرت في هذا الخشب؟ هذا الخشب نوعه يقاوم الرياح والرطوبة والماء، يُصنع للنوافذ، خاص، أي خشبٍ آخر لا يصلح، من صمم هذا الخشب ليقاوم الماء والبرد والحر؟ كل النوافذ التي تُصنع من الخشب من هذا النوع الخاص، هذا الخشب يُستعمل للأثاث داخل البيوت، أعطاه الله قوةً وصلابةً، وقسوةً ومتانةً.

 هذا النبات يُستخدم مثلاً قواعد للمطارق، حدثني أخ خبير بالنسيج، قال لي: معمل نسيج جاء بعشر آلات حديثة جداً، الخيط ينقطع، فجاؤوا بخبير به فنزع القاعدة الإسمنتية، ووضع قاعدة من خشب التوت، خشب التوت أليافه مرنة ومتينة، فحينما يضرب المكوك بآخر الآلة لا ينقطع الخيط، من خلق هذا النوع من الخشب خصيصى لامتصاص الصدمات، خشب التوت يوضع تحت السنديان، فهذه الطرقات القوية يمتصها ويبقى محافظاً على مرونته.

 خشب للصدمات، خشب للأثاث، خشب للنوافذ، خشب له رائحة طيبة، خشب له منظر جميل جداً ألوانه فاتحة، خشب يُستعمل للصناعات الخفيفة، طري، استعماله سهل، حدثني أحد الأخوة الأكارم أن هناك ما يزيد عن مائة نوعٍ من الأخشاب الصناعية، يقول لك: هذا حور، وهذا جوز، وهذا خشب زان، وهذا خشب سنديان، هل فكرنا في هذه النعم؟ الأنواع المنوعة.

 شيء آخر، إذا أردت أن تتنظَّف هناك ثمرة ليفٍ من نبات، إذا أردت أن تنظف أسنانك هناك السواك، إذا أردت أن تخلّل ما بين أسنانك هناك نبات الخُلَّة، إذا أردت أواني تستعملها فهناك نبات يصبح أواني كالنحاس تماماً، إذا أردت سبحةً تسبح الله عزَّ وجل فهناك نبات له حبات كحبات المسبحة تماماً، إذا أردت أن تقيم بينك وبين جارك حدوداً مانعةً تمنع دخول الأشخاص الغُرباء هناك نباتات حدودية، إذا أردت الدواء، هناك نباتات للدواء، إذا أردت الروائح الطيبة هناك نباتات للروائح الطيبة، إذا أردت الأصبغة هناك نباتات للأصبغة، روائح وأصبغة وأدوية وقوت وفاكهة وشيء يمتع النظر، ويمتع الأنف، هناك أدوات للتنظيف، وأدوات للأثاث، وأدوات لبناء المنازل، هذا كله من النبات. 

لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ انظر إلى الورود هل في الأرض شيءٌ أجمل منها؟ ألوانها المتناسبة، روائحها الشذيَّة، طباعها الطيِّبة، هذا الورد يعيش كذا شهر، هذا كذا سنة، له بطون، له فسائل، له أغراس، القمح كيف أنه غذاءٌ رئيسيٌ لنا، وساقه غذاءٌ رئيسيٌ تماماً للحيوان، هذا التبن سعر الكيلو 8 ليرات الآن، فكما أن القمح غذاء أساسي جداً للإنسان، ساق القمح غذاء أساسي جداً للحيوان:  

﴿  مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ(33)﴾

[  سورة النازعات  ]

8 ـ وهل أتاك نبأُ القمح:

 هذه حكمة الله عزَّ وجل، الشيء الذي يلفت النظر، لو أخذنا قطر ساق القمح إلى طول الساق خمسمائة ضعف، هل بإمكان الإنسان أن يبني بناءً ارتفاعه خمسمائة ضعفٍ عن قاعدته؟ أعلى ناطحة سحاب في العالم، نسبة ارتفاعها إلى قاعدتها أحد عشر ضعفاً، أما خمسمائة ضعف فلا؟

 هل يمكن أن ننشئ بناء مربعاً ضلعه عشرة أمتار، وارتفاعه خمسة كيلو متر؟ مستحيل، هكذا القمح، مساحة قطر الساق إلى طوله خمسمائة ضعف تقريباً، هذا خلق الله سبحانه وتعالى. 

9 ـ ثم ماذا عن الفاكهة ؟!!

 شيء آخر الفواكه تنضج وفق برنامج زمني دقيق جداً، الفاكهة الفلانية أول ما تثمر، بعدها فاكهة أخرى، وبعدها غيرها، خلال الصيف، هذا البستاني يتفرَّغ كُلِّياً لجني محصول واحد، انتهى، ثم يتحول لجني المحصول الثاني، لو أن هذه الثمار كلها نضجت في وقت واحد ما العمل؟ شيءٌ صعبٌ جداً، الآن الفاكهة الواحدة تنضج تباعاً، تباعاً، تباعاً، فحقل البطيخ ينتج البطيخ خلال تسعين يوماً، خلال ثلاثة أشهر كل يوم ينضج قسم من هذا الحقل، وكيف ينضج؟ له علامة، إلى جانب ثمرة البطيخ تجد حلزوناً، إذا كان يابساً فالبطيخة ناضجة، إذا كان أخضر لم تنضج بعد، من صمم هذا التصميم، قال:  

﴿  وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16)﴾

[  سورة النحل  ]

 علامات، لكل فاكهةٍ علامة نُضجٍ لها خاصةٌ بها، شيء آخر، الفاكهة الواحدة أنواع متعددة، التفاح عشرات الأنواع، العنب ثلاثمائة نوع، القمح ثلاثة آلاف نوع تقريباً، كل قمح له شكل، وله قِوام، وله قساوة، وله مكوِّنات، وله طباع، وله طريقة في النمو، هذا من فضل الله عزَّ وجل: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾


انتبه أيها المخلوق الضعيف: مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا


 أي أنتم يستحيل عليكم أن تنبتوا هذه الشجرة، يستحيل عليكم.

 أيها الأخ الكريم، إذا جلست إلى المائدة، وأمسكت بالبرتقالة، وأكلتها، هل تذكر نعمة الله عليك؟ من جعل لها هذه القشرة، وهذه المادة الكحولية المطهرة، وهذه الحزوز، وهذا الغشاء الرقيق، وهذه الحبَّات الصغيرة الحبيبات الداخلية، الحبة فيها غشاء أيضاً، وكل حبة لها خيط موصولة إلى هذه البرتقالة، وهذا البرتقال للعصير، وهذا لونه أحمر، هذا سكري، هذا حامض، هذا أبو صرة، هذا رجعي، هذا باكوري، فكم نوع من البرتقال موجود؟ كلها من طباع النباتات، وأنواع الليمون، أنواع الحمضيات الأخرى، هذه الأشجار التي تراها، الشجرة وحدها أعظم آيات الله عزَّ وجل.


ومِن الشجر ما توقدون منه النار:


 أشجار غابات، للمنظر، أشجار عطرية، أشجار كالمظلات تزرع أمام البيوت، دائمة الخضرة، كشكل المظلة تماماً، أشجارٌ من أجل المطاط، ولا يزال المطاط الطبيعي أرقى أنواع المواد المرنة، أشجار للفلين، مواد عازلة، أشجار مواد مطاطية، والأغرب من هذا أن هذا البترول الذي نستخدمه كل يوم وفي كل مناحي حياتنا إنما هو من النبات، إن هناك عصوراً مطيرةً جداً سببت في إنبات أشجارٍ عملاقة، هذه الأشجار العملاقة انطمرت تحت التربة فكوَّنت هذه الحقول البترولية، والدليل قول الله عزَّ وجل: 

﴿  الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)﴾

[  سورة يس  ]

 قال: من الشجر الأخضر، فهذا الذي يجري في الكلوروفيل في الورقة، صناعة من أعقد أنواع الصناعات، هذه الورقة تصنع مواد الجذر، ومواد الساق، ومواد الأغصان، ومواد الثمار، فكل هذه الشجرة في حقيقتها بسبب هذه الورقة الخضراء التي هي معملٌ لها ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ شيءٌ آخر متعلقٌ بالنبات، الله سبحانه وتعالى قال: 

﴿  فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾

[  سورة عبس  ]


لا بدّ من التفكّر:


 إذا جلست إلى الطعام، ونظرت إلى هذا الذي تأكله، يجب أن تفكر فيه، التفكر في هذا الطعام فريضةٌ إسلامية، بل إن التفكر من أرقى أنواع العبادات، لا تكن هكذا، النبي عليه الصلاة والسلام دخل مرةً بيت الخلاء، فلما خرج قال:

((  الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه  ))

[  ابن السني عن ابن عمر بسند فيه ضعف  ]

 الطعام، لم يأخذ السيروم (وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه) هناك لذة، وقوة، وأذى، الأذى أذهبه الله عنك، والقوة متّعك الله بها، واللذة متعك الله بها. 

﴿  فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)﴾

[  سورة عبس  ]

 فكلما تعرفت إلى هذا الخالق العظيم أحببته، وكلما أحببته أطعته، وإذا أطعته سعدت بقربه.

 الآن نحن درسنا في التفكر، الشجرة حيثما نظرت، شجرة سرو دائمة الخضرة، هذا حور للأخشاب، هذا زان للأثاث، هذا خشب من النوع الفلاني للنوافذ، هذه شجرة توت، لها طباع، تعطيك ثمارها على مدار الصيف، لو كان في يوم واحد هذا التوت لا يُخَزَّن، أما الذي يخزن فينضج في يومٍ واحد، لو كان هذا الذي يخزن ينضج كالتوت تباعاً القضية مستحيلة، كالقمح مثلاً، هل تمسك سنبلةً سنبلة لتراها هل نضجت؟ شيء مستحيل، المحاصيل في وقت واحد، الفواكه والثمار بالتدرج، تدخل إلى حقل الطماطم تجد بالمائة عشرة حمراء اللون والباقي أخضر، تقطف هذه الكمية، بعد أسبوع بالمائة عشرة، وهكذا خلال ستة أشهر، لو أن هذه الحبَّات تنضج في يومٍ واحد، ماذا نفعل بها؟

أنا أتمنى عليكم أن يجول هذا الفكر كلما نظرت إلى شيء، قال لي بعض الأخوة الأكارم، هناك نبات إذا أصابه البرد تتطامن أوراقه حتى تغلق على الزهرة حفاظاً عليها من الصقيع، من علم هذا النبات؟ هناك نبات آخر يعيش على أكل الحيوانات، إذا مشى فوقه حيوان انكفأ عليه والتقمه، هناك نباتات عملاقة، فهذه أشجار الكافور ارتفاعها تسعون متراً، تسعون ضعفاً عن طول الإنسان، أشجار النخيل تعمِّر ستة آلاف عاماً، من عهد الفراعنة هناك نخيل عمرها ستة آلاف عاماً، أشجار الزيتون تعمر ألوف الأعوام، ألفي عام تقريباً، هناك أشجار زيتون من عهد سيدنا عمر هنا في الشام، هناك أشجار عمرها قصير.

 ادرس عمر النبات، حاجته للماء، هذا نبات بعلي، هذا نبات سقي، الزيتون يعطي الزيت، زيت من أرقى أنواع الدهون، هذا يعطي المشمش، هذا يعطي التفاح، فهذه النباتات مجالٌ واسعٌ للتفكر. 


إن النبات لا يحب إلاّ الرفعةَ والعزة:


  شيءٌ أخير في موضوع النبات، أنك إذا زرعت شجرةً على سفح جبلٍ مائل، إنها لا تنبت متعامدةً مع سطح الأرض المائلة، لا، إنها تنبت نحو السماء مستقيمةً، كيف تنبت النباتات بهذه الطريقة؟ شيء لا يصدق، في بعض الأوعية داخل الشجرة حبيباتٌ صغيرة لا تستقر إلا إذا كانت الشجرة على وضعٍ صحيح، أرضٌ مائلة، زرعت فيها شجرة تنبت مستقيمة، لا تنبت مائلة، هذا له تفصيلات كبيرة جداً، كيف أن هذا النبات يتِّجِهُ نحو الضوء؟ لو جئت بأصيص فيه نبات وجعلته أفقياً، النبات يخرج نحو الأعلى، نحو الضوء، والجذر يتجه نحو باطن التربة، من علَّمَهُ هذا؟ الله سبحانه وتعالى، فهناك تجارب دقيقة جداً.


الشجر يسهم في نزول الأمطار:


 شيء آخر، هذه الشجرة التي تزرعها هل تصدِّق أنها تعطي ما يزيد عن أكبر صهريج ماء في الصيف الواحد؟ هذا الماء الذي تعطيه الشجرة يسهم في نزول الأمطار، ويسهم في ترطيب الجو، لو ذهبت إلى الغوطة الشرقية، واستعملت ميزان الرطوبة، لوجدت الرطوبة سبعين أو ثمانين بالمائة، في دمشق ثلاثين، في الصحارى خمسة، إذاً: هذا الشجر يعطي الماء، يأخذ منك غاز الفحم ذلك الغاز السام، ويعطيك مكانه الأوكسجين، لذلك النوم تحت الأشجار في النهار مُنَشِّط، هذه الأشجار تعطي الأوكسجين دائماً، فهي تأخذ الذي لست بحاجةٍ إليه، ما هذا التوازن؟ الإنسان يأخذ الأوكسجين ويعطي غاز الفحم، تأتي الأشجار في النهار تأخذ غاز الفحم وتعطي الأوكسجين؟ تصميم من؟ إبداع من؟ صنع من؟ صنع الله الذي أتقن كل شيء.


هي آياتٌ للمتفكِّرين:


 فيا أيها الأخ الكريم، هذا الفكر الذي أودعه الله فيك، أمامك آيات مذهلة لا تمر عليها هكذا، وأنت مُعرِض، وأنت غافل، دقق، إذا عرفت أن هناك يداً عظيمة، يداً حكيمة خلقت فأبدعت، وصوَّرت فأحسنت، وأمدَّت فأكرمت، وسيَّرت فحققت، عندئذٍ تستقيم على أمر الله عزَّ وجل.

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)﴾

[  سورة فاطر ]

 فكر فيما تأكل، فليكن درسنا في هذا الأسبوع الشجرة، كلما وقعت عينك على شجرة، هذه لماذا خُلقت؟ هذه من أجل خشبها، هذه من أجل أوراقها، هذه من أجل ثمارها، هذه من أجل ظلِّها، هذه من أجل نتاجها الطبي، هذه من أجل فاكهتها، وهكذا، وانظر إلى طباع النبات، هذا يحتاج إلى ماء كثير، هذا يحتاج إلى حرارة، هذا إلى برودة، لكن القمح الذي يعد قوتاً أساسياً للإنسان ينبت في كل مكان، وفي كل جو، ينبت في الأغوار، وفي السهول، وفي سفوح الجبال، في المناطق المعتدلة والباردة والقطبية، لأنه غذاءٌ أساسي، أما الغذاء غير الأساسي فينبت في قارة معيَّنة، الشاي في مكان، الحمضيات في مكان، وهكذا، فإذا فكرت في هذا الذي تأكله، أو هذا الذي تقع عينك عليه وصلت إلى الله عزَّ وجل، النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى هلالاً قال: 

((  هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ  ))

[ من سنن أبي داود عن قتادة  ]

 هو خيرٌ ينفعنا ضوءه، ويرشدنا إلى ربنا سبحانه وتعالى.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور