وضع داكن
27-04-2024
Logo
قناة الجزيرة – برنامج الشريعة والحياة - الندوة : 4 - النفس الإنسانية وسبل تزكيتها وكبح جماح شهواتها
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
مشاهدينا الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامجنا : " الشريعة والحياة في رمضان " ، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم :

﴿   وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)  ﴾

[ سورة الشمس ]

هذه هي نفس الإنسان ، وذاك سرها إن عرفته يقيناً ، النفس لا تأمرك بالسوء بل تلومك على اقتراف الذنوب والمعاصي ، فإن أقلعت سمت ، وعلت ، واطمأنت ، وهدت صاحبها سبيل الرشاد ، عن النفس الإنسانية والسبل تزكيتها وكبح جماح شهواتها نتحدث في حلقة اليوم ، وضيف حلقتنا الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي .
نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي .
فضيلة الدكتور ؛ لك مقولة في لقاء سابق تقول : إن تزكية النفس ثمنها الجنة ،

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

هذا نص القرآن الكريم ، كيف عنت الرسالات السماوية ورسالة الإسلام تحديداً بتزكية النفس وتطهير القلوب لإصلاح الفرد والمجتمع ؟
 

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أخي الكريم ؛ أيها الأخوة المشاهدون ، الإنسان هو المخلوق الأول عند الله ، لأن هذا الإنسان يوم عرضت الأمانة على السماوات والأرض قبِلها ، وقبِل حملها ، فلما قبِل حملها كان عند الله المخلوق الأول رتبةً ، والمفضل تكريماً ، والمحاسب مسؤولية ، هذا الإنسان إما أن يصل إلى مرتبة فوق الملائكة ، وإما أن يهبط إلى مرتبة دون الحيوان .
ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، فالإنسان خلق لجنة عرضها السماوات والأرض :

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

هذه الجنة جيء بنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن مفتاحها فقط ، العمل الصالح ، العمل الصالح يصلح للعرض على الله ، والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين ، فلذلك علة وجودنا في الدنيا العبادة .

﴿   وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )  ﴾

[   سورة الذاريات ]

والعبادة في أدق تعاريفها : " طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة  أبدية " .
فما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، إذاً نحن في دار ابتلاء لا دار جزاء ، في منزل ترح لا منزل فرح ، نحن جئنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن الجنة أو ثمن مفتاح الجنة ، فالآية تقول :
 

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)  ﴾

[ سورة هود ]

خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، خلقهم ليطمئنهم ، خلقهم لجنة عرضها السماوات والأرض .
مرة ثانية : 

(( ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  . ))

 

على الإنسان اتباع تعليمات الصانع حرصاً على سلامته وسعادته واستمراره :


جئنا إلى الدنيا كي نتعرف إلى الله من خلال آياته الكونية ، والتكوينية ، والقرآنية ، وكي نتبع منهج الله تعليمات الصانع ، الصانع الجهة الوحيدة الخبيرة ، فالإنسان انطلاقاً من حرصه على سلامته ، وعلى سعادته ، وعلى استمراره ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع .
انطلاقاً من حرصه على سلامته في الأرض ثمانية مليارات إنسان الآن ، فيهم واحد يحب الفقر أو القهر أو المرض ؟ ولا واحد ، فيهم واحد لا يحب الغنى والسعة والأسرة الصالحة والأولاد الأبرار والبنات المحتشمات ؟ جميعاً نحب ذلك ، هذه الثمار اليانعة محققة في الدين بشكل مذهل ، ولذلك خلقهم ليرحمهم ، ليسعدهم ، ليعلي قدرهم ، لجنة عرضها السماوات والأرض ، إلا أن الإنسان إن عرف الله ، واستقام على أمره ، ارتقى فوق الملائكة ، وإن زلت قدمه هبط عن مستوى دون الحيوان ، فلذلك أصل الدين معرفة الله .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء " .
أنت مع تعليمات الصانع ، الصانع الجهة الوحيدة الخبيرة لسلامتك ، وسعادتك ، واستمرارك ، لا يوجد شخص من ثمانية مليارات إلا ويتمنى السلامة ، والسعادة ، والاستمرار ، فالسلامة بالاستقامة على أمر الله ، والسعادة بالإقبال على الله ، والاستمرار بتربية أولاده ، فنحن خلقنا للجنة ، خلقنا للسعادة ، المعاصي هذه حجاب بين العبد وربه .
في آية أخرى :

﴿  وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 )  ﴾

[ سورة الرحمن ]

الجنة الأولى في الدنيا جنة القرب ، والجنة الثانية بالآخرة جنة الخلد ، فكل الإيجابيات موجودة .
 

الحق هو الشيء الثابت والهادف والباطل هو الشيء العابث والزائل :


الآن الإنسان لضعف طلبه للحق ، لضعف معلوماته ، يرتكب أخطاء كبيرة جداً ، والله يذكره أن هناك مصائب ، رسائل من الله عز وجل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

ما هو الحق ؟ الحق ؛ الشيء الثابت والهادف ، ما هو الباطل ؟ الشيء العابث والزائل ، إنشاء الجامعة حق لتربية جيل يقود الأمة ، أما السيرك فمدته أسبوعين فقط ، الباطل ؛ شيء عابث وزائل ، أما الحق فالشيء الثابت والدائم ، فالحق هو الله ، والحق منهج الله ، والحق كتاب الله ، والحق بعثة الأنبياء ، فأنت مع الحق أسعد إنسان ،

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

علة وجودنا في الدنيا العبادة ،

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

 

الحبّ في الله أصل التوحيد :


العبادة في أدق تعاريفها : طاعة طوعية ، خلقنا ، حياتنا بيده ، الموت بيده ،  السعادة بيده ، الشقاء بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، ومع كل  ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال :

﴿  لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)    ﴾

 

[ سورة البقرة ]

ولكن أراد أن تكون المحبة أصل بيننا وبينه ، قال :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)  ﴾

[ سورة المائدة ]

فلذلك الحب في الله أصل التوحيد ، أن تحب الله ، ورسوله ، وأنبياءه جميعاً ،  والعلماء الربانيين ، والمساجد ، والعمل الصالح ، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، أن تحب جهة تبعدك عن الله عز وجل ، فهذا الدين حياتنا ، سلامتنا ، سعادتنا ، مستقبلنا ، خلودنا في الجنة ، شيء عظيم جداً ، الدنيا ساعة اجعلها طاعة ، والنفس طماعة عودها القناعة .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ القرآن الكريم ذكر دروباً من الأنفس ، ليست نوعاً واحداً ، قال الله عز وجل :

﴿  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)  ﴾

[ سورة الفجر ]

إشارة إلى نوع من الأنفس ، دونها نفس أخرى حينما أقسم :

﴿  وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)  ﴾

[ سورة القيامة ]

ثم قال في سورة يوسف على لسان المرأة التي أحبت سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام :

﴿   وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)  ﴾

[ سورة يوسف ]

هل هناك أنواع أخرى غير هذه الأنفس ؟ وما سِمَتها هذه الأنفس الثلاث ؟
 

أنواع النفس وسماتها :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
النفس التي عرفت ربها ، واستقامت على أمره ، وتقربت إليه بالعمل الصالح ، وكانت أمينة على ما ائتمنت عليه ، هذه نفس راضية ، هي راضية ، والله عز وجل رضي عنها ، وهناك نفس درجة ثانية ، إذا أخطأت تنتبه ، هي لوامة ، مقبولة عند الله عز وجل ، الإنسان غير معصوم ، النفس اللوامة مقبولة ، تلوم نفسها ، أحياناً الإنسان يتكلم كلمة غير لائقة لا ينام الليل ، هذه صفة جيدة بالإنسان ، النفس اللوامة مقبولة عند الله ، والراضية بدرجة أعلى ، أما الأخيرة فمصيرها شقاء في الدنيا ، وشقاء في الآخرة .
المذيع :
كيف نصلح هذه النفس الأخيرة ، نحن في زمن فشت فيه المنكرات ، وعمّ فيه البلاء ، غالبية الأنفس بعيدة ، أو حتى منذ أن خلق الله عز وجل الأرض ومن عليها ، غالبية الأنفس بعيدة عن النفس المطمئنة ، الجنة يدخلها واحد من ألف ، كيف نرتقي بالنفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة حتى نصل إلى المرتبة التي يريدها الله عز وجل منا ؟
 

الدعوة إلى الله أفضل عمل عند الله عز وجل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
ما من عمل في الأرض أفضل عند الله من الدعوة إلى الله .

﴿  وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)  ﴾

[ سورة فصلت ]

دعا إلى الله بكلامه ، بلقائه ، بخطابه ، بحركته أحياناً ، بطريقة بيعه وشرائه ، دعا إلى الله ، وعمل صالحاً ؛ حركته اليومية ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، علاقته بزوجته ، بأولاده ، ببناته ، بأصهاره ، مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، بالمناسبات ، بالسياحة ، بكل حركات الإنسان العبادات الشعائرية ؛ صوم ، صلاة ، حج ، زكاة ، العبادة التعاملية تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وتنتهي بالعلاقات الدولية ، تبدأ بالعلاقات الأسرية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام العظيم إذا طبقناه ثماره يانعة ، ثماره نصر من الله ، قوة ، أما إذا اكتفينا بالعبادات الشعائرية الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، عبادات أساسية لكنها شعائرية ، أما الأساسية فهي الحياة اليومية ، إسلامك في بيتك ، البيت إسلامي ؟ اللقاءات إسلامية ؟ الشاشة مضبوطة ؟ العلاقات مضبوطة ؟ تجارتك فيها مخالفات شرعية ؟ فيها بضاعة سيئة تباع باسم آخر ؟ فنحن أمام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا المنهج لو طبق كما أراد الله نحن أقوى أمة في الأرض .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ هل الصلاح والفساد مركوز في النفس أو مركوزان في النفس مستوطنان فيها ؟ البعض يحتج بقوله عز وجل :

﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾

ويقول : هكذا خلقني الله ، إما فاجر ، أو تقي ، لا أستطيع سبيلاً إلى تغيير هذه أو تلك ؟
 

من طبق منهج الله اصطلح مع نفسه :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد مغالطة هنا .

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)  ﴾

[ سورة الروم ]

 فالله عز وجل ما في أمر أمرت به إلا جبلت على محبته ، وما في أمر نهيت عنه إلا جُبلت ، وفُطرت ، وولفت ، وبُرمجت على كراهيته .

﴿  وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)  ﴾

[ سورة الحجرات ]

توافق الأمر مع الفطرة شيء رائع جداً ، إنسان لو فرضنا دخل إلى بيته الساعة الواحدة ، والدته طلبت دواء منه ، قال لها : كل الصيدليات مغلقة ، سكتت ، استحت منه ، هو يعلم أنه يوجد خمس صيدليات مناوبة ، ومعه سيارة ، أما لو ذهب ووجد أن هذا الدواء مفقود بالصيدليات ، بالحالتين الدواء لم تأخذه والدته ، لكن أول مرحلة لا ينام مرتاحاً ، بالثانية ينام مرتاحاً ، هذه الفطرة ، ما من أمر أمرت به ، ما من نهي نهيت عنه إلا فطرت على محبته ، وكراهية النهي ، هذه هي الفطرة ، توافق الفطرة مع الشرع ،

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

فأنت عندما تطبق منهج الله اصطلحت مع نفسك ، يجب أن تقول والله لا أبالغ : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، أنت مع خالق السماوات والأرض ، مع أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ،  هذا الإله يعصى ؟ هذا الإله ألا يتقى ؟ ألا يطبق منهجه ؟ خالق الأكوان ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال .
             

   فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا           الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا

           

     ولو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا

           

     ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا

           

     ولو نسمت من قربنا لك نسمـة           لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا

         

       ولـــــــو لاح من أنوارنا لك لائح          تركت جميع الكائنات لأجلنـــــــــــــــــــــا

                                 

    ***

" لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ " .
 

الفرق بين اللذة والسعادة :


أنت حينما يسمح لك أن تتصل بالله أنت أسعد إنسان بالأرض ، السعادة أخي الكريم شيء دقيق جداً ، اللذة حسية ، تحتاج إلى وقت ، وإلى مال ، وإلى صحة ، ولحكمة بالغةٍ بالغة دائماً محذوفة واحدة ، بالبداية يوجد صحة ووقت ولا يوجد مال ، بالوسط يوجد مال وصحة ولا يوجد وقت ، بالنهاية يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة ، هذه اللذة هكذا لحكمة بالغة ، ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة ، ولا ثابتة ، بل متدنية ، أما السعادة الحقيقية فهي أن تنعقد لك مع الله صلة ، فهذا الذي يعزف عن الإيمان ، عن معرفة الواحد الديان ، إنسان خاسر خسارة كبرى .
 

﴿  فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)  ﴾

[ سورة الزمر ]

لا يوجد إنسان يحب الخسارة ، نحن حينما نتعرف إلى الله نحقق حاجاتنا الأساسية ، من لا يحب الغنى المشروع طبعاً ؟ أسرة ناجحة ؟ صحة تامة ؟ بيت واقعي ؟ فكل إنسان يحب الإيجابيات ، ويكره السلبيات ، الإيجابيات كلها أن تعرف الله .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ ذكرتم أن النفس مسؤولة ، مفطورة ، على حبّ ما أمرها الله عز وجل به ، وعلى كراهية النواهي التي أمرت باجتنابها ، لكن الجنة حفت بالمكاره ، والنار حفت بالشهوات ، وإلا لدخل الناس جميعاً كلهم الجنة ؟
 

الشهوة قوة دافعة أو مدمرة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الشهوات مئة وثمانون درجة ، ما من شهوة أودعت في الإنسان - كلام دقيق وعلمي ، قانون - ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها،  طبعاً الإنسان فُطر على حبّ المرأة ، يوجد زواج ، الزواج فيه راحة نفسية ، الإنسان قد يكون هناك لقاء زوجي ، ويصلي قيام الليل ، ويبكي في الصلاة ، لا يوجد شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة طاهرة تسري خلالها ، فالشهوات ما أودعت فينا إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، الشهوات قوى دافعة ، أي إذا أخذنا مئة وثمانين درجة ، أي شهوة مسموح لك بمئة وستين درجة ، مئة وأربعين ، مئة وخمس عشرة ، الباقي حرام ، فإذا الإنسان يريد الله يبقى بالمئة والأربعين درجة ، أما الذي يريد أن يكفر بالله ، أن يعصي الله فيختار الحرام فقط .
المذيع :
طريق الجنة شيخنا محفوف بالمكاره ، أي الأمور التي تكرهها النفس ، وصعبة على عموم البشر إلا أصحاب الهمة العالية ، هذا هو طريق تزكية النفس ، تزكية النفس عسير وصعب ؟
 

المكاره تثمن العمل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الحقيقة المكاره ثمن الجنة ، عفواً ، الإنسان يحب أن ينام ، يستيقظ على صلاة الفجر ، هذا شيء من المكاره ، لكنه أثبت أنه يحب الله كثيراً ، نزع اللحاف ، توضأ ، صلى الفجر ، شعر براحة كبيرة ، المكاره تثمن العمل ، فالإنسان يحب أن يرى امرأة جميلة ، أما غض بصره عن امرأة لا تحل له ، الله ما حرمه المرأة يوجد زواج ، المؤمن يرضى بما سمح الله به من شهوات ، ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله له قناة نظيفة طاهرة ، أبداً لا يوجد حرمان عندنا إطلاقاً ، حتى الإنسان بقاؤه منوط بالطعام والشراب ، الطعام مسموح ، يوجد مليون نوع من الطعام عدا الخمر والخنزير فقط ، المحرمات ثلاثة بالألف ، كله مباح للإنسان ، الإنسان يحب سلامة وجوده ، مؤمن بالدين ، ويحب كمال وجوده مسموح ، ويحب استمرار وجوده ، سلامته بالاستقامة ، وكمال وجوده بالعمل الصالح ، واستمرار وجوده بتربية أولاده ، الذي يربي أولاده أسعد إنسان بالأرض .

﴿   وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)  ﴾

[   سورة الطور ]

المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ ونحن في شهر الصيام إلى أي مدى يوفر لنا هذا الشهر الكريم - أعاده الله علينا وعلى المسلمين جميعاً بالخير - كيف يوفر لنا فرصة لكبح جماح قطار الشهوات المنطلق طوال العام وتنمية أو تسريع وتيرة قطار الطاعات الذي يبدو بطيئاً في بعض محطات هذا العام ؟

  رمضان شهر القرب والعبادة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :

هذا الشهر شهر القرب ، شهر العبادة ، شهر الاتصال بالله ، شهر العمل الصالح ،  شهر أداء الزكاة ، شهر صلة الأرحام ، هذا الشهر كله عبادات ، فهذا موسم ، عندي عبادة تستمر ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً ، الصلاة ، عندي عبادة موسمية ، فهذا فرصة استثنائية كي تنتقل نقلة نوعية إلى الله ، يوجد صلاة تراويح يومياً ، من أقام رمضان غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، من صام رمضان أيضاً غفر الله له ، أعطانا فرصة سنوية .
شخص عنده دين بمليوني دولار ، ومحجوز على أمواله كلها ، سمح له أن يفعل عملاً بثلاثين يوماً يعفى من كل الديون .

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ ، ومن قام ليلةَ القَدْرِ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ]

فرصة لا تقدر بثمن ثلاثين يوماً ، لكن ثلاثين يوماً عند الأسر المتفلتة ولائم ، ومسلسلات ، رمضان الآن ولائم ومسلسلات بخلاف سره ، بخلاف جوهره ، بخلاف مضمونه ، أما رمضان فهو شهر التوبة ، شهر الغفران ، شهر الإقبال على الله ، كي تذوق الصلة بالله ، كي تذوق الوقوف عشرين ركعة بالتراويح بين يدي الله ، كي تقرأ القرآن يومياً ، هذا شهر عبادات ، شهر قرآن ، شهر إنفاق ، شهر صلة بالله ، شهر تراويح ، شهر فجر بالمسجد ، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، أي أرادك الله أن تذوق طعم القرب منه ، لكن أقول كلمة دقيقة لكنها سلبية قليلاً : من عاد بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان ، والهأ لا أبالغ فكأنه ما صام رمضان ، نقلة نوعية ، هناك صلاة الفجر يومياً ، تستمر طوال العام ، يوجد غض بصر ، ضبط شاشة ، ضبط كلام ، جلسة فيها ذكر لله عز وجل ، إذا ما غيرت أمورك تغييراً جذرياً في رمضان وتابعتها بعد رمضان كأنك لم تصم ، لو فرضنا شخصاً صعد درجة بعد رمضان عاد إلى ما كان عليه ، يوجد شاعر لكن أقسم بالله هو ما فعلها .

رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق

***

أقسم بالله ما فعلها ، أحد الشعراء .
أما أن نعود بعد رمضان إلى ما كنا قبل رمضان والله لا أبالغ كأننا ما صمنا رمضان، الله أراد نقلة نوعية مستمرة طوال العام ، صبيحة العيد يفطر فمك فقط ، وليس أن تعود إلى ما كنت عليه ، إذا عدنا إلى ما كنا عليه والله لا أبالغ كأننا ما صمنا رمضان ، أرادنا أن ننتقل كل رمضان إلى مستوى أعلى .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ ذكرتم أن حرص النفس ، أو حرص البشر على استمرارية وجودهم يتأتى خلال تربية الأولاد ، في تقديرك هل التربية المبكرة التي يتلقاها البشر ويتلقاها المسلمون في المدرسة ، وفي المسجد ، وفي المنزل ، يسهم في تزكية نفوسهم إلى الدرجة التي يريدها الله عز وجل منا ؟
 

القدوة قبل الدعوة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا بد من أن يكون الأب والأم الأصل الأول في توجيه الأولاد ، لأن الأب عندما يكون صادقاً علم أولاده الصدق ، الأم عندما لا تكذب علمت أولادها الصدق ، فنحن القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والمضامين لا العناوين ، والمبادئ لا الأشخاص ، فنحن القدوة قبل الدعوة ، لو أن أباً ما تكلم ولا كلمة توجيه لأولاده ، لكنه ما كذب أبداً ، لم يواجه ابنه بشاشة غير منضبطة ، ولا بكلمة خلاف الواقع .

((  عن سمرة بن جندب رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا ، واعتمروا ، واستقيموا يستقم بكم   ))

[ أخرجه الطبراني ]

الأب والأم قدوة ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والمضامين لا العناوين ، والمبادئ لا الأشخاص ، وتربية العقل والقلب معاً ، فشيء دقيق جداً أن يكون الأب مثلاً أعلى ، الأب إذا يرتكب أخطاء أمام أولاده علمهم ذلك هو ، هل يستطيع أب يدخن أن يمنع ابنه من التدخين ؟ لا يستطيع ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ،  والأصول قبل الفروع ، فالأب والأم أولاً .
 

تربية الأولاد أكبر تجارة مع الله   :


لكن لا تنسى أن الجزاء لا يوصف ، كل أعمال الأولاد الصالحة في صحيفة الأب والأم ، الدليل :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

هذه آية دقيق جداً ،

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ ﴾

الأب قدوة ، الابن سار على منهج والده ، والأم محتشمة جداً ، بخروجها ، بكل نشاطاتها ، فكانت قدوة لبناتها ،

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .
أخي الكريم ؛ أعلى تجارة في الأرض خمسة عشر بالمئة ، وهناك عشرة ، ويوجد خمسة ، وهناك خسارة أيضاً ، أعلى تجارة أي اشتريت وبعت ، خمسة عشر أعلى تجارة ، إذا كان هناك احتكار موضوع ثان ، أعلى صناعة يمكن أن يكون الربح خمسة وعشرين بالمئة، أعلى تجارة مع الله مليار بالمئة ،

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

ألحلقنا بهم أعمال ذريتهم ، التي ربت ابنها على فتح القسطنطينية فتح هذه المدينة العملاقة في صحيفة الأم ، أكبر تجارة مع الله تربية الأولاد ، الإنسان ، أي إنسان بالأرض ثمانية مليار إنسان كل منهم حريص على سلامته ، سلامته باستقامته ، وعلى سعادته ، سعادته بالعمل الصالح ، سمّي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، الثالثة دقيقة ؛ وحريص على استمراره ، لا يستمر إلا بتربية أولاده ، يوجد حالة اسمها : قرة العين ، لا أحد يعرف حجمها إلا من ذاقها ، أن ترى ابنك صادقاً ، مستقيماً ، متفوقاً ، منضبطاً ، يأتي شعور للأب :

﴿  وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)  ﴾

[ سورة الفرقان ]

لا يوجد سعادة تغمر الإنسان كأن يرى ابنه كما يتمنى ، هذا شيء مسعد جداً ، البيت الإسلامي جنة ، البيت جنة ، بأي مساحة ، وبأي دخل .
المذيع :
نعم فضيلة الدكتور ؛ لكن يحدث العكس ، أحياناً تجتهد الأم والأب أقصى ما يستطيعان فيخرج من أبنائهم من هو صالح ، ومن هو فاجر فاسد ، ولنا في نوح عليه الصلاة السلام خير مثال على ذلك ، وتخيل حسرة سيدنا نوح حينما نادى ربه عز وجل :

﴿  وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)  ﴾

[ سورة هود ]

فربنا عز وجل قال له : 

﴿  قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)  ﴾

[ سورة هود ]

النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل :

﴿  فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) ﴾

[ سورة الكهف ]

تخيل حسرة المرء على ولده ، وهو يخرج أو يراه دون إرادته يسير في طريق الباطل ويلقي نفسه بالمهالك ، ما السبيل ؟ أو كيف يحدث هذا في الأسرة الواحدة وفي البيت الواحد ؟
 

ضرورة العناية بالأولاد من يوم ولادتهم :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
عندنا الأصل ، وهناك حالة استثنائية ، الأصل حينما نبدأ بتربية الأولاد من يوم الولادة ، أما أنا أهمله سبع سنوات ، علماء التربية قالوا : أول سبع سنوات أخطر سبع سنوات في حياة الإنسان ، عاداته ، تقاليده ، مفهوماته ، نحن نهمل الأولاد بهذه الفترة ، ننتبه بأول المراهقة ، لا نقدر ، أما حينما نبدأ بالتربية من يوم الولادة ، سألنا دكتور في علم النفس متفوق جداً كان أستاذنا ، كيف يكون أول يوم للطفل ؟ بكى أرضعته ، بكى نظفته ، الآن بكى بلا سبب ، إن حملته يوجد مشكلة كبيرة ، تبدأ التربية من أول يوم ، فإذا أنت ربيته على الطاعات ، على الانضباط ، على العبادات ، أغلب الظن لن تكون النتيجة سلبية ، أما أنا عندما أنتبه له بعد سبع سنوات ، وبعد عشر سنوات فهناك مشكلة ، أخذ مفاهيم وعادات لا ترضي الله عز وجل ، أما الأصل إذا الإنسان اعتنى بابنه من يوم ولادته عناية كاملة فأغلب الظن النتائج إيجابية .
المذيع :
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ ، ونفع بكم ، فضيلة الشيخ يقول الله عز وجل :

﴿  وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) ﴾

 

[ سورة البقرة ]

كيف يظلم الإنسان نفسه ويوردها موارد التهلكة في الدنيا والآخرة ؟
 

توافق الأوامر الإلهية مع الفطرة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الله عز وجل خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض 

(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  ))

لكن جاء بنا إلى الدنيا من أجل أن ندفع ثمن مفتاح الجنة ، كلامي دقيق ، لا ثمن الجنة  ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  قصر ثمنه مئة مليار ، أنت تدفع ثمن المفتاح فقط ، ندفع بعمر مديد ، بطاعة ، بإقبال ، بأعمال صالحة ، بجهاد ، بكل الطاعات ندفع ثمن مفتاح الجنة ، هذا شيء مضمون في الدنيا ، ما حرمك المرأة تزوج ، ما حرمك المال اعمل ، فالمحرمات تتناقض مع الفطرة .

﴿  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)  ﴾

[ سورة الروم ]

ما من أمر أُمرت به إلا جُبلت ، وبُرمجت ، وولفت على محبته ، وما من نهي نهيت عنه إلا العكس جُبلت ، وفُطرت على كراهيته ، والدليل :

﴿  وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)  ﴾

[ سورة الحجرات ]

فكل أمر إلهي يتوافق مع فطرتك ، فأما الاستقامة فتحتاج إلى إرادة ، والذي لا يوجد عنده إرادة ليستقيم هذا ليس من بني البشر ، ما دام هناك جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين أضيع هذه الجنة بسنوات محدودة ؟ بمتاعب لا تنتهي ؟

(( " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " . ))

(( " لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد " . ))

الله يفرح بنا ، الذات الكاملة أصل الجمال والكمال يفرح ، فالله يفرح بنا إن عرفناه ، مثل أب غني كبير ، عندما يستقيم الابن على منهج الأب يكافئه مكافأة كبيرة ، وهو غني عن ابنه ، الله غني حميد ، غني عنا ، لكن لا يعاملنا إلا بما نحمده عليه ، الذات الكاملة ، نزهد بالدين ؟ نعيش الدنيا ؟ الإنسان كل إمكانياته الضخمة ، كل مكانته ، كل ثروته مبنية على نبض القلب ، توقف القلب ينتهي كل شيء ، يملك مليارات انتهت ، منوطة بنبض القلب ، تشمع بالكبد ، أو خثرة بالدماغ ، على غلطة بسيطة تنتهي الحياة ، والمؤمن له حياة طيبة .

﴿   مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)  ﴾

[  سورة النحل ]

إله عظيم جعل للمؤمن حياة طيبة ليس لها علاقة بالمادة إطلاقاً ، إذا لم يقل الإنسان المؤمن : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده مشكلة مع الله ، تفضل سيدي .
المذيع :
فضيلة الشيخ رغم كل هذا بعض الناس يعرفون ما ذكرته ، ويعرفون طريق الله لكنهم لا يختارون هذا الطريق ، وإنما ينحرفون ، وتتجاذبهم الأهواء والشهوات يميناً ويساراً بعيداً عن صراط الله المستقيم ، هؤلاء ما قيمتهم ؟ ما خلقتهم ؟ حتى أن بعضهم يفرط في هذا الأمر ويجعل حياة من حوله جحيماً ، الذين يسفكون الدماء ، وينهبون الأموال ، ويتعدون على الأعراض وما إلى ذلك ؟
 

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هؤلاء يحتاجون إلى حاضنة إيمانية ، يحتاجون إلى صديق مؤمن ، الدليل :

﴿   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)  ﴾

[   سورة التوبة ]

آية ثانية :

﴿   وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)  ﴾

[   سورة الكهف ]

لابد من حاضنة إيمانية ، لا بد من صديق مؤمن ، من سهرة مع مؤمنين ، من رحلة مع مؤمنين ، أمر إلهي :

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

كأن الآية تقول : لا تستطيعون إلا أن تكونوا ،

﴿ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

نحتاج إلى حاضنة إيمانية .
 

التفكر بآيات الله عز وجل :


تصور بيتاً فيه جميع أنواع الأجهزة الكهربائية الغالية جداً ، لكن الكهرباء مقطوعة ، كله توقف ، القطع قد يكون ميليمتراً واحداً ، أو متراً ، مثل بعضها ، انقطع التيار ، انقطع التيار صار الدين عبئاً ، العبادات عبئاً ، يحب الإنسان التفلت ، عندما يستقيم تماماً ، ويذوق طعم القرب من الله ، والله لو عرضوا عليه الدنيا بأكملها ، لو عرضوا عليه الدنيا كلها يركلها بقدمه ، وصل إلى الله ، البطولة المرحلة المكية محذوفة بحياتنا ، المدنية فقط  أحكام ، أما الاتصال بالله فهو أن تعرف الله ، أن تعرف عظمته ، القرآن في آيات الأمر تقتضي أن نأتمر ، آيات النهي أن ننتهي ، آيات القصص أن نتعظ ، وهناك ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، ما الموقف منها ؟ التفكر .

﴿  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)  ﴾

[ سورة آل عمران     ]

التفكر ألف وثلاثمئة آية ، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، يدخل لجوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ،   الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة  ، يدخل لجوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، الله يقول بالقرآن :

﴿  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( 1 )  ﴾

[ سورة البروج ]

البروج ؛ جمع برج ، والبرج جمع كبير من النجوم ، يوجد برج اسمه : برج العقرب ، أنا رأيته بمتحف فضائي بأمريكا ، وصلوا بين نجومه بخطوط كالعقرب تماماً ، هذا البرج اسمه : برج العقرب فيه نجم صغير ، صغير جداً متألق أحمر اللون اسمه : قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟
             

   فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا           الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا

               

 ولو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا

             

   ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا

       

 ***

المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ كتب على البشر جميعاً أنهم غير معصومين ، إلا من عصمه الله عز وجل برحمته ، وبرسالته إن كان نبياً مصطفى ، كل البشر خطاؤون ، وخير الخطائين التوابون ، كيف يتوب ؟ أو كيف نهذب النفوس كي تتوب إلى الله عز وجل سريعاً ؟ نرى من الناس من لو أذنب ذنباً صغيراً يشعر وكأن جبلاً وقع على رأسه ، يبادر إلى التوبة سريعاً ، ونرى منهم من هو شارد في غيه لا يقيم وزناً لأي فعلة فاجرة يرتكبها ، ويمضي في سبيله وكأن شيئاً لم يكن ؟
 

من استقام على أمر الله وأخلص له ذاق طعم القرب :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ الإنسان إذا استقام على أمر الله ، وأخلص له ، وتقرب إليه ، يذوق طعم القرب ، فإذا ذاق طعم القرب لا يمكن أن يضحي به ، تأتي الهمة العالية من ذوق طعم القرب ، إذا الإنسان ما ذاق طعم القرب ، ليس مستقيماً ، ما دام ليس مستقيماً لا يوجد عقد صلة مع الله عز وجل ، العبادات تصبح عبئاً ، تصبح الدنيا أجمل له من الآخرة ، الإنسان عندما يصبر على نفسه ، عفواً ؛ للصابر أجر عال جداً ، الصبر أساسه امتنان داخلي ، وهناك لفظ خارجي : يا ربي لك الحمد ، يوجد صبر ، ويوجد شكر عملي .

﴿  يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)  ﴾

[ سورة سبأ     ]

الإنسان إذا ذاق طعم القرب أقبل على الله ، إن لم يقل لك : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة كبيرة ، أنت مسموح لك أن تتصل بالذات الإلهية ، بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، بخالق السماوات والأرض .

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلى السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك ]

هل يعقل أن نستغني عن الله عز وجل ؟ ألا نقبل عليه ؟ ألا نطيعه ؟ أن نفعل شيئاً لا يرضيه ؟
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ الأمة بنهاية المطاف هي مجموع الأفراد ، وحالة الأمة الإسلامية في هذا الزمن لعله لا يسر إلا العدو كما ترى ، وكما يرى المسلمون جميعاً ، ما السبيل إلى تزكية هذه الأمة والنهوض بها والسمو بها إلى حالة ترضي الله عز وجل وتتبوأ بها المكانة التي تليق بها بين الأمم ؟
 

سبل النهوض بالأمة الإسلامية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ يوجد حلّ واحد ، الحل الواحد : عندنا إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، الفردي بثلاث دوائر ، أنت دائرة ، نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك ، بيتك القرار فيه لك ، وعملك لك القرار ، ونفسك لك القرار ، تستطيع أن تصلي أو لا تصلي ، تكون صادقاً أو غير صادق ، فأنت دائرة ، وبيتك فيه معاص وآثام ، فيه شاشات مفتوحة ، فيه لقاءات لا ترضي الله ، وعملك فيه بضاعة مغشوشة ، فيه بضاعة محرمة ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك ، تملك بيتك ، ونفسك ، وعملك ، قطفت كل ثمار الدين الفردية ، الدليل :

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)  ﴾

[   سورة النساء ]

هذا الدين الفردي ، إذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك ، حتى الواحد لا يحتج بالعالم ، أما الأمة :

﴿  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( 33 )  ﴾

[ سورة الأنفال ]

أي يا محمد ما دمت سنتك مطبقة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله ، عندنا إسلام فردي ، وإسلام جماعي .
اشتقت لأحبابي ، سألوه : ألسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر ، أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون .
فإذا الواحد ببيئة متفلتة واستقام ، استقام ببيته ، وعمله ، ونفسه ، دوائر ثلاثة تملك الإدارة فيها أنت ، الآن أنت ابدأ بالإسلام الفردي ، وبعد ذلك إذا أنت أسلمت إسلاماً صحيحاً ،  وجارك ، وصديقك ، بدأت حلقة صغيرة ، والحلقات تتسع ، يصير الإسلام جماعياً ، أما أنت فابدأ بنفسك ، أنت محاسب عن ثلاثة أشياء لك القرار فيها ، أنت دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة فقط ، أنا أقول هذا الكلام حتى نعلق توبتنا ، واستقامتنا ، وعملنا ، وديننا على الأمة ، الأمة متفلتة الآن ، الإعلام هو كل شيء ، الإعلام يعرض عليك كل المعاصي والآثام ، إذا الشاشة ما انضبطت بالبيت ، لا يوجد توبة بالبيت ، من أعلى شخص لأصغر شخص ، الشاشة أخطر شيء ، تقدم لك الباطل بأحلى زينة لك ، الفيلم ثلاث ساعات من أجل أن يريك أن المعاصي هي أمتع شيء بالحياة ، فإذا تلقينا ثقافتنا من الشاشة انتهينا ، ولا يوجد توبة  بالبيت ، نريد أن نأخذ من وحي السماء ، من القرآن ، من السنة ، من دروس العلم .
المذيع :
فضيلة الشيخ ؛ البعض يسيئون فهم قول الله عز وجل :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)  ﴾

[ سورة المائدة ]

فيقعد عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وهما لهم ما لهم من أثر في تزكية النفوس ، يقول الله عز وجل :

﴿  وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)  ﴾

[ سورة المائدة ]

والآيات التي تحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة وفيها صلاح للمجتمع ، وفيها صلاح للأمة ، كيف نوفق بين الدوائر الخاصة بالفرد والأمة ؟
 

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة السادسة ، أما إذا ما أمكنك هذا المنكر لك أن تصلحه بيدك إذا كنت قوياً ، أو بلسانك إذا كنت عالماً ، أو بقلبك إذا كنت ضعيفاً ، لا بد من إنكار المنكر ، الأمة قيمتها بإنكار المنكر ، وإقرار المعروف ، فأنا أنكر إما بيدي إذا كنت قوياً ، أو بلساني إذا كنت عالماً ، أو بقلبي إذا كنت ضعيفاً لكن يوجد إنكار ، من شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها ، إنكار المنكر الفريضة السادسة .

﴿   كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)  ﴾

[  سورة آل عمران ]

 علة الخيرية الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إذا عطلنا هذه أصبحنا كأي أمة خلقها الله ، لا شأن لنا إطلاقاً .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
بارك الله بكم فضيلة الشيخ ، ونفع بكم ، جزاكم الله خيراً ، شكراً جزيلاً للدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي على هذه المشاركة .
مشاهدينا الكرام في الختام يقول الله عز وجل :

﴿   ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)  ﴾

[   سورة الأنفال ]

فاحذروا عباد الله أن تجحدوا نعم الله ، أو أن تكفروها فلا تشكروها ، النعم تدوم ما دام الصلاح في نفوسنا ، فإن فسدت ، أو بدلت ، أو غيرت ، أو حازت عن الطريق ضلت وأضلت .
اللهم أصلح نفوسنا ، وأعنا على تقويمها ، دمتم في تقوى الله عز وجل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور