- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (027)سورة النمل
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
قصة موسى عليه السلام:
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني من سورة النَمل، قلت لكم في الدرس الماضي: إن في هذه السورة تبشيراً وإنذاراً، ووعداً ووعيداً، وحديثاً عن توحيد الألوهية، وحديثاً عن اليوم الآخر، وفي هذه السورة أيضاً خمس قصص، قصةٌ لسيدنا موسى، وأخرى لسيدنا داوود، وسَيدنا سليمان، ولسيدنا لوط، ولسيدنا صالح، وها نحن أولاءِ نبدأ القصة الأولى، ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ
1 – أدبُ القرآن في الكناية عن النساء:
الأهل في القرآن الكريم تَعْني الزوجة، وهذا من أدب القرآن الكريم، فالمؤمن إذا أراد أن يتحدث عن زوجته، الأَوْلى أن يتأدب بأدب القرآن الكريم فيقول: أهله.
2 – قصة خروج موسى إلى مدين:
3 – رجوعُ موسى إلى مصر وضلاله الطريق:
وبينما هو في طريق العودة، فإنَّ سياقَ الآيات يؤكِّدُ أنه ضَلَّ الطريق، وسياق الآيات يؤكدُ أنه أصابه وأهله بردٌ شديد، إذاً: هناك شيئان في هذه القصة، سيدنا موسى مع أهله، أي مع زوجته، في الطريق من بلاد مدين إلى مصر، وقد ضَلّا الطريق وأصابهما بردٌ شديد، فالله سبحانه وتعالى يحدِّثنا ماذا جرى في رحلة العودة:
رحمةُ الله بموسى: إِنِّي آنَسْتُ نَاراً
1 – النكتة من تنكير كلمة ( نارًا ):
يبدو أن تنكير كلمة
2 – معنى: آنَسْتُ
ومعنى آنست: أي أحسست، ولا يقال: آنست إلا للشيء الذي تَميلُ النفس إليه، تقول: أنا آنست منه رُشداً، آنست منه عفةً، آنست منه أمانةً، أي شعرت بأمانته، شعرت بعفته، شعرت برشده.
فهذا النبي الكريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم وهو مع أهله، وقد استنبط بعض الفقهاء أنه لا يحقُّ للرجل أن يسافر بأهله إلا إذا أدى المهر بالتمام والكمال ، فمتى استطاع موسى أن يغادر بلاد مدين إلى بلاد مصر؟ بعد أن رعى لسيدنا شعيب غنمه العدد المطلوب، أو المدة المُتَّفَق عليها، والتي عُدَّت مهراً، وقد يسأل سائل: كيف أخذ سيدنا شعيب مهر ابنته؟ أجاب النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا السؤال فقال لأحد أصحابه:
(( أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ ))
على كلٍ؛ رحل سيدنا موسى مع زوجته بنت سيدنا شعيب، وعبَّر عنها في هذه القصة بأهله، وهذا تعليمٌ لنا، هناك رجال طيبون، ولكن لم ينتبهوا لهذه الناحية، في أحاديثهم الطويلة عن زوجاتهم، ففي الجلسة الواحدة عشرات بل مئات المرات تجده يقول: قلت لفلانة، وقالت لي فلانة، يعني زوجته، فلانة قالت لي، وفلانة قلت لها، فهذا ليس من أدب المؤمن، لأن الاسم أحياناً يوحي بشيء، قد تكون هذه المرأة ليست فاتنة، لكن اسمها دلالته فاتنة، فالاسم أحياناً يعطي ظلالاً قد تثير خيال السامع، الأكمل أن تُعْرِضَ عن ذكر النساء بأسمائهن، هذا من قَبيل تأدُّب الإنسان بأدب القرآن الكريم، الأَوْلى أن تقول: بنتي أو زوجتي، أو أهلي، أو أهل بيتي، هذا كله من قبيل التأدُّب.
3 – سَآتِيكُمْ مِنْهَا
﴿
فالسُكنى إلى الزوجة أُنْسٌ بها، فإنك تستأنس بزوجتك كما لو جلست في جماعةٍ تستأنس بهم، هذا ما يشير إليه قوله تعالى:
سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
وهو في الطريق ومعه أهله رأى ناراً، رأى وحده النار، ولم يقل: رأيت، بل قال: آنست ناراً، وفي التعبير بـ
1 – معنى: تصطلُونَ
اصطلى بالنار أي تَدَفَّأ بها، وأحد الحكماء قال: الناس كالنار، تَدَفَّأ بهم، ولا تقترب منهم، إنك إن اقتربت منهم أحرقوقك، وإن تدفأت بهم نفعوك، أي اقترب منهم اقتراباً معتدلاً.
2 – معنى: شِهَابٍ
﴿ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ
النور الذي يمتد كالخيط يسمَّى في اللغة شهاباً، لكن الشهاب من معانيها الأخرى الشُعْلَة، والقبس أن تأخذ من هذه النار المضطرمة جزءاً توقد بها نارك، لذلك: الشعلة هي الشهاب، والقَبَس ما تأخذه من النار، أي جذوة مشتعلة، هذه اسمها قبس، ولذلك نقول: قَبَسٌ من نور الله، كأن القرآن الكريم نور، وأنت قرأت سورةً أي قرأت قَبَساً من نور الله.
﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(8)﴾
قصة المناجاة:
1 – فَلَمَّا جَاءهَا
﴿
2 – نُودِيَ
فموضوع الوحي –وهذا من الوحي- فالوحي تكليمٌ المباشر، والوحي تكليمٌ من وراء حجاب، وفي أدق تعاريف الوحي إلقاء علمٍ بطريقةٍ خَفِيَّة.
الوحيُ إلى النبي عليه الصلاة والسلام:
الحقيقة أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام جاءه الوحي وهو في غار حراء، وموضوع الوحي كما قلت قبل يومين، أو البارحة خطيرٌ جداً، لأن الدين كله، والقرآن كله، والأحكام الشرعية كلَّها، وهذا النظام الأمثل كله أساسه الوحي، فمن استطاع أن يلقي في نفسك شُبُهَةً في موضوع الوحي فقد هدم الدين من أساسه، لذلك فالنبي عليه لصلاة والسلام حينما روى كيف جاءه الوحي:
(( فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ:
قد يسأل الإنسان: لماذا كان هذا؟ لماذا ضَمَّه سيدنا جبريل مراتٍ عديدة؟ قال العلماء: لأن هناك في المستقبل ربما يدَّعي مُدَّعٍ أنه كان نائماً فرأى هذا في منامه، وأن هذا ليس وحياً، إنما هي رؤيا، ولكن جاء سيدنا جبريل، وفعل بالنبي ما فعل ليكون هذا شيئاً واضحاً مؤكداً أن هذا الوحي جاءه، وهو في أتَمِّ حالات اليقظة والوعي والعلم.
شيءٌ آخر، لماذا أصابه الخوف؟ النبي عليه الصلاة والسلام بَلَغَ الدرجة المُثْلى في الكمالات البشرية، والله سبحانه وتعالى كان من الممكن أن يلقى على قلبه السكينة، ولكن أصابه الخوف ليكون الوحي شيئاً منفصلاً عن كيان النبي عليه الصلاة والسلام، منفصلاً عن كيانه وعن إرادته، ليس بإمكانه جذبه ولا بإمكانه ردَّه، هذه النقطة الثانية، والثالثة ليس بإمكانه رده فأصابه الخوف، وليس بإمكانه جَذْبُهُ، هذا يعبِّر عنه انقطاع الوحي، فيجب أن تعلم أن الوحي شيءٌ منفصلٌ تمام الانفصال عن كيان النبي عليه الصلاة والسلام، أي إعلام السماء إلى الأرض، إلقاء المنهج من عند الله إلى سيد الخلق.
وقصة سيدنا موسى وردت في القرآن كما كنت قد قلت لكم من قبل سبعَ عشرة مرة، بل هذه القصة وردت أكثر من ثلاثٍ وعشرين مرة، وهي قصة طويلة، وفي كل مرة تُسلَّط الأضواء على بعض فقراتها، أو على مرحلةٍ أساسيةٍ من مراحلها، نحن الآن في وصفٍ دقيقٍ لتكليم الله لسيدنا موسى:
﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ
في سورةٍ أخرى يبدو أن التكليم كان من عند الشجرة المباركة، وقيل: إن حول هذه الشجرة بدا من بعيد نورٌ ساطع، ظنّه سيدنا موسى ناراً، إنه نور، ووسط نور هذه الشجرة التي كان التكليم من ورائها، طبعاً في سورة أخرى قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى(11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي(14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16)﴾
وهنا في سورة النمل:
تفسير العلماء للآية:
والعلماء في تفسير هذه الآية ذهبوا مذاهب شَتَّى، ما الذي في النار؟ نور الله عزَّ وجل، أو تلك الشجرة المُقَدَّسة، أو هذا التكليمُ المقدس، والله سبحانه وتعالى أشار إلى أن سيدنا موسى حول الشجرة، أو حول هذه النار، إذاً لماذا اصطفاه؟ قدسه واختاره واصطفاه، الله سبحانه وتعالى، ما كان لله أن يتخذ نبياً إلا من صفوة خلقه.
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33)﴾
فالأنبياء مُصْطَفَون، أيّ أن الله سبحانه وتعالى اصطفاهم من بين سائر البشر، وخصَّهم بالنبوة، ومقام النبوة مقامٌ عظيم، إن النبي لا يَغْفَلُ لحظةً عن الله عزَّ وجل، المؤمن ساعة وساعة، والقصة الشهيرة التي تعرفونها حينما كان سيدنا الصديق يمشي في طريق من طرق المدينة، فرأى سيدنا حنظلة يبكي، فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسيدِيِّ قَالَ:
(( لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً، وَسَاعَةً، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ))
من هذا الحديث يُفهم مقام النبوة، وأن الإنسان الذي لا يغفل عن الله عزَّ وجل ولا لحظة، ولا ثانية هو النبي، طبعاً الله سبحانه وتعالى يصطفيه من بين خلقه، ويخصُّه بميزاتٍ يتميز بها عمن سواه، فهذا النبي الكريم في هذه البقعة المباركة عند هذه الشجرة التي حولها النور الساطع
أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا
ألا نقول نحن: تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، تبارك الله رب العالمين؟ ومعنى تبارك: أي كثر خيرك يا رب، البركة: الخير الكثير، تباركت يا رب أي: كثر خيرك.
1 – استئناس موسى بالمناجاة:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17)﴾
إنها فرصةٌ لا تقدَّر بثمن؛ أن يخاطب الإنسان رب العالمين، فقال:
﴿
وأراد أن يطيل الحديث، إذْ يبدو أنه انغمس في سعادةٍ لا توصف فأجاب وأسهب
2 – من لم يق طعم القرب لم يذق شيئا:
فالذي أريد أن أقوله: الإنسان إذا ذاق الطيِّبات كلها، إذا ذاق كل شيء، ولم يذق طعم القرب ما ذاق شيئاً، إذا مَلَكَ كل شيء، ولم تملكه المحبة لله عزَّ وجل ما ملك شيئاً، إذا عرف كل شيء، ولم يعرف الله عزَّ وجل ما عرف شيئاً، إذا وجد كل شيء ولم يجد ربه لم يجد شيئاً، إذا كان معه كل شيء ولم يكن الله معه لم يكن معه شيء، "ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء".
طبعاً هذا النبي الكريم ـ سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ـ اختصه الله بالتكليم، ليس معنى هذا أن المؤمن مَحْروم، فالله سبحانه وتعالى قد يتجلَّى على قلبك، قد تشعر بالسعادة، قد تشعر بالأمن، قد تشعر بالسرور، قد تشعر بالطمأنينة، قد تشعر بأن الله يحبك، وهذا الشعور لا يقدَّر بثمن، لو ذُقْتَ الطيبات كلها وشعرت أن الله يحبك وأنك بعينه.
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ
وأنك محبوبٌ عنده، وأن الله ألقى عليك محبةً منه، نسيت كل شيء، لذلك أكبر عقابٍ يُعاقَب به الكُفَّارُ يوم القيامة أن يُحجَبوا عن رؤية الله عزَّ وجل.
﴿ كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(15)﴾
وأطيب سعادةٍ يذوقها المؤمن يوم القيامة أن يرى وجه ربه:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾
وقد ورد في الأثر:
وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الحكمةُ من ذكر التسبيح في هذا الموضع:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1) اللَّهُ الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)﴾
﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ
فوق كل شيء، وليس فوقه شيء، في كل شيء لا كشيءٍ في شيء، فالحديث عن ذاته العَلِيَّة، وعن أسمائه الحسنى، وعن صفاته الفُضلى، وعن أفعاله حديثٌ يُغَذِّي النفس، لذلك:
(( إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ ))
فإذا وقفت عند أسمائه اسْماً اسماً، وعرفت هذه الأسماء فربما كان هذا الطريق إلى الجنة.
إذاً:
قصص إسرائيليات في مناجاة موسى عليه السلام:
وهناك قصص كثيرة تُروى عن هذه المناجاة، فالله سبحانه وتعالى كما قلنا في القرآن الكريم: كَلَّمَ موسى تكليماً، مرةً انقطعت المطر وقحطت الأرض، وأجدبت السماء، فناجى موسى ربه، قال:
على كلٍ نتابع القصة.
﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)﴾
أحياناً ربنا سبحانه وتعالى يتحَدَّث عن ذاته بضمير المُفْرَد، وأحياناً يتحدث عن ذاته بضمير الجَمْع، قال بعض العلماء: "إذا كان الحديث عن الله عزَّ وجل بضمير الجَمْعِ فهذا إشارةٌ إلى أسمائه الحسنى كلها"، لأن كل فعلٍ من أفعال الله عزَّ وجل أسماؤه الحسنى كلها داخلةٌ فيه، فأي حدثٍ يقع فيه رحمةٌ، وفيه لطفٌ، وفيه عدلٌ، وفيه رأفةٌ، وفيه علمٌ، وفيه خبرةٌ، وفيه قوةٌ، وفيه قدرةٌ، وفيه غنى، ولذ فإذا كان الحديث عن أفعاله فالحديث بضمير الجمع.
﴿
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلا(23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا(24)﴾
أما إذا كان الحديث عن ذات الله يأتي ضمير المفرد.
﴿
هنا الحديث عن ذات الله:
﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(9)﴾
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
1 – معنى: العزيز:
العزيز: تحدثنا عن هذا الاسم بشكلٍ تفصيليٍ في درسٍ سابق، وكيف أن العزيز هو الذي يندُر وجوده، وتشتد الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، وكمال هذه الصفات الثلاث، أي: يندر وجوده حتى لا يبقى غيره، وتشتد الحاجة إليه حتى تصبح المنافع كلها بيده، ويصعب الوصول إليه لا يستطيع أحدٌ أن ينال منه، ذلكم الله رب العالمين، ليس إلا الله، وكل الخير بيد الله، وليس لمخلوقٍ كائناً من كان أن ينال من جناب الله، هذا هو العزيز، هذا بعض ما في هذا الاسم من معانٍ.
2 – معنى: الحكيم:
أما الحكيم: فيعد هذا الاسم دليلاً كبيراً جداً على قدرته، فإذا دخلت إلى بيت، ورأيت مفتاح الكهرباء على ارتفاع متر وعشرين سنتيمترًا، ومن الممكن أن يكون هذا المفتاح على ارتفاع ثلاثة أمتار، قُبَيْل السقف، ويمكن أن يكون على ارتفاع عشرة سنتيمترات، أو على ارتفاع مترين، أو مترين ونصف، كله ممكن، هذا الذي يعمل في الكهرباء، يفتح الحُفرة في هذا المكان، أو في ذاك المكان، أو في ذاك المكان، ما دامت جاءت في المكان المناسب لسُكَّان هذا البيت إذاً هذا ترجيح، شيءٌ راجح، وشيءٌ مرجوح، هذا المكان راجح، وذاك المكان قُبَيْل السقف مرجوح، لم يكن مقبولاً، لا ترجيح بلا مُرجِّح، هذا هو اسم الحكيم.
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ(5)﴾
حجم الشمس بحكمةٍ بالغة، بُعد الشمس عن الأرض بحكمةٍ بالغة، حجم الأرض بحكمةٍ بالغة، لو أن الأرض أصغر من حجمها الحالي لتطاير الإنسان من على سطحها، كما هو الأمر في القمر، فالإنسان الذي وزنه ستون كيلوًا على سطح الأرض يكون وزنه على سطح القمر عشرة كيلوات، لا يثبت، إذاً: حجم الأرض حجمٌ مدروس فيه حكمةٌ بالغة، وكذلك دورة الأرض حول نفسها فيها حكمةٌ بالغة، دورتها حول الشمس فيها حكمةٌ بالغة.
أن يكون النهار من ثماني ساعاتٍ إلى اثنتي عشرة ساعة حكمةٌ بالغة، أن يكون الليل مع النهار متناوبين حكمةٌ بالغة، الحكمة أحد الأدلة القطعية على وجود الله عزَّ وجل، فالله سبحانه وتعالى حكيم، أي أنه يضع كل شيءٍ في مكانه الصحيح، وفي القدر المناسب، وفي الوقت المناسب، وفي الحجم المناسب، وفي الشكل المناسب، وفي الطريق المناسبة، وفي الهيئة المناسبة.
سؤال: لو أن أحدكم سُئل ماذا تعرف عن اسم العزيز؟ ينبغي أن تحدثنا حديثاً طويلاً طويلاً، هذا معنى أنك تعرف الله عزَّ وجل، ماذا تعرف عن اسم الغَنْيّ؟ ماذا تعرف عن اسم القدير؟ ماذا تعرف عن اسم العليم؟ ماذا تعرف عن اسم الكبير المُتعال؟ لذلك هذه الأسماء الحسنى يجب أن نقف عندها، ويجب أن نتأمَّل فيها، ويجب أن نتعرف إلى الله من خلالها.
﴿
﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾
معنى: وَلَمْ يُعَقِّبْ
التعقيب: الكرّ بعد الفرّ، فلان فَرَّ ثم عاد إلى المكان الذي فر منه، نقول: عَقَّبَ، فرّ وعقّب، أو فرّ وكَرَّ، والحرب كما قيل: كرٌ وفر.
حينما حرص سيدنا خالد رضي الله عنه على سلامة الجيش، وعلى حفظ أرواح أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وناور مع الروم حتى أنقذ هذا الجيش من براثن الهلاك، وبلغ النبي ذلك، سمى هذا العمل نصراً، وسمى خالداً: كرّار فَرَّار، فبحكمةٌ بالغة استطاع إنقاذ حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ
1 – الخوف جبلّةٌ في الإنسان:
الحقيقة أن الخوف مركوزٌ في بُنْيَةِ الإنسان النفسيَّة، لقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)﴾
هذا ضعفٌ خَلْقيّ، الخوف مركوزٌ في بنية كل إنسان كائناً من كان:
﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21) إِلا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
2 – المستَثنَوْن من الضعف الخَلقي الجِبليّ:
إلا المصلين، أي أن المصلين مستثنَون من هذا الضعف الخَلْقِيّ، لماذا؟ لماذا خلق الله الإنسان هلوعاً؟ من أجل أن يكون معه، من أجل أن يلجأ الإنسان إليه، من أجل أن يقف على بابه، من أجل أن يلوذ به، من أجل أن يستعيذ به، خلقه هلوعاً، لو أن الله عزَّ وجل خلق الإنسان قوياً لا يخاف لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، خلقه هلوعاً ليلتجئ إليه، فيستغني باللجوء إليه، فيسعد بهذا اللجوء، فلذلك كل المصائب -إن صَحَّ التعبير- هدفها الكبير أن تدفعكَ إلى باب الله، وكل المُضايقات، وكل الشدائد هدفها أن تزداد قرباً، أن تزداد طاعةً، أن تزداد إقبالاً، أن تزداد علماً، أن تزداد معرفةً، إنها دوافع، هكذا قال الله عزَّ وجل:
﴿ إِلا الْمُصَلِّينَ(22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ(23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم(25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ(28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ(33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(34)﴾
قل: إنسان، فهذه الكلمة تنطبق على خمسة آلاف مليون، قل: إنسان مسلم، أضف كلمة فإن الدائرة تضيق حتى تصل إلى ألف مليون، قل: إنسان مسلم عربي، تضيِقْ الدائرة حتى تصل إلى تسعين مليون، قل: إنسان مسلم عربي مثقَّف، كلما أضفت صفةً ضاقت الدائرة، وربنا عزَّ وجل وصف المصلين بثماني عشرة صِفَة، فإذا كنت من هؤلاء، وانطبقت عليك هذه الصفات كلُّها فأنت قطعاً مستثنى من الخوف، ومن الهّلَع، ومن الجَزَع، ومن الحِرْص.
فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً
العناية الإلهية: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
أجمل ما في هذه الآية كلمة
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا ولُـذ بحـمـانا واحْتَمِ بجنابـنا
لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
***
إذا كنت مع الله كل الخلق بيده، كل المخلوقات قيامها بالله، حركتها بالله، روحها بالله، قوَّتها بالله، لذلك:
﴿
إِلَّا مَن ظَلَمَ
هنا نقطةٌ دقيقةٌ جداً في اللغة أتمنى أن تكون واضحةً عندكم
الاستثناء المنقطع
هؤلاء الذين ظلموا ليسوا مُرسلين، هذا اسمه استثناء مُنقطع، ما معنى الاستثناء المنقطع أو المتصل؟ تقول: حضر الطلاب إلا خالداً، خالد طالب، هذا استثناءٌ متصل، فإذا كان المستثنى منه من جنس المستثنى فهو استثناء متصل، أما الاستثناء المُنقطع كأنْ تقول: حضر الطلاب إلا المدرِّس، المدرس ليس طالباً، من نوعٍ آخر، لكن اشترك معه في الحضور، وتخلّف المدرس، فإذا كان المستثنى منه من غير جنس المستثنى يقال له: استثناء منقطع.
قد يفهم إنسان:
إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
وأيضاً هذا الإنسان الذي وقع في الظلم، ثم تاب منه، وعمل صالحاً أيضاً هذا لا ينبغي أن يخاف، لا النبي يخاف في حضرة الله عزَّ وجل، ولا المؤمن المستقيم على أمر الله يخاف إذا طمأنه الله عزَّ وجل، لذلك يقول سيدنا علي عليه الصلاة والسلام:
الأمر كله بيد الإنسان، بمعنى: أنك إذا فعلت السيئة؛ كأن تكون أكلت مالاً حراماً، أو روَّعت إنساناً، أو اعتديت على إنسان طبعاً يجب أن تخاف، لأن الله بالمرصاد، ولا بدَّ من أن ينتقم منك، لكن إذا كنت خائفاً من الله خوفاً حملك على طاعته، وعلى أن تكون ورِعاً، فالله سبحانه وتعالى يطمئنك لقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ
﴿
فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ
الآيات مذكورة في مكان آخر من كتاب الله
فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً
1 – ما هي الآية ؟
﴿
الآية العلامة، الدليل، فالله عزَّ وجل ما كان له أن يدعونا إليه من دون دليل.
وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل عـلى أنـه واحـد
***
كل شيء ينطق بحمد الله، ينطق بعظمة الله، ينطق بقدرة الله، ينطق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى.
2 – معنى: مُبْصِرَةً
وبدا الصباحُ كأنَّ غُرَّتَه وجهُ الخليفةِ حينَ يُمتَدَحُ
***
البدر يشبه وجه الخليفة، وليس وجه الخليفة يشبه البدر، هذا من باب التشبيه المعكوس، أيْ أن هذه الآيات لشدة وضوحها، ولشدة تألقها ليست مُبْصَرةً، بل هي مُبْصِرة، كأنها ترى.
يقول بعضهم: لم أر أشدّ صمماً من الذي يريد ألا يسمع، كما أنه ليس من الناس من هو أشدُّ عمىً من الذي لا يريد أن يرى، فهذا الذي لا يحب أن يرى، ولا أن يسمع، هذا أعمى أصم، لذلك الآيات مبصرة واضحة كالشمس، ما في الكون عصا تصبح أفعى إلا من عند الخالق، والذي يفعل هذا رسوله طبعاً، ومع ذلك:
﴿
المشكلة أن الإنسان يوم القيامة يجحد وينكر، فربنا عزَّ وجل يقول على لسان الكفار:
﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن
أنا متأكد أن أبعد الناس عن ربه في أعماق نفسه، في قرارة نفسه موقنٌ بأن الدين حق، وأن الموت حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الاستقامة هي الطريق الصحيح، وأن طريق الشهوة طريقٌ مدمِّر، ولكن ربنا كما قال الله عزَّ وجل:
﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ(106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ(107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ(108)﴾
إذاً:
ظُلْماً وَعُلُوّا
الإنسان من أجل أن يبقى عالياً في الأرض ربما يكفر، من أجل أن تبقى بحوزته هذه الأموال ربما يكفر، ولكن ضعوا في أذهانكم الحديث النبوي الشريف:
(( من تركَ شيئًا للهِ، عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه. ))
هذا قانون في أي حقل، في التجارة، في الصناعة، في الوظائف، في العلم، في كل شيء، إذا تركت شيئاً لله عوَّضك الله خيراً منه، مَن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، فهؤلاء الذين جحدوا بآيات سيدنا موسى، واستيقنتها أنفسهم، لماذا جحدوا بها؟
قانون ثابت: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ
فالأيام تدور، وتدور، وفي النهاية لا يحق إلا الحق، المؤمن ينجو، ويرفع الله من شأنه وقدره، والكافر يسقط، ويصيبه الخزي والعار، هذا قانونٌ لا يتبدَّل ولا يتغير، إذا أردت أن تكون النهاية لك، إذا أردت أن يكون المستقبل لك، إذا أردت أن تكون في الدنيا والآخرة من السعداء، فالزم منهج الله عزَّ وجل.
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
وفي درسٍ قادمٍ إن شاء الله تعالى نأتي إلى قصةٍ من أجمل قصص القرآن الكريم، إنها قصة سيدنا سليمان مع السيدة بلقيس، وهذه القصة ربما أخذت منا درسين أو أكثر.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.