وضع داكن
26-04-2024
Logo
برنامج مع الرسول - الحلقة : 18 - رحلة النبي للطائف
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال نور الدين :
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" ، في هذه الحلقات المباركة تستضيف شيخنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، نحاوره حول بعض شمائل النبي المختار صلى الله عليه وسلم .
 السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور بلال نور الدين :
 أكرمكم الله ؛ سيدي اليوم نبذة من سيرة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ، نحن ننوع في حلقاتنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
 الحلقة اليوم عن رحلته صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، عن عام الحزن ، النبي صلى الله عليه وسلم حزن في عام الحزن ، وكما تعلمون فقد سنده الداخلي خديجة رضي الله عنها ، وسنده الخارجي عمه أبا طالب فخرج إلى الطائف ، ما دلالة أن يدعو إلى الله عز وجل في الظروف الصعبة العصيبة التي يمر بها عام الحزن ثم يخرج لعله يهدي الناس إلى الله تعالى؟

الحكمة أكبر عطاء إلهي :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أولاً دكتور بلال جزاك الله خير ، الدعاء هو العبادة ، ضغطت العبادة كلها بالدعاء .

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ' الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))

[أخرجه الترمذي]

 ما معنى الدعاء ؟ هذا الكائن الحادث ، الطارئ ، الخائف ، الشهواني ، الأناني في أصل خلقه يتطلع إلى خالق السماوات والأرض ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، من بيده كل شيء ، إليه يرجع كل شيء ، فهذا الضعيف إذا اعتمد على القوي أخذ من قوته ، اعتمد على العليم أخذ من علمه ، اعتمد على الرحيم أخذ من رحمته ، هذا التخلق بأخلاق الله ، الاتصال بالله تشتق منه الكمال ، الرحمة ، الإنصاف ، العدل، الحكمة .

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[ سورة الطلاق]

 أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، بالحكمة تسعد بـأي زوجة ، بالحكمة تعيش بمال محدود ، وتسعد بهذا المال ، بلا حكمة تشقى بأرقى زوجة ، بلا حكمة تشقى بمال وفير ، من دون حكمة طبعاً ، أي أكبر عطاء إلهي الحكمة ، والحكمة لا تؤخذ ، ولا تكون ، بل تؤتى من الله ، وهي أكبر مكافأة للمؤمن (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) .

الابتلاء علة وجودنا :

 الآن من الحكمة أن تفهم سرّ وجودك ، وغاية وجودك ، وحقيقة الدنيا ، وماذا بعد الموت ، وماذا بعد البرزخ ، هناك جنة عرضها السماوات .

(( عن سهل بن سعد رضي الله عنه : قال : شَهِدْتُ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجْلسا وصفَ فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه :

(( فيها مالا عين رأتْ ولا أذن سَمِعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ))

[أخرجه البخاري]

 لكن لم يكن هناك امتحان لا قيمة لهذه الحياة .
 مثلاً لو وزعنا أوراق الامتحان على الطلاب ، وقد طبعت عليها الإجابة كاملة وبدائرة حمراء العلامة مئة من مئة ، هذا النجاح لا قيمة له إطلاقاً لا عند الناجح ، ولا عند أهل الناجح، ولا عند الناس .
 فلابد من الابتلاء ، علة وجودنا الوحيدة الابتلاء .

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ﴾

[ سورة الملك]

 هذه آية جامعة مانع (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ) .

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾

[ سورة المؤمنين]

 آية ثانية ؛ هل هناك إنسان يدخل الجامعة يعتقد أنه لا يوجد امتحان ؟ يكون أحمق ، فالامتحان من لوازم الجامعة ، والابتلاء من لوازم وجودنا في الدنيا : (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) ، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)
 يوجد ملمح بالآية دقيق جداً ؛ ليس من المعقول أن ترسب في هذا الامتحان ، مليون دليل على وجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، كل شيء واضح وضوح الشمس ، كالشمس في رابعة النهار ، لذلك الإنسان إذا ابتعد عن الدين ابتعد عن الشمس .
الدكتور بلال نور الدين :
 لذلك : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) درجات .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لم يأتِ أيكم نجح أو لم ينجح ، لا ، (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) التفاوت بالمراتب فقط ، الواقع الآن يوجد شيء جديد لم يكن من قبل ، هناك تفاوت بالبعد عن الله كلياً ، بإنكار وجوده أحياناً .
الدكتور بلال نور الدين :
 إذاً رحلته إلى الطائف صلى الله عليه وسلم تندرج ضمن هذا الابتلاء ، وعام الحزن ضمن الابتلاء .

النبي قدوة لكل البشر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))

[أخرجه الترمذي]

 النبي الكريم لأنه وحده قدوة للأغنياء والفقراء ، والأقوياء والضعفاء ، والأصحاء والمرضى ، الله أذاقه من كل شيء طرفيه الحادين ، هو ابتلي بالغنى وابتلي بالفقر، لم يجد في بيته شيئاً يأكله ، لأن الناس متفاوتون ، لو ابتلي بالغنى فقط ، يوجد فقراء ، لو ابتلي بالقوة يوجد ضعفاء ، فابتلاؤه شمولي ، وبكل صفة من صفات الابتلاء من طرفيه الحادين ابتلي ، هو قدوة لكل الناس .
الدكتور بلال نور الدين :
 هنا سيدي النبي صلى الله عليه وسلم رغم عام الحزن ، وما لقي فيه من فقد زوجته وفقد عمه ، وشعوره بأنه فقد سنده من أهل الأرض طبعاً ، سنده من السماء متصل ، رغم ذلك لا يفكر في ترك الدعوة إلى الله ، ويخرج إلى الطائف يلتمس النصرة في ذلك .

بطولة الإنسان أن يوحد وألا يرى مع الله أحداً :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله يا عم ؛ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ، الحقيقة الإنسان لو ذاق طعم القرب يستسهل كل أنواع الابتلاء ، أنت اتصلت مع الأصل ، مع خالق السماوات والأرض ، مع الذات الكاملة ، مع أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، مع الحبيب ، مع القوي .
إذا كان هناك طفل صغير ، والده هو الملك ، هل يخاف من شرطي ؟
 البطولة أن توحد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، هل يعقل أن تضغط رسالات الأنبياء جميعاً بآية واحدة ؟

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء]

 هذه كلمة التوحيد ، ونهاية العلم التوحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، أي لو أسلمك إلى غيره ؛ إلى قوي ، إلى غني ، لا يستحق أن تعبده ، لو أسلمك إلى فيروس ، كله بيده ، التوحيد يعطي راحة نفسية تفوق حدّ الخيال ، علاقته مع ربه ، ربه بيده كل شيء ، مثلاً وحوش جائعة، كاسرة ، مفترسة ، لا ترحم ، مربوطة بأزمة بيد جهة ، أنا علاقتي ليست مع الوحوش مع من يملكها ، لذلك :

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾

[ سورة هود]

الدكتور بلال نور الدين :
 الآن سيدي وصل إلى الطائف صلى الله عليه وسلم ، دعا أهلها إلى الله ، وهو يصف بأنه كان هذا أشد من يوم أُحد عليه ، يدعو أهلها إلى الله ، يأمرهم بالمعروف ، ينهاهم عن المنكر ، فما كان منهم إلا أن أغروا به صبيانهم ، وضربوه بالحجارة ، حتى أدميت قدمه صلى الله عليه وسلم ، فجاءه جبريل قال : إن الله عز وجل :

(( عن عائشة رضي الله عنها : قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أَتَى عليك يوم كان أشدَّ مِنْ يوم أُحُد ؟ قال : لقد لَقِيتُ من قومك . وكان أشَدَّ ما لقيت يوم العقَبة ؛ إِذ عَرَضْتُ نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كِلال . فلم يُجبني إِلى ما أردتُ . فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إِلا وأنا بقَرْن الثعالب . فرفعت رأسي . فإِذا أنا بسحابة قد أظلَّلتني ، فنظرت فإِذا فيها جبريل فناداني . فقال : إِنَّ الله قد سمع قولَ قومِكَ . وما ردُّوا عليك . وقد بعثَ إِليك مَلَكَ الجبال لتأمر بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال ، فسلَّم عليَّ ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قولَ قومِكَ ، وأنا مَلَكُ الجبال ، وقد بعثني ربُّك إِليك لتأمرني بما شئت ، إنْ شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين- الجبلين- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله وحده لا يُشْرِكُ به شيئاً ))

[أخرجه البخاري ومسلم]

 وتنتهي الطائف ، ولا يعد هناك مدينة اسمها الطائف يقول صلى الله عليه وسلم :

(( لا يا أخي : بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله وحده ـ اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ))

 ما دلالة هذا ؟

فقه المآلات :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذه مرتبة النبوة ، بل مرتبة الرسالة ، بل مرتبة سيد الأنبياء والمرسلين ، هذا الكمال الذي يستحق به أن يكون سيد أهل الأرض .
الدكتور بلال نور الدين :
 دعا لهم ، اعتذر عنهم ، ورجا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ، هذا النظر المستقبلي سيدي :

(( بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم ))

 وهذا ما كان .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا ما كان ، هذا سيدي يسمونه : فقه المآلات ، أنا حينما أرعى طفلاً ، أرعاه زوجاً صالحاً ، وعاملاً مخلصاً ، وعالماً جليلاً ، ومفكراً مستقيماً ، الحقيقة فقه المآلات شيء مهم جداً، هذا البناء ؛ يوجد عمل فيه بناء الأمة ، الآن المعلم يبني الأمة ، فنحن عندما نختار المعلم الجيد في فهمه ، وفي أخلاقه ، وفي دخله المعقول المعقول نبني أمة ، الإنسان يتعلم بأول مرحلة من أمه فقط ، دور المعلم أقوى بكثير ، ثم يتعلم المرجعيات الدينية ، فإذا الأم غرقت في العمل اليومي ، وتركت بيتها ، والمعلم أعطيناه أقل معاش بالبلد كله ، لا يكفيه ، عندما كان الراتب قليلاً جداً جاء أشخاص بمستوى متدن عن المطلوب ، والمرجعات الدينية عندما اتهمناها باتهامات باطلة انتهت ، مصادر القيم في المجتمع ، الأم ، المدرسة ، المرجع الديني ، هذه الحقيقة ، يوجد على الإسلام مؤامرة عميقة جداً ، وخطيرة جداً ، هذا الذي نعيشه اليوم .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا في الطائف ، أراد الله أن يمكنه منهم ، أي يرسل له ملك الجبال طوع أمره ، في لحظة التمكين ، ولحظة القوة ، كيف يكون الإنسان هنا لا يؤثر الانتقام بل يؤثر العفو ؟

من آثر العفو على الانتقام فقد عرف الله وعرف رحمته بعباده :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هؤلاء الأبطال ، المؤمنون الكبار ، الذين عرفوا الله ، وعرفوا رحمته بعباده ، هذه نقطة مهمة جداً ، كلما عرفت الله أكثر ارتقيت بالأخلاق أكثر ، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون .

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال نور الدين :
 جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
 أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ في نهاية هذا اللقاء الذي طاب بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبشرحٍ جميلٍ من شيخنا جزاه الله عنا خير الجزاء ، لم يبقَ لي إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً على خير ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحميل النص

إخفاء الصور