- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (027)سورة النمل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من سورة النمل، انتهينا في الدرس الماضي من قصَّة سيدنا سليمان مع الملكة بلقيس، واليوم ننتقل إلى قصَّةٍ أخرى، إلى قصَّة قوم ثمود مع نبيِّهم وأخيهم سيدنا صالح، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿
قصةُ صالح مع قومه ثمود: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً
1 – الحكمةُ من إرسال الأنبياء:
إرسال الله الأنبياء إلى الأمم حق، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لحرصه على هداية الخلق لابدَّ من أن يرسل إليهم من يبيِّن لهم، وإذا انقطعت رسالات الله عزَّ وجل بعد سيدنا محمد صلى وسلَّم فإن الله تعهَّد لهذه الأمَّة أن يبعث إليها من يجدِّد لها دينها، فهذا دور العلماء الذين ينطقون بالحق نيابةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فالإرسال مستمر.
وربنا سبحانه وتعالى له أساليبه في تبليغ الناس الحق، أحياناً يضيِّق عليهم، وكلكم يرى أن الضيق الذي يقدِّره الله عزَّ وجل لأمَّةٍ ما إنما هو في سبيل إيقاظها، التقنين الذي يقدِّره الله لأمةٍ ما، إنما هو في سبيل تذكيرها، الإنسان حينما يقنِّن فإنه يقنِّن تقنين عجزٍ وتقنين ضعفٍ؛ لكن الله سبحانه وتعالى حينما يقنِّن فإنه يقنِّن تقنين تأديبٍ وتذكير، فالمصائب تذكَرِّ، والضيق يُذَكِّر، وأقوال الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه تذَّكر، وكتاب الله الذي بين أيدينا يذكِّر، وبعض الحوادث تذكِّر.
وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنـه واحدُ
يا أيها الإخوة الأكارم، لن تتْرَكَ سُدى، أنا أردت من كلمة:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)﴾
هكذا بلا تذكير؟ بلا شرع؟ بلا منهج؟ بلا كتاب؟ بلا حساب؟ بلا عقاب؟
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَى(36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ(3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ(4)﴾
﴿
فمن كلمة:
﴿
لن يدع الله قوماً ولا أمَّةً، ولا فرداً ولا مخلوقاً من دون أن يَدُلَّه عليه، وفي الدعاء الشريف:
2 – المؤمنُ داعيةٌ مبلِّغٌ:
إذاً: ماذا نستنبط من هذه القصَّة ما دام الله سبحانه وتعالى قد أرسل إلى ثمود أخاهم صالحاً؟ فأنت أيها المؤمن هكذا تستمع إلى كتاب الله صباح مساء، تحضر خُطَبَ الجمعة، تحضر مجالس العلم، قد يأتي مَن يذكِّرك، قد يأتي من يُلْفِتُ نظرك، قد يأتي من يحذِّرك، قد يأتي من يبشِّرك فيجب أن تستجيب، دقِّقوا في قوله تعالى:
﴿
الله سبحانه وتعالى يدعوكَ كي تكون حَيَّاً، قد تقول: مَن أنا، هل أنا ميت؟ ربنا سبحانه وتعالى يصف الكفَّار بأنَّهم ميِّتون، قال:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ
ما هو النذير ؟
حينما يهتمُّ الإنسان بدنياه فقط، ويُعْرِضُ عن آخرته، ولا يفكِّر فيها فهو في حكم الميِّت، إذاً: فالله سبحانه وتعالى حينما قال في كتابه الكريم:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ
العلماء فسَّروا النذير بأنه القرآن، وفسَّروه بأنه النبي عليه الصلاة والسلام، وفسَّروه بأنه سنُّ الأربعين، وفسَّروه بأنه الشيب.
وفسَّر العلماء النذير بالمصائب، إنذار، وفسَّر العلماء النذير بموت الأقارب، فربنا سبحانه وتعالى خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليعرِّفنا بذاته. اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتُّك فاتك كل شيء وأنا أحبّ إليكَ من كل شيء.
إذاً: لابدَّ من معرفة الله عزَّ وجل، وأصل الدين معرفة الله.
أتمنَّى عليكم أن تقفوا معي على هذه الفكرة، قد يقول أحدكم: أنا طبيب، أنا مهندس، أنا تاجر، والعلم جميل لطيف لكن ليس هذا اختصاصي، من قال لك ذلك؟ هذا العلم الديني يشبه التنفُّس، وجودك متوقِّفٌ عليه، سلامتك متوقِّفةٌ عليه، سعادتك متوقِّفةٌ عليه، كمال وجودك متوقِّفٌ عليه، استمرار وجودك متوقِّفٌ عليه، وجودك، وسلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك متوقِّفٌ على تطبيق منهج الله عزَّ وجل، فطلب العلم الشرعي فرض عين، لابدَّ من أن تعرف الله عزَّ وجل وإلا فلابدَّ من أن تقع في متاهاتٍ كبيرة.
كَسيارة منطلقة بسرعة، وسرعتها تعني هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان، إنها تدفعك نحو إروائها، نحو الطعام والشراب، نحو تحقيق الملذَّات، هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان كأنَّها قوَّةٌ محرِّكة، هذه السيارة التي تنطلق بسرعةٍ فائقة، إنَّ احتمال أن تتدهور من دون ضوءٍ كاشفٍ وهي تمشي في الليل، في ظلامٍ دامس، وفي طرقاتٍ ملتوية، احتمال تدهورها كم بالمئة؟ الجواب مئة بالمائة، فأن تكون للسيَّارة مصابيح كشَّافة، هذه المصابيح ليست للزينة، ولا يمكن الاستغناء عنها، لا، إنها من ضروريات السيارة، وهذا العلم الذي تتعلَّمه من ضروريات وجودك، من ضرورات سلامة وجودك، من ضرورات كمال وجودك، من ضرورات استمرار وجودك.
طرُقُ التذكيرِ متنوِّعة:
إذاً: الله سبحانه وتعالى لن يدع الناس سُدَىً؛ لا جماعاتٍ ولا أفراداً، لابدَّ من أن يذكِّرك، قد يذكِّرك بنصيحة، وقد يذكِّرُكَ بضيق، وقد يذكرك بمصيبة، وقد يذكرك بطريقةٍ أو بأخرى، أما الموفَّق والسعيد من يتذكَّر بالطريقة السليمة، هذا الكتاب كتاب الله، ولقد يسَّره الله.
﴿
فلابدَّ من أن تتذكَّر، وإلا... قال له:
(( قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، وفي حَديثِ أبِي أُسامَةَ غَيْرَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ. ))
ولو ذهبت تتأمَّل طريقة معاملة الله لعباده تجد أن الهدف الأكبر هو أن يعرفوه، وأن يستقيموا على أمره، وأن يتقرَّبوا إليه، فإن فعلوا كان بها، وإلّا كانت الإجراءات الأخرى، كانت الأساليب الأخرى، فلهذا يقول الله عزَّ وجل:
لماذا أرسل الله عزَّ وجل صالحاً إلى ثمود ؟ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
لماذا أرسل الله عزَّ وجل صالحاً إلى ثمود؟ قال:
1 – أنت أيها الإنسانُ عبدٌ مملوك لله:
أنت عبدٌ لله، أنت لا تملك شيئاً، أنت مملوك ولست مالِكاً.
﴿
ما دمت مملوكاً فيجب أن تعرف الذي يملكك ماذا يريد؟ إذا دخلت إلى دائرة، وقد عُيِّنْتَ فيها موظَّفاً، أول سؤالٍ تسأله: المدير ماذا يحب؟ ماذا يكره؟ كيف أستميله؟ كيف أسترضيه؟ كيف أتفادى أن أُغْضِبَهُ؟ هذا شيء مهم جداً، إذا كنت عبداً في قبضة الله عزَّ وجل، ولا تملك من الأمر شيئاً، فينبغي أن تعلم ماذا يرضي الله عزَّ وجل، لو كنت حرَّاً فافعل ما تشاء، أما إذا كنت عبداً ما هكذا تصنع العبيد، سؤال دقيق: من أنت، هل أنت حُرُّ أو عبدٌ؟ هل أنت مالكٌ أو مملوك؟ هل أنت قادرٌ أو مقدورٌ عليك؟ هذا ينبغي أن تعلمه علماً أكيداً، فلذلك:
2 – المنهج الإلهي يتوافق مع الفطرة وعقل الإنسان:
الله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان جعل له منهجاً، هذا المنهج الإلهي يتوافق ويتطابق تطابقاً تامَّاً مئة بالمئة مع العقل البشري، وما من توجيهٍ إلهي يقول العقل له: لا، أبداً، وما من شيءٍ يأتي به القرآن إلا والعقل يوافقه أتمَّ موافقة، هذه ناحية، وهذا المنهج الإلهي أيضاً يتطابق مع الفطرة.
قلت لكم مَرَّةً كلمة قرأتها في صحيفة لا أحد ينتبه إليها، قد تبدو تافهة، ولكنَّني استنبطت منها مغزىً عميقاً، سألوا امرأة تعمل في الفن، وهي في أوج نجاحها، في أوج تألُّقِهَا، سألوها: ما شعوركِ وأنتِ على خشبة المسرح؟ قالت: "شعور الخزي والعار، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور"، هذه المرأة لا تعرف ما الإسلام، ولا تعرف ما القرآن، ولا تعرف العربيَّة، عاشت في بيئةٍ ماديَّة، لكنّ فطرتها سليمة، ويبدو أنها صادقة مع نفسها حتى قالت هذا الكلام، هذا هو الإسلام، حينما تخالف المرأة أمر ربِّها تخرج عن فطرتها، فكأنَّ الدين هو الفطرة، أنت لا ترتاح إذا خالفتَ الفطرة التي فطرك الله عليها.
فهؤلاء الذين ينكرون وجود الله عزَّ وجل ماذا يفعلون؟ يذهبون إلى المنجِّمين أحياناً، لماذا؟ لأنه شعر أن هناك قِوى خفيَّة بيدها مصيره، يا ترى كيف يموت؟ متى يموت؟ هل يوفَّق أم لا يوفَّق؟ هل يأتيه مرض في وقتٍ مبكِّر؟ هل ينجو من هذا المرض؟ تجد شخصاً كبيراً له شهادات عُليا، وله أفق واسع، وله مؤلَّفات، ويحتل أعلى المناصب، يقف أمام بابَ المنجِّمة في بعض بلاد الغرب ليستطلع المستقبل، هو يؤكِّد فطرته، فالإنسان لا يرتاح إلا إذا اطمأنَّ إلى قوَّةٍ غيبيَّةٍ بيدها كل شيء، فالمسلم عرف أن هذه القوَّة الغيبيَّة هي الله عزَّ وجل، أما غير المسلم يظنُّ أن المنجِّم يعرف، وأن فلاناً يعرف، وأن علانًا يعرف، وأن الكاهن يعرف، وأن الساحر يعرف.
فإذا أردت أن تسعد في الدنيا والآخرة فلابدَّ من أن تتبع منهج الله عزَّ وجل، هذا المنهج يتطابق أتمَّ المطابقة مع العقل، لأن هذا كلامه، وهذا منهجه، والعقل الذي أودعه الله فيك من خلقه، والخالق واحد، منزِّل هذا الكتاب هو ذاته خالق هذا العقل، إذاً: لا يمكن أن يقول الله لك شيئاً، ويقول العقل بخلافه، مستحيل، لا يمكن أن يقول الله شيئاً، وتقول الفطرة شيئاً خِلاف هذا القول.
في أي مجتمع، في أي زمن، في أي عصر، في أي مِصر، في أي ظروف، في أي بيئة، أيكون العدوان على زوجة صديقك عملاً مقبولاً؟ لا، لأنّ الزنا محرّم، أيكون توليد المال من المال-أي الربا- شيئاً مقبولاً؟ لا، هذا الذي يُنَمِّي المال عن طريق المال من دون أن يقدِّم شيئاً للمجتمع، من دون أن يعمل، حينما ينمو المال لا عن طريق العمل ولكن عن طريق المال نفسه، هذا هو الربا بعينه، إذا ماذا يعمل الربا؟ هذا يجعل هذه الكتلة النقديَّة الكبيرة في أيدٍ قليلة، نهاية هذا الوضع أن أناساً قليلين يملكون كل شيء ويأكلون ما يشتهون، وأناسٌ كثيرون جداً لا يملكون شيئاً، هذا الخلل في المجتمع سببه الربا، ما دام هناك طريق لكسب المال من دون جهد، من دون بذل عمل، إذاً: هناك مخالفة للشرع، فنظام الله عزَّ وجل، لأنه من عند الخالق، من عند الصانع، من عند العليم الخبير، من عند الخلَّاق العليم، من عند خالق السماوات والأرض، من عند خالق الإنسان، من عند الذي صوَّر الإنسان، والذي خلق بُنْيَةَ الإنسان يعلم كل شيء.
فأنت مثلاً: إذا كنت تملك آلة غالية الثمن جداً، ومعها تعليمات، أتذهب إلى جارك الذي يعمل في عملٍ يدوي، ولم يقرأ شيئاً، والجهاز معقَّد جداً، وهو جهاز إلكتروني يحتاج إلى خبراء، إلى مهندسين، أصابه عطب، هل تذهب إلى هذا الإنسان الجاهل كي يعطيك التوجيهات في استعماله، أم تذهب إلى صاحب المعمل، أو إلى مهندس الشركة، أو إلى كُتيِّبه الدقيق؟ هكذا أنت، فالإنسان خَلْقٌ معقَّد جداً، فيه شهوات، فيه ميول، فيه نوازع، له فكر، وله نفس، وفيه جانب اجتماعي، وجانب نفسي، وجانب عقلاني، تواجهه ظروف صعبة، ويحيا ضمن بيئات معقَّدة، فكيف ينجو؟ كيف يسعد؟ كيف يرقى؟ كيف يحقِّق أهدافه في الدنيا والآخرة؟ لابدَّ من تطبيق منهج الله عزَّ وجل.
مهمة المخلوق عبادة الخالق:
إذا حضرت مجلس علمٍ يُفَسَّر فيه كلام الله أنت ماذا تفعل؟ أنت مخلوق جاء الله بكَ إلى الدنيا كي تحقِّق رسالة، وفي مجيئك للمسجد وسماعك تفسير كلام الله عزَّ وجل هو مرحلةٌ أولى في تطبيق هذه الرسالة، كيف تطبِّق هذا المنهج وأنت لا تعرف صاحب المنهج؟ كيف تطبِّق هذا المنهج وأنت لا تدري ما المنهج؟ المنهج كتاب الله.
الناس قسمان: فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
(( فَالنَّاسُ رَجُلانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ. ))
وإذا رأيت ما يصيب الناس مَن همٍ أو حزَنٍ، وما يصيبهم من قحطٍ، من انحباس الأمطار، هذا كلُّه علاجٌ من الله عزَّ وجل، وقد يُفَسَّر هذا بكلمتين: هان الله عليهم فهانوا على الله، فكيف هان الله عليهم؟ إنك ترى الناس لا يبالون أطاعوا ربَّهم أم عصوه، يقول لك: لا تدقِّق، أكان كسبهم حلالاً أمْ حراماً؟ أكان هذا الاختلاط يرضي الله أمْ لا يرضي الله؟ لا يفكِّر، يهمُّه تحقيق رغباته، ما دام الله قد هان عليه إذاً هو أيضاً هان على الله، فلابدَّ من أن يُعَالَجْ.
المؤمنون بعضهم لبعضٍ نصحةٌ متوادّون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعضٍ غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
المؤمن هو المؤمن والكافر هو الكافر، المؤمن في حركاته اليوميَّة، في كسبه للمال، في إنفاقه للمال، في علاقاته الاجتماعيَّة، في علاقاته بالله عزَّ وجل، المؤمن هو المؤمن في كل زمانٍ ومكان، والكافر هو الكافر، أقوال أهل الكفر واحدة، أقوال أهل الإيمان واحدة.
لذلك:
﴿
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ
بعض الناس أحياناً إذا أردت أن تخوِّفه، إذا أردت أن تحذِّره، أن تَلْفِتُ نظره يقول لك: ائتني بعذاب الله، وأنا مستعد، هذا كلام الحمقى، كلام المغرورين، كلام التائهين، كلام الشاردين، كلام الجهلة، ائتني بعذاب الله، وهو واللهِ الذي لا إله إلا هو لا يحتمل أَلَمَ سنّ، الذي يقول لك: ائتني بعذاب الله، ليفعل الله ما شاء معي، لا يحتمل آلام الأسنان فقط.
لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ
ما أمرَك الله بعبادته إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كلّه بيده:
الإنسان إذا لم يعرف الله عزَّ وجل تواجهه ملايين المُقْلِقَات، يا ترى هل يصاب بمرضٍ خبيث؟ لا يَعرف، الأمراض بابٌ كبير من أبواب القلق، الأشخاص الآخرون الأقوياء أحد مصادر القلق عنده؛ أهله وأولاده، عمله، كسب رزقه، فهناك مليون باب للقلق، إذا الواحد ما عرف الله عزَّ وجل حياته مشحونة بالمُقلقات، بالمخاوف، بالأحزان، تجده دائماً متوتِّراً، يائساً، مقهوراً، يشعر بالضياع، أما إذا عرفت الله عزَّ وجل تقول ببساطة: هذا الإله العظيم الذي أمرني أن أعبده لا يمكن أن يكون مصيري إلا بيده، لو كان مصيري بيدِ غيره كيف يأمرني أن أعبده؟ فأنت لو أن مصيرك بيدِ إنسان، لو أن إنساناً ما بإمكانه فعلاً أن ينفعك أو أن يؤذيك، لك على الله حجَّة، تقول: يا رب، أنا سأعبده لأنجو من شرِّه، لكن ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
هذا الذي أمرك أن تعبده لا يمكن إلا أن يكون الأمر كلُّه بيده
﴿ مِن دُونِهِ ۖ
كيف تعبده، وأمْركَ بيد غيره؟ لن تعبده، لن تستطيع أن تعبده، لذلك فإنَّ كل إنسان يشرك بالله تجده يعبد هذا الذي أشركه مع الله، ويتقصَّى مرضاته، ويخاف من غضبه لأنه يعتقد أن بيده نفعه وضرُّه، وهذا هو الشرك.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ
آيات التوحيد في كتاب الله لا تعدُّ ولا تحصى، كثيرةٌ جداً، فإذا قرأت كتاب الله عزَّ وجل:
﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)﴾
(( اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ. ))
﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ أَنِ
إذا وحَّدت فأنت تعبد الله؛ أما إذا أشركت فأنت لا تعبد الله، تعبد هذا الذي أشركته مع الله، فالزوجة مثلاً: لو أنها اعتقدت أن زوجها إما أن يسعدها، وإما أن يشقيها، فأمرها بمعصية، فأطاعته فهي مشركة، يجب أن تخرجي هكذا، يجب أن تستقبلي أصدقائي، فإذا رأت أن زوجها بيده أن يطلِّقها أو أن يبقيها، ونسيتْ ربَّها، فأطاعته فهي مشركة، لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، أما الزوجة المؤمنة فتقول له: لا أفعل هذا، فإذا بقلب زوجها يلين، فإذا بزوجها يهتدي على يديها، وهذا ممكن، والعكس صحيح أيضاً، وعلاقتك مع أخيك، مع أقربائك، مع جيرانك، مع من هو فوقك، مع من هو دونك، وهكذا.
العبرة بالقلب الطاهرة لا بالصورة:
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. ))
هل في هذا القلب غِش؟ هل في هذا القلب حقد؟ هل في هذا القلب حَسَد؟ هل في هذا القلب ضغينة؟ هل في هذا القلب عُجْب؟ هل في هذا القلب إعراضٌ عن الله عزّ وجل؟ إذا كان القلب سليماً نَعِمَت الحياة.
﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾
﴿
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ
1 – معنى: اطَّيَّرْنَا:
معنى اطَّيَّرْنَا، أي تشاءمنا.
2 – انتشارُ التطيُّر والتشاؤمِ في الناس:
الآن دخلنا في موضوع دقيق، هناك أناسٌ يتشاءمون من بعض أيَّام الأسبوع، هناك أناسٌ يتشاءمون من بعض الأرقام، هناك أناسٌ يتشاءمون من بعض الأشخاص، يقول لك: قَدَمَهُ نَحْس، هناك أناسٌ يحبُّون أن يستطلعوا أقوال الكُهَّان، أقوال بعض المنجِّمين، هناك أشخاصٌ على أقلِّ تقدير يقرؤون حظَّك هذا الأسبوع في بعض المجلات، هذا وُلِدَ في الشهر الفلاني، فهذا برجه برج العقرب، شروط برج العقرب، هذا كلُّه باطلٌ لا أساس له من الصحَّة، هذا كلُّه هُراءٌ بهراء، هذا كله مخالفٌ للدين.
(( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
3 – التطيُّر رجمٌ بالغيب:
سؤال الكاهن كفرٌ بَواح، كفرت، إذا سألت كاهناً، مَن هو الكاهن؟ هو مخلوق، هل يعلم الغيب؟ ماذا قال الله لك؟ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿
﴿
4 – إتيانُ السحرة والكهان من الكفر البواح:
إذاً: فالنبي عليه الصلاة والسلام على عُلوِّ قدره وعظيم شأنه لا يعلم الغيب، فكيف تسأل كاهناً؟ كيف تُصَدِّق منجِّماً؟ حتَّى إنه من أتى ساحراً ولم يصدِّقه، فقط للتسلية، لم تُقْبَل له صلاة أربعين صباحاً، ولا دعاء أربعين ليلة،
(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. ))
هذا من أتى ساحراً فلم يصدِّقه، أما إذا صدَّقه فقد كفر، فقد وقع في الكفر البواح، فهذا الدجل، وهذا الخليط من الخُزعبلات والجهل، والخرافات على الناس، يقولون مثلاً: فُكّوا له السحر، صُبّوا له ماء مع ملح، وضَعوا له في طريقه ديكاً عندئذٍ ينتزع نهاره، هذا كلُّه كلام الجُهَّال.
قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ
أيْ أن الخير بيدِ الله والشر بيد الله، فإذا أصابكم شيءٌ فهذا بتقدير الله، وبعدله، وبحكمته، ليس هذا من عندي، الخير والشر بيد الله عزَّ وجل، ومن أركان الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشرِّه من الله تعالى، فإذا أصاب إنسانًا مرضٌ عُضال قالوا: لأنه تزوَّج فلانة، لا، ليس لها علاقة، هذا شيءٌ لا علاقة له إطلاقاً، هذا كلامٌ فارغ، الخير بيد الله، والشر بيد الله، وأيُّ شيءٍ يصيبك إنما هو بتقدير الله عزَّ وجل، لا تتهم أحداً، ولا تتطيّر من أحد، ولا تتشاءم بأحد، لا بيوم، ولا تاريخ، ولا رقم، ولا شخص، ولا بيت، ولا مكان، ولا زمان أبداً.
بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
1 – الأصل في الحياة الابتلاءُ والامتحانُ:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2)﴾
مستحيل، أنت هنا من أجل الابتلاء..
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)﴾
سرُّ وجودك على هذه الأرض أنك تُمْتَحَن.
﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15)﴾
لا هذا ليس بإكرام، ليس هذا إكراماً إنما هو ابتلاء:
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16)﴾
كلا، ليس هذا كلاماً صحيحاً، هذه المقولة ليست صحيحةً، إن عطائي في الدنيا ليس إكراماً، إنما هو ابتلاء، وإن حرماني ليس إهانةً إنما هو دواء.
2 – الأمر كلُّه بيد الله فلا تتّهم أحدًا !!!
﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(48)﴾
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ
1 – معنى الرهط:
الرهط تعني العصابة، والعصابة ما دون العشرة.
2 – معنى العِصابة:
لكن لابدَّ من بيان كلمة عصابة في اللغة: ففي وقتٍ سابقٍ لم يكن لهذه الكلمة من معنىً يؤذي، الكلمة كالكائن الحي، تولد وتنمو، وتتجه باتجاهاتٍ عديدة، فهذه حقيقة في اللغة، فمثلاً كلمة جرثوم كلمة شريفة جداً، وهي تعني أصل الشيء، فأحد الشعراء الكبار مدح المعتصم فقال:
خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ
أيستطيع شاعرٌ الآن أن يمدح ملكاً فيقول له: أنت جرثومة الدين؟ فكلمة جرثومة في أصل اللغة تعني أصل الشيء، لكن تطوَّرت فأصبح لها معنىً آخر، فلما سميَّنا هذه الكائنات الدقيقة التي هي أصل الأمراض جراثيم، فإذا قلنا لإنسان الآن: أنت جرثومة هذا المجلس، فهذا سبابٌ أصبح.
إذاً: كلمة جرثومة تطوَّرت، كذلك كلمة عصابة تطورت أيضاً، وهي تعني في الأصل مُطْلَقُ الجماعة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ))
لكن حينما استعملت هذه الكلمة لأناسٍ خرجوا على القانون، فتقول: هؤلاء عصابة، صارت كلمة عصابة لها معنىً آخر.
فلذلك:
يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ
1 – ما هو الإفساد ؟
الإفساد هو تفتيت المجتمع، التفريق، بين أن يكون المجتمع متماسكاً متآخياً، محبَّاً لبعضه، وبين أن يكون المجتمع متدابراً متحاسداً.
2 – النبيُّ بيَّن عواملَ الفساد لاجتنابها:
لذلك النبي الكريم بيَّن عوامل الفساد فقال عليه الصلاة والسلام أشياء كثيرة منها:
(( لا تَحَسَّسُوا، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ))
(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ))
(( الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ))
إذا طبَّقنا هذا يكون المجتمع متماسكاً، فإذا لم نطبِّق تفتَّت المجتمع.
هؤلاء الرهط كانوا يفسدون في الأرض، ولا يصلحون.
معنى: تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ
﴿
أقسموا بالله
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
1 – دأبُ الكافرين التآمرُ على الأنبياء:
إنهم تآمروا على قتل هذا النبي الكريم، معنى تقاسموا أي أقسم بعضهم على بعضٍ بالأيمان المُغَلَّظة، أيمكنك أن تقسم بالله لكي تقوم بجريمة؟ أيسمح لك الله بذلك؟ أحياناً الناس يستخدمون هذا، يقسم بشرفه لأفعلَنَّ كذا بفلان، يقسم بالله لأفعلنَّ به كذا وكذا، وهذا العمل خلاف الشرع، كيف تُشهد الله على معصية؟ هؤلاء:
2 – لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ
لنبيِّتنَّه بمعنى أن نتآمر عليه في الليل، ننفِّذ هذا العمل ونقتله مع أهله..
3 – لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(50)﴾
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
1 – ما هو المكر ؟
ما هو المكر؟ المكر هو التدبير.
2 – من يمكر ؟
من يمكرُ في العادة؟ الجانب الضعيف، لو أنه قوي لا يمكر.
3 – ما الشيء الذي يُبْطِلُ المكر ؟
ما الشيء الذي يُبْطِلُ المكر؟ هو شيءٌ واحد؛ أن يُكْشَف، فإذا كان الإنسان ضعيفًا، وخطَّط خطَّة، فإذا كُشِفَتْ انتهى، فالله سبحانه وتعالى مطَّلعٌ على كل شيء، وناظرٌ إلى كل شيء، يعلم السرَّ وأخفى، يعلم خائنة الأعين، يعلم ما تُفَكِّر به، يعلم ما تطمحُ إليه، يعلم ما تتمنَّاه، يعلم ما يخفى عنك، يعلم السرَّ وأخفى، فإذا كانت جهة من الجهات مكرت، فهذا المكر عند الله مكشوف، إذاً: أيُّ مكرٍ على وجه الأرض مخفق، لأن الله سبحانه وتعالى يكشفه، ويعاقب الماكر بمكرٍ يقابله، فإذا قال الله عزَّ وجل:
4 – معنى: مكر الله:
• من معاني مكر الله عزَّ وجل أن مكره عقابٌ للماكرين.
• من معاني مكر الله عزَّ وجل أن مكره دفاعٌ عن المؤمنين.
• من معاني مكر الله عزَّ وجل أنه لصالح الفريقين،
مكر الله عقابٌ للماكرين، ومكر الله دفاعٌ عن المؤمنين، ومكر الله لصالح الفريقين، لأن الله سبحانه وتعالى له أسماؤه الحسنى وصفاته الفُضلى..
﴿
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15) وَأَكِيدُ كَيْدًا(16) فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا(17)﴾
فإذا مكر الله عزَّ وجل فليعاقب الماكرين، وإذا مكر الله عزَّ وجل فليدافع عن المؤمنين، وإذا مكر الله عزَّ وجل فمكره خيرٌ للفريقين، أو نسمي تدبير الله الحكيم مكراً من باب المشاكلة،
﴿
﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ
هل يسمَّى إنزال العقاب بالمعتدي اعتداءً؟ هذا من باب المشاكلة، هذا من باب البيان والبلاغة، إما أن تسمي تدبير الله الحكيم مكراً من باب المشاكلة، وإما أن يكون مكرُ الله إحباطاً لمكر الكافرين، وإنقاذاً للمؤمنين، أو نافعاً للطرفين.
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ
معنى خير الماكرين أن مكره لا يفشل أبداً، وأن مكره هو الأظهر، وهو الأقوى، أنت وضعت خطَّة وربنا وضع خطَّة، طبعاً الله خالق كل شيء، كن فيكون، بيده كل شيء، فمكر الله عزَّ وجل هو الأظهر، وهو الأقوى، وهو الذي سينتصر، ومكره دفاعٌ عن المؤمنين، وعقابٌ للماكرين، وخيرٌ للفريقين، أو من باب المشاكلة.
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51)﴾
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
عاقبة مكرهم، أي نتيجة تدبيرهم أن الله دمرهم، لذلك بعض الأدعية تقول: "اللهمَّ اجعل تدميرَهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم.
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)﴾
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
البيوت فارغة، مات أصحابها، أصبحت تَصْفِرُ الرياح منها صَفِيراً.
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(53)﴾
إياكم أن تعتقدوا أن البلاء عام، والرحمة خاصَّة، البلاء خاص، والرحمة خاصَّة، فلا خطأ عند الله عزَّ وجل، ولا شيء طائش، ولا شظيَّة طائشة، ولا خطأ غير مقصود، هذا لا يمكن عند الله، يستحيل على الله عزَّ وجل، لأنه إلهٌ مطلق، وبيده كل شيء، فكل شيءٍ وقع أراده الله، وإرادة الله عزَّ وجل خيرٌ مطلق وحكمةٌ بالغة.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.