وضع داكن
28-03-2024
Logo
قناة الجزيرة – برنامج الشريعة والحياة - الندوة : 1 - برنامج الشريعة والحياة - رمضان وآثار كورونا على المجتمع .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
المذيع:
 السلام عليكم ورحمة الله ، وأهلاً بكم في حلقةٍ جديدة ، في برنامج : "الشريعة والحياة في رمضان".
 بين الخوف والرجاء ، هذا هو حال المسلم ، يتقلب في دنياه بين هذا وذاك ، يدرك حقيقة الأمر ، وحكمة الخلق ، يعمل في دنياه ، ويسعى كما أمره الله ، ولا ينسى آخرته حيث الجزاء الأوفى ، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم :

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[ سورة القصص: 77]

 ضيف حلقتنا اليوم مشاهدينا الأعزاء هو فضيلة الشيخ الجليل الدكتور محمد راتب النابلسي .
 ضيفنا عالمٌ وداعية ، جاب علمه الآفاق كتابةً وصوتاً وصورة ، له من المؤلفات الموسوعية كثير ، سخر حياته لخدمة قضايا الأمة ، وتنوير العقول بحقيقة هذا الدين وعظمته ، وفهم أحكامه على بصيرةٍ ودراية ، دون تساهلٍ أو غلو .
 فضيلة الشيخ مرحباً بك ، وأهلاً بك معنا في هذه الحلقة ، من برنامج : "الشريعة والحياة في رمضان" .
 ترى ما نزل بالمسلمين والعالم بأسره من هذا الابتلاء ، وهذا الوباء ، أترى فضيلة الشيخ أن هذه الرسالة من السماء إلى أهل الأرض أنهم أكثروا الإفساد والمظالم والبغي وأن عليهم أن يعودوا إلى خالقهم ويرتجوا توبته ؟

 

تعلق الإرادة الإلهية بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
 أخوتي الكرام المشاهدين ؛ لا يقبل في مقام رب العالمين ، خالق السماوات والأرض، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، لا يقبل أن يقع في ملكه ما لا يريد .

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[ سورة النازعات: 40 ـ 41]

 الذي يستنبط أن كل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله ، وكل شيءٍ أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق ، فالشر المطلق ، الشر للشر لا وجود له في الأرض ، أو في الكون ، لأنه يتناقض مع عدل الله ، يتناقض مع ألوهيته ، مع ربوبيته ، لذلك لابد من فهمٍ دقيقٍ للذي يقع ولو كان سلباً ، الذي يلفت النظر أن الظالم سوط الله ، ينتقم به ثم ينتقم منه ، ولو أسلمنا الله إلى غيره لا يستحق أن نعبده ، والدليل :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 أل الجنس ، أي أمرٍ في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة يرجع إليه .

﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك .

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 والعبادة طاعةٌ طوعية ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، الله عز وجل ذاته مطلقة ، عدله مطلق ، رحمته مطلقة .
 أحياناً قاض في الأرض يحكم أربعين عاماً ، يصدر ثمانية آلاف حكم ، قد يكون هناك حكم أو حكمان فيهما إشكال ، نقص معلومات القاضي أعطت إجابةً أو حكماً بخلاف ما ينبغي ، يسمى عند أهل الأرض القاضي العادل ، أما الله عز وجل فعدله مطلق ، لا يمكن ، ذاته ذاتٌ كاملة ، صاحب الكمال والجمال والنوال ، عدله مطلق .

 

 

الله عز وجل عدله مطلق ورحمته مطلقة :

 لذلك ينبغي أن نحاول أن نفهم ، فإن لم نفهم كما نتمنى ننتظر حتى تأتي إضاءةٌ من الله عز وجل ، لذلك نحن عندنا شيء اسمه : تعاكس وتناقض ، أي قد يكون هناك لون رمادي، هذا يصنف لوناً بارداً ، واللون الأحمر يسمى لوناً حاراً ، قد يجتمعان في منظر ، لكن لا يجتمع في المنظر الضوء والظلام ، لأن وجود أحدهما ينقض الآخر ، فالله عدله مطلق ، الظلم يتناقض مع وجود الله .

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 فلذلك نحن حينما نرى أن الله يفعل كل شيء .

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 والله عنده حكمة ، وعنده عدل ، لكن إن لم نفهم لابد من أن نفهم بعد حين ، أنا أؤمن بعدله المطلق ، وقد لا أستطيع أن أفهم ما يجري من أحداث أحياناً فأُرجئ فهمها إلى وقتٍ آخر ، الله قال :

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 129 ]

 الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه ، ولكن أحياناً تكون المصائب ذات نوعين ؛ نوع امتحاني ؛ ابتلاء ، ونوع تأديب .
 ركاب طائرة سقطت ، راكب سافر ليلقي محاضرات دينية في مكان بعيد ، له أجر ، والثاني ذهب ليفعل ما لا يرضي الله ، الطائرة سقطت ، لكن كل إنسان يموت على نيته .
 عندنا عدل مطلق ، و حكمة مطلقة ، و رحمة مطلقة ، الله عز وجل ذاتٌ كاملة ، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا .
المذيع:
 نعم فضيلة الشيخ ؛ أنا قصدت أن أسأل عن هذا البلاء ، فيروس لا يرى بالعين المجردة ، حقير ، لكنه أجلس المليارات في منازلهم ، وأصاب قادةً كما أصاب مقودين ، وأصاب أتباعاً كما أصاب الزعماء ، كشف هذا الفيروس ، وكشفت هذه الجائحة عن مدى هشاشة نمط عيش البشر ، وكشفت كذلك عن أنهم كانوا يتمتعون ، ويتقلبون في نِعَمٍ يأخذونها على أنها مسلمات ، ثم تختفي من حياتهم في غمضة عين ، بين عشيةٍ وضحاها ، وجدوا الكثير من النعم التي كانوا يتقلبون فيها ، وغافلين عن شكرها ، وجدوها قد اختفت من بين أيديهم ، وأصبحوا ربما يفترض أنهم أقرب كثيراً إلى الله ، هل يرتجى تقويم البشر من خلال مثل هذه المصائب ؟

 

فيروس كورونا رسالة من الله شمولية لكل البشر :

الدكتور راتب :
 قبل أن أجيب عن هذا السؤال ، دولة عظمى تريد أن ترسل رسالة إلى دول مجاورة تجري عرضاً عسكرياً ، المدرعات ، والناقلات ، والطائرات ، والصواريخ ، هذا العرض العسكري في حقيقته رسالة إلى الدول المجاورة ، الناس ابتعدوا عن الدين ، ابتعدوا عن الحق ، ابتعدوا عن العدل ، القوي هو الذي على حق ، وصاحب الحق مادام ضعيفاً لا حق له ، هناك تجاوزات ، و تفلتات ، و كفريات ، و إلحاديات ، و شركيات .

(( تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ))

[ورد في الأثر]

 فجاءت رسالة من الله ، كيف أن العرض العسكري رسالة ، الله سخر أضعف مخلوقاته ، مخلوق ليس حياً ، لا يرى بالعين ، عطل الحياة في الأرض كلها ، لا مطارات ، ولا سفر ، ولا طائرات ، ولا بواخر ، ولا معامل ، ولا دوام ، ولا موظفون ، شيء لا يصدق ، أنا لا أصدق في حياتي ، رسالة من الله واضحة وضوح الشمس ، صارخة كالصوت المرتفع ، لأهل الأرض جميعاً .

(( تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ))

[ورد في الأثر]

 كما قال النبي الكريم .
 يوجد ظلم ، وقوى ، وتمدد ، وتجاوزات ، ومؤامرات ، وخطط ذكية ، كل ذكاء البشر، وكل عقل البشر ، وكل ثقافة البشر ، وكل إنجازات البشر تعطلت أمام أضعف المخلوقات ، هذا الفيروس ، أنا أراها رسالة من الله شمولية ، هي رسالة لا لقومٍ واحد ، لا لوطنٍ ، لا لأمةٍ ، لأهل الأرض جميعاً ، رسالة أن الله موجود ، عادل ، حكيم ، خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة ، شردنا عنه ، عن منهجه ، اتهمنا من تمسك بمنهجه اتهامات باطلة ، بنينا القوة ، اعتمدنا الحق والقوة؟ لا ، صاحب الحق هو القوي ؟ لا ، صاحب القوة هو على حق ، هناك مفاهيم انعكست ، وانحرفت ، وتغيرت ، عندئذٍ الله عز وجل لابد من رسالة أرسلها ، أنا بحياتي الدعوية ما وجدت رسالة واضحة ، صارخة ، جامعة ، شاملة لأهل الأرض قاطبةً ، أي هذا الفيروس أصاب زعامات كبيرة جداً في الغرب ، رؤساء دول ، وزراء ، علماء ، أي هذا الفيروس كان رسالة من الله ، كأن الله يقول :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه:14]

الابتلاء علة وجودنا في الدنيا :

 لكن الابتلاء علة وجودنا في الدنيا ، هو :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

 فأنا في الابتلاء ، والبطولة لا أن أنجو من الابتلاء ، بل أن أنجح فيه ، هذه هي البطولة ، النبي الكريم قال :

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

 الابتلاء قدرنا ، الابتلاء هدفنا ، الابتلاء موقعنا في الأرض ، فالبطولة أن ننجح في الابتلاء ، لا ينجو أحد من الابتلاء ، ولا يصل إنسان إلى الجنة إلا بعد الابتلاء ، الإمام الشافعي سُئل : ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ قال : لن تُمكن قبل أن تبتلى ، فأنا حينما أفهم أن علة وجودي في الدنيا الابتلاء ، لا أفاجأ بالابتلاء ، جزء من حياتي ، جزء من منهجي .

 

بطولة الإنسان أن يفهم حقيقة و حكمة ما يجري :

 حينما يفاجأ طالب جامعي أُرسل لبلد غربي لينال الدكتوراه ، أن هناك امتحاناً تفاجأ فيه يكون أحمق ، لابد من الامتحان ، لابد من تقييم الناس ، لابد من فرزهم إلى مؤمن وغير مؤمن ، مستقيم ومنحرف ، معطي ومانع ، بخيل وكريم ، وأنا أرى باجتهادٍ شخصي أن يستوي المعطي والمانع ، والعادل والظالم ، والقوي والضعيف ، أن يستويان هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل مع وجوده .

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 هذا الإيمان ، عفواً ، ما من ركنين من أركان الإيمان توارد ذكرهما في القرآن كثيراً إلا ركن الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، الإيمان بالله كي يحملك على طاعته ، والإيمان باليوم الآخر كي يمنعك أن تعصيه ، أو أن تظلم أحداً ، هذه أركان الإيمان .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإن أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا سيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 شيء آخر ؛ الناس ليسوا بحاجةٍ إلى من ينقل إليهم الخبر ، الأرض كانت خمس قارات ، ثم أصبحت قارة ، ثم بلداً ، ثم مدينة ، ثم قرية ، ثم منزلاً ، ثم مكتباً ، الآن سطح مكتب، فالعبرة لا أن تكون بطولتي في معرفة ما يجري ، ما يجري على شاشات التلفزيون في العالم كله ، لكن البطولة أن أفهم حقيقة ما يجري ، حكمة ما يجري ، لذلك :

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 الحكمة أن ترى عدل الله المطلق ، رحمته المطلقة ، أن ترى بعينين ، بعين الآخرة والدنيا ، بعين المصالح والشهوات المبادئ والقيم .
المذيع:
 فضيلة الشيخ ، استكمالاً لما تفضلتم به في المداخلة الماضية ، نود أن نقترب أكثر ونحاول أن نفهم طبائع البشر حيال الشدة والرخاء ، بعض الناس ينظرون إلى حال الناس في الشدة ، والخوف الذي يعتريهم ، وقربهم من الله ، وتضرعهم إليه ، أي يأخذه التفاؤل كثيراً ، ويقول إن المستقبل سيكون مشرقاً ، الزهاوي الشاعر العراقي يقول :

سيهذب الـــــــــمستقبل الإنسان  حتى يكون أبرَّ مما كان
حتى يبدل من خصومته رضاً  ومن القساوة رأفةً وحناناً
***

 لكن الناظر في آيات الله عز وجل يرى أو يفهم أن البشر ، الإنسان عموماً ، تبطره النعمة ، ويقترب أكثر في وقت الشدة والابتلاء ، لكنه ما إن تعود حالته ، يعود إلى سيرته الأولى من إلف النعمة ، فإنه أيضاً يعود إلى بغيه ومعصيته ، يقول الله عز وجل :

﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 65]

 وحتى قصة صاحب الجنتين الذي دخل إلى جنتيه معجباً ، فكفر بالله من كثرة النعم التي بين يديه ، وأولئك الذين ورد ذكرهم في سورة القلم ، أصحاب الجنة الذين لم يستفيقوا على المصيبة ، أو لم يستفيقوا إلى أنهم عصوا الله ، وبدؤوا يشعرون بالندم والتوبة ، إلا بعد أن أزال الله النعمة من بين أيديهم .

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾

[ سورة النور: 19 ـ 21]

من تحرك وفق تعليمات الصانع سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ؛ الإنسان أخي الكريم ، حينما يتأمل في علة وجوده ، أو سبب وجوده ، تصح حركته في الحياة ، الإنسان بحاجة إلى الطعام والشراب إذاً يتحرك ، بحاجة إلى الزواج يتحرك ، بحاجة إلى التفوق يتحرك ، إذا تأمل في علة وجوده ، أو سبب وجوده تصح حركته في الحياة ، وإن صحت حركته في الحياة سلم وسعد في الدنيا والآخرة ، لأنه تحرك وفق تعليمات الصانع ، والصانع هو الله عز وجل ، تعليماته هي الصحيحة ، هي الخبيرة .

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14]

 فالإنسان إذا تحرك وفق تعليمات الصانع سلم وسعد .
 أنت راكب سيارة حديثة جداً ، تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، إن فهمته ضوءاً تزيينياً احترق المحرك ، وإن فهمته ضوءاً تحذيرياً أوقفت المركبة ، وأضفت الزيت ، وسلم المحرك .
 فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، من حبه لسلامته ، لسعادته ، لاستمراره ، ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، أنا حينما أمشي في طريق ، أرى لوحة كتب عليها : ممنوع التجاوز حقل ألغام ، إن فهمت هذه اللوحة حداً لحريتي هلكت ، إن فهمتها ضماناً لسلامتي سعدت .
 أنا حينما أفهم تعليمات الصانع وهو الخالق ضمان لسلامتي ، وسعادتي ، واستمراري، في الأرض ثمانية مليارات إنسان ، ما منهم واحد إلا وهو حريصٌ على سلامته ، من يحب المرض ؟ الفقر ؟ القهر ؟ الخوف ؟ ولا أحد ، وحريص على سعادته ، من لا يحب أن يكون زواجه ناجحاً ؟ أولاده أبراراً ؟ بناته محتشمات ؟ دخله معقولاً ؟ مكانته الاجتماعية كبيرة ؟ فالإنسان إذا اتبع تعليمات الصانع سلم وسعد ، ومن منا لا يحب أن يعيش مئة وثلاثين عاماً ؟ فإذا ربى أولاده حقق سلامته ، وسعادته ، واستمراره .
 لذلك على سطح الأرض ثمانية مليارات ، هؤلاء يفرزون إلى حقلين ، بعضهم أنبياء، وبعضهم أقوياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء في غيبتهم، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس .
 فلذلك البطولة أن نكون من أتباع الأنبياء ، لأن معهم تعليمات الصانع ، معهم السلامة ، والسعادة ، والاستمرار .

 

بطولة الإنسان أن يعرف الله :

 الله عز وجل ماذا قال :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14]

 البطولة أن تتبع تعليمات الصانع ، وهو الخالق ، طبعاً كليات الدين يوجد ثلاث كليات ، سلامة ، وسعادة ، واستمرار ، باتباع تعليمات الصانع تسلم ، وباتباع تعليمات الصانع تسعد ، وبعد ذلك تستمر ، الموت ليس نهاية ، بل بداية ، أهل الإيمان إذا جاءهم الموت يقولون: لم نرَ شراً قط ، وأما أهل الدنيا فيقولون : لم نرَ خيراً قط ، فلذلك البطولة أن نعرف الله.

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 ما من عبدٍ مؤمنٍ استعاذ بالله إلا أعاذه ، استغفر الله إلا نصره ، خضع لمنهج الله إلا أكرمه ، فهناك نتائج كبيرة جداً ، لذلك الآية تقول :

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة: 18]

 وأنا أقول كلمة دقيقة جداً : أن يستوي الصالح والطالح ، المستقيم والمنحرف ، المعطي والمانع ، المتقي وغير المتقي ، أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء ، هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل يتناقض مع وجوده .

النجاح و الفلاح :

 شيء آخر ؛ إذا ما انجلت هذه الأزمة الراهنة ، هل يمكن أن تدرك البشرية وبخاصة تلك الأمم التي ظنت أنها قد تمكنت ، وعلا شأنها ، وباتت قادرةً على فعل أي شيء أن الأمر ليس كذلك ؟ أن الإنسان يبقى ضعيفاً وأنه يجب أن يصرف اهتمامه عن الصراعات والنزاعات إلى التعاون والتكافل من بني البشر ؟
 الحقيقة هذا الفيروس قدم رسالة لأهل الأرض قاطبةً ، هناك إله عظيم ، خالقٌ كريم ، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، هذا الإله خلقنا ليسعدنا ، والدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود: 119]

 خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة ، والإنسان يحب ذاته ، لا يوجد إنسان لا يحب السلامة ، والسعادة ، والاستمرار ، فالبطولة ، والنجاح ، والفلاح ، والتفوق ، أن نطبق تعليمات الصانع ، طبعاً الإنسان قد ينجح نجاحاً مؤقتاً ، ثم يحاسب على ما فعل ، الذي ترك سبعمئة مليار ، قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، صاحب أبل ، وبيل غيتس قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً .
 فلذلك عندنا شيء اسمه نجاح ، وهناك فلاح ، النجاح جزئي ، قد تجمع ثروة عالية جداً ، رئيس باليابان حكم اليابان سبعين سنة ، رئيس وزارة ، فقد تنجح في منصب رفيع ، أو في ثروة طائلة ، أما الفلاح فأن تنجح مع الله معرفةً ، وطاعةً ، وتقرباً ، ودعوةً ، وأن تنجح في بيتك انضباطاً ، وتربيةً لأولادك ، وضبطاً لشؤونك ، أن تنجح في عملك ، فإن نجحت مع الله أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً ، وفي صحتك رابعاً ، هذا يسمى فلاحاً ، الفلاح شمولي ولم ترد كلمة نجاح في القرآن إطلاقاً .

﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 5]

المذيع:
 فضيلة الشيخ ، نرجو منك ومن السادة المشاهدين أن تبقوا معنا ، سنستكمل النقاش ولكن بعد فاصلٍ قصير .
 أهلاً بكم من جديد مشاهدينا الأعزاء في هذه الحلقة من برنامج : "الشريعة والحياة في رمضان" ، نجدد الترحيب بضيفنا فضيلة الشيخ الجليل محمد راتب النابلسي .
 دكتور محمد قبل الفاصل تحدثنا عن طبائع البشر إزاء الشدة ، وإزاء الرخاء ، كثيراً ما ترنو أنظار الناس إلى أصحاب الثروة ، والجاه ، والسلطان ، ويتمنون أن يكونوا مكانه ، يقول الله عز وجل في سورة القصص :

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القصص: 79]

 ولكن في وقت نزول البلاء ، الجميع يتأمل ، أصحاب الثراء الفاحش وكذلك الفقراء يتأملون ما لدى الأغنياء من طائرات ، ومن يخوت ، ومن سيارات فارهة ، ومنازل فارغة ، وما إلى ذلك ، وكلهم يتأملونها قد عطلت ولا فائدة ترجى منها ، هل هذا كافٍ لأخذ العبرة وتربية النفوس أم أن الناس سيعودون ؟ تتوقع أنهم سيعودون إلى سيرتهم الأولى من الإفساد ، والبغي والظلم ، وأكل الحقوق ، والعقوق ، وما إلى ذلك ، بعد أن تزول الغمة ؟

 

فيروس كورونا أكبر رسالة أرسلها الله لبني البشر أنه موجود وبيده كل شيء :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الدقيقة : إذا ما انجلت هذه الأزمة الراهنة نتساءل : هل يمكن أن تدرك البشرية وبخاصة هؤلاء الذين ظنوا أنهم قد تمكنوا في الأرض ، وعلا شأنهم ، وباتوا قادرين على فعل ما يشاؤون ، أم أن الأمر ليس كذلك ؟ أم أن الإنسان يبقى ضعيفاً وأنه يجب أن يصرف اهتمامه عن الصراعات والنزاعات إلى التعاون والتكامل بين بني البشر ؟
 الحقيقة الدقيقة أن ما سيكون بعد وباء كورونا لا يمكن أن يكون كما كان قبلها ، هناك فاصل ، حد قاطع ، مفاهيم تلاشت ، قوى انهارت كعلب الكرتون ، كيانات عتيدة فقدت كل قوتها ، الحقيقة أكبر رسالة أرسلها الله لبني البشر قاطبةً في القارات الخمس لكل أطياف البشر ، لكل ألوانهم ، معتقداتهم ، دياناتهم ، أن الله عز وجل موجود ، هو الخالق ، الواحد ، الرحمن ، الرحيم ، بيده كل شيء .

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 هذه الرسالة الذي يستفيد منها يسلم ويسعد ، وينجح في الابتلاء ، والذي لم يستفد منها فهم فهماً أرضياً ، ضيقاً ، غريزياً ، شقي في الدنيا والآخرة ، فالإنسان مخير .

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 3 ]

الإنسان هو المخلوق الأول المكلف و المكرم :

 الإنسان مخلوق أول مكرم ، مكلف ، مخلوق أول رتبةً ، مكرم تفضلاً ، مكلف ابتلاءً، فالإنسان معه تعليمات الصانع ، وحي السماء تعليمات الصانع ، وهناك وحي للأرض ، فرقٌ كبير بين وحي السماء ووحي الأرض ، فإما أن أحكم عقلي وفطرتي في أيهما طريقٍ أتبع أو أن أتبع الشهوات والغرائز والمصالح ؟
 الحقيقة عندنا عالم مبادئ ، وعالم مصالح ، نحن مع الأسف الشديد في عالم المصالح ، فالبطولة أن نعود إلى عالم المبادئ ، المبادئ تسمو بالإنسان ، تسعده ، تطمئنه ، توفقه ، فرق كبير كبير بين من عرف الله ، وعرف منهجه ، واستقام على أمره ، وعمل صالحاً ، وبين من تفلت عن منهج الله .
المذيع:
 فضيلة الشيخ ؛ بمناسبة هذا الوباء الذي أجلس الناس في منازلهم ، كثيراً ما نرى أو يتناقل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي سخرية عن علاقات الزوج بزوجته خلال هذه الفترة التي كثر التقائهم فيها ، وجلوسهم مع بعضهم بعضاً ، الأزواج بعضهم يقول : يا ليت الأمور تعود إلى سابقها ، حتى نخرج من هذا السجن ، والنساء يشتكين من كسل أزواجهن ، وتدخلهم في كل صغيرةٍ وكبيرة من أمور المنزل ، هل هذا يجوز في العلاقة بين الزوج وزوجته ؟ هل يجوز أن تكون على هذا النحو كلها سخرية وتعريضاً بهذا الرباط المقدس الذي وضعه الله بينهما ؟

الحب و الرحمة أساس الحياة الزوجية الناجحة :

الدكتور راتب :
 والله أنا اجتهادي المتواضع من بنى زواجه على طاعة الله سلم وسعد في بيته ، الزوجة إنسانة مؤمنة .

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 22]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

[ سورة الروم: 22]

 المودة سلوك يعبر به عن الحب والرحمة ، لو تعطل أحد هذه الشروط تأتي الرحمة محل الحب ، أي قد يجتمعان ، وقد يفترقان ، لكن هذه المؤسسة وجدت لتبقى .

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 22]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾

[ سورة فصلت: 37]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 22]

 فالمرأة عندها عاطفة متأججة ، لكنها تسكن إلى قيادة زوجها الحكيمة ، والزوج عنده إدراك عميق ، يسكن إلى العاطفة الجياشة ، يوجد سكنى بينهما ، إذا شخص زواجه ناجح ، لو استمر البقاء بالبيت أياماً ، وأسابيع ، وأشهراً ، هناك سعادة ، إذا شخص تزوج زواجاً غير ناجح، أو زواجاً لمصلحةٍ طارئة وانقضت ، طبعاً عنده مشكلة .
المذيع:
 جاءنا سؤال من شيرين معوض على توتير ، تقول : أنا أتمنى أن يتحدث الشيخ الذي أحبه في الله راتب النابلسي عن دور المرأة في الإسلام ، وما سبب تحول المرأة في العصر الحديث إلى امرأةٍ قوية هل هو طمع الرجل ؟ وهل يريد أن تتحمل هي المسؤولية ؟

 

مساواة المرأة للرجل في التكليف و التشريف و المسؤولية :

الدكتور راتب :
 شيء لا يصدق ، يقول النبي الكريم :

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ))

 أول إنسان يدخل الجنة رسول الله ، قال :

(( ....فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأةٌ ربت أولادها ))

[ ورد في الأثر ]

 فالمرأة في اجتهادي المتواضع مساويةٌ للرجل مساواة تامة في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية ، ولكن هي مشرفةٌ كما هو مشرف ، ومسؤولة كما هو مسؤول ، ومكرمة كما هو مكرم ، ولكن قوله تعالى :

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾

[ سورة آل عمران: 36]

 أي خصائص الرجل الجسمية ، والفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، كمالٌ مطلقٌ للمهمة التي أنيطت به ، وخصائص المرأة الجسمية ، والفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، أيضاً كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها ، إذاً هما متكاملان ، إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني على معصية الله فيتولى الشيطان التفريق بينهما ، هذا معنى السكنى في القرآن :

﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 21]

 هي تسكن إلى قيادته الحكيمة ، وهو يسكن إلى عاطفتها الجياشة ، يوجد تكامل ، والزواج الإسلامي زواج ناجح ، ناجح جداً ، بصرف النظر عن توافر أسباب نجاحه .
المذيع:
 فضيلة الشيخ ؛ انطلاقاً من تدريسكم مادة الإعجاز العلمي ، كيف تنظرون إلى هذه الجائحة وهذا البلاء الذي عمّ البشرية ؟

 

الإعجاز العلمي أقوى مادة لإقناع البشر أن الذي خلق الأكوان أنزل هذا القرآن :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الله عز وجل ذاتٌ كاملة ، وقيل : كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فالله عز وجل ذاتٌ كاملة ، والخلق كامل ، إذاً يقتضي ذلك ألا يدع الله عباده من دون توجيهات يسيرون عليها طبعاً ، إذاً بعث الأنبياء والمرسلين ، ومعهم الرسل ، لكن بآخر عصر الذي حدث أن النبي الكريم آخر نبي ، وآخر رسول ، لا يوجد بعده رسالة ، فالله عز وجل جعل في القرآن الكريم ألفاً وثلاثمئة آية فيها إشارات علمية ، العلم الآن بعد ألف وأربعمئة عام أكد ذلك ، و هناك أشياء كثيرة جداً .
 أول رحلة فضائية أبولو ثمانية إلى الفضاء الخارجي ، رائد الفضاء صاح بأعلى صوته : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، ما الذي حصل ؟ تجاوز طبقة الهواء ، فلما تجاوز طبقة الهواء انعدم انكسار الضوء ، لم يعد هناك ضوء ، قال : لقد أصبحنا عمياً ، أول مركبة فضائية للقمر ، أبولو ثمانية قال : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، اسمع القرآن الذي جاء قبل ألف وأربعمئة عام :

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 14 ـ 15]

 يوجد ألف وثلاثمئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون والإنسان ، معظم هذه الآيات كشفت حقيقتها الآن ، الآن كشفت حقيقتها ، بعد تقدم علم البيولوجيا تبين أن الذي يحدد جنس الجنين الحوين وليس البويضة ، افتح القرآن :

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم: 45 ـ 46]

 ألف وثلاثمئة آية بالقرآن تتحدث عن الإنسان ، والحياة ، والكون ، هذه الآيات بعد مضي ألف وأربعمئة عام تبين ذلك تماماً ، الحقيقة هذا بحث طويل جداً ، الإعجاز العلمي أقوى مادة الآن لإقناع البشر أن الذي خلق الأكوان أنزل هذا القرآن ، شيء قطعي .
المذيع:
 فضيلة الشيخ ، لكن البعض يحاول لي أعناق النصوص ، ويتعسف في تأويل الآيات حتى توافق العلم الحديث ، ومن ثم يقول : إن القرآن صدق إلى هذا .

 

النبي الكريم معه وحي السماء و العلم المطلق :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن النبي الكريم يوحى إليه ، يوحي إليه يا سيدي ، معه وحي السماء ، معه العلم المطلق ، فالله عز وجل جعل بالقرآن ألف وثلاثمئة آية ، إشارات علمية سابقة لأوانها ، وهذا شيء بالإعجاز العلمي شيء لا يصدق ، كل حقيقة وردت في القرآن العلم أثبتها بعد حين، لا يمكن أن تقرأ في القرآن حرفاً واحداً يتناقض مع العلم ، حتماً هو رسول الله عز وجل ، مثلاً :

(( لا تقطعوا رأس الدابة ، اقطعوا أوداجها ))

 توجيه بذبح الدابة ، ما هذا التوجيه لا تقطعوا رأسها ؟ القلب ينبض ثمانين نبضة ، بالحالة الشديدة ينبض مئة وثمانين نبضة ، فلما قطعنا رأس الدابة عطلنا النبض الاستثنائي ، إذاً الدم ما خرج من الدابة ، تبقى الدابة زرقاء اللون ، حتى تكون لحماً رائعاً جداً لابد من قطع أوداجها لا قطع رأسها ، النبي الأمي قال :

(( لا تقطعوا رأس الدابة ، اقطعوا أوداجها ))

 الآن ثبت أن الدابة التي يقطع رأسها يبقى الدم فيها ، واللحم أزرق اللون ، أما عندما قطعت أوداجها فقط صار الدم نقياً ، بالإعجاز العلمي أكثر من آلاف الموضوعات الذي قاله النبي هو الصحيح فقط .
المذيع:
 فضيلة الشيخ ؛ في أيام الحظر ولياليه الطويلة أيضاً يتحجج البعض على أنهم لا يجدون ما يصنعون خلال هذه الساعات ، والأيام الطويلة ، كيف تقضون يومكم ؟ وبما تنصحون المسلمين أن يفعلوا ؟

 

جنة المؤمن بيته و أنسه بربه :

الدكتور راتب :
 والله يا أخي الإنسان جنته بيته ، وأُنسه بربه ، جنته بيته ، جنة المؤمن بيته ، معه زوجة طاهرة ، الله عز وجل جعل بين الزوجين المؤمنين ، كل طرفٍ يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر ، وكل طرفٍ يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر .

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 22]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾

[ سورة فصلت: 37]

 ومن آياته الشمس والقمر .

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

[ سورة الروم: 22]

 لو تحقق الحب انقلب إلى ود ، ولو نشأ مشكلة خطيرة بكلا الزوجين يوجد رحمة ، هذه المؤسسة وجدت لتبقى ، وتستمر ، إما بالود ، أو بالرحمة ، أو بكليهما ، هذا من آيات الله الدالة على عظمته التوفيق بين الزوجين ، المودة ، الرحمة .

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ ﴾

[ سورة الروم: 22]

 الجعل يأتي بعد الخلق .

﴿ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

[ سورة الروم: 22]

 المودة ؛ حينما تحقق الأهداف ، والرحمة ؛ إذا تعطلت أحد هذه الأهداف ، أنا أرى أن الإنسان جنته داره ، يوجد زوجة اختارها الله له ، واختارها هو باختياره ، هي مودة مستمرة متنامية .
 السيدة عائشة سألت النبي الكريم : كيف حبك لي ؟ فقال لها : كعقدة الحبل ، تسأله من حين لآخر : كيف العقدة ؟ يقول : على حالها .

 

الفرق بين اللذة و السعادة :

 البيوت المؤمنة فيها سعادة ، السعادة غير اللذة ، اللذة شعور إيجابي زائل ، يحتاج إلى صحة ، وإلى مال ، وإلى وقت ، الإنسان بالبداية عنده صحة ووقت و لكن لا يوجد مال ، بالوسط يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت ، بالأخير يوجد صحة ومال لكن لا يوجد وقت ، أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة فأنت أسعد إنسان ، وينبغي أن تقول ، وقد انعقدت لك مع الله صلة : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني ، السعادة غير اللذة ، اللذة تحتاج إلى شروط ، تنقصك واحدة منها دائماً ، أما السعادة فتنعقد لك صلة مع الأصل ، مع القوي ، مع الغني ، مع الحكيم ، مع القدير ، مع الرحيم ، مع الودود ، أنت ذات ضعيفة ، طارئة ، حادثة ، فقيرة ، اتصلت بالكريم ، بالرحيم ، بالودود ، بالغفار ، بالجبار ، تستمد منه القوة ، والحكمة ، والراحة النفسية ، والسعادة ، الملخص ينبغي أن يقول المؤمن الذي انعقدت له مع الله صلة : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني .
المذيع:
 فضيلة الشيخ ، الناظر لأحوال أمة المسلمين على مدى القرون الماضية ، وهي التي يفترض أن تكون في مقدمة البشر ، يجدها في ذيل التطور ، وفي ذيل البشرية ، كيف ترى مستقبل الأمة المسلمة بعد هذه الجائحة ؟

الأمة الإسلامية أمة لا تموت :

الدكتور راتب :
 أنا أرى بإخبار النبي الكريم :
( )أمتي كالمطر في أولها وآخرها ))

 هي أمة لا تموت ، أمةٌ كتب الله لها الحياة .

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 علة هذه الخيرية .

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 هي الخيرية المطلقة ، فلذلك أنا مؤمن بهذه الأمة التي اختارها الله أمةً لكتابه ولوحيه ، فأنا أقول : أحياناً تنام لكن لا تموت ، هذه الأمة لا تموت أبداً ، لكن أحياناً تضعف وتقوى ، والله قال :

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 من قوةٍ إلى ضعف ، من تألق إلى فتور ، طبعاً شيء طبيعي جداً ، نحن أحياناً في تألق ، وأحياناً في ضعف ، لكن الإيمان بالله قوي جداً .

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 فضيلة الشيخ ؛ شكراً جزيلاً لك على هذه المشاركة ، الشيخ محمد راتب النابلسي سعدنا بكم معنا في هذه الحلقة من برنامج : "الشريعة والحياة في رمضان" .
 أخيراً عزيزي المشاهد من عرف الحق ، وسلك الطريق القويم ، ثم استقام على ذلك أفلح ونال الجزاء الأوفى ، وفي محكم التنزيل :

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 153]

 دمتم في أمان الله .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور