وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة الأنعام - تفسيرالآيات 13-16 ، الفوز في الآخرة لا في الدنيا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع من دروس سورة الأنعام .

الكلمة الجامعة المانعة الشاملة التي تغطي كل مخلوق أنه سَكَنَ :

 ومع الآية الثالثة عشر، وهي قوله تعالى:

﴿  وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) ﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿لَهُ﴾ أي: الكون كله، والكون ما سواه ﴿لَهُ﴾ ملكاً مطلقاً؛ خَلقاً، وتصرّفاً، ومصيراً، وهو مالك الملك، فأي شيء يُملّك هو مالكه، وملكية الله مطلقة، هذا المعنى يقتضي أن ترجع إليه، لأنه يملك سلامتك وسعادتك، يملك رفعتك أو خلاف ذلك، يملك إسعادك أو شقاءك.

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾ الحقيقة أن بعض المفسرين قالوا: له ما سكن وتحرك، لكن كلمة سكن أشمل من تحرك، لأن المتحرك لا بد له من طَوْر يكون فيه ساكناً.

 هذا القلب الذي هو مظنّة الحركة من طور الرحم إلى القبر، ومع ذلك في حالة سكون بين النبضتين، فالكلمة الجامعة، المانعة، الشاملة، التي تغطي كل مخلوق أنه سكن ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾ الأصل هو السكون، والحركة طارئة، حتى إذا رأيت حركة مستمرة فهي في الحقيقة صور متتابعة، لكن قدرة العين على اكتشاف الفروق بين الصور ضعيفة في طَور معين، فتبدو الحركة مستمرة. 

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾ أي: كل شيء سواه له، هو واجب الوجود، والكون كله ممكن الوجود.

﴿فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ الشيء جوهر والزمن طارئ عليه، فله ما سكن في الليل والنهار، يعني المكان والزمان، المكان: الأصل فيه السكون فكل شيء له، والزمن: الأصل فيه الظلام والنور : طارئ، ومن آياته :

﴿   وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ(37) ﴾

[  سورة يس  ]

مطلق العلم مع مطلق المكان والزمان كله ملك لله عز وجل :

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي شيء تقوله يسمعك، فإذا آثرت الصمت يعلم ما في نفسك، يعني مطلق العلم مع مطلق المكان والزمان كله ملك لله عز وجل، فلذلك كيف يتوازن الإنسان وهو يبعد عن الله، وأمره كله بيد الله؟ من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، أمرك بيده، سلامتك بيده، رزقك بيده، سعادتك بيده، من حولك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، أقرب الناس إليك بيده، أكبر قوة في الكون بيده، الأمراض بيده، الفيروسات بيده، عوامل المرض بيده ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

ماذا يُبنى على هذه الحقيقة الخطيرة؟ يُبنى على هذه الحقيقة الخطيرة :

﴿  قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(14) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 ما دام الأمر بيده، والأمر إليه، وهو المالك، مالك كل شيء، مالك أي شيء سكن، مالك أي شيء تحرك، مالك أي شيء في الليل، مالك أي شيء في النهار، إن سكتَّ يعلم ما في نفسك، إن تكلمت يسمع كلامك، هذا الإله المُطلَق في ملكه، وفي علمه، وفي قدرته، تتخذ غيره ولياً؟ 

الفرق بين كلمة ( فاطر ) وكلمة ( خالق ) : أيها الإخوة ، من أعجب العجب أن يتخذ الإنسان ولياً غير الله عز وجل :

أيها الإخوة من أعجب العجب أن يتخذ الإنسان ولياً غير الله عز وجل.

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً﴾ معنى الولي: هو الذي يتولى أمرك، هو الذي تهتدي بتوجيهاته، هو الذي يحميك من خصومك وأعدائك، هو الذي يدلك على طريق سعادتك وسلامتك، هو الذي يرحمك، هو الذي يغفر لك، هو الذي يعطيك، هو الذي يرفعك، هو الذي يحفظك :

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يعني خالق السماوات والأرض، وربما أضافت كلمة فاطر على كلمة خالق أن الشيء المادي يحتاج إلى خالق، لكن الكائن الحي يحتاج إلى فاطر، لك نفس، لك فطرة، لك خصائص، لك قوانين، هناك سمات عميقة في نفس الإنسان، هذه من أعطاها؟

﴿  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) ﴾

[  سورة الشمس  ]

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ معنى ذلك أن الذي يأكل مُفتقر في وجوده إلى الله عز وجل، فرق كبير بين الذي يأكل، والذي لا يأكل ﴿يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ فلما أراد الله أن يثبت للبشر بشرية الأنبياء والمرسلين قال:

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍۢ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20) ﴾

[  سورة الفرقان ]

أدلة من القرآن الكريم عن أن الأمر كله بيد الله وحده :

 ونحن جميعاً مفتقرون في وجودنا، وفي استمرار وجودنا إلى الطعام الذي نأكله، وفضلاً عن ذلك نحن مفتقرون إلى أن نمشي في الأسواق، كي نكسب ثمن الطعام، أنت مفتقر مرتين: مفتقر إلى الطعام، وإلى ثمن الطعام، إذاً أنت مضطر أن تعمل، وهذا شأن العبد، لكن الله سبحانه وتعالى فرد صمد.

﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) ﴾

[ سورة الإخلاص ]

﴿يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾  ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ما بال الناس اليوم يتخذون بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله! يتخذون بعضهم بعضاً أنداداً لله عز وجل، لذلك ما من إنسان يسقط سقوطاً مريعاً كالذي يشرك بالله، يتوجه إلى مخلوق ضعيف، لو توجهت إلى سيد الخلق، إلى حبيب الحق، إلى سيد ولد آدم، إلى قمة البشر، يقول الله عنه قل :

﴿  وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِىٓ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْرًا ۖ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِىٓ أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّىٓ إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(31) ﴾

[  سورة هود ]

﴿ قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ ۚ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ(188) ﴾

[  سورة الأعراف ]

 يقول الله عز وجل:

﴿  قُلْ إِنِّى لَآ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا(21) ﴾

[  سورة الجن  ]

 يقول الله عز وجل :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾   يقول الله عز وجل :

﴿  قُلْ إِنِّىٓ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍۢ (13) ﴾

[ سورة الزمر  ]

خيارك مع الإيمان خيار وقت :

 لذلك سيدنا الصديق لما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى قال قولته الشهيرة :"من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ التفوق مطلوب أيضاً، علو الهمة من الإيمان، المسارعة أيضاً مطلوبة، ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ قد يُسلم الإنسان بعد فوات الأوان، وقد يُسلم الإنسان في وقت متأخر من حياته، ودائماً وأبداً أؤكد أن خيارك مع الإيمان خيار وقت، فإما أن تؤمن قبل فوات الأوان، وإما أن تؤمن ولا بد من أن تؤمن بعد فوات الأوان، أما فرعون الذي قال :

﴿  فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾

[ سورة النازعات  ]

 والذي قال :

﴿  وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ (38) ﴾

[  سورة القصص ]

 آمن:

﴿  وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(90) ﴾

[  سورة يونس ]

 ولكن بعد فوات الأوان، فقال الله له :

﴿  آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91) ﴾

[  سورة يونس  ]

على الإنسان ألا يجعل بين الذنب والتوبة أمداً طويلاً لأنه إذا طال عليه الأمد قسا قلبه :

 قضية أن نؤمن بعد فوات الأوان شيء مفروغ منه، ولكن كل البطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان، أن تؤمن وأنت صحيح، قوي، غني، شاب في مقتبل حياتك، من أجل أن توقع حركتك في الحياة وفق منهج الله عز وجل، من أجل ألا يكون الموت أكبر المصائب، من أجل أن يكون الموت انتقالاً إلى الجنة، من أجل أن تأتي نِعَم الدنيا متصلةً بنِعَم الآخرة:

﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والذي يتمنى أن ينجح فقط في الأعم الأغلب لا ينجح، الطلاب في الامتحانات العامة إذا جعل هدفه فقط النجاح في الأعم الأغلب لا ينجح، أما إذا جعل هدفه التفوق قد ينجح، فالإنسان عليه أن يطلب المرتبة العليا لينال المرتبة الدنيا، هناك ملمح في هذه الآية: 

﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ فلذلك مما تقتضيه هذه الآية أن الإنسان لا سمح الله ولا قدر، إذا وقع في ذنب عليه أن يبادر إلى التوبة، وألا يجعل بين الذنب وبين التوبة أمداً طويلاً، إذا طال عليه الأمد قسا قلبه، هذه الخاطرة إذا أهملتها تنقلب إلى فكرة، وإذا أهملتها تنقلب إلى رغبة، ثم إلى إرادة، ثم إلى عمل، ثم إلى عادة، وإذا انتقلت هذه الخاطرة إلى عادة يصعب تركها ، وهذا حال معظم الناس.

﴿  أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ(16) ﴾

[  سورة الحديد  ]

في حياتنا أربعة أشياء إن صحت لا نندم على ما فاتنا وإن اختلت واحدة خسرناها كلها :

 إذاً : ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ في هذه الآية مَلمح إلى أن الإنسان عليه أن يسارع إلى التوبة، وإلى الطاعة، وإلى الصُّلح مع الله، وإلى تحسين علاقته بالله عز وجل .

 مرة ثانية أؤكد لكم أيها الإخوة، أنه في حياتك أربعة أشياء إن صحّت لا عليك ما فاتك من الدنيا شيء وإن اختلت واحدة، انعكست على الثلاثة فاختلت معها، أول هذه الأشياء: علاقتك بالله، ثانيها: علاقتك بجسمك، ثالثها: علاقتك بعملك، رابعها: علاقتك بأسرتك.

 إن صحت العلاقة مع الله لعلها تنعكس علاقة طيبة مع جسمك، ومع عملك، ومع أسرتك.

﴿  قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

عذاب الله عظيم نراه في الدنيا قبل الآخرة :

 نحن نرى في الدنيا قبل الآخرة كيف أن عذاب الله عظيم، سمعتم لا شك بهذا الذي جرى في آسيا، سواحل هذه البلاد من أجمل بلاد العالم، في منطقة استوائية دافئة في الشتاء، نباتاتها غزيرة، جوها لطيف، حرارتها دافئة، فيها أجمل منتجعات العالم، بدقائق أصبح كل ما عليها :

﴿  فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا(106)لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً (107) ﴾

[ سورة طه  ]

 هذه الهزة التي ظهرت قبل تقريباً ألف كيلومتر من مكان الحوادث، قوتها تعادل مليون قنبلة ذرية :

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ ألواح تحركت، باطن الأرض فيه حُمم لزِجة عالية الحرارة، متحركة مندفعة نحو الأعلى، وفوق هذه الحمم غلاف صخري، هذا الغلاف الصخري مُتصدّع، ألم يقل الله عز وجل :

﴿  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ(12) ﴾

[  سورة الطارق  ]

 هذا الغلاف متصدع، فهذه الحمم إذا اندفعت نحو الأعلى هذا الغلاف مؤلف من ألواح، يعني أستراليا كلها لوح واحد، آسيا لوح، لوح آسيا اسمه اللوح الأوريانسي، واللوح الأسترالي، لما اندفعت هذه الحمم من مركز الأرض نحو الأعلى تباعدت هذه الألواح، لما رجعت إلى مكانها اقتربت فاصطدمت، هذه الصدمة تعادل مليون قنبلة ذرية وقعت في المحيط الهادي، والمحيط هادي، أي هادي ‍؟ وقع هذا التصادم بين الألواح في قعر المحيط الهادي، فدفع الماء نحو الأعلى، هذا الماء المندفع مشى باتجاه الشمال بسرعة ألف كيلومتر، وبقي يمشي ساعة، إلى أن وصل إلى سواحل الهند، وإندونيسيا، وسريلانكا، ووصل إلى سواحل إفريقيا إلى عُمان، وإلى الصومال، وإلى إندونيسيا، وسريلانكا وسواحل الهند. سرعة الموج حينما وصلت إلى البر كانت خمسة وستين كيلومتراً، وارتفاع الموج أربعون متراً يجتاح الساحل ويأخذ كل شيء، والخسائر حتى الآن مئة وخمسة وعشرون ألف قتيل، والمُتوقع أن تصل إلى مئتي ألف، والمتوقع أن يموت مئتا ألف بسبب الأمراض والأوبئة التي أصبحت خطراً أخطر من اجتياح الماء.

أدلة من الواقع عن عذاب الله في الدنيا :

﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ(26) ﴾

[ سورة آل عمران ]

ثلاثة آلاف وستمئة إنسان ماتوا في برجي التجارة في أمريكا فقامت الدنيا ولم تقعد، وبدأت الحروب، على أفغانستان حرب، وعلى العراق حرب، وحصار اقتصادي، ومكافحة الإرهاب، والدنيا قامت ولم تقعد، بل إن تاريخ الأرض الحديث يُقسم إلى قسمين قبل الحادي عشر من أيلول، وبعد الحادي عشر من أيلول، لكن هذا الحادث الذي وقع في أمريكا جُيّر إلى العرب والمسلمين، لذلك أُعلِنت عليهم حرب عالمية ثالثة، أما المئتا ألف وفيهم تقريباً عشرة آلاف أوربي، من ألمانيا خمسة آلاف، من إيطاليا ألف وخمسمئة، مجموع السياح هؤلاء نخبة المجتمع الأوربي، أجمل بلاد العالم، أجمل منتجات العالم، والأسعار طبعاً غالية جداً، منازل كبيرة، أماكن، وسواحل، ومنتجعات، ورفاه يفوق حدّ الخيال، والبحر هادئ في المحيط الهادئ، والشمس ساطعة، والجو لطيف، والنساء شبه عاريات، وجاء بلاء الله عز وجل في دقائق، دقائق.

 الشيء الذي لا يُصدق، وقد سمعت الخبر بأذني أنه لم يُعثر على جثة حيوان واحد، الإنسان، وعظمة الإنسان، ومختبرات الإنسان، والجامعات، الإنسان لا يستطيع أن يتنبأ بوقوع هذه الهزة ولا قبل ثانية، لكن لو كان هناك مراصد بعد ألف كيلومتر لعرفوا بعد أن ظهرت، أما الحيوانات يعلمون الخطر قبل وقت كافٍ لخروجهم من المنطقة، والخبر لا يُصدق، لم يُعثر على جثة حيوان واحد، ليسوا مُكلَّفين، وليس عندهم معاص وآثام .


عذاب الله تعالى عقاب للمذنبين وابتلاء للمؤمنين وإنذار للناجين :

 أيها الإخوة ، لعل هذا الذي حدث يُجسِّد هذه الآيات :

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ لم يرَ الناس منذ ثلاثمئة عام مثل هذا المد البحري، هذه الموجة أيها الإخوة يمكن أن تحمل صخرة تزن عشرين طنّاً، وترفعها في الهواء وتلقيها بعد خمسين متراً، أساساً عندما اجتاحت هذه الموجة العظيمة أربعين متراً، ثلاثين، خمسة عشر، المنتجعات والفنادق أخذت كل من في الفندق وألقته في البحر، الناجون قلائل جداً، الناجون بالمئات، وكل هؤلاء وافتهم المنية. 

على كلٍ: هذه الموجة عقاب للمذنبين، وابتلاء للمؤمنين، لأنه يوجد مؤمنين، إندونيسيا مسلمة، وفيها مؤمنون، ابتلاء، وإنذار للناجين، وهذا التفسير التوحيدي الإلهي لا يتناقض مع التفسير العلمي، من أمر الألواح أن تتحرك وأن تتصادم ؟ الله عز وجل، تصادم الألواح سبب، والله مُسبِّب الأسباب.

 ركاب طائرة، راكب متجه فرضاً من دبي إلى تايوان، ليشتري قماشاً يستورده للمسلمين في أيام الحج، مثلاً: راكب آخر يذهب إلى هذه البلاد ليرتكب الفاحشة، تحترق الطائرة، كل راكب يموت على نيته، المؤمنون كان هذا الهلاك امتحاناً لهم، والمذنبون كان هذا الهلاك عقوبة لهم، والناجون كان هذا الهلاك إنذاراً لهم، ومن السذاجة أن تظن أن تلك المناطق فيها زلازل، مئة عام أو أقل من مئة عام لم يحدث شيء.

 وبلادنا منطقة زلازل، قرأت في التاريخ أن زلزالاً وقع في حلب قضى على مئتين وثلاثين ألف إنسان، ودمشق جاءها زلزال لم يبقِ فيها شيئاً، حتى الجامع الأموي هُدِم وأعيد بناؤه.

يعني أي مكان في الأرض مُعرَّض لزلزال، أو لهزة، أو لبركان، أو لجفاف، فلذلك المؤمن الناجي عليه أن يصطلح مع الله، وقد رأيتم قدرة الله بأم أعينكم، سومطرة جزيرة تفوق مساحة سورية انزاحت ثلاثين متراً، جزر كثيرة ظهرت لم تكن من قبل، جزر انشقت شِقّين، أصبحت جزيرتين، حدث تأثير على حركة الأرض.

﴿  ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ (64)﴾

[  سورة غافر  ]

بطش الله عز وجل شديد ويتجلى باسم الجبار :

 الله عز وجل من أسمائه الجميل، يتجلى على الوردة باسم الجميل، ويتجلى في الزلزال باسم الجبار.

﴿  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ(13) ﴾

[  سورة البروج  ]

 الحديث عن الدمار يفوق الخيال، الحديث عن الضحايا والأرقام فلكية، آلاف الجثث تفسّخت، المياه ملوثة لا تُشرب، المشكلة الأولى الآن ماء الشرب، المياه الآن غير صالحة للشرب، الدواء، المأوى، خمسة ملايين مُشرَّد الآن بلا مأوى، خمسة ملايين .

﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) ﴾

 يوجد مدينة في المغرب اسمها أغادير، منتجع للأوربيين، فيها نوادي عراة، كل أنواع الموبقات التي يندى لها الجبين في هذه المدينة، حتى إن سكان المدينة ممنوع أن يدخلوا إلى تلك المنتجعات لعظم الفواحش التي فيها، جاءها زلزال استغرق أربع ثوان أصبحت: ﴿قَاعاً صَفْصَفاً﴾ ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً﴾ ومن أغرب ما فيها فندق من أرقى الفنادق في العالم، ثلاثون طابقاً، غاص كله في الأرض عدا الطابق الأخير، وقد كُتب على الطابق الأخير اسم الفندق، فكان اسم هذا الفندق كالشاهدة على القبر ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ .

ليست الدنيا دار جزاء لكنها دار ابتلاء :

 أيها الإخوة الكرام، الناس يخافون من بعضهم بعضاً ولا يخافون الله عز وجل، هذا الحدث الضخم لعله أزهق أرواح عشرة آلاف إنسان أوربي من نخبة المجتمع، يُعادون من؟ هل وراءه عمل إرهابي؟ فعل الله، الله عز وجل كما يقال بالتعبير المعاصر جيّره له، لا يستطيع أحد أن ينطق بكلمة، أما أي حدث آخر يقول: وراءه عمل إرهابي، الدولة الفلانية هي السبب، الجهة الفلانية هي المخططة لهذا العمل، هذا العمل، كل عمل إرهابي يقع يُعزى إلى بلد، وتُتَّهم مجموعة، أما هذا الذي حدث لمن يُعزى؟ إلى الله وحده.

 أيها الإخوة، الحقيقة آية دالة على عظمة الله عز وجل، وتتبُّع أخبار هذا الزلزال مما يزيد الخوف من الله، ويزيد الخشوع لله عز وجل، طبعاً حتى يكون كلامي دقيق قد يقول أحدكم: هناك مناطق فيها فِسق أشد، في أوروبا ومونتيكارلو وغيرها فساد أشد، الله عز وجل يقول: ليست الدنيا دار جزاء، لكنها دار ابتلاء، قد يُبتلى بعضهم بهذا الدمار ردعاً للباقين، وقد يُكافئ بعض المحسنين بعضهم تشجيعاً للباقين، إذا قلنا ـ والكلام الدقيق ـ هناك حكمة من وقوع هذا الزلزال، هو للبعض عقاب، ولبعضهم الآخر ابتلاء، ولبعضهم الثالث الذين نجوا إنذار، وليس معنى هذا أن هؤلاء يستحقون وغيرهم لا يستحق، لا، نحن في دار ابتلاء لا في دار جزاء، فشاءت حكمة الله أن يختار هذا المكان، وقد يكون مكان آخر ينتظره حَدَث آخر، بدليل قوله تعالى :

﴿  وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً(58)﴾

[ سورة الإسراء  ]

بعض أفعال الله سبحانه تجير لجهة أرضية وبعض أفعاله لا تجير إلا له :

 قال تعالى :

﴿  قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(65) ﴾

[  سورة الأنعام ]

 هذه الصواعق، قد تنزل صاعقة تُحرق كل شيء في البيت مع أهل البيت، الصواعق، والصواريخ قصف جوي، قنابل حرارية، قنابل عنقودية، قنابل انشطارية، قنابل ذكية، يوجد قصف من طرف الدنيا الآخر على الكومبيوتر ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ الزلازل، والبراكين، والألغام. 

﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ كما في العراق وفلسطين ، كله من فعل الله عز وجل، لكن بعض أفعاله تُجيَّر لجهة أرضية ، وبعض أفعاله لا تُجيَّر إلا له ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾

الفوز أن نكون في الدنيا وفق منهج الله عز وجل وأن تكون حركتنا مطابقة لأمر الله ونهيه :

﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ الإنسان الذي لا يخاف الله إنسان ضعيف الإدراك ، ضعيف التوحيد: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾

﴿ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 اسأل نفسك أيها الأخ الكريم: ما مقياس الفوز عندك؟ بل ما مقياس الفوز في عقلك الباطن؟ متى تشعر أنك تفوقت، أو فزت، أو كنت ناجحاً، أو فالحاً، أو ذكياً، أو عاقلاً؟ لو فرضنا إنسان مقاييسه مادية، يشعر بالفوز إذا جاءه دخل فلكي، أو إنسان يشعر بالفوز إذا تزوج امرأة تروق له، أو يشعر بالفوز إذا بلغ منصباً راقياً، أو يشعر بالفوز إذا استمتع بالحياة، الإله العظيم هو الخبير يقول لك: 

﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ يعني الفوز في الآخرة لا في الدنيا، من هنا يقول الإمام علي كرم الله وجهه: " الغنى والفقر بعد العرض على الله " الفوز: أن ننجو من هذا العذاب الأليم، من هذا العذاب العظيم، الفوز: أن نكون في الدنيا وفق منهج الله عز وجل، أن تكون حركتنا مطابقة لأمر الله ونهيه، الفوز: أن نعرفه، وأن نطيعه، وأن نتقرب إليه، وأن يكون عملنا صالحاً، هذا هو الفوز العظيم، هذا العذاب العظيم ﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ مبدئياً: قبل ما في الجنة من نعيم مقيم مبدئياً إذا صرف عن الإنسان عذاب النار فهو في فوز عظيم.

﴿  كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ(185) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

عطاء الله تعالى لا يمكن أن يكون منقطعاً بالموت فعطاء الله الحقيقي هو العطاء الأبدي :

 والحياة الدنيا أيها الإخوة تنتهي بالموت، والموت يُلغي غنى الغني، وفقر الفقير، وقوة القوي، وضعف الضعيف، وصحة الصحيح، ومرض المريض، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، الكل سيموتون، والموت يوحّد بينهم جميعاً، وعطاء الله عز وجل لا يمكن أن يكون منقطعاً بالموت، فعطاء الله الحقيقي هو العطاء الأبدي، عطاء الله الحقيقي هو ما بعد الموت، هذه الدنيا جيفة، طلابها كلابها . 

((  الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له  ))

[ أحمد في مسنده والبيهقي عن عائشة عن ابن مسعود  ]

 لأنها لا تستقر على حال، أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه، والدنيا متحولة، وكل إنسان بنعمة في الدنيا عنده قلق عميق، إما أن يزول عن هذه النعمة بالموت أو أن تزول عنه، الغني قد يفتقر، والصحيح قد يمرض، والإنسان قد يكون في أعلى درجات الصحة، فجأة ورم خبيث، انتهى، ورم بالدماغ انتهى، فإما أن تزول عنه، وإما أن يزول عنها. 

إذاً: لا تصفو لإنسان، لكنك إذا كنت مع الله عز وجل و جاء الموت

فقالت فاطمة رضي الله عنها:

(( واكرب أبتاه. فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه! يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه! يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ﷺ التراب؟  ))

[ رواه البخاري ]

حينما أتى بلالاً الموت .. قالت زوجته: "وا حزناه". فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت .. وقال: "لا تقولي واحزناه، وقولي وا فرحاه"، ثم قال: "غداً نلقى الأحبة ..محمداً و صحبه".

المؤمن ألقى الله في قلبه أمْناً لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم ، هذه الآيات :

﴿  وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ(16) ﴾

 ونتابع الآيات في درس قادم إن شاء الله .

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور