- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( المؤمن ):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو (المؤمن).
1 – ورودُ اسم ( المؤمن ) في القرآن الكريم:
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد في الآية الكريمة:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾
2 – معنى ( المؤمن ):
كلمة مؤمن اشتقاقاً هي اسم فاعل مِن آمَن، يؤمن، فهو مؤمن، أما الثلاثي: أمِن يأمن، آمن.
ماذا تعني بالضبط كلمة مؤمن ؟ تعني كلمة مؤمن المصدق، آمن أي صدّق، وتعني كلمة مؤمن الذي ينفذ الأمر بحذافيره، صدق الآمر فأتمر، صدق الآمر في أمره فأتمر، هذا من أوجَه معاني كلمة مؤمن، والدليل قوله تعالى:
﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾
أي ما أنت بمصدق
﴿ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾
فالمؤمن هو المصدق، والمؤمن المنفّذ، والدليل الحديث الشريف في البخاري:
(( أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ))
أيها الإخوة، المعاني كثيرة، لكن أوجَه معنى لكلمة مؤمن أنه صدق وأطاع، صدق عقيدة، وأطاع عملاً، المنطلق النظري صدق أن هذا حق، والتطبيق العملي نفذ هذا الأمر.
من لوازم السماع التطبيق:
لكن في القرآن الكريم ملمح دقيق في قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
فمن لوازم السماع عند الله التطبيق:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
شاهد آخر:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
علامة صحة السماع الحركة، التطبيق:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
قانون هام: إدراك ـ انفعال ـ سلوك:
للتوضيح: لو أنك قلت لواحد من الناس: على كتفك عقرب، فبقي هادئاً، والتفت نحوك، وابتسم، وقال لك: أشكرك على هذه الملاحظة، وأسأل الله أن يمكنني أن أكافئك عليها، هل سمع ما قلت له ؟ ما سمع إطلاقاً، لو سمع ما قلت له لقفز، وصرخ، وخلع معطفه.
فلذلك بعض العلماء يرى أن علاقتك بالمحيط وفق هذا القانون، إدراك، انفعال سلوك، فإن سمعت كلاماً، ولم تدرك فحواه ثم لا تنفعل، وإن لم تنفعل لا تتحرك، هناك قانون دقيق جداً.
أوضح مثل لهذا: كنت تمشي في بستان فرأيت ثعباناً، علامة صحة إدراكك انفعالك الشديد، والخوف، والصراخ، علامة صحة إدراكك انفعالك، وعلامة صحة انفعالك إما أن تقتله، وإما أن تهرب منه، فانفعال بلا حركة انفعال كاذب، وإدراك بلا انفعال إدراك كاذب، تدرك فتنفعل فتتحرك.
إذا أدرك أحدنا حقيقة يوم القيامة، وأن كل عمل تعمله سوف تحاسب عليه لا يمكن إلا أن تطيع الله، لكن فينا ضعف في الإدراك، يلزمه ضعف انفعال، يلزمه ضعف تطبيق:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
التكذيب العملي أخطر من التكذيب بالقول:
أيها الإخوة، مثل آخر: زرت طبيباً، وعالجك، كتب لك وصفة، لك أن تقول له: شكراً لك على هذا الاهتمام، وأنا معجب بعلمك، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك على هذا الاهتمام، دقق، لمجرد أنك لم تشترِ الدواء، فأنت كذّبت علمه عملياً، المجاملات ما لها قيمة، إن لم تشترِ الدواء، وإن لم تستعمل الدواء وفق تعليماته الدقيقة فأنت مشكك في علمه .
أخطر شيء في حياة المسلمين التكذيب العملي، ولا تجد في العالم الإسلامي مسلماً واحداً يقول لك: ليس هناك آخرة، لكن هناك التكذيب العملي، تلاحظ كسب الإنسان، كسب ماله، إنفاق ماله، بيته، عمله، علاقاته، حله، ترحاله، سفره، أفراحه، أتراحه، لا يلتزم بها بمنهج الله، ولأنه لا يلتزم فهو مكذب عملياً بالآخرة.
الإيمان بالآخرة إن صح ينبغي أن تنعكس مقاييسك 180 درجة، إن لم تنعكس مقاييسك 180 درجة فالإيمان بالآخرة غير صحيح، إيمان شكلي، إيمان تصديقي، تصديق بغير تحقيق.
أيها الإخوة، أخطر شيء في حياة المسلمين التكذيب العملي، على اللسان لن تقال كلمة خلاف القرآن، الآخرة حق، الجنة حق، النار حق، لكن الكسب حرام ! والبضاعة محرمة ! والعلاقة ربوية ! والاختلاط محرم ! فكيف يستسيغ الإنسان أن يرتكب كل هذه المعاصي وهو يقول: هناك حساب، وهناك جنة، وهناك نار.
أخطر شيء في حياة المسلمين لا أن يكذبوا بألسنتهم اليوم الآخر، بل أن يكذبوا بأفعالهم.
أيها الإخوة، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة، المؤمن حركي، الإيمان السكوني غير صحيح، مؤمن لا يقدم، ولا يؤخر، ولا يفعل ولا يلتزم، ولا يَصِل، ما لم تصل لله، وتقطع لله، وترضى لله، وتغضب لله، وتعطي لله، وتمنع لله، ما لم يجدك الله في مكان أمرك أن تكون فيه، ما لم يفتقدك في مكان نهاك الله عنه، ما لم تتحرك، ما لم تعطِ، ما لم تلتزم، ما لم تطبق، ما لم تجعل من حركتك وفق منهج الله، فالإيمان غير صحيح، وهذا يسمى التكذيب العملي.
لذلك كلمة مؤمن تعني مؤمنًا صادقًا ما جاء به القرآن الكريم، وطبق أوامر القرآن الكريم، وصدق ما جاء به النبي الكريم، وطبق سنة النبي الكريم، الإيمان تصديق وتطبيق، الإيمان اعتقاد وسلوك، الإيمان ما أقره اللسان، وصدقه العمل، وآمن به القلب هذا عن كلمة معنى مؤمن، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تتحقق فينا معاني كلمة مؤمن ، لأن الإيمان مرتبة عالية جداً.
الإيمان مرتبة عالية:
كيف أن الإنسان إذا قيل: له دكتور ؟ حقيقة معه ابتدائية، وإعدادية، وثانوية، وليسانس، ودبلوم عام، ودبلوم خاص، ماجستير، دكتوراه، حرف الدال قبل اسمه يعني كل هذا.كلمة مؤمن أعلى مرتبة يبلغها مؤمن، يعني آمن بما جاء به وحي السماء، وطبق ما جاء به وحي السماء، أما الإيمان بلا تطبيق فهو تكذيب عملي، لكن ليس تكذيباً لفظياً، بل هو تكذيب عملي، هذا عن معنى كلمة مؤمن.
3 – كيف نفهم اسم ( المؤمن ) ؟
ولكن كيف نفهم أن الله هو ( المؤمن )، كيف نفهم أن ( المؤمن ) اسم من أسماء الله الحسنى ؟
لا يُظلَم عند الله أحد :
من معاني كلمة مؤمن حينما تنسب لله عز وجل، وحينما تكون اسماً من أسماء الله الحسنى أنه أمن الناس أن لا يظلم أحد من خلقه، والإنسان لا يطمئن إلا إذا وحّد، وحينما ترى أن الأمر بيد الله وحده، وأنه:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
وأنه:
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
وأنه:
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
وأنه:
(( ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن ))
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
ما لم تر أن يد الله تعمل وحدها، ما لم تر أن الله بيده كل شيء، ما لم تر أن الله هو الفعال، هو المعطي وحده، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، ما لم توحد فلن تستطيع أن تطمئن إلى وعود الله، ولن تخاف من إنذاراته.
لذلك ( المؤمن ) أمن الناس ألا يُظلم أحد في خلقه من ملكه، الدليل، دقق:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾
آية ثانية:
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
في نواة التمرة خيط بين فلقتي النواة، هذا الخيط هو الفتيل ما قيمته ؟ ما قيمة مليون من هذا الخيط، بلا سبب
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
النواة لها رأس مؤنف كرأس الدبوس، هذا الرأس ما حجمه ؟
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾
القطمير غشاء يغلف النواة.
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
لا تتهم الأقدار، لا تقل: لا حظ لي، لا تقل: أضربها يمينا فتأتي شمالا، لا تقال: قلَب لي الدهرُ ظهر المجن، لا تقل: القدر يسخر مني، هذا كله كلام شيطاني:
(( فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
أيها الإخوة، الله عز وجل صفاته مطلقة، معنى مطلقة أن عصفورًا في ملك الله من آدم إلى يوم القيامة يُظلم فهذا الظلم يتناقض مع اسم العدل، الله عز وجل مطلق، والإنسان نسبي، فالقاضي قد يحكم ألف حكم، عشرة أحكام منها غير صحيحة، يسمى عادلا عند الناس، الخطأ محتمل عند الإنسان، أما عند الله غير محتمل:
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
ولا من:
﴿ قِطْمِيرٍ ﴾
ولا:
﴿ نَقِيراً ﴾
ولا:
﴿ ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
ولا:
﴿ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
نفي شأن الظلم عن الله :
هذه آية دقيقة جداً، هذه الصيغة أيها الإخوة، تنفي أكثر من عشرة أفعال سماها علماء اللغة نفي الشأن، لو سألت إنسانا ـ لا سمح الله ـ: هل أنت سارق ؟ إن كان من عِلية القوم، وقال لك: لا، فالإجابة غير صحيحة، يقول لك: ما كان لي أن أسرق، أي مستحيل أن أفكر، أو أن أدعم، أو أن أرضى، أو أن أفعل، وقد عدَّ علماء اللغة عشرة أفعال تنفى بهذه الصيغة، الله عز وجل قال:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
مستحيل !
أيها الإخوة، الله عز وجل صفاته مطلقة، لا تحتمل أي خطأ، لكن قد يقول قائل: وهذه الحروب ؟ وهذه الاجتياحات ؟ وهذا الفقر ؟ وهذه المجاعات ؟ وهذا الزلزال ؟ وهذا الفيضان ؟ وهذا البركان ؟ كيف نفسر ذلك ؟ الجواب: لا يمكن أن تستطيع إثبات عدل الله بعقلك، إلا في حالة مستحيلة، أن يكون لك علم كعلم الله، ولكن تستطيع أن تؤمن أشد الإيمان بعدل الله المطلق حينما تصدق ما جاء به القرآن:
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
ولا:
﴿ فَتِيلاً ﴾
ولا من:
﴿ قِطْمِيرٍ ﴾
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
ولا:
﴿ ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾
هذا خبر عن الله، فإن شككت في هذه الآيات فأعد إيمانك بالقرآن، قف وراجع حساباتك، لن تستطيع أن تؤمن بعدل الله بعقلك وحده، لأن عقلك محدود المهمة، أما إذا كان عندك علم الله عز وجل لأن هذا مستحيل يمكن.
أيها الإخوة، الله عز وجل غني عن تعذيبنا، وغني عن ظلمنا.
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
لكن إن صدقت خبر الله أنه لا يظلم هذا هو الإيمان، يعني مثلاً: قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
بربكم هل شاهدتم هذه الحادثة ؟ من شاهدها ؟ ماذا قال علماء التفسير ؟ قال: ينبغي أن تأخذ إخبار الله وكأنك رأيته بعينك، الحد الأدنى بالإيمان أن تأخذ خبر الله وكأنك رأيته بعينك، وأن تأخذ وعيد الله وكأنه وقع.
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
معناها ما أتى،
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ﴾
قال: فعل ماضٍ، لم يقل: بعد، فيجب أن تأخذ إخبار الله وكأنه وقع، ويجب أن تأخذ أيضاً إخبار الله وكأنك تراه بعينك، فالمؤمن الذي آمن أن هذا القرآن كلام الله ، وعشرات الآيات تنفي أدق أنواع الظلم:
﴿ فَتِيلاً ﴾
و:
﴿ نَقِيراً ﴾
و:
﴿ قِطْمِيرٍ ﴾
و:
﴿ ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
و:
﴿ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾
هذا هو الإيمان بالقرآن، أما أن تملك علماً كعلم الله فهذا مستحيل !
شيء آخر، هذه الدنيا أمام الآخرة لا شيء، تصور الرقم واحد في دمشق وأصفار لا أقول: إلى حلب، بل إلى الشمس، واحد أمام 156 مليون كيلومتر أصفار، لا كل ميليمتر صفر، وواحد في دمشق، وأصفار إلى الشمس، وكل ميلي صفر، كم هذا الرقم ؟ أول ثلاثة أصفار ألف، 3 أخر مليون، 3 أخر ألف مليون، 3 رابعة مليون مَليون، الآن كل ميلي صفر لـ156 مليون كم للشمس، هذا الرقم ضعه صورة، ومخرجه لا نهاية، قيمته صفر، فالدنيا لو عشت 130 عاما، ملكت مئة مليار دولار، مليار مِليار ِ، مليون مليار مِليار، وعندك في كل مدينة قصر، مهما فعلت فالدنيا أمام الآخر صفر، فإذا وعد الله عز وجل المظلوم بالجنة، فيلزم منه عدم الظلم:
﴿ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
البطولة أن تربح الآخرة البطولة أن تضحك آخراً، لا أن تضحك أولاً، الموت ينهي كل شيء، لا يليق بعطاء الله العظيم أن يكون في الدنيا فقط، الموت ينهي قوة القوي، ينهي ضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، ينهي فقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم، ينهي دمامة الدميم، ينهي صحة الصحيح، ينهي مرض المريض، ينهي كل شيء، لا يليق بعطائه أن يكون بالدنيا فقط، فإذا ادخر واحد الله عز وجل للعبد عطاء في الآخرة فحينما يرى عطاء الله بعد الموت يذوب محبة لله.
ليس هناك ظلم مطلق في الكون:
أيها الإخوة، لا يمكن لا أن تثبِت عدل الله بعقلك، إلا أن تصدق خبر الله في القرآن، وهذا شيء مستحيل ؛ أن يكون لك علم كعلم الله، وفي النهاية الشر المطلق لا وجود له في الكون، لكن هناك شر نسبي موظف للخير المطلق، والظلم المطلق لا وجود له في الكون، لكن هناك ظلم ظاهري، يندرج تحت بند التربية، الدليل:
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
من أعان ظالماً سلطه الله عليه، من أعان ظالماً كان أول ضحاياه، في ظلم ظاهري، أما حقيقي ما في، ولو دققت كما أقول لك: في ظلم ظاهري صارخ، لكن هذا الظلم موظف لتربية النفوس.
4 – ( المؤمن ) هو مَن يجير المظلوم:
أيها الإخوة الكرام، المؤمن هو الذي يجير المظلوم من الظالم، وتروَى في هذا قصة رمزية: أن ملِكًا في القديم توعد شيخ النجارين بوعيد لا يحتمل، طلب منه مئة كيس نشارة خلال ساعات، يعمل سنتين لا يخرج معه كيس نشارة، وشيخ النجارين مثل نقيب الآن، أيقن هذا الشيخ أنه مقتول لا محالة، فودع أولاده، ودع زوجته، كتب وصيته، أنهى كل شيء، بعد الفجر جاء أتباع الملك ليأخذوه إن لم يؤدِ هذا العدد، فقيل له: مات الملك تعال فاصنع لنا تابوتاً.
أحياناً يجير الله المظلوم من الظالم، هذا معنى اسم ( مؤمن )، الدليل:
﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾
من الذي يجير ؟ هذا الذي هدم 70 ألف بيت في غزة، هذه السنة الثالثة ما مات ، والله يمد بعمره، الله عز وجل إذا أخذَ كان أخذُه عزيز مقتدر، وإذا أخذ الظالم لم يفلته.
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾
الخاتمة:
أيها الإخوة الكرام، اسم ( المؤمن ) اسم دقيق جداً، لكنه يتصل أشد الاتصال بالحياة الدنيا، هو ( المؤمن ) الذي يؤمنك، علاقتك معي يا عبدي:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
لو أنه أسلمك إلى غيره كيف يأمرك أن تعبده ؟ مستحيل ! قال لك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
حياتك بيده، والرزق بيده، والأقوياء بيده، والضعفاء بيده، ومن فوقك بيده، ومن تحتك بيده، وزوجتك بيده، وأولادك بيده، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء.
نحن في أمسّ الحاجة إلى هذا الاسم، الناصر الذي يجيرنا من الظالم، نحن في أمسَ الحاجة إلى أن نطمئن إلى وعد الله، الله عز وجل أنشأ لنا حقاً عليه إن عبدناه كانت المكافأة ألاّ يعذبنا.
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾