- ندوات تلفزيونية / ٠01برنامج ويتفكرون - قناة ندى
- /
- ٠2ويتفكرون 2
مقدمة :
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، إخوتي أخواتي أينما كنتم بتحية الإسلام أحييكم؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معاً نبحر في حلقة جديدة من برنامجنا: "ويتفكرون"، بصحبتكم نتفكر في آيات الله عز وجل، لعلنا نصل إلى السعادة التي خلقنا الله من أجلها، نستضيف في هذه الحلقات المباركة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل نتحدث اليوم عن نعمة من نعم الله وهي في الدماغ، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ﴾
بعض العلماء وجه هذه الآية أن لها علاقة بالذاكرة، ما ارتباط الآية بالذاكرة؟
العلاقة بين الآية السابقة و الذاكرة :
الدكتور راتب :
من خلال قصة سمعتها من أخ كريم له قريب، وكان يشغل منصباً رفيعاً، إذا خرج من بيته لا يعود، يبحثون عنه في كل طرقات دمشق، فقد ذاكرته، إذا خرج من بيته لا يعود، فنحن نعود إلى البيت، وقد نقود مركبتنا قيادة آلية، كما قلت في الحلقات السابقة: الله عز وجل متعنا بالذاكرة، الإنسان أحياناً يأكل طعاماً لأول مرة عنده ذاكرة مشمومات، يذهب عنصر إلى هذه القائمة ويمر عليها جميعاً، حينما يكون هناك تطابق بين شكلين يقول لك: فيها فلفل، أو فيها مادة معينة، أو فيها ماء زهر، فعندما يقول: في هذا الطعام شيء معين، تكون هذه الرائحة مرت على الذاكرة الشمية، واستعرضت كل المشمومات التي في الذاكرة، فحينما يتطابق رمز المشموم مع القائمة بمكان معين يقول لك: هذا الماء فيه ماء زهر، وهذا من نعم الله الكبرى.
الدكتور بلال:
وهذا في المشمومات، وفي المبصرات؟
الدكتور راتب :
في كل شيء، لو فرضنا إنساناً يمشي في طريق فوجد أفعى، ما الذي يحصل؟ ترتسم الأفعى صورتها على شبكية الإنسان، في الشبكية الصورة لا تقرأ، تنتقل إلى مركز الرؤية في الدماغ، في الدماغ تقرأ، الدماغ عندما يدرك يأخذ موقفاً، يعطي أمراً لوزير الداخلية لمواجهة الخطر، يواجهه بأساليب عديدة، من هذه الأساليب يعطي أمراً للكظر لمواجهة هذا الخطر، الكظر يعطي أمراً للدماغ، وأمراً للكليتين، وأمراً لأعضاء كثيرة، هذا يتم بثوان معدودة.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل لو أن إنساناً عاش عمراً متوسطاً لو فرضنا ستين سنة، كم يخزن في ذاكرته؟ ملايين الصور؟
التخزين في ذاكرة الإنسان نوعان :
الدكتور راتب :
والله ستون ملياراً تقريباً، وهذا التخزين متفاوت، هناك تخزين بعيد وتخزين قريب، الأشياء الأساسية في حياته تخزينها قريب، والبعيدة تخزينها بعيد.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل أحياناً الإنسان معلومة يتذكرها فوراً ومعلومة تغيب عنه لا يتعرف عليها فوراً، ما السر؟
الدكتور راتب :
أحياناً تزور بيتاً تذكر أنك أنت سابقاً زرت هذا البيت، لكن وأنت جالس في بيتك لا تذكر هذه الصورة أبداً، هناك ذاكرة تعرفية، حينما ترى البيت الذي زرته قبل عامين تقول: أعرف هذا البيت، هذه ذاكرة تعرفية، تذكر الشيء إذا رأيته مرة ثانية، أما أنت جالس في بيتك فتتذكر حدثاً مهماً في حياتك الاسترجاعية.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل هذا أيضاً يحدث مع الطلاب، فائدة للطلاب، أحياناً الطالب يدرس يقول لك في الامتحان: هذه المعلومة أعرفها، لكنه لا يستطيع أن يسترجعها ليثبتها في ورقة الامتحان لأنه قصر في الإعداد.
الدكتور راتب :
أو هو عندما يدخل الامتحان هذا كلام آخر، لو دخل الامتحان ورأى السؤال الآن يستقطب كل التفاصيل حول هذا السؤال، إذا أعدّ الدراسة الجيدة، فعندما يأتي السؤال كأنه هو يتناسى كل شيء آخر، ويستقطب كل التفاصيل المتعلقة بهذا السؤال.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل ما العلاقة بين الذكاء والذاكرة؟
العلاقة بين الذكاء والذاكرة :
الدكتور راتب :
قال لنا دكتور في علم النفس يعد الأول في الشرق الأوسط، قال: الذاكرة شيء والذكاء شيء آخر، لكنهما يشكلان دائرتين، هاتان الدائرتان متداخلتان في الثلث فقط، أي الذكاء دائرة، والذاكرة دائرة، يتقاطعان في مساحة مشتركة بينهما، أي كل شخص ذكي عنده حد أدنى من الذاكرة القوية، كل شخص ذاكرته قوية عنده حد أدنى من الذكاء.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل خلايا الجسم تتبدل بشكل مستمر كما نعلم في تبدل دائم كيف لا يفقد الإنسان مهنته؟
خلايا القلب و الدماغ ثابتة لا تتغير :
الدكتور راتب :
والله الذي تفضلت به الآن شيء لا يصدق، لو تبدلت خلايا الدماغ ننسى كل معلوماتنا، أما في الإنسان فيوجد شيئان لا يتبدلان الدماغ والقلب، الدماغ لو تبدل نسي كل معلوماته، وقد تسأل طبيباً: ماذا تعمل؟ يقول: كنت طبيباً. عندما تبدل خلايا الدماغ فقد كل معلوماته، الآن القلب يوجد به سبعون أو ثمانون حالة حصلت، هذه الحالات استنبط منها أن القلب لا يتبدل، المشاعر والأحاسيس والأذواق والنواحي النفسية في القلب، فالقلب مركز المشاعر والأحاسيس والعقل، حتى أن خلايا الدماغ التي تتحرك للتفكير واحد من خمسين ألف جزء من خلايا القلب، قال تعالى:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
هذه كلها أبحاث حديثة جداً، نحن كل معلوماتنا السابقة القلب مضخة، لا، ليس مضخة، القلب فيه معلومات أساسية، يعطي الدماغ جزءاً منها، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى تحتاج إلى شكر، أنتم اليوم أخذتمونا في رحلة في الذاكرة، لو فقط نظرنا في هذه النعمة العظيمة لتوجهنا إلى شكر الله عز وجل، كيف يشكر الإنسان الله على هذه النعم؟
كيفية شكر الإنسان ربه على نعمه :
الدكتور راتب :
والله أنا أفهم الشكر بالمعنى الأساسي أن تستخدم هذه النعمة التي تفضل الله عليك بها وفق منهج الله، فاللسان لا ينطق بالباطل، والعين لا ترى عورات النساء الأجنبيات، والأذن لا تسمع أصواتاً لا ترضي الله عز وجل، أن يتقي الله في هذه الحواس الخمس، أن يستخدمها وفق منهج الله، وهذه من نعم الله الكبرى، حتى أحد كبار الصالحين عاش ثمان وتسعين سنة فكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع،: أسنانه في فمه، كان إذا سُئل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله إياها ؟! يقول: يا بني! حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً. عالم جليل يقول لشاب في الطريق: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي.
الدكتور بلال:
الله أكبر علّم ثلاثة أجيال، إذاً هذا الشكر قال تعالى:
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾
شكر العمل.
أرقى أنواع الشكر شكر العمل :
الدكتور راتب :
الحقيقة أرقى أنواع الشكر أن تواجه نعمة الله بخدمة خلقه، أنعم عليك بنعمة الإيجاد، قال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
أنعم عليك بنعمة الإمداد، أمدك بصحة، بزوجة، بأولاد، بمسكن، بمأوى، ببيت، بحواس خمس، بعقل، ونعمة الهدى والرشاد.
نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، هذه نعم ثلاث يرد عليها بالعمل الصالح، والدليل:
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾
فالشكر عمل، قد يسبقه الحمد، يسبقه الامتنان، والحمد يسبقه الشعور بفضل الآخر أما الشكر الحقيقي فهو العمل الصالح:
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾
الدكتور بلال:
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء القليل، أستاذنا الفاضل أيضاً يحضرني حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عندما تحدثتم عن تسخير النعمة فيما يرضي المنعم جلّ جلاله يحضرني حديث قدسي:
((...وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا...))
كيف ذلك؟
كيفية تسخير النعمة فيما يرضي المنعم :
الدكتور راتب :
مادامت الرجل نعمة كبيرة جداً، لا يتحرك بها إلا إلى خير، إلى طاعة، إلى مسجد، إلى عمل، إلى عمل صالح، واليد يستخدمها في طاعة الله، لا تتحرك إلا وفق منهج الله عز وجل، والعين كذلك لا تنظر إلا إلى ما أحلّ الله لها، يوجد غض بصر، يوجد إغلاق أذن عن شيء لا يرضي الله عز وجل، فالعمل الصالح وفق هذه الحواس الخمس أن تستخدمها في طاعة الله لا في معصية الله عز وجل، أ مستحيل أن تعصيه بنعمة أنعم الله بها عليك.
خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم، وأنتم أخوتي الأكارم الشكر موصول إليكم لحسن متابعتكم لهذا اللقاء الذي طاب بحضوركم ومتابعتكم، على أن نلقاكم دائماً راجين الله عز وجل أن تكونوا في أحسن وخير حال، نودعكم على أمل اللقاء، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.