وضع داكن
26-04-2024
Logo
الحلقة - 12 - الأمانة ٤ - أمانة القضاء و اختيار المناصب و ضرورة تعاون العلماء و تكاتفهم .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم إلى حديقة ربيع الإيمان ، مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، في حلقة جديدة ، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ .
الدكتور راتب :
بارك الله بك .
المذيع :
أسأل الله عز وجل أن يجعل حضورك معنا حضوراً مباركاً .
أعزائي المشاهدين ؛ ما زال الحديث في حديقة الإيمان عن الأمانة ، وحديثنا اليوم في هذه الحلقة عن أمانة العلماء ، وأمانة النصيحة .
دكتور أمانة العلماء أمانة كبيرة جداً وكذلك أمانة النصيحة ، لا سيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "المستشار مؤتمن".

 

الدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، ندعو فنقول : اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
الحقيقة أن الدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية ، فرض كفاية للعلماء المتفرغين والمتبحرين والمتعمقين ، هؤلاء جعلوا الدعوة عملهم الأول ، هؤلاء فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، لكن خصائصهم دقيقة ، التعمق والتبحر والتفرغ والقدرة على الإجابة عن أي سؤال ، أما أي مسلم على الإطلاق فالدعوة إلى الله في حقه فرض عين ، الدليل قال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾

[ سورة العصر: 1-3]

التواصي بالحق هو الدعوة إلى الله عز وجل أحد أركان النجاة ، الآية الثانية ، قال تعالى :

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف: 108 ]

فالذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله ، قال تعالى :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

فالقضية متداخلة إذاً الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم لكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف .
أنت مسلم حضرت خطبة جمعة ، والخطيب عالج موضوعاً بعمق شديد ، وتأثرت تأثراً بالغاً بهذا الموضوع ، قد تلتقي مع شريكك ، مع أخيك ، مع زوجتك ، مع أولادك في سهرة، في ندوة ، في لقاء ، في نزهة ، فهذا الموضوع ينبغي أن تنقله ، هذا يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

فأي مسلم الدعوة إلى الله بحقه فرض عين ولكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، فأصبحت الدعوة فرض عين - أداء أمانة - لكن هنا الآية الكريمة :

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الأحزاب :39 ]

هم المؤمنون ، لكن ما صفاتهم ؟ لهم آلاف الصفات ؛ مؤمن ، مستقيم ، موحد ، مصلي ، يصوم ، كل هذه الصفات أغفلها الله ترك صفة واحدة ، في علم المنطق هذه الصفة مترابطة مع الموصوف ترابطاً وجودياً فإذا ألغيت هذه الصفة ألغي الموصوف ، قال تعالى :

﴿ يَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّه ﴾

[ سورة الأحزاب :39 ]

لو حللنا هذا الذي يدعو إلى الله إذا خشي قوياً فسكت عن الحق خوفاً منه ، وتكلم بالباطل إرضاءً له ، ماذا بقي من دعوته ؟ انتهت دعوته ، فكل النشاط العلمي ، كل النشاط الدعوي إذا أرضى القوي تملقاً ، وخاف منه فحذف ، الدعوة انتهت كلها .
المذيع :
وهذا أساس الفساد .
الدكتور راتب :
قال تعالى :

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّه ﴾

[ سورة الأحزاب :39 ]

المذيع :
دكتور هل يمكن أن نقول إن المجاملات على حساب الحق خيانة للأمانة ؟

 

المجاملات على حساب الحق خيانة للأمانة :

الدكتور راتب :
هذه مشكلة كبيرة الآن ، لأن سأذكر قصة نادرة ، ديكتاتور في العصور القديمة أراد أن يقتل العلماء جميعاً كيف ؟ جاء لهم بلحم خنزير ، فالذي لا يأكل يقتل ، الجواب : معظمهم عنده تبرير أو عنده ضرورة إلا أن أحد أكبر العلماء قدم له : لحم ضان ، قال لهم : هذا عند الناس لحم خنزير ، فلم يأكل وضحى بحياته حفاظاً على قيمة العلم ، فالعلم من أين تأتي قيمته؟
المذيع :
الإمام أحمد بن حنبل في قضية خلق القرآن لما رفض أن يأخذ بالرخصة حتى أعظم أداء الأمانة . مجاملة العلماء في الحق وكذلك مجاملة المسلمين كافة ليست صحيحة .
الدكتور راتب :
الحقيقة المجاملة هي هبوط إلى مستوى الناس ، هناك مستوى الناس والمستوى الشرعي ، مهمة الداعية أن يرفع الناس إلى المستوى الشرعي ، وهناك طريقة أخرى يلتقي معهم فيهبط إليهم ، إما أن يهبط إليهم أو أن يرفعهم إليه ، البطولة أن ترفع ، الهبوط سهل ، ويصبح لك شعبية كبيرة ، أما أن تأخذهم إلى الصراط المستقيم فهذا جهد كبير جداً .
المذيع :
دكتور أمانة العلماء أن يؤدوا الحق كما هو من عند الله عز وجل .
الدكتور راتب :
دون محاباة ، دون تملق ، هناك شيء يكتمه العالم خوفاً ، أو ينطق به تملقاً ، يجب أن تنطق بالحق دون زيادة أو نقصان .
المذيع :
دكتور في هذا الموضع المهم وهو موضوع يومي كذلك كل واحد منا يومياً يستشار ما رأيك بهذا البيت ؟ بهذه السيارة ؟ بهذا اللباس ؟ ربما يقول غير الحق ، النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن هذا النوع نوع خاص من الأمانات ، المستشار مؤتمن . ما هو المطلوب منا ؟

المستشار مؤتمن :

الدكتور راتب :
المشكلة أن الإنسان أحياناً اشترى البيت وانتهى الأمر أحب أن يستشيرك ، الأكمل في هذا الوضع أن تثني على هذا البيت ، وإلا هناك مشكلة كبيرة ، أما إذا استشارك قبل أن يشتريه فيجب أن تقول له الحقيقة ولو أنها مرة ، وأنا أنطلق وأقول : الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، المستشار مؤتمن ولا سيما في الزواج ، في الشراكة أخطر شيء ، هنا تجب الغيبة ، شريك ليس مستقيماً ، شريك منحرف يأكل المال الحرام ، فإذا أثنيت عليه فأنت وقعت في خطأ كبير جداً .
المذيع :
يقول العلماء فيما أظن : الغيبة في ستة ؛ متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقاً ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر . دكتور يجب على الإنسان الذي يستنصح أن يقول الحق .
الدكتور راتب :
لكن هناك ملاحظة شخص غير مستقيم لم يسألك أحد عنه ، ما من داع أن أذكر عنه شيئاً ، أما إنسان استنصحك سيدخل معه في شراكة ، سأزوجه ابنتي ، هناك مشكلة ، لا بد من ذكر الحقيقة .
المذيع :
دكتور في قوله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 8]

لماذا ارتبطت الأمانة بالعهد وجاء التعبير عنها بالرعاية ؟

 

ارتباط الأمانة بالعهد :

الدكتور راتب :
الأمانة تؤدى ، العهد وعد ، العهد أمانة لم تؤد بعد يجب أن تؤدى .
المذيع :
دكتور هل يمكن أن تكون الآية أساساً الأمر بالإخلاص في الوظائف العامة ، بعض الناس يعملون كموظفين يأتون إلى العمل الساعة التاسعة هل هذا من تضييع الأمانة ؟
الدكتور راتب :

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

هل يمكن أن نفهم الحديث أن يكون الطعام طيباً ؟ أطب مطعمك أي اجعل هذا الطعام قد اشتري بمال حلال ، فإذا كان مالك حلالاً أي أنت أديت وظيفة وبذلت حق المواطنين، فمالك حلال ، علمت بمدرسة وأعطيت الدرس المتقن ، مالك حلال ، قدمت بضاعة جيدة مالك حلال ، أما إذا كان هناك غش بالبضاعة ، إذا المدرس لم يدرس ، أمضى الوقت بحديث فارغ ، صار معاشه حراماً ، الحقيقة :

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

حديث واسع جداً أي حرفة ، مريض زار طبيباً لم يراجع المرجع ، والمرجع موجود بالعيادة فما راجعه وأعطاه دواء عاماً ، مسكناً ، وأخذ أجرته خان الأمانة ، ولا سيما في المهن الراقية ، مثلاً لو أن إنساناً طرق باب محام ، ودعواه ميئوس منها ، و لم يقل له المحامي هذا ، فقبل أخذ هذه الدعوى ووعد الموكل وعوداً متتابعة ، هذا ماله حرام كله ، والله هناك أبواب للحرام لا تعد ولا تحصى في كل المهن .
المذيع :
دكتور أمانات القضاء تحقيق العدل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "قاضيان في النار وقاض في الجنة " .

 

أمانة القضاء :

الدكتور راتب :
إنسان عدل هذا الحديث ، وأضاف عليه قال : " قاضيان في النار وقاض في الجنة". طبعاً هذه طرفة ، هناك قاض في عهد المنصور أعتقد طلب إعفاءه من القضاء ، قال له : لم ؟ لما أصر عليه قال : والله جاءني متخاصمان ، أحد المتخاصمين قدم له هدية طبقاً من الرطب في بواكيره ، وهذا القاضي يعرفه الناس أنه يحب الرطب كثيراً - التمر في بواكيره - فلما قال للغلام : من جاء به ؟ قال : فلان ، قال : صفه لي ؟ قال : كيت وكيت ، فعرف أن هذا من أحد الخصوم فرده ، في اليوم التالي جاءه الخصمان فتمنى أن يكون الحق مع الذي قدم الطبق ، مع أنه لم يأخذه فكيف إن أخذه ؟
المذيع :
دكتور ليت تلك الأيام المباركة تعود ، هناك فاصل قصير ...
أعزائي المشاهدين ؛ أهلاً وسهلاً بكم ، أعود إلى فضيلة الدكتور ما زال الحديث عن الأمانة حديثاً شيقاً .
الدكتور راتب :
خطيراً وشيقاً .
المذيع :
دكتور أريد أن أتحدث عن أمانة اختيار المناصب ، ربما يكون الإنسان مسؤولاً في شركة ، في مؤسسة ، مسؤول عام يقلد بعض المناصب لمن لا يستحق لأنهم قرابته .

أمانة اختيار المناصب :

الدكتور راتب :
الذي أذكره ورد في بعض الأحاديث إذا الإنسان كلف أن يعين أو أن يولي إنساناً عملاً ، وعنده عشرة أشخاص ، فولى واحداً منهم لقرابة أو لمصلحة وفيهم من هو أفضل منه ، النص الدقيق فقد خان الله ورسوله ، سيدنا عمر قال : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده بحسب الحكم الشرعي ، قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعاصي .
سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم ، هذا الأعرابي ليس له إلا عمر يشتكي إليه ، هذا منهج كامل ، لو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن ما خرج من مكة .
المذيع :
دكتور مازلنا في الحديث عن اختيار المناصب ، المطلوب في اختيار المناصب تقوى الله عز وجل وهي من أعظم الأمانات كما تفضلت :

(( ومن تولى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله ورسوله ... ))

[مجمع الزوائد عن ابن عباس]

وحديثنا في هذا البرنامج عن ربيع الإيمان أعتقد أن أكبر المشاكل التي نواجهها هي مسألة المناصب العالية ..
الدكتور راتب :
يوجد آية كريمة قال تعالى :

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص : 26 ]

بالمصطلح المعاصر الكفاءة والإخلاص ، الخبرة الكفاءة ، والإخلاص الولاء ، قال تعالى :

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص : 26 ]

المذيع :
وقول سيدنا يوسف ، قال تعالى :

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف : 55]

الدكتور راتب :
سيدنا عمر قال لأحد الولاة : خذ عهدك وانصرف إلى عملك ، واعلم أنك مصروف رأس سنتك ، وأنك تصير إلى أربع خلال ، فاختر لنفسك ، كلام دقيق جداً ، قال : إن وجدناك قوياً أميناً ، أخذ من قوله تعالى :

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص : 26 ]

قال : إن وجدناك قوياً أميناً زدناك في عملك ، ورفعنا لك ذكرك ، وأوطأنا لك عقبك ، وإن وجدناك قوياً خائناً استهنا بقوتك ، وأوجعنا ظهرك ، وأحسنا أدبك ، وإن جمعت الجرمين ، الخيانة والضعف جمعنا عليك المضرتين .
قضية الأمانة شيء مهم جداً ، الأمانة والكفاءة ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص : 26 ]

القوي المتخصص متفوق ، متمكن ، يسد الثغرة ، علمه جيد ، وأمين من الناحية الأخلاقية .
المذيع :
دكتور ربما يحضرني عن أمانة العلماء أمانة أن ينقل العالم الخلاف إن كان في المسألة خلاف ، ما أجمل سيدنا مالك رضي الله عنه لما أبى عن المنصور أن يحمل الناس على كتابه الموطأ ، هذا النوع من الأمانات الآن نرى بعض الناس يحملون الناس على رأي واحد .

 

اختلاف الأئمة رحمة :

الدكتور راتب :
الحقيقة الخلاف كان بين الصحابة ، فهذا الذي لا يريد أن يرى أفكاراً مختلفة عن بعضها وقع في خطأ كبير ، هذا خلاف الواقع ، خلاف ما أراده الله عز وجل ، الاختلاف أحياناً يسبب تنافساً شريفاً ، وآثاراً إيجابية كبيرة جداً ، طبعاً الخلاف في الأصول مستحيل ، الله كان قادراً أن يجعل كل النصوص قطعية الدلالة ، ما من داع للاجتهاد إطلاقاً ، لكن لحكمة بالغة بالغة وأنا لي رأي دقيق أن الله عز وجل في بعض الأحاديث القدسية : " إن الله خلق آدم على صورته ". أي الله عز وجل كرم الإنسان فسمح له أن يجتهد ، الله عز وجل ترك نصوصاً ظنية الدلالة ، عندنا نص قطعي الدلالة مثلاً ، أعطه ألفاً وخمسمئة درهم ، هذا نص قطعي لا يحتاج لا إلى مجتهد ، ولا إلى مفسر ، ولا إلى إنسان آخر ، أما إذا قلت : أعطه ألف درهم ونصفه ، على من تعود الهاء ؟ هناك ألف وخمسمئة وهناك ألف ونصف درهم ، هنا الخلاف ، الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بالغة جعل بعض نصوص القرآن ظنية الدلالة ، والنبي في بعض أحاديثه دلالة ظنية ، هذا محل خلاف ، الحكمة البالغة من ذلك هذا النص الذي يحتمل عدة معان أراد الله جميع هذه المعاني التي تغطي تطور الإنسان ، وأحواله ، وبيئته ، وثقافته ، هناك بيئات مختلفة و ثقافات مختلفة ، هذا النص ظني الدلالة الذي يحتمل عدة معان ، فلذلك حينما ترى نصاً ظني الدلالة والفقهاء اجتهدوا ، هناك قصص كثيرة جداً ، مثلاً امرأة جاءتها الدورة قبل طواف الإفاضة علماء قالوا : تنتظر حتى تطهر ، لو أنها ملحقة بفوج عندنا وضع ثان ، هناك رأي ثان أن تدفع بدنة لو أنها غنية ، ولو أن لها ابناً بجدة تبقى عنده أسبوعاً ، وإن كان فقيرة لا يوجد لها أحد لتبقى عنده ، تطوف البيت ولا شيء عليها عند الإمام مالك ، لذلك قيل : إن اختلاف الأئمة رحمة ، هناك تعدد ، كأن هذا التعدد يغطي كل الحالات ، أحياناً نحن نتصور أن النص قطعي الدلالة رائع جداً ، صح لكن ليس أقل منه روعة النص ظني الدلالة لأنه يغطي الحالات المتنوعة ، فكل قضايا الخلاف ، مجموعة الفتاوى المتعددة تغطي كل الحالات التي يمكن أن تكون من هذا المسلم .
المذيع :
تشبيه جميل عن مسألة التعليم ونقل العلم والتدين أن الدعوة والتدين والتعليم عبارة عن تيار ليس خطاً .

مراعاة النصوص ظنية الدلالة لأحوال الناس :

الدكتور راتب :
كان هناك لقاء ، المحاضر رسم خطاً ورسم شريطاً ، قال : الدين ليس كهذا الخط ، حالة واحدة ، وإلا أنت خارج الدين ، هذا مفهوم غير صحيح ، الدين شريط ، هناك يمين و يسار و وسط ، رحمة بالأمة ، كان ممكن أن يكون القرآن الكريم كله قطعي الدلالة ، وكذلك الحديث ، لم يعد هناك مجال للاجتهاد إطلاقاً ، لكن الله عز وجل مراعاة لأحوال الناس ، لبيئاتهم ، لتطورهم ، لتفاوت إيمانهم ، جاءت النصوص ظنية الدلالة ، يسعك هذا الحكم وهذا الحكم .
المذيع :
دكتور أيضاً من أمانة العلماء ما نرى في زماننا اليوم أن بعض العلماء يتجمع حولهم بعض التلاميذ والطلاب فيصبح ولاء هذا العالم لهذه الفئة ، وولاؤه للأمة ضعيفاً ولهذه الفئة قوياً .

الولاء الأساسي هو الولاء لمجموع الأمة :

الدكتور راتب :
أنا أعتقد أن هذا العمل خطير ، الدليل حينما قال الله عز وجل :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات : 10 ]

هو خالف هذه الآية ، جعل الأخوة لهذه الجماعة ، لهذه الفئة ، لمن حوله ، هذا لا يمنع أن يكون هناك جماعات خاصة ، لكن الولاء الأساسي لمجموع الأمة ، ما لم تنتم إلى مجموع المسلمين فلست مسلماً ، الانتماء إلى فقاعة صغيرة أكبر قضية نعاني منها ، الإسلام صار مجموعات ، وطوائف ، وفرق ، وأحزاب ، واتجاهات ، وتيارات ، هذا الذي فتت قوة الأمة.
المذيع :
دكتور هل من الأمانة أن يسعى العلماء باتجاه شكل من أشكال الاتحاد .

 

بطولة العلماء أن يتعاونوا ويتكاملوا لا أن يتنافسوا :

الدكتور راتب :
بشكل عام التنوع مقبول لكن لا يوجد تضاد ، أنا حينما أتفوق في قسم أنا أرى أن لحكمة بالغة بالغة أي عالم طبعاً عنده حد أدنى من المعلومات الصحيحة في كل فروع الدين، لكن هذا العالم تفوق في الفقه ، هذا في التفسير ، هذا في الحديث ، هذا في السيرة ، هذا إضافة إلى القواسم المشتركة التي يتقنها عنده تفوق في باب ، أنا أرى أن بطولة العلماء أن يتعاونوا ويتكاملوا لا أن يتنافسوا ، ما الذي يمنع أن تكون عالماً كبيراً في التفسير ولست متبحراً في الحديث وأن تتصل بأحد علماء الحديث تقول له : من فضلك هذا الحديث ما وضعه ؟ هذا الشيء لا يقدح في علمك إطلاقاً ، لا يوجد إنسان يعلم كل شيء ، ولو كان العلماء في نفسية متواضعة ، وهناك تعاون بينهم ، وتآلف ، وتناصح ، وتعاون ، لكانوا في وضع آخر غير هذا الوضع .

 

خاتمة و توديع :

 

المذيع :
أسأل الله تعالى أن يوحد كلمة المسلمين ، ويرص صفوفهم ، أشكرك على هذا البيان ، وأسأل الله عز وجل أن نستمر في حلقات ربيع الإيمان .
أعزائي المشاهدين أشكركم شكراً جزيلاً على حسن متابعتكم ، أسأل الله أن ألقاكم في حلقة مقبلة من ربيع الإيمان ، مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي إن شاء الله ، وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور