وضع داكن
26-04-2024
Logo
برنامج مع الرسول - الحلقة : 24 - نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال نور الدين :
  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .

صلَّى عليك الله يا علمَ الهدى  مــا لاح بدرٌ في السماءِ دليلُ
صلَّى عليك الله يا علمَ الهدى  مــــا حنَّ مشتاقٌ وسارَ جميلُ
***

 أيها الأخوة الأحباب ؛ نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : " مع الرسول صلى الله عليه وسلم " ، نسعد في هذه الحلقات باستضافة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وحفظ لكم إيمانكم ، ومن يلوذ بكم .
الدكتور بلال نور الدين :
 أكرمكم الله سيدي ، آمين ، وجميع المشاهدين إن شاء الله ، أكرمكم الله سيدي .
 نتحدث اليوم عن نصرته صلى الله عليه وسلم للضعفاء ، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح :

(( عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : أُبْغُوني ضُعَفَاءكم ، فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي]

 يربط صلى الله عليه وسلم بين رزقنا ونصرنا بنصرة هذا الضعيف ، كيف نفسر ذلك ؟

القانون نهاية العلم :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً .
 الحقيقة الدقيقة اسمح لي بمقدمة تكشف ضوءًا كاشفاً على هذا السؤال القيم ؛ نهاية العلم القانون ، نهاية العلم ، آلاف التجارب ، آلاف الاستنباطات في كل العلوم تنتهي بالقانون ، القانون علاقة بين متغيرين ، مقطوع بها ، تطابق الواقع عليها دليل ، إن ألغينا الدليل كان تقليداً، الله عز وجل قال :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) ﴾

[ سورة محمد]

 ما قال : فقل ، إن ألغينا الواقع كانت جهلاً ، أي شيء ينفصل عن الواقع يعد جهل، والآن أكبر تهمة توجه لإنسان أنت منفصل عن الواقع .
 إذاً علاقة بين متغيرين ، مقطوع بها ، لو نسبة تحقق العلاقة ثلاثون بالمئة وهم ، خمسون بالمئة شك ، سبعون بالمئة ظن ، تسعون بالمئة غلبة ظن ، مئة بالمئة قطع ، قانون ، ديننا قطعيات ، من عند الخالق ، من عند المطلق ، علاقة مقطوع بها بين متغيرين ، تطابق الواقع عليها دليل ، هذا في القوانين ، ماذا يقابل هذا في السنن ؟

﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62) ﴾

[ سورة الأحزاب]

﴿ اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) ﴾

[ سورة فاطر]

 فالرزق له قانون ، القانون : إنما ، كما تفضلت قبل قليل :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

 هذا قانون ، قانون ، شيء قطعي ، أي هذا الضعيف إن أطعمته إن كان جائعاً ، كسوته إن كان عارياً ، آويته إن كان مشرداً ، عالجته إن كان مريضاً ، دعمته إن كان ضعيفاً ، إلى آخره ، يحكى فترة طويلة ، هذا الضعيف أنت كافأته ، وهو أضعف منك ، وأنت أقوى منه ، الله عز وجل يعطيك مكافأة من جنس عملك ، عندئذٍ ينصرك على من هو أقوى منك ، ومن أنت ضعيف أمامه ، لا يوجد شيء متعلق بالكم .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾

[ سورة محمد]

معية الله عامة وخاصة :

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) ﴾

[ سورة البقرة]

 كلمة دقيقة جداً ، هناك معية عامة ، ومعية خاصة ، المعية العامة :

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) ﴾

[ سورة الحديد]

 معكم بعلمه ، هو مع المؤمنين ومع الكفار ، مع من كان عادلاً ، مع من كان ظالماً بعلمه فقط ، لكن إذا قال الله عز وجل :

﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) َ﴾

[ سورة الأنفال]

 هذه معية خاصة ، أي ينصرك ، يؤيدك ، يحفظك ، حدث ولا حرج .
 فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ إذا كان الله معك خدمك أعداؤك دون أن يشعروا ، وإن كان عليك تطاول أقرب الناس إليك ، فالبطولة هي معية الله الخاصة ، العامة للكل .

إلزام الله ذاته العلية بنصرة المؤمنين :

 لذلك :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

 هناك قوى كبيرة بالعالم ، قوى مسيطرة ، قوى تتحكم بالأرض كلها ، هذه القوى الله فوقها ، فإذا كنت مع الله وهو فوق الجميع كان الله معك .
 للتقريب : لو أن وحوشاً قوية ، كاسرة ، جائعة ، مفترسة ، عديدة ، إلا أنها مربوطة بأزمة محكمة ، بيد جهة قوية ، رحيمة ، عادلة ، حكيمة ، يا ترى أنا علاقتي مع الوحوش أم مع من يملكها ؟
الدكتور بلال نور الدين :
 مع من يملكها .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 تأتي الآية :

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾

[ سورة هود]

 وحيثما ورد لفظ الله مع على أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بنصرة خلقه المؤمنين، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي ؛ في قوله صلى الله عليه وسلم :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

 ذكرتم معنا هذا المعنى الجميل الرائع ، هذا القانون ، بأن الله يكافئك من جنس عملك ، أيضاً سيدي من وجهة نظر مجتمعية عندما نقوي الضعيف ، ألا يصبح المجتمع متماسكاً ؟

بطولة الإنسان أن يعرف الله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 طبعاً يصبح المجتمع متماسكاً ، ويصبح سداً منيعاً ضد أعدائه ، دائماً وأبداً يوجد ملمح واقعي أرضي ، وملمح سماوي ، الغرب أخذ الملمح الأرضي فقط ، أما المؤمن فيضيف إلى الملمح الأرض الملمح السماوي ، الله موجود ، تقول لي : يوجد قوي ؟ يوجد قوي ، يوجد دول قوية ؟ يوجد دول قوية ، يوجد ظلم ؟ يوجد ظلم ، وهناك الله ، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ أي الله عز وجل قادر أن يعدل المعادلات كلها في ثانية واحدة ، بيده ، فالبطولة أن نعرف الله ، ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي ؛ من صور نصرته صلى الله عليه وسلم للضعيف ، هذه المرأة التي كانت تقم المسجد ، وتوفيت ، كيف نفهم هذا ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 سامحني قبل ذلك ، إنسان قوي في بلد عمل تكافؤ فرص ، عمل فرص عمل كثيرة جداً ، عمل تأميناً صحياً مجانياً ، عمل إنجازات كبيرة ، هذا الله عز وجل يقويه .
الدكتور بلال نور الدين :
 نصر الضعيف .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نصر الضعيف أما الآخرة فلها حساب آخر .
الدكتور بلال نور الدين :
 هذا الملمح السماوي كما تفضلت ، هذه المرأة التي كانت تقم المسجد كيف النبي صلى الله عليه وسلم تعامل معها ؟ هي ضعيفة .

النبي الكريم قدوة لكل البشر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله سؤال دقيق جداً ، النبي الكريم قدوة ، ليس للأقوياء وللضعفاء ، لا للأغنياء والفقراء ، لا للأصحاء والمرضى ، لأنه هو قدوة لكل أهل الإسلام ، أو أهل الأرض ، فلابد من قوي وضعيف ، وغني وفقير ، وصحيح ومريض ، فهو قدوة لكل صفة بطرفيها الحادين ، هو قدوة ، القدوة أقوى من الدعوة النصية ، دعوة شفهية جيدة لابد منها ، لكن هو ما الذي يقنع الناس بالدين ؟ أن يروا إسلاماً يمشي أمامهم ، قالوا : الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي قرآن يمشي ، وما لم يرَ الناس اليوم في هذا العصر ، عصر الشهوات ، عصر الشبهات، عصر المظالم ، ما لم يروا إسلاماً يمشي أمامهم ، إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، عندئذٍ يتقوى الإيمان ، لذلك القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان .
الدكتور بلال نور الدين :
 إذاً هذه المرأة التي توفيت ليلاً ، والصحابة لم يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم .

قيمة الإنسان بنواياه الطيبة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 غضب أشد الغضب ، هم توهموا أن قلة شأنها أقل من أن يخبروا عنها النبي .
الدكتور بلال نور الدين :
 امرأة تقوم بلم القمامة من المسجد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإنسان قيمته بنواياه الطيبة ، أنا أقول كلمة : وليمة ، يؤجر صاحب البيت لأنه دفع، والزوجة طبخت ، والأولاد خدموا ، والضيوف أكلوا ، فضل الله كبير جداً يعطي الجميع ، وكل من له نصيب بعمل صالح ، الذي كتب ، الذي حضّر الأمور ، الذي هيأ المكان ، هيأ الزمان ، هيأ الضيافة ، فضل الله كبير جداً ، كل إنسان طرف بعمل صالح له نصيب .

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال نور الدين :
 جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
 هذه المرأة إذاً النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل أن تُحرم من فضل صلاة رسول الله عليها ، غضب كما تفضلتم .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن امرأَة سوداءَ كانت تَقُمُّ المسجدَ - أو شابّا - فقدَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها - أو عنه - فقالوا : مات ، قال : أفلا كُنتم آذَنْتُموني ؟ قال : فكأنهم صَغَّرُوا أمرها - أو أمره - فقال : دُلُّوني على قبره ، فدلُّوه ، فصلى عليها ، ثم قال : إن هذه القبورَ مملوءة ظلمة على أهلها ، وإِن الله يُنَوِّرُها لهم بصلاتي عليهم ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود]

 لأنهم لم يوقظوه للصلاة عليها قام على قبرها فوقف ، فصلى عليها ، وهذا من أعظم صور نصرة الضعفاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إن شاء الله .
الدكتور بلال نور الدين :
 بارك الله بكم سيدي ، وجزاكم خيراً .
 أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة سائلاً المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً وأنتم بخير ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور