وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 1071 - أسباب زيادة الرزق8 ، الشكر - شكر من أسدى لكم معروف .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

مقدمة :

1 – مِن نعمِ الله الكبرى ثباتُ خصائص الأشياء:

أيها الإخوة، لازلنا في سلسلة خطب تتمحور حول أسباب زيادة الرزق، ولأن الله سبحانه وتعالى ثبّت مليارات القوانين، ثبّت خصائص المواد، ثبّت دورة الأفلاك، ثبّت كل شيء استقراراً للنظام، وتطميناً للإنسان، فلو بدل خصائص الحديد، وأنشأت بناءً من ثلاثين طابقاً، فإذا بدل خصائصه انهار البناء، فثبات خصائص المواد، وثبات خصائص البذور، وثبات خصائص الأفلاك نعمة عظمى، هذه النعمة مؤدّاها استقرار النظام، استنباط القوانين، التعامل مع الكون تعاملا علميا.

2 – الرزق والصحة متغيِّران لا ثبات لهما:

لكن لحكمة بالغة حرّك شيئين، حرك الصحة، وحرك الرزق، ليكون الرزق والصحة سببين لتربية الإنسان.
وأذكِّركم بالآيات الثلاث:

﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾

( سورة الجن )

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 96 )

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾

( سورة المائدة الآية: 66 )

ويقاس عليهما ما في القرآن.
إذاً: في هذه الآيات الثلاث ربط الله الرزق الوفير بالاستقامة، وبالتقوى، وبإقامة منهج الله عز وجل، ولأن العالَم كله يشهد أزمات اقتصادية طاحنة لأسباب لا مجال لذكرها الآن، ولأن هذا الدين يصلح أن يكون دين الأمة، ويصلح أن يكون دين الفرد، فإذا استقمت وحدك، وأقمت أمر الله وحدك، وطبقت سنته وحدك فلك معاملة خاصة، لذلك في خطب عديدة تقترب من عشر كنت أعالج في كل خطبة أحد أسباب زيادة الرزق.

 

مِن أسباب زيادة الرزق : الشكرُ :

الآن محور هذه الخطبة الشكر، والآية الواضحة الصارخة:

﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾

( سورة إبراهيم: الآية 7 )

1 – عوِّدْ نفسك على شكر النعم المألوفة:

عوِّد نفسك إذا استيقظت صباحاً تتمتع بحواس تامة، وبقوة، وبأجهزة سليمة أن تقول: يا رب، لك الحمد، الحمد لله الذي أحياني بعد أن أماتني، النوم موت، وبعده تتمتع بالقوة، ترى، تسمع، تنطق، تتكلم، جلست إلى الطعام، عندك طعام، ومعك ثمن طعام

قد يكون طعام قوتٍ يكفيك، عندك زوجة أمامك تلبي حاجتك بالرعاية، عندك أولاد، حاول أن تشكر على النعم المألوفة التي لو تبدلت واحدة منها لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
للتقريب: يكون عند الإنسان هموم لا تعد ولا تحصى، لكن صحته طيبة، أولاده بصحة جيدة، زوجته كذلك، يسكن في بيت، لا سمح الله ولا قدر ولا قدر، وعافاكم الله جميعاً من كل داء لو ظهر ورم في الجسم لنسيت كل هذه الهموم، أليس كذلك ؟
مرة مات ملِك، قلت في خطبة، وأنا أعني ما أقول: لو عُرِض على هذا الملِك أن يرجع عاملا على آلة كاتبة في قصره، وأن يُعافى من مرضه، والله الذي لا إله إلا هو لا يتردد ثانية واحدة أن ينقلب مِن ملِكٍ إلى عامل على آلة كاتبة على أن يعافى من مرضه الخبيث.

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ))

ليس مُلاَحقًا، هو حر، له مأوى، معه مفتاح بيت ـ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ـ سمعه، بصره، قوته، جهاز الهضم، جهاز القلب، جهاز الدوران، الكليتان .

(( (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )) ))

[ أخرجه الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]

2 – كثرة الشكوى مخالفة للشكر، وهي مِن طُرُق الشيطان:

أيها الإخوة، نكون غارقين في نعم لا تعد ولا تحصى، ونشكو، نتعلم الشكوى، لذلك هذه الشكوى من أين تأتي ؟ استمعوا إلى هذه الآية الكريمة، يقول الله عز وجل في معرض حديثه عن الشيطان:

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) ﴾

( سورة إبراهيم )

يكون دخْله بالملايين، ثم يقول لك: لا يعاش في هذا البلد، التجارة مقيَّدة، ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ .
الذي يتأفف، ويتشكى، وينسى نعم الله عليه، ينسى أنه في بلد مسلم مسموح له أن يأتي إلى المسجد، ولا يُساءل، هذه نعمة أنتم لا تعرفونها، أما في بلاد أخرى مسلمة والله لو دخلت المسجد مرة واحدة لأصبحت مسؤولاً عن هذا الدخول، ولو أن فتاة ارتدت ثيابًا نصف يدها عار، لكن القبة مرتفعة قليلاً، وثوبها إلى ركبتها هذه تعد محجَّبة، ويسرح كل أقاربها من وظائفهم، نحن والحمد الله نساؤنا محجبات، والحجاب بأعلى درجة الآن، المساجد ممتلئة، هذه نعم لا نعرفها نحن إلا إذا فقدناها، لذلك من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم:

(( (( اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها )) ))

ألا تذكرون قبل خمسين عامًا يوم كان هناك توازن بين المعسكرين كيف أن الدول الصغيرة تتمتع بحرياتها، وتأتيها المساعدات بالمليارات، فإذا شحت المساعدات من معسكر غازلت المعسكر الآخر فبادر الثاني إلى إكرامها، الآن هناك العصا فقط من غير حبة جَزَرٍ، والحمار أحياناً توضع أمامه حبة جزرٍ، والعصا مع صاحبها، الآن العصا فقط تساق بها الشعوب، وتقهر بها، وتؤخذ ثروات الشعوب، ويقتل أبناء الأمة.

 

3 – عوِّدْ نفسك على رؤية الإيجابيات:

أيها الإخوة الكرام، عوِّد نفسك أن ترى الإيجابيات، عوِّد نفسك أن تشكر الله، أنا لا أقول لك: انسَ همومك، الهموم هموم، والمشكلات مشكلات، لكن لا تغفل عن الإيجابيات.
مرة جاءني إنسان يستأذنني في تطليق زوجته، أنا أردت أن أستفزه، قلت له: هل تخونك ؟ قال: معاذ الله، هي طاهرة شريفة، قلت:هل هي قذرة ؟ قال: أعوذ بالله، إنها نظيفة جداً، قلت له: لا تعتني بك ؟ قال: بل تعتني، هو استحى بحاله، فلم يكمل الحديث، فلا تنسَ أن زوجتك عفيفة، لا تنسَ أن زوجتك أمينة، تحسن إدارة البيت، مع أن ثمة خلافيات لا تتعامى عن كل ذلك.
هذا الذي دخل المسجد، وأحدث جلبة وضجيجا، وشوش على الصحابة صلاتهم، لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته ماذا قال له ؟ فعَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ:

(( أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ ))

نوَّه إلى حرصه، وقال له: (( وَلَا تَعُدْ )).
إن الإنسان الناجح لا يتعامى عن الإيجابيات في حياته، أمّا الإنسان الذي يشكو لي سوء ظنه بزوجته، يخشى أن تخونه، أراه كالمرجل، الذي عنده زوجة صالحة يسافر مدة طويلة ولا يخطر في باله خاطر سيئ، أليست هذه نعمة كبيرة ؟
الإيجابيات التي لا تنتبه إليها هذه نعم كبيرة جداً.

 

4 – إذا أردت الزيادة في كل شيء فاشكر ما أنت فيه:

الآن إذا أردت الزيادة في كل شيء فاشكر ما أنت فيه.

﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) ﴾

( سورة إبراهيم )

إن أردت الزيادة في مكانتك فاشكر أن الله رفع ذكرك، لتزداد مكانتك، إن أردت الزيادة في رزقك فاذكر أن لك نعماً سلبية، وهي أنك معافى، وأقلُّ تحليلٍ يكلفك الآلاف، المرنان بعشرات الألوف، والآن هناك أجهزة حديثة بخمسة وعشرين ألفًا، وأقلّ حركة صحية تحتاج إلى ألوف، فإذا عافاك الله من كل هذه الأمراض فمعنى ذلك أن معك رزقًا سلبيًّا وفر الله عليك ألوفا.
أحد الإخوة الكرام قال لي: الإنسان إذا جاءه طفل معافى فمع هذا الطفل مليون ليرة، قلت له: ما فهمت عليك، اشرح لي ذلك، قال لي: هناك طفل شريانه مكان الوريد، الجراح طلب أربعمئة ألف في لبنان، والمستشفى ثلاثمئة ألف، ونقله بعد الولادة بساعات إلى لبنان بخمسين ألفا، قال: سبعمئة وخمسون ألفًا دفِعت خلال ساعتين، الذي عنده ولد سليم معافى فهذه نعمة كبيرة جداً، وقد يأتي الطفل منغوليا فتصبح حياة الأسرة جحيماً لا يطاق، ابحث عن الإيجابيات، طريق كله حفر ما إيجابياته ؟ هذا الطريق لا تنام فيه إطلاقاً، أما الطرق الواسعة والسريعة فاحتمال النوم قائم، وبعد النوم حادث مروع، وهذه من باب الطرفة طبعاً.
ابحث عن الإيجابيات في واقعك تَسعد وتُسعد، تَرض وتُرض، لا تنسَ نعم الله: 

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ 

( سورة لقمان الآية: 20 )

 

ما هو الشكر ؟

ما هو الشكر ؟ ما دام الشكر طريق الزيادة، في صحتك إذا شكرت الله عز وجل على ما أنت عليه من أجهزة سليمة ازدادت صحتك، إذا شكرت ربك أن لك دخلاً تعيش به زاد دخلك، إن شكرت ربك على زوجة إجمالاً صالحة تزداد صلاحاً، إن شكرت ربك على أولاد أمامك يحترمونك ازدادوا احتراماً لك:

﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) ﴾

( سورة إبراهيم )

اجعل هذه الآية شعارك، ولكن ما الشكر ؟

 

1 – تصَوُّرُ النعمةِ وعزوُها إلى الله:

أيها الإخوة، لمجرد أن تتصور أن هذه نعمة من الله فهذا أحد أنواع الشكر، الله عز وجل وفّقني، ونلت شهادة عليا، وفقني وتعينت بعمل له دخل معقول يغطي نفقاتي، الله عز وجل أكرمني بمأوى قد يكون بمساحة خمسين مترًا، لكنه مأوى معك مفتاح بيت، الله عز وجل أكرمني بأولاد صالحين، عود نفسك أن تقول: الله أكرمني، الله وفقني، الله مكنني، إياك أن تعزو ما أنت فيه إلى قدراتك فتكون من أتباع قارون:

﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾

( سورة القصص الآية: 78 )

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾

( سورة القصص الآية: 81 )

الابن مريض، حرارته أربعون، أخذته إلى الطبيب، الله عز وجل سمح لهذا الطبيب أن يصف له دواءً مناسباً، وهذا الدواء أزال الداء، إياك أن تعزو شفاء ابنك إلى طبيب، الطبيب عبد، لأن الشفاء بيد الله عز وجل، فإذا أراد الشفاء لإنسان ألهم الطبيب صحة التشخيص والدواء المناسب.

إن الطبيب له علم يدل بـه إن كان للناس في الآجال تأخير

متى ينفع علم الطبيب ؟ إن كان للناس في الآجال تأخير:

حتى إذا ما انتهت أيام رحلت ه حار الطبيب و خانته العقاقير

كم من إنسان شكا تعطلَ إحدى كليتيه ؟ فلا بد من استئصالها، ماذا فعل الطبيب الأول ؟ استأصل السليمة.
أيها الإخوة، أنا أقول: حينما تنجح العملية الجراحية، هكذا أقول: والله إذا أراد الله لك الشفاء تكون يد الطبيب بيد الله فتنجح العملية، فعوّد نفسك أن تعزو الفضل إلى الله، هذا ليس تواضعا، هذه حقيقة وواقع.
أيها الأخوة، أول مستوى من مستويات الشكر أن تعزى النعمة إلى الله، إلى أن يكون هذا من جبلتك، الله وفقني، الله أكرمني، الله سمح لي أن أدعو له، من أنت ؟ لولا أن الله أطلق لسانك، لولا الله أمدك بذاكرة، لولا أن الله ألقى محبتك في قلوب الخلق فلا أحد يستمع إليك، لذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

(( ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ))

[ أحمد عن أبي سعيد الخدري ]

ما قال: فهديتكم.
إذاً: المستوى الأول أن تعزو النعمة إلى الله، وهذه حقيقة، وكاستنباط بعيد إذا قال الله عز وجل: 

﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ (69) ﴾

( سورة يس )

النبي صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر، لو خاطبنا شاعراً كبيراً: مَن الذي أعطاك هذه الملَكة ؟ الله عز وجل.
استنباط آخر دقيق: 

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ﴾

( سورة النحل)

أكمل الآية: 

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

( سورة النحل)

إلى من عزي خلق الطائرة ؟ كفكرة، إلى الله عز وجل، هو مِن ألهم، حتى العلماء الكبار المكتشفون يقولون لك: الاكتشاف ومضة وقفزة وتألق في المجهول، حتى قال بعض العلماء: العبقرية تسعة وتسعون منها عرَق، يعني جهدا، وواحد بالمئة إلهام.
الله عز وجل على الحقيقة يعزى إليه كل شيء، وكل ما أنت فيه من صحة، من زواج، من أولاد، من ذكاء أحياناً من الله، هناك إنسان الله عز وجل آتاه فهما دقيقا جداً، إذا عزوت كل شيء إلى الله عز وجل فأنت شاكر، هذا أول مستوى، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما أنعم الله على عبد من نعمة فقال: الحمد لله إلا وقد أدى شكرها ))

[ الجامع الصغير عن جابر بسند فيه ضعف ]

دخلت إلى بيتك قل: الحمد لله الذي آواني، وكم ممن لا مأوى له.
نظرت إلى المرآة، ورجلت شعرك، قل: يا رب لك الحمد، الحمد لله يا رب كما حسنت خلقي حسن خُلقي، وجه مقبول، ما فيه شيء منفّر، والله نحن غارقون في نعم لا تعد ولا تحصى.
سأل ملك وزيره: مَن الملِك ؟ قال: أنت، قال: لا، الملك رجل لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورق يكفيه، هذا ملك، الملك الذي له بيت صغير ساكن فيه، مدفّأ في الشتاء، عنده مروحة في الصيف، وله زوجة يحبها وتحبه، ومعه وظيفة تغطي مصروفه من دون بحبحة، هذا ملك .
قال: له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورق يكفيه.
يقول عليه الصلاة والسلام: 

(( ما أنعم الله على عبد من نعمة فقال: الحمد لله إلا وقد أدى شكرها، فإن قالها ثانية جدد الله له ثوابها، فإن قالها ثالثة غفر الله له بها ذنوبه )) 

[ الجامع الصغير عن جابر بسند فيه ضعف ]

الله عز وجل أكرمني بهذه الشهادة، شهادة عليا في الطب، هذا المستوى الأول.

 

2 – أن يمتلأ قلبك محبة لله:

المستوى الثاني: أن يمتلأ قلبك محبة لله، من أعماقك الله أكبر، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، اسمعوا الآن، سمع الله لمن حمده، يا رب، لك الحمد والشكر والنعمة والرضا، حمداً كثيراً طيباً، يا رب، غمرتني بفضلك، غمرتني برحمتك، غمرتني بحلمك، غمرتني بتوبتك، سمع الله لمن حمده، يا رب، غمرتني بعطائك، غمرتني بسترك، غمرتني بحلمك، غمرتني برحمتك، غمرتني بحبك، سمع الله لمن حمده.

3 – أن تشكر جوارحُك:

أما المستوى الثالث: يا الله هذا أرقى مستوى، أول مستوى أن تعزو النعمة إلى الله، المستوى الثاني أن يمتلأ قلبك حباً لله على هذه النعم، المستوى الثالث أن تشكر جوارحك، معنى قوله تعالى:

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا (13) ﴾

( سورة سبأ )

إطعام الهرة شكر لله، وكذا إطعام المساكين.
أحد إخواننا الأطباء زارته معلمة عندها إشكال في أسنانها في المقدمة، الكلفة ستون ألفًا، ما تملك المبلغ، قالت له: شكراً، وهي خارجة قال لي: انكسر قلبي من أجلها، معلمة، قال لها: يا أختي، تقبلي مني أن أقدم لك هدية ؟ قالت له: جزاك الله خيراً، قال لي: بقيت ستة أشهر أعالجها حتى قومت لها أسنانها، قال: أنا أعيش ستة أشهر في جنة، لأن هذا العمل لله.
يقول لي طبيب آخر: أذهب إلى مستشفى عام، في العالم كله المشافي العامة فيها إهمال، قال لي: أعامل المرضى كأنهم بأرقى مستشفى، التحليل، الإيكو، المرنان، قال لي: أنا أعيش في جنة، لأن هذا الفقير لا أحد مهتم به إطلاقاً، أنا أهتم به، أهتم بأدق تطورات مرضه.
قال لي مرة أخ جاء من منطقة الزبداني الساعة الثانية عشر ليلاً في الصيف: وجدت امرأة تقف في الطريق تمسك طفلا، وهي تبكي، وإلى جانبها زوجها، توقفت، خير إن شاء الله ؟ حرارته إحدى وأربعون درجة، هم من لبنان في أثناء أحداث الحرب الأهلية، وما يعرفون أحدا في الشام، قال لي: أخذتهم من مستشفى إلى صيدلية مناوبة حتى انخفضت الحرارة، ورجع الوضع طبيعيًا، وأوصلتهم الساعة الرابعة إلى البيت، قال: جلست معهم أربع ساعات، أقسم لي بالله قائلا: طيلة أسبوعين وأنا أعيش في جنة، ألا تريدون أن تعيشوا في الجنة ؟ اخدم الناس، ارحم الضعفاء، المريض عالجه، الفقير أطعمه، اليتيم اعتنِ به، شغله عندك،.
ملخص الملخص: 

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾

( سورة الكهف )

بربكم في أي جيش في العالم هل يستطيع مجنَّد غرّ التحق البارحة بقطعة عسكرية، هل يستطيع الدخول على هذا اللواء الكبير بحكم التسلسل العسكري بلا إذن ؟ أمامه مئة رتبة، إلا في حالة واحدة يستطيع الدخول على هذا اللواء الكبير بلا إذن ؛ إذا وجد ابنه يسبح، وكاد يغرق، فألقى بنفسه في الماء وأنقذه، يقول له: أهلاً وسهلاً، تفضل، اجلس، هاتوا لنا الشاي، أليس كذلك ؟

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾

( سورة الكهف )

تحب أن تصلي وتبكي في الصلاة ؟ تحب أن تشعر أن الله يحبك ؟ تحب أن تشعر أن لك ميزة خاصة ؟ أنت غالٍ على الله ؟ اخدم له عباده، لا تقل له: أنت مِن أين، هذا عبد لله عز وجل، كن إنسانيا، واخدم من كان.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ))

[ البخاري ]

باب النجاة مفتوح بين أيديكم جميعاً.

 

4 – انظر إلى مَن هو أسفل منك، ولا تنظر إلى مَن هو فوقك:

انظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى مَن هو فوقك، فذلك أجدر ألا تزدري نعمة الله عليك.
أحيانا تشاهد إنسانا معاقا، وأنت لست معاقًا، تشاهد ابنا عنده مرض التوحد، أنت ابنك عادي، يجب أن تعرف سلبيات مَن حولك، لكن بأدب، لا تقل: يا رب، لك الحمد، أمامهم، هذا سوء أدب، بينك وبين نفسك، شاهدت إنسانا فَقَد حاسة من حواسه، يا رب، لك الحمد، تفضلت علي، رأيت إنسانًا بلا عقل، يا رب، أنا عندي عقل، يا رب، لك الحمد، إنسان ما عنده ولد، يموت على ولد، أنت عندك عدة أولاد، ما عندك هذه المشكلة، إنسان عنده زوجة وليس مرتاحًا لها، أنت مرتاح لزوجتك، هذه نعمة كبيرة، فحاولْ دائماً أن تنظر لمن هو أدنى منك، بالمقابل من دخل على الأغنياء خرج مِن عندهم وهو على الله ساخط، يقول لك: هذه السجادة ثمنها ثلاثة ملايين، أنت ما عندك سجادة بهذا الثمن، عندك سجادة ثمنها ألفان .

الدنيا فيها تفاضل ، والآخرة أكبر درجات :

مرة دخلت إلى بيت رجل، وأنا لم أدخل بعد قال لي: هذا الطقم إيطالي، الله يهنئك، البلاط أحضرناه بشحن جوي من إيطاليا، ضاقت نفسي منه، قلت له: ما قولك بطبيب قلب جرّاح ؟ قال لي: نعم، وممرض بمستشفى مهمته تنظيف المرضى، قلت له: حالة حادة، ما قولك أستاذ جامعي ؟ رئيس قسم ؟ أستاذ ذو كرسي ؟ وأستاذ في قرية كمعلم ابتدائي يحمل طعامه معه، ما قولك: رئيس غرفة تجارة وبائع صحون في سوق الحميدية ما قولك: رئيس أركان و مجند على الخط الأول في الشتاء، ذكرت له حالات نادرة جداً، اسمع القرآن الكريم:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) ﴾

( سورة الإسراء)

حظوظ الدنيا لا معنى لها، وقد تعني العكس، لكن مراتب الآخرة مراتب أبدية:

 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ(54)فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(55) ﴾

( سورة القمر)

لذلك حاول أن تنظر إلى من هو أدنى منك فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك، تحبون نصيحة من القلب إلى القلب: في أمر الدنيا عش مع مَن هم أدنى منك، وفي أمر الآخرة عش مع من هم فوقك، بميزان الآخرة هذا حافظ لكتاب الله، هذا مستقيم تماماً، هذا له أعمال كالجبال، في أمر الآخرة صاحب مَن هو أرقى منك إيماناً ليقدم لك حوافز، وفي أمر الدنيا صاحب مَن هو أدنى منك لترى نفسك في نعمة كبيرة.
لو وسعنا الأمر، سافر إلى بلد غربي تجد نظافة، نظاما، وحضارة، وخدمات، مطارات، طرقا معبدة، مترو أنفاق، والأمور ميسرة بشكل يفوق حد الخيال، وقد سافرت إلى بلد في إفريقيا بيننا وبين أكبر دولة متطورة حضارياً خمسون ضعفًا، لكن بيننا وبين الدولة الإفريقية ألف ضعف، بلاد ما في عندها شيء إطلاقاً، صيدلية دواء، مطعم، بيوت، كهرباء، ماء، حتى على مستوى الدول انظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك.
الأسعار مرتفعة، لكن في الخارج دماء تسيل، أليس كذلك ؟ كل يوم خبر لثلاثين قتيلا وسبعين جريحا، أربعين قتيلا، ثمانين قتيلا، مئة وعشرة، ومئتي جريح كل يوم، إذا كنت في آمن فهذه نعمة لا يعرفها إلا مَن فقدها، فحاول أن تشكر ما أنت فيه.

 

الأدلة النبوية على زيادة الرزق بالشكر :

أيها الإخوة، الدليل على أن الشكر سبب الرزق الوفير:

الدليل الأول:

يقول عليه الصلاة والسلام:

(( ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة، لأن الله تعالى يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ ))

[ رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه محمود بن العباس وهو ضعيف ]

الدليل الثاني:

وقال أيضاً:

(( ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال ))

[رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما]

يقال لك: يا أخي ما أرتاح، هل تحب أن ترتاح ؟ تأتي يوم القيامة مفلساً، لو أزعجك الناس ليلاً ونهاراً، لو حمّلوك فوق ما تطيق، لأن الله جعل حوائج الناس عندك، لأنه أحبك، لأن الله أحب أن يهبك عملاً صالحاً، فجعل حوائج الناس عندك، فمن جعل الله حوائج الناس عنده، وتبرم عرض هذه النعم إلى الزوال، جعلك غنيا، الكل عقد عليك الآمال، يا أخي ما أتحمل، الله جعلك غنيا كي تنفق.

 

الدليل الثالث:

حديث آخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد ـ دققوا الآن ـ يقرهم فيها ما بذلوها، هناك بيت في منطقة العمارة فيه شجرة ليمون تحمل خمسمئة حبة، وفي هذا البيت تقليد، هذه الحارة كل واحد يلزمه حبة ليمون يطرق الباب، أعطونا ليمونة، امرأة كبيرة وقورة طاهرة عفيفة جعلت شجرة الليمون هذه وقفًا لكل الحي، فمَن طرق الباب تعطيه ليمونة، ماتت هذه الجدة الراقية، جاءت كَنة شابة، طُرق الباب، قالت: ما عندنا ليمون، فيبست الشجرة، وانتهت ـ فإذا منعوها نزعها منهم فحوّلها إلى غيرهم ))

[رواه الطبراني في الأوسط والكبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وسنده حسن ]

أقسم لي بالله أحدهم في منطقة خان الشيح ثمانية وثلاثون مزرعة، في سنة جدباء سبعة وثلاثون مزرعة جفت آبارها إلا مزرعة واحدة، الرعاة كانوا يدخلون المزارع فيطردهم أصحابها، إلا هو فعمل مجرى لسقي الغنم، فإذا جاء الراعي يدخله مع الغنم ليشربوا، هذه المزرعة الوحيدة الذي بئرها ما جف.

(( إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوّلها إلى غيرهم))

[رواه الطبراني في الأوسط والكبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ]

الدليل الرابع:

وفي حديث آخر:

(( ما أعطي أحد أربعة فمنع أربعة ـ مستحيل، إن أعطيت هذه النعمة أعطيت الثانية ـ ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة، لأن الله تعالى يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ ))

إن تعطِ فهناك زيادة، ومن لوازم العطاء الزيادة، ومن أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، ومن أعطي الاستغفار أعطي المغفرة، لأن الله تعالى يقول: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً﴾، وما أوتي أحد التوبة فمُنِع التقبل، لأن الله تعالى يقول:

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾

[رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن عبد الله بن مسعود، وفيه محمود بن العباس، وهو ضعيف ]

التوبة معها قبول، والاستغفار معه مغفرة، والدعاء معه إجابة، والعطاء معه زيادة، هذه قوانين.
يقول بعض العلماء: " من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه، لم يستتمّ حتى يرى الزيادة، لأن الله يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾.
نعود إلى فقرة مهمة جداً: مَن دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط، ما عنده شيء، ادخل على فقير لترى أنك محاط بنعم لا تعد ولا تحصى.
كنت في تركيا فدعيت إلى طعام الإفطار، عندهم عادة رائعة جداً، الطاولة ارتفاعها أربعون سنتمترًا، تجلس على الأرض والطاولة أمامك، على هذه الطاولة قماشة زائدة تضعها على حضنك، فالنبي الكريم رأى في البيت كسيرة ملقاة، مشى إليها، فرفعها، ومسحها، وقال:
 

(( يا عائشة، أحسني مجاورة نعم الله، فإن النعمة إذا نفرت قلما تعود ))

[ ورد في الأثر ]

هناك بقية من خبز، ضع عليه الماء، وضعه على السطح ليؤكل العصافير منه، لا تحاول أن تضيع تروح حبة رز واحدة، هذا الأدب مع الله، و والله هناك بيوت ما زاد من الطعام يضعونه في القمامة.
آخر شيء في الموضوع:

 

كفرُ النعمة :

﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾

( سورة النحل )

معنى كفرت بأنعم الله أي: ما شكرت نعم الله، ما شكرت:

﴿ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

 

* * *

الخــطــبـة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من أسدى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا فادعوا له :

أيها الإخوة الكرام، كتعقيب على هذا الموضوع الدقيق: عود نفسك أن تشكر، فلو قدَّم لك أحدُهم باقة ورد فاكتب عندك في المذكرات: " شكرُ فلان "، اتصل به هاتفياً، قل له: شكراً على هذه الباقة، لو قدم لك أقلّ خدمة، لذلك اسمعوا الحديث الخطير:

(( ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له ))

[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ]

يستنبط من هذا أن كلمة ( جزاك الله خيراً ) غير مقبولة منك إذا كان بالإمكان أن تكافئه بما يقابل عمله، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا ))

[ مالك في الموطأ ]

قدمت لك خدمة كبيرة قل له: شكراً سيدي، الله يجزيك الخير، لا هذه غير مقبولة ما دام عندك إمكانية أن تقابله بعمل أو بخدمة أو بهدية، يجب أن تكافئ على المعروف، أما إذا ما عندك إمكانية فعندئذ يقبلها الله منك.
كنا في أول الخطبة مع النعم من الله، الآن إذا خدمك شخص، سهَّل لك مهمتك، أعانك، وافق لك، عمل معك عملا طيبا، لا بد من أن تشكره، إما باتصال هاتفي، أو برسالة، أو ببريد إلكتروني، أو بلقاء شخصي، أو بهدية مقابلها، ولما يتهادى المسلمون يتحابون، الهدية تذهب وحَرَ الصدر، فعوّد نفسك أن ترد على كل عمل طيب لا بكلمة فارغة، بل بعمل طيب مقابل، هذا توجيه نبوي. 

﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (237) ﴾

( سورة البقرة )

استعرت كتابا جلّده، ولا تقل لصاحبه: تعال خذه، فهو جاهز، استعرت حاجة لمّعها، وحسّنها ورُدّها، لماذا كفر الناس بالعمل الصالح ؟
مرة قال رجل لأولاده أمام مكتبة من الأرض إلى السقف أربعة حيطان: يا أولادي، إياكم أن تعيروا كتاباً من هذه الكتب بعد موتي، لأنها كلها كتب معارة، يستعير كتاب ولا يرده، ضاع الكتاب، فإذا ما سجّلت نسيت مَن أخذه منك، فأيّ شيء استعرته ترجعه مجلدا، وحاول أن تشكر دائماً، فما الذي زهد الناس بالخير ؟ لأن الذين يأخذون الخير من الناس إما أنهم يسيئون إليهم، أو لا يُرَدّ إليهم.
أيها الإخوة، من علامة الإيمان أن تعظم عندك النعمة مهما دقّت، إنسان خدمك قدم لك معونة، قدم لك هدية يجب أن تردّ عليه بهدية مماثلة، هذا الإيمان، لا أن تكتفي بالشكر، الشكر لمن كان ضعيفاً، وقدم له رجل قوي هدية، أو غني، لا يقدر أن يكافئه عليها. 

(( ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له )) 

[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ]

[ هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين]

حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه.

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال، لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور