وضع داكن
29-03-2024
Logo
الحلقة - 27 - الانتماء للمؤمنين والبراء من غير المؤمنين .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  أعزائي المشاهدين ؛ السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ، مرحباً بكم إلى حديقة ربيع الإيمان ، مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، في حلقة جديدة ، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ . أرحب بكم أجمل ترحيب ، و أسأل الله أن يثيبك خير الثواب و الجزاء على ما تقدمه .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم .
المذيع :
 أعزائي المشاهدين في ربيع الإيمان اليوم سوف نتكلم عن مسألة هامة جداً ألا وهي مسألة الانتماء ، شجرة الانتماء لهذه الأمة ، لهذا الدين ، لهذه الأسرة المباركة ، لهذه الكوكبة الطيبة ، فكل معنى في هذه الحلقة المباركة إن شاء الله ، أهلاً وسهلاً بك مرة أخرى فضيلة الدكتور , دكتور سنتكلم اليوم عن الانتماء الذي هو الولاء للمؤمنين والبراء من غير المؤمنين ، ما معنى الانتماء ؟

 

الولاء و البراء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صاحبته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
 أستاذنا الجليل ؛ الإنسان يولد من أبوين مسلمين ، من أمة عربية ، ساكن ببلد عربي ، مع ذلك قد لا ينتمي إلى هذه الأمة ، طموحاته الغرب ، مبادئه الغرب ، قيمه الغرب ، حريته تفلت الغرب ، حينما نفرق بين مكان الولادة وبين الأم والاب وبين الوطن الذي نشأت فيه وبين الولاء والبراء فهناك فرق كبير ، من خصائص المؤمن من لوازم الإيمان أن تنتمي إلى المؤمنين الدليل قال تعالى :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10 ]

 فالمؤمنون بمجموعهم قال بعض العلماء ما لم يكن انتماؤك للمؤمنين فلست مؤمناً، شيء مهم جداً ، هناك من ينتمي لغير المؤمنين ، طموحاته كطموحاته ، رغبته في التفلت كرغبتهم ، رغبته في الإيقاع بالآخرين كرغبتهم ، يبنون مجدهم على أنقاض الآخرين ، يبنون حياتهم على إسقاط الآخرين ، يبنون حياتهم على موت الآخرين ، يبنون غناهم على إفقار الآخرين ، يبنون عزهم على إذلال الآخرين ، الأمة تغتصب ، لذلك يقولون : إن الاستعمار اغتصاب الأرض , والخيرات ، هذا بشكل تقليدي ، وبشكل آخر عندما يسخر الغرب سياسته لاستنزاف خيرات الشرق ، أو لجعل الشرق تابعاً له ، قد يكون عن طريق أن يبقيه متخلفاً ، الحقيقة الدقيقة جداً أنا أحترم كل إنسان يعتز بأمته ، لكن لا يكفي ، يجب أن تكون إنسانياً ، فحينما تبني أمة قوية مجدها على ترسيخ الانتماء إليها على حساب أمم أخرى هذه الأمة لا تحترم ، لماذا الإنسان ببلد ديمقراطي له حقوق يفوق حدّ الخيال وإذا كان هناك إنسان لا يحمل هذه الجنسية بنفس البلد يعامل أسوأ معاملة ، كالمكسيكي في أمريكا ، ليس له أي حق إطلاقاً ، مع أنه إنسان .
المذيع :
 تريد أن تقول عفواً القيمة لا للإنسانية بل للجنسية ؟
الدكتور راتب :
 أبداً, الولاء والبراء موضوع خطير جداً ، أولاً : ما لم يكن لك ولاء ، إن المبادئ الصحيحة والقيم ولاء إلى هذا الدين ، ولاء إلى خالق الأكوان ، ما لم يكن لك سلوك ينسجم مع هذا الولاء ، بعيد جداً عن أن تكون إنساناً راقياً ، هنالك ولاء للدنيا ، ولاء لدولة ، ولاء لجنسية معينة ، ولاء لجهة قوية ، فالولاء عند المؤمن لله ورسوله .
المذيع :
 دكتور هذا مفاد قول الله عز وجل :

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[سورة المائدة : 55-56]

 هذا ما أفادته الآية .

 

الإنسان بلا مبادئ وقيم تافه عند الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 طبعاً , الانتماء مثلاً : شاب تفكيره غربي ، تفكيره بعيد عن أمته ، عن أهداف أمته ، عن مشكلات أمته ، عن الصعوبات في حياة أمته ، تفكيره غربي كلياً ، هذا لا ينتمي إلى هذه الأمة ، يؤاثر أن يقيم في بلد يقدم علمه لأبناء هذا البلد وهم أعداء للمسلمين على أن يكون في بلد فيه تخلف .
 أنا كنت أقول لطبيب : الفرق بين بلد متقدم جداً كأمريكا وبين بلد نام كأي بلد في الشرق الاوسط كبير جداً ، كبير جداً ، لكن هناك فرقاً كبيراً جداً بين عدم الانتماء والانتماء ، أنت حينما تنتمي إلى هذه الأمة لك أعمال ، تصب علمك لخيرها ، لصحتها ، لتقدمها ، الإنسان بلا مبادئ وقيم تافه عند الله عز وجل :

﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾

[ سورة الكهف :105]

 لهم صغار عند الله ، فالبطولة أن تنتمي إلى هذه الأمة التي خلقت منها .
المذيع :
 دكتور الذين يسوقون الإعجاب بالغرب غير المؤمن، لاسيما الإعجاب بتقنيتهم وحضارتهم وغناهم ورفاهيتهم ، هناك من النّاس من يسوق لهذا الإعجاب والانبهار ؟

 

الانتماء للأمة لا يعني أن ترى أخطاءها و لكن أن تساهم في حلها :

الدكتور راتب :
 أنا لي رأي دقيق : أنا لا أرى أن إنساناً لا يتمسك بالموضوعية إنسان عالم ، ما الموضوعية ؟ الموضوعية قيمة أخلاقية وقيمة علمية بآن واحد ، فأنت عالم إذا كنت موضوعياً ، وعالم إذا كنت متمسكاً بأخلاقيات معينة ، فأنا حينما أتنكر لمبدئي أو لأمتي أو لماضيي ، فأنا مشكلة كبيرة جداً ، انتميت للآخر رغم من أني أقيم بوطن عربي مثلاً ، الانتماء يعمل تواصلاً، يعمل رغبة بالإصلاح ، رغبة بترك الأشياء القبيحة ، رغبة بالسمو بالإنسان ، بأخلاقه ، ومعاملته ، أنا أرى بأن الولاء يجب أن يكون بحق كشكل ديني ، كدرس ، كلقاء ديني، الولاء بالأصل لله ولرسوله ، ولهذا الدين العظيم ، ولهذه الأمة التي اختارها الله من بين الأمم لتكون أمة وسطاً بينه وبين خلقه ، فالانتماء للأمة لا يعني أن تقر أخطاءها ، لا يعني ألا ترى محاسنها ، الانتماء للأمة يعني أن ترى أخطاءها وأن تسهم بحل هذه المشكلات ، هذا انتماء .
المذيع :
 ما يضاد الانتماء ربما في الشريعة يسمى البراء ، لكن في تسميته المعاصرة يسمى التبعية , كيف نفرق بين الانتماء والتبعية ؟

الفرق بين الانتماء و التبعية :

الدكتور راتب :
 قد يكون الانتماء أن تنتمي لأمة ، أما التبعية فأن تتبع جهة قوية ، قد تأمرك بشيء لا يرضي الله عز وجل ، أو ليس في مصلحتك ، التبعية أنا أذكر كلمة النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم ، أرسل سرية أمّر عليها أنصار ، هذا الأنصاري بعد أن غادروا المدينة أعطى أمراً قال : أضرموا ناراً عظيمة فلما أضرموها قال : اقتحموها ، فقال الصحابة : كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها ؟ فلما سألوا النبي الكريم قال كلاماً دقيقاً وخطيراً قال : " والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف "
 العقل لا يعطل إطلاقًاً إنما الطاعة في معروف ، يؤكدها قول الله عز وجل :

﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾

[ سورة الممتحنة:12]

 يجب أن تكون معصية في معروف ، وكلمة معروف كأن الله عز وجل أودع في فطرنا محبة منهجه ، فأي أمر أمرك الله به أنت مبرمج مولف مفطور على حبه ، وأي نهي نهاك الله عنه فأنت مبرمج أو مولف أومصمم أو مفطور على كراهيته ، فلذلك هذه من نعم الله الكبرى ، أن الإنسان عندما يغلط أو يعصي الله يحس بكآبة ، لولا هذه الكآبة لا تكون لا أحد يتوب ، لأنه برمجك وفق منهجه ، كل شيء أمرك به أعطاك خاصة بنفسك تكرهه أو تتألم منه ، لذلك العصاة مع أنّ المعصية لها لذة ، لكن معها كآبة ، لذلك الأمراض النفسية في العالم الغربي من مئة إلى مئة وستة وخمسين ، هناك كآبة ، وهناك تفلت ، أو بشكل أعمق لو أنّ إنساناً ما التقى بأي عالم ، أو بأي رجل دين ، ولم يسمع شيئاً من كتاب سماوي إطلاقاً ، هو في غابة وفعل شيئاً سيئاً يتألم ، هذا بفطرته ، أنت مبرمج مفطور مولف وفق منهج الله ، بشكل أو بآخر ما من أمر أمرك الله به إلا وآلية نفسية الإنسان تحبه .
المذيع :
 دكتور أنا أعتقد أنّ الانتماء موضوع في غاية الحساسية والخطورة والأهمية ، ليس الانتماء المقصود منه انتماء الأفراد والأشخاص إلى أممهم ، وإلى بلادهم ، وإلى دولهم ، بل كذلك انتماء الأفكار والمبادئ والأنظمة والقوانين والدساتير حتى البيئات والثقافات أليس هذا المقصود بالانتماء ؟

الانتماء للثوابت :

الدكتور راتب :
 الانتماء للثوابت ، هناك ثوابت ، هذه الأمة لها ثوابت ، دينها من الثوابت ، مبادئها من الثوابت ، أهدافها من الثوابت ، ما تعانيه من مشكلات من الثوابت ، فالإنسان إذا انتمى إلى أمة انتمى إلى ثوابتها ، هذا الانتماء يسهم في رفع مكانتها ، يسهم في حلّ مشكلاتها، تماماً كإنسان ينتمي إلى أسرة ، تفوق في دراسته ، دخله الإضافي يعود على هذه الأسرة ، تعلم علمه المتفوق به أفاد به أخواته الصغار ، فالانتماء ينعكس خيراً على المنتمى إليه .
المذيع :
 دكتور في الحديث عن الانتماء مما يعاني منه عالمنا العربي سلخ الأذكياء وسلخ العقول والمثقفين والمتميزين عن أممهم وأوطانهم ، بأن توفر له الفرص في الدراسة بالغرب ، وأن يبقى هناك كثير جداً من ذوي العقول يعيشون في الغرب لفترات طويلة جداً ، ولا يعودون إلا في آخر أعمارهم ، دكتور إن شاء الله نسمع منك الإجابة لهذا السؤال بعد فاصل قصير .
 أعزائي المشاهدين ؛ فاصل قصير ونعود إليكم بعده فابقوا معنا .
 أعزائي المشاهدين مرحباً بكم ، وقفنا قبل الفاصل مع الحديث مع الدكتور عند هجرة العقول وسلخ انتمائها إلى أممها ودولها وأوطانها دكتور وقفنا عند هذا السؤال .

معاناة عالمنا العربي من هجرة العقول وسلخ انتمائها إلى أممها وأوطانها :

الدكتور راتب :
 أذكر بلداً في الشرق الأوسط ، سكانه فوق العشرين مليوناً ، خمسة آلاف طبييب من هذا البلد في ولاية واحدة فقط ، خمسة آلاف يحملون البورد في ولاية واحدة ، أما الذين عادوا إلى بلدهم فهؤلاء أصحاب الولاء ، الإنسان إذا كان له ولاء لأمته يقول : الخير الذي أنا فيه من تراب هذا الوطن ، ينبغي أن أرجع إليه ، وأن أردّ له بعض الأشياء في بنائه ، هذه قضية خطيرة جداً , حدثني أخ مقيم في أمريكا قال لي : دخلي بالطب فلكي ، عاد إلى الشام ، وأسس عيادة ، والدخل واحد بالمئة ، لكن قال لي : أنا أعالج مريضاً من بلدي ، وهذا البلد تكفل بدراستي ، وأكلت من خيره ، أحس براحة نفسية تفوق حدّ الخيال ، فهو في خدمة هذه الأمة , هذه الأمة سمحت له أن يكون طبيباً ، وأرسلوه بعثة إلى أمريكا ، وأخذ الشهادة العليا ، هناك الحياة راقية جداً مادياً طبعاً ، فلما عاد إلى بلده لبى حاجته الروحية ، أنا أعالج أبناء أمتي هؤلاء الفقراء المساكين ، أنا درست في أمريكا فإذا عدت إلى بلدي أمريكا صارت بالشام ، شيء دقيق جداً لو تمتع الخبراء العرب أو المسلمون بالعقلية هذه عادوا إلى بلادهم ، وشعروا بسعادة لا توصف عندما ردوا الجميل لبلدهم .
المذيع :
 دكتور الحديث عن مخاطر عدم الانتماء ، الآن الناس مفتونون بالنظرة إلى الغرب والانبهار بما عندهم من علوم ومعارف وحياة رغيدة ، لكن هناك مخاطر لا يلتفتون إليها ، منها مثلاً التفسخ الأسري ، وانحلال رباط الأسرة ، حتى أن الأب هناك لا يشعر بالأبوة ، ولا يشعر بأن له أبناء ، هناك الكثير من الكوارث ، أنت ذكرت لنا مرة قصة الطبيب في ألمانيا التي قالت له ابنته : أنتم ....

الانتماء إلى المؤمنين ولو كانوا ضعفاء و البراء من المشركين ولو كانوا أقوياء :

الدكتور راتب :
 أنتم أنتم تفعلون كذا ؟ قال لها : بابا من نحن ؟ فقالت : أنتم ، أقسم بالله له دخل فلكي في ألمانيا ، يتمتع بأعلى ميزات ، ترك المانيا وعاد إلى بلده لكي يلغي من فم ابنته كلمة أنتم ، الانتماء خطير جداً ، أنا أذكر أنه يوجد أخوة كثر درسوا في أمريكا ، ويقيني أنهم سيعودون إلى بلدهم لسبب بسيط أنهم يحملون رسالة ، الفرق غير معقول بين إنسان بلا رسالة وإنسان يحمل رسالة ، بغير رسالة أي مكان فيه دخل أكبر يكفيه ، استمتاع في المادة ، لكن هذا عندما يقترب أجله ينسى الحليب الذي رضعه ، تافه تافه ، يأتي إنسان ويدرس بالغرب ويعود إلى بلده ، يرفع مستوى بلده بعلمه ، بطبه ، بهندسته ، باختصاصه ، يسهم بشكل أو بآخر بنمو بلده .
المذيع :
 ثم مسؤوليته تجاه أبنائه دكتور من الجميل حقيقة أن نذكر إخواننا بفتوى الدكتور قرضاوي عندما سئل عن الإقامة هناك فقال : إذا ضمنت ؟
الدكتور راتب :
 كنت في مؤتمر وكان من عداد ضيوف المؤتمر فقال : إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً لا يجوز أن تبقى في هذه البلاد ، الشيء الغريب أنا زرت ديترويت عدة مرات ، فهذا المكان فيه حوالي مئة طبيب من أصل دمشق ، مرة عقد مؤتمر في دمشق وحاور هؤلاء جميعاً في الشام ، وذكرت هذه القصة ، هناك كلمة ألقيتها في حفل زواج إحدى بنات الأخوة الكرام ، فاقترب مني طبيب والله دمعته على خده قال لي : ابن ابن ابني يجب أن يكون مسلماً , أنا ابني غير مسلم ، فشعر بخطر كبير جداً ، صدق ولا أبالغ يأتي الأب ساعات ومواقف يود أن يموت ، حينما يرى ابنه لا ينتمي إلى أمته .
المذيع :
 دكتور القصة التي ذكرتها لنا مرة من المرات البنت التي هربت مع إنسان يهودي .
الدكتور راتب :
 نعم , بحث عنها أبوها هو في ديترويت وهي في تكساس ، وصل إليها ووضع في كأس الشاي حبة فاليوم و أركبها في سيارته ، بعد حين انتهى مفعول الحبة ، دخلت إلى الحمام كتبت على المرآة بميل الحمرة : أنا مخطوفة من قبل والدي ، رقم سيارته كذا ، هناك حاجز أوقفوه وأخذوا البنت ، وقالوا له : أكمل طريقك ، هناك حالة إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، أنا عندما تكلمت بهذه الكلمة كان كلينتون : لو بلغت منصباً ككلينتون ، وثروة كأوناسيس ، وعلماً كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، هناك شيء إذا الإنسان عاش في بلده ، وخدم بلده ، ابنه له ، وزوجته له ، هناك قصص العقل لا يصدقها من التفلت .
المذيع :
 دكتور لك أنت كلمة جميلة جداً في الانتماء إلى المؤمنين ولو كانوا ضعفاء .
الدكتور راتب :
 الولاء ، أي أن تنتمي إلى المؤمنين ولو كانوا ضعفاء وفقراء ، والبراء أن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء .
المذيع :
 يا سلام والله شيء جميل ، دكتور لنقف قليلاً عند لا بد من الولاء والانتماء للمؤمنين و لو كانوا ضعفاء .
الدكتور راتب :
 أنت في بلد بالتعبير المعاصر متخلف ، أنت ممكن أن تتألم لتخلفهم ، أن تسعى قدر إمكانك لتخفيف هذا التخلف ، فإن درست دكتوراه تعود إلى هذا البلد كي تعالج المرضى ، معك دكتوراه بالاقتصاد تعود إلى هذا البلد مع أن هناك أسباباً تمنع من العودة ، أحياناً الخبرة ليست محترمة في بلاد نامية ، لكن على كل ترجع أنت إلى هذا البلد لأن هذا البلد قدم لك سبب هذا السفر للدراسة ، لا يكون جزاؤه أن تهمله وتبقى هناك .
المذيع :
 دكتور سنتكلم عن مسألة في غاية الأهمية ونحن في حديثنا عن ربيع الإيمان عن الانتماء للأشخاص والانتماء للأوطان ، الأصل أن يكون الأشخاص والأوطان في خندق واحد واتجاه واحد ، اليوم نحن نعايش الربيع العربي نجد أن هناك انتماءات متناقضة ، فهناك من ينتمي للأشخاص والأنظمة ولا ينتمي إلى أوطانهم كما حصل مثلاً في بعض ساحات العالم العربي دكتور لمن يكون الانتماء ؟

الانتماء إلى الحق لأن الحق هو الله :

الدكتور راتب :
 أولاً : الكلام الدقيق العلمي نحن في لقاء ديني الانتماء إلى الحق ، والحق هو الله عز وجل، فالحق كتابه ، الانتماء لكتابه , لنبيه ، لسنة نبيه ، لأي عمل يخدم هذه الأمة ، ويخفف متاعبها ، ويرفع من شأنها ، ويقلل خسائرها ، هذا الانتماء ، أنا أنتمي إلى أمة ، وأنا مخلوق في الدنيا ، وهناك بعد الموت آخرة إلى الأبد ، فأنا حينما ألبي حاجات هذه الأمة المتخلفة أحياناً أكون قدمت عملاً كبيراً .
 أنا أذكر عدة أخوة من أخواني ذهبوا إلى الغرب ليدرسوا ، أقول دائماً : يقيني أنهم سيعودون بالمئة مليون أقول : ما السبب ؟ لأنه يملك رسالة ، الإنسان بلا رسالة ينتمي إلى مصلحته فقط ، أي بلد فيها دخل كبير عاش بهذا البلد حتى الموت ، لكن المؤمن ينتمي إلى أمته فإذا رجع إلى بلده قدم خدمة لهؤلاء الضعفاء , الفقراء , المرضى ، بحيث أنه قدم شيئاً من واجبه تجاه هذه الأمة ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، أحياناً الإنسان تضعف قيمه يصبح حجم المال عنده هو كل شيء ، مع أن المال لوحده لا يقدم ولا يؤخر ، أما المال مع القيم فشيء كبير جداً .
المذيع :
 دكتور في الحديث عن الانتماء هناك من يضيقون فرص الانتماء لأممهم و أوطانهم وبلدانهم ، على سبيل المثال تضيق فرص التعليم ، أو المحافظة على مستويات متخلفة من التعليم ، هذا الإنسان الذكي إنسان مبدع يبحث عن فرصة أكبر وأعمق ، فيضطر للخروج خارج حدود الوطن ماذا نوجه لهؤلاء ؟

الإنسان أقوى من كل عقبة توضع أمامه :

الدكتور راتب :
 أنا عندي عبارة لكاتب كبير, ألّفت كتاباً ووضعتها فيه : إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان , أنا أعتقد أن الإنسان أقوى من كل عقبة توضع أمامه ، أنت إذا أردت شيئاً كأن الله عز وجل عندما جاء بنا إلى الدنيا أعطانا هذه الخاصة ، قال الله تعالى :

﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾

[سورة إبراهيم :33]

 لكن الله لا يتعامل مع التمنيات قال الله تعالى :

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

[ سورة النساء : 123 ]

 لكن الله مع السعي قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾

[سورة الإسراء : 18]

 مثلاً إنسان يسكن في قرية فقير فقير لا يملك قوت يومه ، صار في بلد من الدول النامية رئيس جامعة ، انتقل من بلدته إلى المدينة مشياً على الأقدام ، صار رئيس جامعة ، فالإنسان عندما يطلب شيئاً بصدق لا بد من أن يصل إليه ، إن لم يصل إليه لم يكن صادقاً في طلبه ؟ فأين أنت ؟ ما أنت فيه صدقك ، وما لم تكن فيه تمنياتك ، لأن الله عز وجل حينما خلقنا قال تعالى :

﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾

[سورة إبراهيم :33]

 لكن الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات إطلاقاً ، التمنيات لا قيمة لها عنده أبداً ، فأي إنسان بحث عن حقيقة يكون من ألاسكا ، يصل إليها ، أنا أعرف إنساناً عاش في ألاسكا نقل لوظيفة في أمريكا ، فبعثته ببعثة للخليج ، التقى بإنسان مسلم أقنعه بالإسلام فأسلم ، إنسان بألاسكا ماعلاقته بالإسلام ؟ علاقته مستحيلة :

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

[ سورة الإسراء :19]

 إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان ، شيء لم تصل له لست صادقاً فيه .

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
 أحسن الله إليك دكتور ، ونفع الله بك ، وجزاك خير الجزاء على هذه المعلومات النافعة .
 أعزائي المشاهدين لم يبق من وقت حلقة اليوم إلا أن نتقدم باسمكم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، ونلقاكم في حلقة مقبلة إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور