وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 56 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 186 – 189 لابد من الابتلاء والمصائب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والخمسين من دروس آل عمران، ومع الآية السادسة والثمانين بعد المئة، وهي قول تعالى :

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ

ليس من العقل أن تُجعل الدنيا دارَ قرارٍ :

 أيها الإخوة الكرام، لا بد للإنسان أن يعرف حقيقة الحياة الدنيا، من توهمها دار نعيم شقي فيها، ومن أيقن أنها دار ابتلاء سعد بها، الدنيا دار ابتلاء، الدنيا دار امتحان، الدنيا دار عمل، الدنيا دار كدح، لكن النعيم المقيم في الآخرة، والسعادة المستمرة في الآخرة، ولك ما تشتهي في الآخرة، ولك ما تحب في الآخرة، والتكريم في الآخرة، لذلك شقي الناس حينما قلبوا هذه الحقيقة، جعلوا الدنيا دار نعيم ودار استقرار، هي ممر وليست مقراً، من هنا ورد عن رسول صلى الله عليه وسلم أن :

(( أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها ))

ورد في الأثر

 خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه، وهو لا يشعر، والدنيا تغر وتضر وتمر، دار ابتلاء ، المؤمن العاقل هو في الدنيا ضيف، يتحول عنها سريعا .
 أنا أضرب لكم مثلاً ذكرته سابقاً: لو أن بلداً من البلدان فيها قانون إيجار غريب، مالك البيت في أية لحظة، وفي أية ثانية يطرد المستأجر من دون إنذار، ولا يستطيع المستأجر أن يأخذ شيئاً، لا ألبسته، ولا أثاث بيته، ولا أي جهاز كهربائي، هذا المستأجر هل من العقل أن يضع هذا كل دخله في هذا البيت، أن يملأه بالثريات، أن يملئه بالأثاث، أن يملئه بالأجهزة، وهو معرض إلى أن يخسر كل شيء في ثانية واحدة، يخسر كل شيء، ولهذا المستأجر بيت بعيد على الهيكل، هل من العقل أن يزين بيته المستأجر الذي سيغادره في أية لحظة من دون إنذار، من دون إعلام مسبق، أمن العقل أن يكسو هذا البيت الذي على الهيكل، وهو مصيره إليه، هذه المشكلة كلها، وضع الناس كل البيض في سلة واحدة، فكل ما تملك، وكل مكانتك، وكل مكتسباتك، وكل إنجازاتك، وكل هيمنتك، وكل سيطرتك، وكل استمتاعك في الدنيا منوط بضربات القلب، فإذا وقف القلب ألصق النعي في شتى أنحاء المدينة، وكان رجلاً صار خبراً، كان رجلاً ملء السمع والبصر، فأصبح خبراً تتناقله الأفواه .
 فيا أيها الإخوة، ليس من العقل أن تجعل الدنيا أكبر همك، ومبلغ علمك، الدنيا كما ورد جيفة، وطلابها كلابها، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( ما لي وللدنيا إنما أنا كعابر سبيل استظل بشجرة وتحول عنها ))

ورد في الأثر

 فأنت حينما تفهم حقيقة الدنيا تسعد بها، وحينما تراها مديدة طويلة الأمد ينبغي أن تستمتع بها، وأن تنشأ فيها البيوت، وأن تركب المركبات، وأن تقتني الأشياء الجميلة، هنا تبدأ المشكلة، لذلك أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه، لا خير في الدنيا إلا لذكر الله .
 أيها الإخوة الكرام .

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ﴾

لابد من الابتلاء والمصائب:

 معنى ذلك ولو كنت مؤمناً، ولو كنت مقرباً من الله، هناك مصائب ابتلاء، هناك مصائب عقاب، هناك مصائب ابتلاء .

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( سورة المؤمنون الآية : 30 )

 حقيقة الحياة الدنيا أنك مبتلى فيها، مبتلى بأشياء كثيرة، مبتلى في أشياء لا تعد ولا تحصى، مبتلى بالغنى، فإذا كنت غنياً فأنت مبتلى بالغنى، يعني مادة امتحانك الغنى، من أين كسبت هذا المال؟ وكيف أنفقته؟ وما الحالة النفسية التي رافقت هذا الغنى؟ هل كنت متكبراً؟ هل رأيت نفسك فوق الناس؟ كلهم فقراء أصحاب دخل محدود، أما أنت فلك أرقام في المؤسسات المالية كبير جداً، أنت مبتلى بالغنى ومبتلى بالفقر، هل أنت راضٍ عن الله؟ هل أنت متجمل؟ هل تصمد أمام غني؟ أم تتضعضع، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، أنت مبتلى بالفقر، أنت مبتلى في الصحة، ماذا فعلت بهذه الصحة ؟

 

اعرف نِعمَ الله عليك قبل زوالها :

 ذكرت لكم في درس سابق، وذكرت هذا في العيد، أن أحد علماء دمشق الأجلاء رحمهم الله عز وجل كان من عادته ـ طبعاً وليست هذه سنة ـ لكن من عادته أن يأخذ إخوانه في صبيحة أيام العيد إلى المقابر ليعرف إخوانه نعمة الحياة، أنت حي، ومعنى حي أنه بإمكانك أن تتوب، معنى حي أنه بإمكانك أن تستغفر، معنى حي أنه بإمكانك أن تكون باراً بوالديك، معنى حي أنه بإمكانك أن تنفق مالك، معنى حي أنه بإمكانك أن تطلب العلم، نعمة الحياة لا تقدر بثمن، لذلك وصف الله الموت بأنه مصيبة :

﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾

( سورة المائدة الآية : 106 )

 الموت أنهى الحياة، أنهى العمل، أنهى الاستغفار، أنهى التوبة كله انتهى، كم من باب مفتح لك وأنت حي، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم جئتني تائباً غفرتها لك ولا أبالي، ما دمت حياً، التوبة بين يديك، المغفرة بين يديك :

﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

( سورة الحجر الآية : 49 )

 فكان هذا العالم الجليل يأخذ إخوانه إلى المقابر في صبيحة اليوم الأول، ليعرف إخوانه معنى الحياة، أنت حي، بإمكانك أن تنفق، وقد مر النبي عليه الصلاة والسلام بقبر فقال لأصحابه :

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))

 لو أنك تملك أكبر شركة في العالم، لو أن لك دخلا كل يوم مليون، لو أنك تملك كهذا الذي يضرب به المثل، تسعين مليار دولار، وهو شاب في الأربعين :

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))

 في اليوم الثاني يأخذهم إلى المستشفيات، لا يعرف نعمة الصحة إلا المريض، نعمة الحركة، في إنسان فقد حركته، نعمة الوعي في إنسان فقد وعيه، نعمة انتظام ضربات القلب، نعمة إفراغ المثانة، هناك نعم لا تعد ولا تحصى، وأية نعمة في الصحة فقدتها تصبح الحياة جحيماً لا يطاق، كأس الماء لو منع منك، أو لو منع إخراجه، هذا الطعام الذي يأكله الفقراء لو منع منك تدفع ثمنه مئات الألوف، هناك من يعيش على السائل السكري الملحي، سيروم، قد يشتهي هذا المريض أن يأكل شيئاً مما يأكله معظم الفقراء، لا يستطيع، لذلك قال تعالى :

﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ ﴾

( سورة التكاثر الآية : 8 )

 ماذا فعلت بنعيم الصحة؟ ماذا فعلت بنعيم الأمن؟ أنت آمن، في اليوم التالي يأخذهم إلى المستشفيات، هذا معه خثرة في الدماغ، هذا معه تشمع بالكبد، هذا معه فشل كلوي، هذا معه التهاب بالأعصاب حاد، هذا معه ضمور في بعض الأجهزة والعياذ بالله، من أجل أن يعرفوا قيمة الصحة، وفي اليوم الثالث يأخذهم إلى السجون، من أجل أن يعرفوا قيمة الحرية، أنت حر، تذهب إلى أي مكان تريد لا تخشى أحداً، ليس هناك مذكرة قبض بحقك، ولا مذكرة بحث، حر، ليس هناك حكم جزائي يطولك، وفي اليوم الرابع يأخذهم إلى مستشفى الأمراض العقلية ليعرفوا نعمة العقل، عقلك برأسك .
 فيا أيها الإخوة، معنى قوله تعالى :

﴿ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ(1)حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ(2)كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ(3)ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ(4)كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ(7)ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ ﴾

( سورة التكاثر : 1-8)

 نعيم الصحة، نعيم الفراغ، نعيم الأمن، نعيم الكفاية، من منا يدخل بيته فيقول: الحمد لله، ألم تروا أن سبعين بيتا هدمت البارحة على رؤوس أصحابها ، فصاروا بلا مأوى، ألا يتفطر القلب لهؤلاء المسلمين المشردين في هذه الموجة الباردة ؟
 فلذلك أيها الإخوة، الدنيا دار ابتلاء، الدنيا دار تكليف، الدنيا دار عمل، الدنيا دار كدح، من هنا ورد في خطب النبي عليه الصلاة والسلام :

(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ))

ورد في الأثر

 لحكمة أرادها الله جل جلاله، لا تصفو لأحد، إن كنت قوياً مهيمناً مسيطراً فقدت الأمن .

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 151 )

 وقد ترتعد من أقوى قوى في العالم، خوف، أعطاها كل شيء وسلبها نعمة الأمن، قد تكون الزوجة صالحة والأولاد ليسوا أبراراً، وقد يكون الأولاد أبراراً، والزوجة ليست صالحة، وقد يكون الأولاد والزوجة كما تتمنى، والدخل لا يكفي، وقد يكون الدخل كافيًا، والصحة متدهورة، ما من إنسان إلا وهو مبتلى بجانب من جوانب حياته .
 حينما توطن نفسك على أن الدنيا دار ابتلاء ترتاح، لذلك عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قُلْتُ :

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))

الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد

 لابد أن توقن بحكمة الله أن هذه الدنيا دار ابتلاء من أجل أن تتعلق بالآخرة لا من أجل أن تركن إليها، وأن تميل إليها، وأن تكره لقاء الله عز وجل المؤمن دائماً ينتظر أن يلقى الله عز وجل .
أيها الإخوة الكرام .

 

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ﴾

الابتلاء في المال وضرورة تقوى الله في الفقر :

 لا أعتقد في الناس قلُّوا أو كثروا إلا وقد ابتلي أحدهم بماله، يفقد جزءًا منه، يتلف الله له بعض ماله، يخسر أحياناً، يفوته مال كثير، هناك من يقنصه، هناك من يحتال عليه، هناك من يبتز ماله .

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ﴾

 لكن :

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

( سورة الطلاق الآية : 2 )

 قال العلماء: من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف ماله، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، من يتق الله في إنفاق ماله يجعل الله له مخرجاً من محاسبته يوم القيامة، لذلك الإنسان في الدنيا في دار ابتلاء، في دار حساب، إنما هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، يتزوج الإنسان، فيأتيه طفل صغير، يخاف على عقله من محبته له، قد ترتفع حرارته فلا ينام الليل، قد يمرض، قد يغيب عن البيت، هذا الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، في أمراض لا تعد ولا تحصى، وكل مرض يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .

 

قانون الرزق والصحة متحرك

 لكن بالمناسبة أيها الإخوة، لحكمة بالغةٍ بَالغةٍ ثبت الله مليارات الأشياء، دورة الأفلاك ثابتة، خصائص المعادن ثابتة، خصائص البذور ثابتة، القوانين كلها ثابتة، من أجل أن ترتاح، أنت اشتريت سبائك ذهب لا تنقلب إلى حديد بعد حين، أنت أنشأت بناء، وسلحته بالحديد، هذا الحديد يبقى حديداً إلى ما شاء الله، لا ينهار البناء، من الذي ثبت خصائص المعادن، وثبت خصائص المواد، وثبت خصائص البذور، لكن الله حرك الرزق، وحرك الصحة ليؤدبنا بهما، جفاف .
 حدثني أخ في بلد يظن أن أمطارها ألفا ميليمتر باستنبول، قال لي: مر سبع سنوات في الأربعة أيام يفتح الماء ساعة واحدة، ثم أكرمهم الله بأمطار غزيرة، ونحن قد امتحنا بهذا أليس كذلك؟ سبع سنوات عجاف، المعدلات للنصف والثلث، والينابيع جفت .
 أنا أعلم حينما كنت صغيراً أن عشرات الأشخاص يموتون غرقاً في بردى، فهل سمع أحدكم أن أحدًا مات غرقاً في هذا النهر الآن؟ تمشي فيه قطة .

﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16)لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

( سورة الجن : الآية 16 ـ 17 )

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

( سورة الأعراف : الآية 96 )

 وأنا أقول لكم دائماً: كلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء، وكلما رخص لحم النساء غلا لحم الضأن، وكلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، وكأن هذه الصحون ترد رحمة الله عز وجل .

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ﴾

 فالابتلاء بالمال ثابت، قد تبتلى بالغنى، وقد تبتلى بالفقر، وقد تبتلى بأخذ مالك، وقد تبتلى بهدم بيتك، وقد تبتلى بفقد عملك، وقد تبتلى بسرقة مالك، إن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، لأنه مؤقت :

 

﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ(205)ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ(206)مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾

( سورة الشعراء الآية : 205ـ207 )

﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25)وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(26)وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ(27)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ(28)فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ﴾

( سورة الدخان الآية : 25 ـ 29 )

 كل شيء مؤقت، كل حال يزول، قال أحد الملوك لوزيره: قل لي كلمة إن كنت حزينًا أفرح، وإن كنت فرحاً أحزن، قال: كل حال يزول، لذلك ورد في بعض الأحاديث أن الموت ما ذكر في كثير إلا قل له، ولا ذكر في قليل إلا كثر، إذا كنت مؤمن حياتك صعبة فالموت فيه راحة للمؤمن، << لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه >>، وإن كنت في بحبوحة فعلم علم اليقين أن هذه البحبوحة مؤقتة، وأن بعد هذه البحبوحة حساب دقيق، لذلك :

 

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾

وَأَنْفُسِكُمْ

الابتلاء في النفس أنواع :

 أنفسكم، أي هناك أمراض تصيب الجسم، قد يفقد الإنسان ابنه، وقد سمعت عن إنسان فقد ابنه فترك الصلاة، مات ابنه وهو شاب، فعتب على الله عتباً شديداً، فترك الصلاة، وإنسان آخر فقد ابنه فكان شاكراً لله، راضياً بقضائه وقدر، وقد علمنا النبي صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما مات ابنه إبراهيم الصبر فقال :

(( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ))

متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾

 بالمناسبة أيها الإخوة، أنت كمؤمن البطولة لا أن تنجوا من مصيبة، هذا ليس متاحاً لأحد، ما من إنسان إلا أصابته مصيبة، ولكن البطولة أن تقف موقفاً كاملاً من أية مصيبة، ليست البطولة أن تنجو من المصيبة، ولكن البطولة أن تقف منها الموقف الكامل، لذلك إنسان يطوف حول الكعبة يقول: " يا رب هل أنت راضٍ عني، وكان وراءه الإمام الشافعي، قال: يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: من أنت يرحمك الله؟ كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ قال: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله "، لذلك قال تعالى :

 

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

( سورة البينة الآية : 8 )

 إن النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أصعب حالات حياته في الطائف حيث ضُرب، وكُذب، وسخر به بعد أن أخرجته مكة، ليس له ملجأ إطلاقاً ، علق الآمال عليهم، فخيبوا ظنه، ماذا قال؟ هذا الدعاء، والله يصلح لنا في هذه الأحوال :

((اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على الناس ، يا رب المستضعفين إلى من تكلنا ، إلى صديق يتجهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا ، إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي ولك العتبة حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي ))

الطبراني عن عبد الله بن جعفر

 أيها الإخوة الكرام .

 

وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾

اتهامات الأعداء من الأذى :

 وكل شيء تسمعونه يؤكد هذه الآية، المسلم متهم أنه إرهابي، متهم أنه مجرم، متهم أنه متخل، حضارته متخلفة، هذا نسمعه ليلاً ونهارًا .

﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾

 يومياً، صباح مساء، الإسلام متهم، المسلمون متهمون، المسلمون مستهدفون بكل فئاتهم ومذاهبهم، ومللهم ونحلهم وطوائفهم، إنها حرب عالمية ثالثة معلنة على الإسلام، هكذا قال الله عز وجل، ولن يرضوا عنا إلا إذا كنا منهم، فإن لم نكن منهم لن يرضوا عنا، الله أخبرنا فقال :

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾

 أليس هذا تطييباً لقلوبنا؟ أليس هذا توضيحاً لما نعيشه نحن الآن؟ شيء عام .

 

وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ﴾

لابد من التقوى والصبر على كيد الأعداء :

 تتقوا تطيعوا، إن صبرنا وأطعنا .

﴿ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

 لكن هل تصدقون أن هناك آية أخرى؟ والله الذي لا إله إلا هو لو علم الناس فحواها وبُعدها وخطورتها لكان فيها الحل، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 120 )

 الكيد يعني عندهم أسلحة لا يعلم عددها إلا الله، تطير الطائرة خمسا وثلاثين ساعة محمَّلة بمئات الأطنان من القنابل، وليس في الأرض مطار يحتملها تطير من أقصى البلاد إلى أقصى البلاد تقصف، وترجع، وهذه صنعت عام 62، وصالحة لعام 2040 .

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 46 )

 وهذا ترونه رأي العين :

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 46 )

 ومع ذلك قال :

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 120 )

 تصور وأنت واقف في مكان فيه جدران ثلاثة حديدية، ومكعب حديدي متجه إليك بقوة كبيرة، وراءك حائط حديدي، وجدران حديدية، وهذا المكعب تماماً بحسب الفراغ على مساحة الفراغ ، الموت محقق، الانسحاق محقق، لكن هناك زر على اليمين كتب عليه إن ضغط على هذا الزر يقف تقدُّم هذا المكعب، ماذا تفعل؟ أو ماذا تنتظر؟ الموت محقق، والانسحاق محقق، قال لك الله عز وجل، خالق الأكوان، مبدع الإنسان :

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 120 )

 هذه آية اليوم، آية العصر، آية المشكلة، أي مسلم يتقي ويصبر لا يستطيع قوي مهما كان قوياً أن يصل إليه .

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾

 أما إن لم نتقِ فلسنا مستعدين أن نغير شيئاً من أنماط حياتنا، وكل أنماط حياتنا مخالفات في مخالفات، واستمرأنا هذه الحياة، وقبلنا هذه الفواحش والآثام، وألفنا هذه المعاصي والانحرافات، وندعو الله أن يخفف عنا، هذا كلام لا معنى له :

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾

 قال تعالى :

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 187 )

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ

لا يجوز للعالِم كتمان العلم ولا القول بخلاف ما يعلم :

 هذا ميثاق الذين وكّلهم الله بنقل العلم، هذا ميثاق من تصدوا لتعليم الناس، الأنبياء أخذ الله عليهم العهد، ومن ينوب عنهم في إبلاغ العلم أخذ الله عليهم العهد .

﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾

 لذلك الذي يفتي بخلاف ما يعلم هذا مجرم، يعلم الحقيقة، لكن لمصلحة دنيوية ليرضي ظالماً، ليرضي قوياً، ليرضي غنياً ، أفتى له بخلاف ما يعلم ، هذا عليه إثم كبير جداً .

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾

لا تكونوا كأهل الكتاب الذين نبذوا الشريعة وراء ظهورهم :

 هذا العهد لم يعبئوا به، لم يتمسكوا به، أي إنسان له إلمام بالعلم هذه الفتوى تعطيه مكسباً، أو ترضي عنه قوياً، أو تجعله في مكانة علية ... فأفتى بجهل آثم، أو أفتى بخلاف ما يعلم، خان أمانة الله، وأمانة الرسول .

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾

 رجل يعمل في عمل ديني في دولة إسلامية بمنصب رفيع جداً، يساوي رئيس وزارة، فأفتى في موضوع المصارف والربا، وما شاكل ذلك، حدثني أحد الإخوة العلماء، وهو على فراش الموت رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب، أنا بريء من كل فتوى أفتيتها في المصارف، بعد فوات الأوان، وهو على فراش الموت أدرك أن ما أفتى به إرضاء لقوي، أو جلباً لمنفعة، أو وصولا إلى مقام وإلى منصب، فكانت هذه الفتوى الضالة ثمن هذا المنصب الرفيع، لكن عندما وجد أنه على مشارف الآخرة شعر بفداحة عمله قال: يا رب إني بريء من كل فتوى أفتيتها في المصارف، الدعوة إلى الله أمانة .

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 39 )

هذه صفات العلماء الحقيقيين :

 في هذه الآية وصفوا بصفة واحدة فقط ليس غير، قال :

﴿ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 39 )

 وأغفلت الآية صفاتهم الكثيرة، والحقيقة لا معنى إطلاقاً لذكر صفاتهم إلا لم يتصفوا بهذه الصفة، فهذه الصفة مترابطة مع الموصوف ترابطًا وجوديًا، إذا ألغيت ألغي الموصوف، لأنهم إذا خافوا غير الله نطقوا بالباطل إرضاء لهذا القوي، أو سكتوا عن الحق إرضاء لهذا القوي، فإذا سكتوا عن الحق، أو نطقوا بالباطل ماذا بقي من دعوتهم؟ انتهت دعوتهم :

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 39 )

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾

 لم يعبئوا بهذا الميثاق .

﴿ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾

نبذ الشريعة سببه ابتغاء الدنيا ومتاعها الزائل :

 وصل بفتوى إلى منصب، أو إلى مكانة، أو إلى مكسب كبير :

﴿ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾

 والله ما وجدت مثلاً أوضح به هذه الحقيقة إلا هذا: لو أن واحدًا معه شيك بمليون دولار، لكن لا يعلم أنه شيك، رآه ورقة بيضاء، رآه من ظهر الورقة، رآه ورقة بيضاء، كتب عليها كلامًا لا معنى له، ثم مزقه، وألقاه في سلة المهملات، ثم اكتشف أن هذه الورقة شيك بمليون دولار، هو استخدمها استخدامًا رخيصًا جداً، أحيانا الواحد عنده أوراق على الطاولة، يكتب عليها رقم هاتف، يتصل بإنسان يقول له: رقم هاتفي كذا، وهذا الإنسان لا يعيره اهتماما، لو أن هذه الورقة شيك بمليون دولار ما انتبه لها، رأى ظهر الشيك واستخدمه كورقة، وكتب عليها رقم هاتف، ثم وجد هذا الهاتف لا قيمة له فمزقها، وألقاها في المهملات، ثم اكتشف بعد ذلك أن هذا شيك بمليون دولار، وهو معاشه بالشهر خمسة آلاف، اشترى بهذا الشيك ثمناً قليلا، استخدمه أسوأ استخدام، وهذا الذي يتعامل مع الدين لمكسب مادي، يا لطيف، أراد بالدين الدنيا، أراد بالدين منصبًا، أراد بالدين مكسبًا تجاريًا، أراد بالدين سمعة، أراد بالدين هيمنة، هذا الدين ليسعدك إلى أبد الآبدين، فجعلته من حطام الدنيا، جعلته مطية، لذلك قال الشافعي: " والله لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق من الدين "، الدين لا يرتزق به، الدين دين الله، الدين يطبق، الدين يعظم، الدين ينشر، أما أن ترتزق به فهذه مشكلة كبيرة .

 

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ(187)لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا ﴾

 هو يقولب الدين كما يريد .

﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا ﴾

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا

ليس هذا هو الذكاء والحنكة!!!

 أنه أرضى المؤمنين، وصل لأهدافه المادية، وركب الموج كما يقولون، أرضى المؤمنين، ووصل لأهدافه المادية، وركب الموجة، فظن أنه ذكي جداً، وأنه من خلال هذا الدين وصل إلى ما يصبو إليه :

﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا ﴾

 وجد نفسه ذكيًا، وعنده حنكة، وعنده تجربة، واستطاع أن يلعب على الناس، ويضللهم، وأوهمهم أنه مؤمن، ثم وصل إلى مبتغاه المادي فقط، وظن أنه أذكى منهم .

 

﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

 لذلك :

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾

( سورة النساء : الآية 145)

 تستطيع أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، وقد تستطيع أن تخدع بعض الناس بكل الوقت، أما أن تخدع الله عز وجل فمستحيل، الله عز وجل يكشفك، بأي لحظة يكشفك ويفضحك، ويحبط عملك، فالإخلاصَ الإخْلاصَ، إن أردت الدنيا فاسلك سبيل الدنيا، أما أن تستخدم الدين للدنيا فهذا عمل قبيح للإنسان، أن تستخدم الدين للدنيا .

 

﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

 قدير أن يعطيك أي عطاء، ولكن بالأسباب التي رسمها لك .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور