وضع داكن
19-04-2024
Logo
درر 1 - الحلقة : 16 - الشكر .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ بلال :

 

الـحمد لله في سـرِّي وفي علني والشكر لله في حُزني وفي سَـعدي
الـحمد لله عمّـا كـنت أعلَمُــــــــــهُ والشكر لله عَمَّـا غـابَ عن خَلَـــدي
الـحمد لله من عمَّـت فضــائلُــــهُ وأنـعُمُ اللـــــــــه أعيـت منـطِق العـددِ
* * *

الشكر هو درة اليوم من درر الشريعة الغراء ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة إبراهيم : 34 ]

فإذا كنا عاجزين عن إحصاء خيرات نعمة واحدة من نعم المولى جل جلاله فنحن عاجون عن شكرها من باب أولى ، فما أحرانا أن نتعلم شكر الله تعالى فهلموا بنا .
بسم الله ؛ الرحمن علم القرآن ، خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على النبي العدنان ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، أخوتي المشاهدين أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات ، ومعكم نبدأ لقاء جديداً ، ودرة جديدة من درر الإسلام ، نستضيف فيها كالمعتاد فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله سيدي .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
الأستاذ بلال :
درة اليوم هي الشكر ، والشكر من أخلاق المؤمنين الصادقين الذين ينتقلون من النعمة إلى المنعم جلّ جلاله ، والله تعالى يقول :

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر : 66]

بل إن من أسماء الله تعالى الشاكر والشكور ، لو بدأنا بالحديث عن مفهوم الشكر في الإسلام .

 

مفهوم الشكر في الإسلام :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
الحقيقة أن الإنسان يشكر نعماً كثيرة من أبرزها نعمة الإيجاد ، الإنسان لو قرأ كتاباً نضدت حروفه قبل ولادته ، ماذا أقول أنا أثناء تنضيد هذه الحروف أين كنت أنا ؟ ليس لي وجود ، قال تعالى :

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 1]

فالإنسان لو قرأ شيئاً ، أو قرأ كتاباً مطبوعاً قبل ولادته ، معنى ذلك أثناء طبع هذا الكتاب لم يكن هذا القارئ شيئاً مذكوراً ، فتفضل الله علينا بنعمة الإيجاد ، نعمة ثانية نعمة الإمداد ؛ جعل هذا الطفل من أبوين ، وأودع في قلب الأبوين محبته ، قال تعالى :

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

[ سورة طه : 39]

هذه المحبة التي أودعها الله في قلب الأم والأب تجعل الأم والأب يتفانيان في رعاية أولادهما ، إنها رحمة الله ، إنها حفظ الله له ،

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

تروي بعض الآثار أن نبي كريم كان يمشي في الطريق رآى امرأة تخبز على التنور ، وابنها على طرف التنور ، وكلما وضعت رغيفاً تمسك ابنها تقبله وتشمه ، وكأن هذا النبي الكريم فيما تروي القصص قال : يا رب ما هذه الرحمة ؟ فوقع في قلبه أن يا عبدي هذه رحمتي أودعتها في قلب أمه وسأنزعها ، فلما نزع الله الرحمة من قلب الأم وبكى ابنها ألقته في التنور ، فنحن نتراحم برحمة الله عز وجل ، فالشكر على رحمة الله أولاً ، والشكر على نعمة الإمداد ، جاء الإنسان من أب وأم ، وألقى في قلب الأب والأم محبة هذا الطفل لدرجة تكاد تكون خيالية ، لا يهنأ لهم عيش إلا بصحة ابنهما ، وراحة ابنهما ، وتفوق ابنهما ، هذه نعمة ثانية ، الأولى الإيجاد ، ثم الإمداد ، أمدك بالطعام والشراب والهواء ، الهواء مجاناً دون فاتورة ، أمدك بالماء ، أمدك بالفواكه ، بالخضراوات ، بالبقول ، بالمحاصيل ، أمدك بمليارات النعم ، كيفما التفت هناك نعمة، كيفما التفت قال تعالى :

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾

[ سورة البلد: 8-10]

القصة طويلة جداً ، إذاً أنعم الله علينا بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، والنعمة الأهم - كما قال العلماء - تمام النعمة الهدى والرشاد ، أنعم علينا بنعمة الإيجاد أولاً ، ونعمة الإمداد ثانياً ، ونعمة الهدى والرشاد ثالثاً ، ولذلك لا بد من شكره ، لذلك الشكر فيما أتصور يبدأ شعوراً داخلياً ، بالامتنان ، عفواً بالمثل الأرضي ، إنسان موظف عادي لو أن إنساناً غنياً قدم له سيارة ، وقدم له سائق ، وقدم له ثمن الوقود ، وقدم له مكافأة كبيرة ، فصاحب السيارة التي قدمت له هدية ينفعل انفعالاً داخلياً كبيراً جداً امتناناً من هذا الذي قدمها له ، هذه حالة أولى هي الحمد ، الحمد شعور داخلي امتنان ، أثره واضح جداً ، لكن هذا الحمد في الداخل إذا عبرت عنه باللسان : يا رب لك الحمد ، يا رب لك الشكر ، يا رب لك النعمة والرضا ، يا رب فضلت عليّ ، أكرمتني ، وفقتني ، نصرتني ، أي اعتمدت عليك يا رب فأمددتني برعايتك وعنايتك صار هناك شكر لساني .
الحمد امتنان القلب ، إن صح التعبير العقل الباطن ، أو الوجدان ، أو الضمير ، من الداخل امتنان عال جداً ، الآن الأدب مع الله أن تشكر الله بلسانك ، يا رب لك الحمد ، سمع الله لمن حمده في الصلاة ، يا رب لك الحمد والشكر والنعمة والرضا ، هذا شكر اللسان لكن أكمل الكمال أن يكون شكرك عملاً ، قال تعالى :

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

[ سورة سبأ : 13]

أنا أرى أن المؤمن يقابل نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد بالإحسان إلى خلق الله .
الأستاذ بلال :
هذا شكر العمل .

 

الإحسان إلى خلق الله :

الدكتور راتب :
يحسن لهم ، يرحم صغيرهم ، يوقر كبيرهم ، يطعم جائعهم ، يحسن إلى بائسهم ، يعالج مرضاهم

فأنت حينما تؤمن أن علة وجودك في الدنيا ، سبب وجودك العمل الصالح ، العمل الصالح ليس وردة تضعها على صدرك ، العمل الصالح هواء تستنشقه :

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾

[سورة الفاتحة: 6-7]

فأنت حينما تشعر أن الله تفضل عليك بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، الآن تحار كيف ترد هذا الجميل إلى الله عز وجل ؟ بخدمة عباده ، بإطعام جائعهم ، بكسوة عاريهم ، بتعليم جاهلهم ، بإيواء مشردهم ، هذا العمل الصالح ، فعلة وجودنا هي العمل الصالح وهو ثمن الجنة .
إنسان وجد في الجامعة ملعب كرة سلة ، و ندوة ، و مطعم ، و حديقة ، إلى آخره، لكن السؤال الدقيق ما علة وجودي في هذا المكان ؟
الأستاذ بلال :
الدراسة ، التفوق .

 

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
فأنت حينما تؤمن أن علة وجود الإنسان في الدنيا العمل الصالح ، والدليل قوله تعالى :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون: 99-100]

بل قوله تعالى :

﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

[ سورة الأنعام: 132 ]

نحن بأي بلد يوجد مراتب ، ودرجات ، الموظفون بأي بلد تقريباً عشر مراتب ، وكل مرتبة ثلاث درجات ، يبدأ عاشرة ثالثة ، عاشرة ثانية ، عاشرة أولى هكذا حتى أولى أولى، حوالي مليون موظف أو أكثر نزلوا في ثلاثين خانة ، أما عند الله عز وجل :

﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

[ سورة الأنعام: 132 ]

أي إذا كان في الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون إذاً يوجد سبعة مليارت ومئتا مليون درجة :

﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

[ سورة الأنعام: 132 ]

ولذلك الإنسان حينما يكتشف أن علة وجوده العمل الصالح بعد الإيمان بالله خالقاً، ومربياً ، ومسيراً ، بعد الإيمان بأنه صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، بعد مسلمات الإيمان يوجد حركة ، فالإنسان كائن متحرك ما الذي يحركه ؟ الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد ، ما الذي يحركه ؟ الحاجة إلى الزواج ودون أن يشعر حفاظاً على بقاء النوع ، ما الذي يحركه حفاظاً على بقاء الذكر ؟ التفوق ، بقاء الفرد ، بقاء النوع ، بقاء الذكر ، هذه متواترة بأعلى درجة في الإسلام .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم بارك الله بكم ، وشكر لكم ، نشكر الله على نعمة الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد بشكر القلب ، و بشكر اللسان ، وبشكر العمل ، اسمحوا لي الآن أن أنتقل إلى المحور الأخير في لقائنا لأذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :

(( الإيمان نصفان ؛ نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))

[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]

ما علاقة الشكر والصبر بالشهوة ، كيف يكون حال الشكر ؟

 

علاقة الشكر و الصبر بالشهوة :

الدكتور راتب :
أنا أتصور أن الشهوة يمكن أن تكون مئة وثمانين درجة ، شهوة المرأة ، شهوة المال ، شهوة العلو في الأرض ، هذه الشهوات ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات ، أكاد أتصور أن الشهوة كالوقود السائل في المركبة إن وضع في المستودعات المحكَمة ، وسال في الأنابيب المحكَمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ولَّدَ حركة نافعة ، وأنا أقول : ما أودع فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات

لكن الشهوة كما أنها قوة دافعة هي قوة مدمرة ، فالبنزين إذا وضع في المستودعات المحكَمة ، وسال في الأنابيب المحكَمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولَّدَ حركة نافعة ، قد تقل الإنسان بالعطلة إلى مكان جميل ، هذه الصفيحة نفسها إذا صبت على المركبة وأصابتها شرارة أحرقت المركبة ومَن فيها .
إذاً الشهوة إما أن تكون قوة دافعة ، وإما أن تكون قوة مدمرة ، فالمؤمن يتحرك وفق شهوته لكن بالحدود التي رسمها الله عز وجل له ، والدليل :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

المعنى المخالف عند علماء الأصول : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، بالإسلام لا يوجد حرمان ، هناك تنظيم ، و تطهير ، و تعطير .
الأستاذ بلال :
إذاً نرقى بالشهوة بالصبر والشكر .

من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

الدكتور راتب :
الشهوة التي حرمها الله عليك ترقى بها صابراً ، الله عز وجل حرم الكذب ، أحياناً الكذب الإنسان يتوهم أنه يخلصه 

من العقاب ، من كذب ؟ أنا

الشهوة تدفعنا إلى طاعة الله أحياناً ، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات ، لكن هي سلاح ذو حدين ، إما أنها قوة دافعة إلى طاعة الله وإلى التقرب منه ، أو أنها قوة مدمرة ، والكلمة الدقيقة الدقيقة ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، فالمؤمن :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

المعنى المخالف : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، أنا أتمنى من الأخوة المشاهدين ألا يتصوروا أن الإسلام حرمان ، إنسان يمشي في الفلاة كتب لوحة : ممنوع التجاوز حقل ألغام ، هل هناك إنسان عاقل يعد هذه اللوحة حداً لحريته أم ضماناً لسلامته ؟ أنا حينما أفهم التشريع الأمر والنهي ضماناً لسلامتي فأنا فقيه ورب الكعبة ، أما إذا فهمت هذا التشريع حداً لحريتي فهذا من أجهل الجهل .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم يصل الإنسان إلى الشهوة الحلال فيشكر الله عليها فإذا لم يصل إليها صبر ؟

 

توظيف الشهوات و وضعها في مكانها الصحيح :

الدكتور راتب :
بل والله لا أبالغ إن السرور أو السعادة أو المتعة الذي يحصلها المؤمن مما سمح الله به أضعافاً مضاعفة عن استماع غير المؤمن بما حرم الله عليه ، هذا وفق منهج الله أنت سمح الله لك بالزواج ، زواج المؤمن شيء رئع جداً ، لأن الله بين الزوجين ، كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر ، وكل طرف يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر ، هذا الزواج الإسلامي ، نحن الشهوات توظف والشهوات توضع في مكانها الصحيح ، وفي الإسلام لا يوجد حرمان إطلاقاً .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم لم يبق لنا .
الدكتور راتب :
اسمح لي بهذه الكلمة ، توتر عشرة آلاف فولط ، إذا كتب على جانب هذا الخط العالي : ممنوع الاقتراب خطر الموت ، لو إنسان نظر هل هناك أحد يراني ، ليست الدولة تعاقبك ، التيار هو يعاقبك ، فأنت حينما تؤمن أن العلاقة بين الأمر ونتيجته وبين النهي ونتيجته علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة تأتمر من دون قيد ، من دون قهر ، من دون أمر .

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
بارك الله بكم ، وأسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين الحامدين ، وجزاك الله عنا كل خير ، وأنتم أخوتي المشاهدين لم يبق لي في ختام هذه الحلقة الطيبة المباركة من برنامجكم درر إلا أن أشكر لكم حسن متابعتكم ، راجياً الله لكم دوام الصحة والعافية ، وحتى نلتقيكم في لقاء آخر أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتم أعمالكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور