وضع داكن
26-04-2024
Logo
برنامج ويتفكرون 2 - الحلقة : 08 - الدماغ - خيرات النعمة الواحدة لاتحصى
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال :
  بسم الله، الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
 أخوتي أخواتي؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا: "ويتفكرون" نبحر فيه مع آيات الله تعالى في الكون، وفي الأنفس، وفي الآفاق، معاً نبدأ حلقة جديدة نرحب في مستهلها بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل اليوم نتحدث عن آية من آيات الله الدماغ، الذي قال العلماء عنه: قد عجز عن فهم ذاته، وفي الدماغ نعم ونعم لا تعد ولا تحصى، فاسمحوا لي أن أبدأ بالحديث عنه بقوله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

 كيف نعد نعم الله وكيف نحصيها؟

 

الفرق بين العد و الإحصاء :

الدكتور راتب :
 إن أعطاك أحدهم ليرة ذهبية واحدة وقال لك: عدها، لا تعد لأنها ليرة واحدة، لكن يبدو أن كل نعمة من نعم الله في الأرض لو أمضينا عمرنا كله في إحصاء فوائدها لا ننتهي، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

 أية نعمة، نعمة البصر، نعمة الشم، نعمة السمع، نعمة الحركة، نعمة المشي، نعمة القلب، فالقلب يتلقى أمراً ذاتياً، لو أراد الإنسان أن يزود قلبه بالنبض لا ينام إطلاقاً، فالتنفس ونبض القلب يتم آلياً، وهذا من نعم الله الكبرى، أنت تخلد إلى النوم، تنام ثماني ساعات أو سبع ساعات دون أن تشعر بشيء، والقلب ينبض، معه أمر ذاتي لكن ليس له علاقة بإرادتك، فيؤمر لا إرادياً، و هناك أمر إرادي، إذاً نعم لا تعد ولا تحصى، ملمح دقيق في الآية:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

 نعمة مفرد، واحدة، لذلك بملمح آخر قال تعالى:

﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾

[سورة مريم: 94]

 قد تسأل مدرساً يعطي درساً في صف: كم طالباً عندك؟ يقول: عندي خمسة وثلاثون طالباً، هذا عد، أما الإحصاء فلكل طالب مستوياته، تفوقه، ضعفه، بأي فرع ضعيف، وضعه مع أهله، أمه مطلقة؟ متزوجة؟ والده يسكن مع والدته؟ ينتج مليون سؤال هذا الإحصاء، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾

[سورة مريم: 94]

 قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

 أذكر أن أحد الأدباء الكبار كان كفيف البصر يمضي الصيف في النمسا، أنا لي تعليق لطيف لو أمضى الصيف في آخر قرية في صعيد مصر مع مكيف مثل النمسا، مادام لا يرى شيئاً إذاً نعمة البصر لا تعدلها نعمة.
الدكتور بلال:
 إذاً خيرات النعمة الواحدة لا نحصيها، سيدي من هذا المنطلق أدخل إلى موضوع الدماغ، في الدماغ نعمة لكن لا نحصي خيراتها.

 

التذكر و النسيان من نعم الله على الإنسان :

الدكتور راتب :
 مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد حتى الآن، والبحث حديث، موسوعة علمية ضخمة جداً، إلا أن الدماغ له قشرة، هذه القشرة فيها مراكز دقيقة جداً منها الذاكرة، الإنسان يوجد عنده بذاكرته سبعون مليار صورة، مخزنة تخزيناً دقيقاً جداً، الأهم بالأهم، فالإنسان لولا هذه الذاكرة لا يوجد حياة إطلاقاً، أعرف شخصاً كان في بلدنا في الشام، وكان بمنصب رفيع جداً جداً، آخر حياته يخرج من بيته لا يرجع، فقد ذاكرته، أي فقد كل شيء، الله عز وجل أعطانا ذاكرة، لكن أيضاً من نعم الله عز وجل النسيان، لو كان هناك موقف غير معقول الإنسان يتألم منه مدة أسبوع، بعد ذلك ينساه، والنسيان نعمة، فالتذكر نعمة والنسيان نعمة، هناك توازن وتوافق وحكم بالغة، الله عز وجل حكيم.

من عرف ربه سعد بقربه :

 من حكمة الله عز وجل أن الإنسان إذا عرفه سعد بقربه، وهذه السعادة استمرت، لأن الإنسان حياته تشبه خطاً بيانياً صاعداً، يكون طفلاً صغيراً يتحرك، يمشي، يتكلم، يقول: بابا، يدخل الحضانة، يدخل الابتدائي، الإعدادي، الثانوي، يأخذ ليسانس بالجامعة، يتعين مدرساً فرضاً، يشتري بيتاً، يتزوج، خط صاعد، يأتي الموت للصفر فقد كل شيء، الأهل والأولاد والزوجة والبيت والمركز الاجتماعي والمركبة الفارهة، فقد كل شيء، إلا المؤمن خطه البياني صاعد صعوداً مستمراً، والموت نقطة على هذا الخط الصاعد، لذلك قال تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾

[سورة الأنبياء: 35]

 النفس لا تموت، النفس تذوق الموت ولا تموت، فالبطولة أن نعد لهذه الحياة الأبدية، وأن نسعى إلى جنة عرضها السموات والأرض:

(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 لو فرضنا رقم واحد بالأرض وأصفار للشمس، مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر وكل ميلي صفر، ما هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نسب إلا اللانهاية قيمته صفر، فالمؤمن دعي للانهاية، دعي للآخرة، فالذي يختار الدنيا وينسى الآخرة يكون عنده حمق ما بعده حمق.
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل في نعمة الدماغ نعم كثيرة؛ التركيز، الانتباه، الاعتياد، لو تحدثنا عن نعمتين نأخذ الانتباه والاعتياد.

 

الانتباه و التركيز :

الدكتور راتب :
 أحياناً يكون هناك موضوع تحاور به إنساناً، هناك فوائد جمة من نجاحك في الحوار، تحاوره تذكر له كل التفاصيل، كل الجزئيات المتعلقة بهذا الموضوع، هذا الانتباه، تكون هناك قصة قديمة تذكرها، مشاهدة قديمة تذكرها، كتاب اطلعت عليه تذكره، لقاء مثلاً تلفزيوني، ندوة حول موضوع معين تذكرها، هذا انتقاء تنتقي كل ما يتصل بهذا الموضوع من نعم الله الكبرى، وقد تنصرف عن كل شيء سواه، جاؤوا بتجربة وضعوا آلة تسجيل على نافذة، و تحاور اثنان، فلما سئلا: ماذا سمعتما من أصوات خارجية؟ الاثنان أجابا بالنفي، ما سمعنا شيئاً، فلما سمعا المسجلة دهشوا، معقول أصوات كثيرة لم ينتبهوا إليها، معنى هذا أن هناك تركيزاً، تسميه تركيزاً، تدقيقاً، انتباهاً، بالبؤرة هذه نعمة كبيرة، والأشياء الثانية لا تنتبه لها، فلذلك الإنسان يرى ما لا يراه غيره، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، يسمع ما لا يسمعون، يشتهي ما لا يشتهون، يخاف مما لا يخافون.
الدكتور بلال:
 يركز باتجاه آخر، هنا يحضرني سيدي قصة طريفة أن رجلاً هذا مجنون ليلى كان يسعى وراء محبوبته، فمرّ بقوم يصلون ولم ينتبه لهم، وسعى وهو راجع، قالوا له: لقد مررت من جانبنا ونحن نصلي ولم تصلّ معنا، قال لهم: كنت مشغولاً بمحبوبتي ولو كنتم مشغولون بمن تحبون لما انتبهتم إليّ أصلاً.
الدكتور راتب :
 قصة رائعة.
الدكتور بلال:
 هذه نعمة الانتباه أن يركز الإنسان باتجاه معين، وهي تفيدنا في التركيز في الصلاة، الذي ينصرف إلى الله عز وجل لا ينتبه إلى ما حوله، هذا الخشوع، نعمة الاعتياد سيدي.

الاعتياد من نعم الله الكبرى :

الدكتور راتب :
 الاعتياد أنت أحياناً يكون صديقك جانبك، وخرجتم من مكتبكم التجاري إلى البيت، فأنت تقود المركبة براحة كاملة، الإشارات الحمراء تقف عندها، الأخضر تمشي، الصاعد تغير، الهابط تستخدم المكبح، عمليات معقدة جداً، تقوم بها اعتياداً، فالله عز وجل الأشياء المتكررة يومياً من رحمته بنا وحكمته البالغة دخلت في القيادة الآلية، تعوّد هذا الشيء، يعمله كل يوم، يستيقظ يؤدي الصلوات، يحلق أحياناً، يتناول طعام الإفطار، هذه كلها أشياء اعتيادية لا تحتاج لا إلى تفكير، ولا إلى تخطيط، ولا إلى إعداد، فالأمور المتكررة يومياً تنتقل من التخطيط إلى الاعتياد، وهذه من نعم الله الكبرى، نحن عندنا مئة ألف قصة بحياتنا اعتدنا عليها، نمارسها من دون جهد، من دون تخطيط، من دون تدقيق، من دون تربص، انتهى كل شيء.
الدكتور بلال:
 وهذا يشبه حال الأم مع رضيعها سيدي .
الدكتور راتب :
 عفواً إنسان ينام في حجرة، قد تمر شاحنة، قد تمر مركبة إسعاف، قد تمر مركبة حريق، النائم الغارق في النوم لا يسمع شيئاً إطلاقاً، لكن الأم التي ولدت طفلاً صوت الطفل لا يساوي شيئاً أمام مركبات الشارع، إذا بكى تستيقظ، هذا الانتباه أيضاً من نعم الله الكبرى، الإنسان حينما يرى العلاقة بين الابن وأمه يكاد لا يصدق، فمهما كان الصوت ضعيفاً تستيقظ.
الدكتور بلال:
 وهذا من رحمة الله عز وجل.
الدكتور راتب :
 النبي صلى الله عليه وسلم اختصر في صلاة الفجر، سألوه؟ قال: سمعت طفلاً ينادي أمه ببكائه، فاختصر الصلاة.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 هذه من رحمته صلى الله عليه وسلم، جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم، أخوتي الأكارم والشكر موصول لكم أيضاً على حسن المتابعة، وطيب الاستماع، ونسأل الله عز وجل دائماً أن يرزقنا أن نكون من المتفكرين في خلقه في السموات والأرض، لنصل إليه فنسعد بقربه ومعرفته، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور