- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى صاحبته الغر الميامين.
معاني اسم ( المؤمن ):
المعنى الأول:
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في اسم ( المؤمن )، وفي اللقاء السابق بينت بفضل الله عز وجل أحد معاني هذا الاسم.
المعنى الثاني:
وأن ( المؤمن ) الذي يؤمن عباده من أن يُظلموا، وأن ( المؤمن ) هو الذي يجير المظلومين من ظلم الظالم.
المعنى الثالث:
واليوم نتحدث عن معنًى ثالث، المعنى الثالث كما قلنا في لقاء سابق: الإيمان هو التصديق، وأن اسم الله ( المؤمن ) يعني أن الله يصدق وعده ؛ أي يحقِّقه.
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
وقوع وعود الله للمؤمنين الدنيوية والأخروية من لازم اسم ( المؤمن ):
كلمة مؤمن من معانيها التصديق، أي أن الله يصدق وعده، فإذا وعد المؤمنين بحياة طيبة فلا بد من أن يعيشوا هذه الحياة الطيبة:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
فإذا عاش المؤمن حياة طيبة معنى ذلك أن الله مؤمن، وقد صدق وعده، قال الله عز وجل :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
﴿ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
فالمؤمن حينما لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يخشى مما هو آت، ولا يندم على ما فات، هذا الذي حصل له بفضل اسم ( المؤمن )، لأن الله صدّق وعده، والله عز وجل قال:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
إذا وعد المؤمنين بالنصر لزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين.
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
وعدهم بالاستخلاف، وعدهم بالتمكين، وعدهم بالاطمئنان، وزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين.
﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ﴾
وعد نبيه ومن آمن معه بالجنة، فإذا دخل المؤمنون الجنة يقولون:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ﴾
كما في الدنيا، وفعلنا في الدنيا أسباب دخول الجنة:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
أيها الإخوة، في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة الكرام كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ ))
أحياناً المؤمن في الدنيا يصف لإنسان ما ينتظره لو تاب إلى الله، بعد حين يقول له: والله صدقت، والله أنا في جنة، والله كانت هموم كالجبال تجثم على صدري، فلما تبت إلى الله أزيحت عني.
القضية قضية التصديق، يوم الأحزاب قال عليه الصلاة والسلام:
(( صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ))
تخلُّفُ تحقُّقِ بعضِ وعود الله سببُه عدمُ دفعِ ثمنِها:
إذا تراءى لنا أن بعض الوعود لم تحقق لنا فلنعلم علم اليقين أننا السبب، لأننا ما قدمنا ثمن وعود الله عز وجل، وعود الله عز وجل لها ثمن، لكن كما قلت قبل قليل: زوال الدنيا، بل زوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين.
أيها الإخوة الكرام، مرة عقب أحد الدروس التقيت مع إنسان شاب، قال لي: أنا مهندس خُيوط درست في رومانيا، وأنا موظف في معمل كبير في دمشق، لكنني أُصاب بالصرع، إما في مركبتي، وهذا خطر كبير، أو في السيارة العامة، أو في الطريق، أو في مكتبي، أو في البيت، وفي اليوم، أو في الأسبوع عدة مرات، من ثلاث مرات إلى خمس مرات، قال لي: أنا أكاد أسحق، لماذا أنا كذلك ؟ طبعاً استقر في ذهني أن الصرع أذية في الدماغ، ومرض عضال، لكنه أراد جواباً غير هذا الجواب، لماذا أنا كذلك ؟ لماذا يفعل الله بنا هذا ؟ فالتقيت به في البيت، وشرحت له، لكنني قلت له: الله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
فأصغى إلي إصغاء يفوق حد الخيال، قال: ما معنى هذا الكلام ؟ قلت: مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله لعبد شيئاً يزعجه، أو يؤلمه، ما دام مستقيماً على أمره، والدليل هذه الآية:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
لذلك بعد هذا الكلام اهتم اهتماماً كبيراً، وأخرج من جيبه ورقة، وبدأ يكتب، قال لي: ماذا تأمرني أن أفعل ؟ ذكرت له أداء الصلوات بأوقاتها، غض البصر، ضبط اللسان، ضبط العين، ضبط الأذن، ذكرت له فيما أذكر قريبا من أربعين بندا، كتبها كلها، من شدة ألمه من هذا المرض، هذا المرض كاد يحطمه، والله بعد أن خرج شعرت أنني تورطت، كيف تورطت ؟ لعلها أذية لا تُشفى، أنا وعدته أنه إذا استقام على أمر الله تزول هذه الأذية، وكان لي درس يوم الجمعة، وفي أول جمعة له يأتي ويقول لي: الحمد لله، هذا أول أسبوع في حياتي لم أُصَب بأية نوبة، والله كأنني ملكت الدنيا، قلت: يا رب إن شاء تسلم منه، جاء الأسبوع الثاني وقال لي: أيضاً هذا الأسبوع لم أصب بأية نوبة، أذكر أنه جاء في أسبوع رابع، وأنا لا أصدق ذلك من الفرح ؛ أن الذي ذكرته له مؤيد بكلام الله، الله عز وجل صدق هذا الكلام، وأبعد عنه هذه النوبات، في الأسبوع السادس لم يأتِ إلى الدرس، قلت: لعله جاءته نوبة، والله قلقت أشد القلق، لكن في الأسبوع السابع جاء، قال لي بالضبط: لا تقلق على مبدئك، أنا أخطأت مع الله، في هذا الأسبوع أخطأت، فجائي نوبة في الطريق.
معنى ( المؤمن ) أن تأتي وعوده محققة، وتأتي أفعاله مصدقة لوعوده، فإذا وعدك الله بحياة طيبة، وعدك برزق وفير، وعدك بحياة آمنة، وعدك بالسكينة، وعدك بالحكمة، هذه الوعود لزوال الكون أهون على الله من ألاّ تحقق هذه الوعود، لكن إن لم تُحقَّق فنحن السبب، يجب أن نتهم أنفسنا، الله غني عن تعذيبنا، والآية واضحة:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
أيها الإخوة، هذا معنًى من معاني اسم ( المؤمن ).
المعنى الرابع:
عندنا معنى آخر: من الأمن، أي أن الله عز وجل يهبك الأمن، كيف ؟ هذا بحث طويل:
تثبيتُ الله لقوانين الكون يعطي الأمن والاطمئنان:
يكفي أن خصائص المواد ثابتة لتعطينا الأمن، أنت ساكن في بيت في الطابق العاشر، والبناء من الإسمنت والحديد، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء، ما الذي يهبك الأمن ؟ لأن الحديد خصائصه ثابتة، لأن الإسمنت السنتمتر المكعب يتحمل من قوى الضغط 550 كغ، أما على قوى الشد فلا يتحمل خمسة كغ، فلا بد من إسمنت مسلح بالحديد، لو أن الحديد يبدل خصائصه لانهار البناء.
تشتري سبيكة ذهب فتدخرها لأيام العوز، لو أن الذهب يبدل خصائصه لفقدتَ 500 ألف ليرة، أو مليون، وهو ثمن السبيكة تقريباً.
ثبات الخصائص شيء رائع جداً، ثبات قوانين الكون يعطي الاطمئنان، فهناك شروق يومياً، والشمس ثابتة، وكذا دورة الأفلاك، والقمر، والشمس، والليل، والنهار، خصائص المواد، كلها ثابتة، خصائص البذور، تزرع مادة فتنتج مادة أخرى ! هذا مستحيل ! لثبات القوانين، قوانين التمدد، قوانين السقوط، قوانين الانحلال الفيزيائي، كل القوانين ثابتة، لماذا هي قوانين ؟ لأنها مطَّردة وشاملة، ثبات حركة الأرض والأفلاك، ومن الممكن أن تقول: في عام 2080 الشمس تشرق في 17 من آذار الساعة 5 و3 دقائق، ما هذه الدقة ؟ ما هذا الثبات في حركة الأرض والشمس ؟.
الأرض تسير حول الشمس بمسار إهليلجي، ما الذي يبقيها على مسارها ؟ المسار إهليلجي، هناك قطر أكبر، وقطر أصغر، من معلوماتكم البديهية أن قانون الجاذبية كلما قلَّت المسافة ازداد الجذب، فإذا وصلت الأرض إلى القطر الأصغر قلَّت المسافة، إذاً هناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة، وانتهت حياتنا، ما الذي يبقي الأرض على مسارها ؟ أن الله يرفع سرعتها، في هذا المكان ترفع السرعة، فينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها.
﴿ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
الآن الأرض تابعت سيرها، ووصلت إلى القطر الأطول، ما دام السرعة زادت ، وقوة النبذ زادت، والمسافة طالت إذاً تضعف الجاذبية، وهناك احتمال أن تتابع الأرض سيرها، وتتفلت من جاذبية الشمس، فإن تابعت سيرها وتفلتت من جاذبية الشمس دخلنا في الصفر المطلق، 270 درجة تحت الصفر، ولانتهت الحياة، فتنتهي الحياة إذا انجذبت إلى الشمس، وتنتهي الحياة إذا تفلتت من جاذبية الشمس، ما الذي يحصل هنا ؟ يخفض الله سرعة الأرض، فإذا انخفضت هذه السرعة نشأ من انخفاض السرعة قوة ناذبة أقلّ تكافئ القوة الجاذبة الأقلّ فتبقى على مسارها:
﴿ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
بعض العلماء قال: "لو أنها تفلتت، وأردنا أن نعيدها إلى الأرض ماذا نحتاج ؟ قال: نحتاج إلى مليون مَليون حبل فولاذي، قطر كل حبل خمسة أمتار، والحبل الفولاذي الذي قطره خمسة أمتار يحتمل من قوى الشد مليوني طن، والأرض مرتبطة بالشمس بمليون ضرب مليونين من الأطنان، من أجل أن تنحرف الأرض في سيرها حول الشمس 3 ميليمترات كل ثانية، هذا الانحراف يشكل مسارا مغلقا "، لذلك:
﴿ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
أما لو زرعنا هذه الحبال على سطح الأرض حتى نعيدها إلى حظيرة الشمس المفاجأة أن بين كل حبلين مسافة حبل واحد، نحن أمام غابة من الحبال، فلا زراعة، ولا بحار، ولا سفن، ولا طائرات، ولا مواصلات، ولا شيء إطلاقاً، لذلك قال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
رفعها بعمد لا ترونها، قوى التجاذب أعمدة، لكن لا نراها، بل نمشي خلالها.
لذلك أيها الإخوة، الله عز وجل من أسمائه ( المؤمن )، أي وهَبَ الأمن، أمنك بحركة الأفلاك، أمنك بثبات خصائص المواد، أمنك بالنظم الثابتة، أمنك بثبات القوانين هذا كله يهب الأمن.
هناك طبيب يدرس في أمريكا، عيِّن بعقد عملٍ في الخليج، يأتيه مريض من الهند، يستخدم دواء صنع في الصين، كيف هذا ؟ لولا أن بنية الإنسان التشريحية واحدة، من آدم إلى يوم القيامة، مكان الشريان بالميليمتر، مكان العصب، لو أن إنسانًا له بنية تشريحية خاصة لم يكن ثمة طب أساساً، فما أسباب وجود علم الطب ؟ وجود بنية تشريحية ثابتة، وخصائص فيزيولوجية ثابتة في الإنسان، ولولا ثبات خصائص الإنسان، ثبات البنية التشريحية، ثبات الوظائف الفيزيولوجية ما كان الطب أساساً.
ثبات حقائق القرآن على مدى العصور سببٌ للأمن العقدي:
أحياناً عندك أمن عقدي، هذا شيء دقيق.
مرة في رئيس وزارة ببلد أوربي انتحر، وهو مِن أعرقِ الأُسَر، وما اتُّهِم لا بفضيحة أخلاقية، ولا فضيحة مالية، وانتحر، أكثر من مئة صحفي بحثوا عن أسباب انتحاره، ثم تبين لواحد منهم كان يؤمن بأنه لا إله، أن الإله موجود، فاحتقر نفسه كيف اعتقد عقيدة لسبعين عاماً لا أصل لها، فانتحر.
أنت كمؤمن مسلم أيّة آية في كتاب الله لا يمكن أن يظهر حدث في الأرض ينقض هذه الآية، عندك أمن عقدي، لأنه كلام الله، العلم تطورَ تطورا مذهلاً، في الخمسين عامًا الأخيرة التطور يساوي ما كان من تطور من آدم إلى قبل خمسين عاما، الآن يسمون التطور حركة انفجارية، كنا بسلسلة حسابية، بسلسلة رياضية، الآن بسلسلة انفجارية، تطور مذهل، ومع ذلك هل ظهر شيء في هذا التطور ينقض القرآن الكريم ؟ هل رأيت آية لم تقع ؟ هل رأيت حديثاً صحيحاً لم يقع ؟ فأنت في عندك ما يسمى بالأمن العقدي.
أنت قرأت كتاب الله، هو من عند خالق الأكوان، وهذا الكتاب هو الذي أعطاك هذا الأمن، ما في حياتك مفاجآت تزلزلك، كل إنسان كان يعتقد مذهبًا ثم سقط هذا المذهب، ينهار الإنسان معه، مبدأ اعتنقته كل حياتك تكتشف أنه باطل، لا أصل له، هذه مشكلة كبيرة.
المؤمنون والفضل لله الكبير معافون من هذا الاضطراب، وليس في كتابهم ما يمكن أن يُنقَض، بل إن كل الأحداث التي تأتي تؤكّد ما في كتابهم.
الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار حرّم الخمر، لماذا حرم الخمر ؟ لأنها تضر بالمجتمع، الآن هناك اتجاه بأمريكا بفصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات، لا لأسباب دينية إطلاقاً، بل لأسباب اجتماعية، وأسباب علمية.
الآن العالم يقترب من الدين لا عن عبادة، ولكن عن مصلحة، لذلك أيها الإخوة، معنى أن الله ( المؤمن ) منحك أمناً عقدياً.
عندنا شيء آخر، أن الله ( المؤمن ) بذاته العلية، ( المؤمن ) بصفاته المطلقة، ( المؤمن ) بأفعاله الحكيمة، لذلك يسوق الشدائد لعباده كي يحملها على التوبة والصلح معهم، كي يسلموا ويسعدوا.
أحيانا يقول لك إنسان: أنا حسب كلامك أبقى معك، أنت تخاف ألاّ يكون عندك إمكانيات لتلبي له طموحاته، فتقول له: لا، ابحث عن عمل آخر، لست مؤمنا بذاتك أنك تستطيع أن تحقق طموحات هذا الإنسان، تقول: لا، ابحث عن عمل آخر، أنا عندي هذا الراتب وليس أكثر منه، لكن إذا كانت أمواله فلكية، ورآه أهلا لأن يكون معه، قال له: كل طموحاتك عندي.
معنى (المؤمن ) مؤمن بذاته العلية، ( المؤمن ) بصفاته الكاملة المطلقة، ( المؤمن ) بأفعاله الحكيمة.
التطبيق العملي لاسم ( المؤمن ):
أيها الإخوة، لكن الذي يعنينا من هذا الدرس التطبيق العملي.
1 – مطابقة الأفعال للأقوال، والسر بالعلن:
أيها الإخوة، إن أردت أن تتخلق بهذا الكمال فيجب أن تأتي أقوالك مصدقة لواقعك، قال لك: اكذب، الكذب يعطي الناس القلق منك، لكن ينبغي أن تأتي أقولك مصدقة لواقعك، وينبغي أن تأتي أفعالك مصدقة لأقوالك، حينما لا يجد من حولك مسافة بين أقوالك وأفعالك، وبين أقوالك وأفعالك يطمئنون إليك، فلان لا يكذب، شيء مهم جداً، لمجرد أن يكذب الإنسان فقد أفقد مَن حوله الأمن، يقولون عنه: غدّار، له موقف معلن وموقف مبطن، له ظاهر وله باطن، له شيء يقوله، وهو غير صادق به، وشيء يخطط له، أما حينما تستوي أقوالك مع أفعالك، وتأتي أفعالك مصدقة لأقوالك فقد منحت مَن حولك الأمن، وتخلقت بكمال الله.
2 – أن تهَب الناس الأمن والاطمئنان:
شيء آخر: يجب أن تهب الأمن لمن حولك، أنت طبيب، أو محامٍ، أو مدرس ، أو مهندس، أو مدير جامعة، أو مدير مستشفى، يجب أن تكون واضحاً جداً، لأن وضوحك يهب الأمن لمن حولك، أما مَن له ظاهر وباطن، فهو غدار، له أساليب ملتوية،
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
***
أنت بهذا تقلق مَن حولك، فإذا كنت مؤمناً، وإذا كنت مؤمناً باسم ( المؤمن )، لاسم الذات العلية ( المؤمن ) يجب أن تهب مَن حولك الأمن بالوضوح وبقواعد ثابتة، وبقواعد للتعامل معك.
أحيانا يقول لك إنسان: هل أنت متأثر مني ؟ لا، إن كنت متأثراً منك أقول لك مباشرة، أنا لا أسلك أساليب ملتوية، ما دامت ساكتاً فأنا راضٍ عنك، منحته الأمن ن عندك موظف، عندك ابن، عندك زوجة، تقول لها: أريد أن أطلقك، أعطِها الأمن، لكن هو لا يعطيها الأمن، دائماً يجعلها في حالة قلق، فإذا كنت مؤمناً، وتخلقت بكمال الله يجب أن تمنح مَن حولك الأمن.
لا تكِل بعدة مكاييل، وما من عمل أحقر عند الله وعند الناس مِن أن تكيل بمكيالين، اجعل المكيال واحداً، لمجرد أن تتوهم أن لك ما ليس لزوجتك، أو أن عليها ما ليس عليك، فأنت عنصري، و كِلت بمكيالين، فتتحدث أنت عن أمها كما تشاء، وإن تكلمت هي عن أمك كلمة تقيم عليها الدنيا، هذا كيل بمكيالين، لا تكل بمكيالين، لا تحاسب قبل أن تبين، لكن بيِّن ثم حاسب، ولا محاسبة من دون تكليف، إذا كان هناك شيء لم يعجب الرجلَ من زوجته أقام عليها الدنيا، ما بيّن لها، بيِّن لها ما تحب وما تكره، بيّن لها أن هذا العمل لا يجوز، لا أقبله منك.
ومِن أكمل هذا الموقف أشعِرْ مَن حولك، أو أشعر كل واحد حولك أنه أقرب الناس إليك، وهذا من صفات النبي عليه الصلاة والسلام، ما من صحابي إلا كان يشعر أنه أقرب الناس إلى النبي.
أعطِ الأمن لمن حولك، وشرُّ الخَلق مَن اتقاه الناس مخافة شره.
أيها الإخوة الكرام، هذا اسم عظيم، اسم ( المؤمن )، مؤمن بذاته، منحك الأمن، منحك المصداقية، حقق كل وعوده لك، عليك أنت أيضاً أن تتخلق بهذا الكمال العظيم، فتكون واضحاً، وتضع قواعد ثابتة للتعامل معك دون أن تكيل بمكيالين.