- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مِن أسماء الله الحسنى: ( الملِك ):
أيها الإخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، واليوم مع اسم الله تعالى: ( الملِك ) .
1 – ورودُ اسم ( الملِك ) في القرآن والسنة:
أيها الإخوة، ورد هذا الاسم كثيراً في الكتاب والسنة، ففي القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾
وفي صحيح مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ:
(( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ... ))
وفي صحيح مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(( يَنْزِلُ الله تعالى إِلى السماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيلةٍ حين يَمضي ثُلُثُ الليلِ الأولُ فيقول: أَنَا الملكُ، أنا الملكُ، مَنْ ذَا الذي يدعوني فأستجيب له ))
لذلك:
(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
ساعات الفجر ساعات مباركة، ساعات الإجابة.
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾
2 – مِن لازمِ اسم ( الملِك ) نفاذُ أمرِه في مُلكِه:
أيها الإخوة، ( الملك ) أمره نافذ في ملكه، قد يكون الإنسان مالكاً، وأمره ليس نافذاً في ملكه، أما ( الملك ) فأمْرُه نافذ في ملكه، لذلك في بعض الآثار القدسية:
(( أنا مالك الملوك، وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم بصلاحكم ))
3 – لا ملِك حقيقةً إلا الله:
أيها الإخوة، العلماء يؤكدون أنه لا ملِك إلا الله حقيقية، الذي يملك كل شيء خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، لكن هذا لا يمنع أن يسمى إنسان ملكاً، قال تعالى:
﴿ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ﴾
أما ( الملِك ) الحقيقي فهو الله الذي يملك كل شيء.
بشرح مفصل: كل شيء يُملَك يملكه الله، سمعُك بيده، وبصرك بيده، وقوتك بيده، ومَن حولك بيده، ومن فوقك بيده، ومن تحتك بيده، والتوفيق بيده، والنصر بيده، والحفظ بيده، وحينما توقن أنه لا إله إلا الله، وأنه ( الملك )، أمرُه نافذ في ملكه، تتجه إليه وحده.
4 – لابد للمسلم من التوجُّه للملِك الحقيقي:
دائماً وأبداً أضرب هذا المثل: لو أن لك معاملة لها أثر مصيري في حياتك، والمفوّض بالتوقيع على الموافقة رجل واحد في كل هذا البناء، والبناء من عشرة طوابق، فيه ألف موظف، الذي هو مفوّض بالموافقة على طلبك هو المدير العام، هل تبذل ماء وجهك لغير هذا المدير العام ؟ مستحيل ! هل تتضعضع أمام موظف صغير ؟ ما دام هذا الأمر بيد مدير العام، إذاً تتجه إليه وحده.
حينما تؤمن أن كل شؤونك بيد الله.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده، فحينما تؤمن أنه لا إله إلا الله، ولا معطي، ولا مانع، ولا خافض، ولا رافع، ولا معز، ولا مذل، ولا موفق ولا حافظ، ولا ناصر إلا الله، تتجه إليه.
المشكلة الأولى في حياة المسلمين أن توحيدهم ضعيف، فلما ضعف توحيدهم وقعوا فيما هم فيه، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
أيها الإخوة، الله عز وجل ملكٌ مطلقاً، يملك كما قلت خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، وأنت كإنسان قد تملك شيئاً ولا تنتفع به، وقد تنتفع بشيء ولا تملكه، وقد تنتفع وتملك، لكن المصير ليس إليك، لك بيت تملكه رقبة، وتملك منفعته، أي تسكنه، لكن قد يأتي قرار تنظيمي للمدينة يؤخذ منك بأبخس الأثمان، فقد تملك ولا تنتفع، وقد تنتفع ولا تملك، وقد تنتفع وتملك، والمصير ليس إليك.
أما إذا قلنا: الله ( الملك ) يعني أن ملكه مطلق، خلقاً، تصرفاً، ومصيراً.
5 – من لوازم ( الملِك ) استغناءه عن المخلوقات:
معنى ( الملك ) أنه يستغني في ذاته، وصفاته، وأفعاله عن كل موجود، أما الإنسان فوجوده مرتبط بإمداد الله له، ففي أية لحظة يقطع الله عنه الإمداد يموت، فما هو الموت ؟ الموت انقطاع المدد الإلهي، وفي أي لحظة يفقد الإنسان حياته، يكون شخصاً مهماً فيصبح خبراً، يكون ذا هيبة وسلطان فيصبح قصة، يكون شخصاً يركب طائرة فيعود بضاعة في نعش لها معاملات معقدة في التخليص.
فالله عز وجل ملِك حقيقي، لأنه يستغني عن كل موجود، ووجوده ذاتي، مِن هنا كان هناك عبد القهر، وجميع بني البشر عبيد لله عز وجل، بمعنى أنهم في قبضة الله ، في أي لحظة تنتهي الحياة، لأتفه الأسباب، سكتة دماغية، سكتة قلبية، حادث طارئ، فهم عبيدُ قهرٍ، أما المؤمنون لأنهم عرفوا الله اختياراً، وأطاعوه اختياراً، وأحسنوا إلى خلقه اختياراً، وأقبلوا عليه اختياراً فهم عباد، جمع عبد الشكر، وعبد القهر جمعه عبيد.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
وهناك عبد الشكر جمعه عباد.
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
الفرق كبير بين أن تكون عبد قهر، وبين أن تكون عبد شكر، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذه معية عامة، أي معكم بعلمه، أما إذا قال:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه معية خاصة، والمعية الخاصة تعني شيئاً كثيراً، تعني أن الله مع المؤمن بنصره، وتأييده، وحفظه، وتوفيقه.
معنى ( الملك ) أنه مستغنٍ عن كل موجود، ويحتاجه كل موجود، الآية الدقيقة:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
الإعزاز والإذلال والمنع والعطاء من الله خيرٌ كلُّه:
الآية ليس فيها: بيدك الخير والشر،
﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
لذلك قالوا: الشر المطلق لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، هناك شر نسبي موظَّف للخير المطلق، والدليل هذه الآية:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
﴿ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
إيتاء الملك خير، وأحياناً نزعه خير، إعزاز الإنسان خير، وأحياناً إذلاله خير، لكن علماء العقيدة يرون أنه لا ينبغي أن تقول: الله ضار، مع أنه من أسمائه، ينبغي أن تقول: هو الضار النافع، لأنه يضر لينفع، لا ينبغي أن تقول: الله خافض، قل: الله خافض رافع، لأنه يخفض ليرفع، لا ينبغي أن تقول: الله مذل، هو يذل، قل: الله مذل معز، يذل ليعز.
ورد في بعض الآثار:
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي ))
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة المنع عاد المنع عين العطاء، حينما تكشف الحقائق، وحينما ينكشف سر القضاء والقدر يذوب المؤمن كالشمعة تماماً محبة لله عز وجل لِما ساقه له من شدائد، ولولا هذه الشدائد لما كان كما هو.
قطعة فحم بحجم البيضة ما قيمتها ؟ لا شيء، وهناك قطعةٌ من الماس في استنبول قيمتها 150 مليون دولار، بحجم البيضة، أكبر قطعة ألماس في العالم في متحف توبي كبي، هذه القطعة ثمنها 150 مليون، لأن الماس أصله فحم، من شدة الضغط والحرارة أصبح ماساً.
للتقريب: إذا كان هناك ضغوط، ومعالجات إلهية دقيقة، وشدة، هذه تصقل الإنسان المؤمن، واللهُ تعالى يتولى تربيته، ويحاسبه، فبطولتك أن تكون ضمن العناية المشددة، ضمن المتابعة الإلهية، ضمن التربية الإلهية، فإذا أعطيتَ الدنيا وأنت على غير طاعة الله فهذا مؤشر خطير جداً، معنى ذلك أن هذا الإنسان خارج العناية المشددة، إن رأيت الله يتابعك، ويحاسبك، ويسوق لك بعض الشدائد عند بعض الأخطاء، حينما تسرف، يقلّ دخلك، حينما تستعلي يأتي مَن يحجمك، حينما ترى أن الله يتابعك فهذه نعمة كبرى، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى الله ورفع، ومصائب العصاة والفجار مصائب ردع وقصم، أما مصائب الأنبياء فمصائب كشف، لأنهم ينطوون على كمال لا يظهر إلا بالمصائب، فَعَنْ سَعْدٍ قَالَ:
(( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))
علاقة المؤمن باسم ( الملِك ):
أيها الإخوة، الله عز وجل يقول:
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾
المُلكُ الحقيقي أن تمنع تملك عند فورة الشهوة:
لبعض المفسرين لفتة رائعة، أن المُلكَ الذي أتاه الله لسيدنا يوسف ما هو ؟ إن كان الملكُ المألوف أنه عزيز مصر فهناك ملوك في الأرض كُثر، وهم أحياناً فجّار منحرفون طغاة، فهل هذا هو العطاء الحقيقي ؟ بعضهم قال: العطاء الحقيقي أن تملك نفسك، حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال، والعلماء أشاروا إلى عشرة أشياء ترغب هذا الشاب الوسيم بالفاحشة، وقال:
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
هذا هو الملك، أن تملك نفسك، أن تملكها عند الغضب، أن تملكها عند الشهوة ، أن تملكها عند المغريات، ما كل إنسان يصمد أمام هذه الفتنة، فالذي يملك نفسه، ولا تملكه، يملك هواه ولا يملكه، الذي يملك أن يتصرف وفق منهج الله في الشدائد، وفي الصعوبات هو الملِك.
أيها الإخوة، الحياة فيها صوارف، وفيها عقبات، وهذه الصوارف والعقبات من أجل أن يرقى الإنسان عند الله، فإذا استطعت أن تنجو من الصوارف إلى غير منهج الله وأنت تتجاوز العقبات التي وضعت على الطريق إلى الله، فأنت بطل.
فلذلك:
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾
أي آتيتني سيطرة على نفسي، يقول أحد زعماء بريطانيا: ملكنا العالم، ولم نملك أنفسنا، حتى إن أجمل كلمة تلخص الحضارة الإسلامية أنها سيطرة على الذات، فحينما فتحت القدس من قِبل الفرنجة ذُبح 70 ألف إنسان في يومين، أما حينما فتحها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يهرق قطرة دم، بسبب السيطرة على الذات، وأعظم شيء في المؤمن أنه منضبط، مسيطر على ذاته، هذا هو الملك الحقيقي، أن تملك نفسك.
الإيمان مرتبة علمية أخلاقية جمالية:
قالوا: الإيمان مرتبة، مرتبة علمية، أخلاقية، جمالية، نحن الآن نستهين بكلمة مؤمن.
مثلاً: فلان دكتور، معه إتمام مرحلة ابتدائية، معه شهادة إعدادية، معه شهادة ثانوية، معه شهادة ليسانس، أو بكالوريوس، معه دبلوم عام، دبلوم خاص، ماجستير، دكتوراه، والدكتوراه فيها بحث جديد لم يسبق إليه، وناقشه مجموعة علماء كبار، واعتمدته الجامعة، وأصبح كتابًا، إن وجد اسم د. قبل اسم الشخص يكون قد مرَّ بكل هذه المراحل.
للتقريب: إن وجدت إنسانًا مؤمنًا فيعني أنه يتمتع بمرتبة أخلاقية، وليس هناك مؤمن كاذب، ولا مؤمن محتال، ولا مؤمن متكبر، ولا مؤمن وصولي، ولا مؤمن منافق، والمؤمن مرتبة أخلاقية، ومرتبة علمية، وهو مَن عرف الحقيقة الكبرى في الكون، عرف الله، عرف سر وجود الإنسان وغاية وجوده، ومرتبة جمالية، فله أذواق عالية جداً، منغمس في سعادة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، فالإيمان مرتبة جمالية، أخلاقية، علمية.
قالوا: المؤمن إنسان متميز يرى ما لا يراه الآخرون، له رؤية عميقة، فهِم حقيقة الحياة الدنيا، فهم حقيقة الوجود، حقيقة الكون، حقيقة الحياة الدنيا، حقيقة الإنسان، طبيعة المهمة التي أنيطت به.
المؤمن همُّه كبير، ورسالته نبيلة:
المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، وهناك أقوياء وضعفاء في العالم، وأغنياء وفقراء، الضعفاء والفقراء مسحوقون، لكن هناك موقف للنبي عليه الصلاة والسلام خلاف هذا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(( أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، أَوْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي ؟ قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ ))
لا تكون إنساناً كامل الإنسانية إلا إذا شعرت بمن حولك، هذا الذي يعيش لشهواته، وحظوظه، ولا ينتبه إلى البؤساء، والفقراء، والضعفاء، هذا إنسان بعيد عن منهج الله عز وجل، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعي عميق، وإدراك دقيق، وله قلب كبير، هذا القلب يكبر، ولا ترى كبره، فيتضاءل أمامه كل كبير، ويصغر، ولا ترى صغره، فيتعاظم عليه كل حقير.
صدقوا أيها الإخوة، كلمة من القلب: المؤمن أكبر من أكبر مشكلة في الدنيا، بينما غير المؤمن أصغر من أصغر مشكلة في الدنيا، مشكلة طفيفة تسحقه، تقلبه إلى يائس، إلى محبط، إلى مستسلم لمصيره، أما المؤمن فأكبر من أكبر مشكلة تحيط به، له قلب كبير، وعزم متين، همته عالية، وإرادة صلبة، هدفه أكبر من حاجاته، هناك إنسان حاجته بيت، حاجته زوجة، حاجته دخل، هذه كل أهدافه، فإذا تزوج وكان له دخل، وله بيت انتهت كل أهدافه، يحس بالفراغ، يحس بالتفاهة، أما المؤمن فيحمل هم أمته، أهدافه أكبر من حاجاته، رسالته أسمى من رغباته.
إخوتي الكرام، هناك صفة في العالم الغربي، أنا أضع يدي عليها تماماً، الصفة أن الإنسان هناك بلا هدف، هدفه نفسه، هدفه دخله، هدفه شهواته، هدفه حظوظه، هدف كبير يسعى له، والإنسان لا يتقدس إلا بهدف كبير، لا يسعد إلا إذا كان له رسالة وهدف يحمله، رسالته أثمن من رغباته، يملك نفسه.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾
خاتمة:
الملك يملك نفسه، ولا تملكه، يقود هواه، ولا ينقاد له، تحكمه القيم، ويحتكم إليها من دون أن يسخرها لمصالحه، أو يسخر منها.
الحقيقة أيها الإخوة، الإيمان مرتبة عالية جداً، الإيمان يعني إنسانا حقق الهدف من وجوده، الإيمان يعني أن الإنسان حقق الهدف الذي خُلق المؤمن من أجله، عرف الله عز وجل، وعرف منهجه، وانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة.
فلذلك:
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾
علاقة الإنسان بهذا الاسم أن يملك نفسه عند الغضب، عند العقبات الكأداء، عند الصوارف المغرية، والمؤمن رجل مبدأ، المؤمن رجل قيم، لأنه اتصل بـ ( الملك )، فملك نفسه، وأعظم مرتبة تملكها أن تملك نفسك، وأكبر سيئة تصيب الإنسان أن يتفلت من منهج الله، أن يثيره موقف استفزازي يخرجه عن طوره وعن مبادئه وعن قيمه.
سبحان الله ! هذا الاسم له تطبيقات رائعة جداً، أرجو الله سجانه وتعالى في لقاء قادم أن نتابع هذا الموضوع.