- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (003)سورة آل عمران
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والأربعين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الخامسة والستين بعد المئة، ولكن قبل أن نشرع بشرح هذه الآية بتوفيق الله وعونه لابد أن نقف وقفة عند الآية السابقة، وهي قوله تعالى :
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
تذكير بما سبق:
1 ـ هذه الآية أصل من أصول الدعوة:
بينت لكم أيها الإخوة بتوفيق الله في الدرس الماضي أن هذه الآية على قصرها تجمع أصول الدعوة إلى الله، بل تجمع حقيقة الدين، بل تجمع الأهداف الكبرى التي ينبغي أن تحقق من خلال هذا الدين، فلابد من معرفة بالله، وكل ما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من مشكلات ما هي بسبب نقص في معرفة أمره و نهيه، الحق بين، الحلال بين، والحرام بين، ولكن بسبب نقص في معرفة الله عز وجل، فحينما قال الله تعالى :
﴿يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾
هذه الآية أصل من أصول الدعوة
الدالة على عظمته، و حينما قال الله عز وجل يصف حال أهل النار :
﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
الإيمان بالله شيء، والإيمان بالله العظيم شيء آخر، فما لم تعظم الله عز وجل لا تعظم أمره، تعظيم الأمر يأتي من تعظيم الآمر، تعظيم الرسالة يأتي من تعظيم المرسل :
﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾
لعله آمن بالله، لكن ما آمن به عظيماً، قديراً، حكيماً، رحيماً، فعالاً، إليه يرجع الأمر كله، إذاً عصى أمره .
إذاً : مشكلة العالم الإسلامي الأولى نقص في معرفة الله، يظنون أن هذه الآية التي هي أصل من أصول الدعوة :
﴿يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾
فتلاوة الآيات لابد لها من ثمرة، إن أينع ثمرة لتلاوة الآيات التزكية، حينما تتلو آيات الله الدالة على عظمته، تعظم الله عز وجل، وتقدم عليه من خلال هذا الإقبال تكون التزكية، تصبح مصبوغاً بصبغة الله، الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك .
هناك من يعيش الناس له، وهناك من يعيش للناس، هناك من يعيش كي يتقرب إلى الله بخدمة خلقه، فالثمرة الأولى لتلاوة الآيات الدالة على عظمته أن تزكو نفسك، فإذا زكت كانت في معية الله عز وجل، ولابد من معرفة تفصيلية بالكتاب و السنة كي تتقرب إلى الله بطاعته، هذا كان موضوع الدرس الماضي بفضل الله .
صيغ هذه الآية والحكمة في اختلافها :
ولكن سئلت خلال هذا الأسبوع أن هذه الآية وردت في ثلاث صيغ في القرآن الكريم .
الأولى: هي الآية الحالية :
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
هذه آية الدرس الماضي .
هناك صيغة ثانية :
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾
في الأولى التي هي من آل عمران :
﴿ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾
المعنى واضح، و في الأولى أيضا :
﴿ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
و في الثانية :
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
وفي الأولى :
﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
وفي الثانية :
﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
الفرق بين الآيتين فقط أن الآية الأولى:
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾
وفي الآية الأخرى :
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾
إذاً: الآيتان متطابقتان .
لكن الآية الثالثة، دعاء سيدنا إبراهيم :
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾
كالآيتين السابقتين :
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
كالآيتين السابقتين، لكن :
﴿ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
فهناك تقديم: ويعلمهم الكتاب والحكمة، وتأخير: ويزكيهم، ما حكمة تغير ترتيب الأولى عن الآيتين السابقتين؟
أيها الإخوة، الله عز وجل ذكر على لسان نبيه إبراهيم هذا الكلام، هذا دعاء سيدنا إبراهيم، وعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ، دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي ))
الآية هذه من كلام سيدنا إبراهيم، سيدنا إبراهيم سلسلها قال :
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
أي آياتك الدالة على عظمتك، الآيات الكونية والتكوينية :
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾
القرآن كلام الله :
﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾
السنة:
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
أو بيان القرآن، والله عز وجل قال في سورة آل عمران :
﴿ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
لا قيمة لمعرفة الكتاب والحكمة من دون تزكية:
هذا كله كلام الله، لكن كلام الله في هذه الآية على لسان سيدنا إبراهيم، وفي كلام سيدنا إبراهيم الذي جاء في القرآن الكريم هو أن التزكية تأخرت عند سيدنا إبراهيم، وقدم عليها تعليم الكتاب والسنة، كأن الله عز وجل أراد أن يبين أن معرفة الكتاب والحكمة من دون تزكية لا قيمة لها، فالله قدم التزكية على معرفة الكتاب والسنة، فأي مؤمن لم تزكُ نفسه ما استفاد من إيمانه شيئاً، مؤمن لئيم مثلاً، مؤمن بالكتاب، وقارئ للسنة، ويفقه أحكام القرآن، ويتلوه تلاوة رائعة، ويحفظ أحاديث رسول الله، لكنه يأكل مالاً حراماً، يعتدي على حقوق الناس، لم تزكُ نفسه، إذاً معرفته بالكتاب لا قيمة لها، من هنا نعرف أن العلم في الدين ليس هدفاً في ذاته بل هو وسيلة .
لماذا كان تعليم القرآن قبل خلق الإنسان؟
أنقلكم إلى آية توضح هذه الفكرة حينما قال الله عز وجل :
﴿ الرَّحْمَانُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآن(2)خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
دقق: الرحمن علم القرآن، بعد أن علم القرآن خلق الإنسان، لمن علمه؟ علمه للإنسان، أيعقل أن يعلمه قبل أن يخلقه؟ مستحيل، أيعقل أن يعلم القرآن قبل أن يخلق الإنسان؟ مستحيل، إذاً: ما هذا الترتيب؟ قال علماء التفسير: هذا ترتيب رتبي، وليس ترتيباً زمنياً، أي لا معنى لحياة الإنسان من دون منهج يسير عليه، المنهج مقدم على حياته في الأصل إذاً .
ولتوضيح هذه الفكرة: لو أن هناك جهاز حاسوب يحلل الدم آليًّا في ثوان معدودة، كلما جاء إنسان يطلب التحليل تأخذ قطرة من دمه تضعها في هذا الحاسوب، وتضغط على بعض الأزرار فإذا الشاشة ممتلئة بتحليلات دقيقة، سبع عشرة تحليلاً في ضغطة زر واحدة، هذا جهاز مجدٍ، وغالٍ جداً، وريعه كبير جداً، لو أنك اشتريت هذا الجهاز، ونسيت الشركة الصانعة أن تبعث لك بكتيب عن استعماله، وتخاف عليه أن يعطب بين يديك، فلم تستخدمه خوفاً عليه، معنى ذلك أنك جمدت ثمنه، إن استخدمته بلا تعليمات أعطبته، ومعنى ذلك أتلفته، أليس هذا الكتيب أهم من هذا الجهاز؟ إن لم تستخدم الكتيب أعطبته، وخسرت ثمنه، وإن خفت عليه جمدت ثمنه .
إذاً: قد تطير بالطائرة إلى الشركة الصانعة كي تستقدم تعليمات التشغيل، لذلك حينما قدم الله تعليم القرآن على خلق الإنسان، أي أن وجود الإنسان في أصل وجوده لا معنى له من دون منهج يسير عليه، ذلك أن الله جل جلاله هو الخبير، قال سبحانه :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
فالإنسان أودع الله فيه الشهوات، فالنفس الإنسانية أودع الله فيها الشهوات، إن لم يكن معها تعليمات؛ افعل، ولا تفعل فسوف تتحرك بدافع من شهواتك حركة عشوائية، سوف تعتدي على أعراض الآخرين هذا ما يحصل في كل مكان بالعالم، سوف تعتدي على أموالهم، على أعراضهم، سوف تكون الفوضى، سوف تكون الجرائم سوف يكون البغاء، سوف يكون العدوان، لذلك ما من فساد على وجه الأرض إلا بسبب حركة عشوائية بدوافع من الشهوة من دون منهج ينهجه الإنسان في حركته في الحياة .
إذاً: عندما قال سيدنا إبراهيم :
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
فردّ الله عليه قال :
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
فتعليم الكتاب والحكمة يأتي بعد التزكية، أما أن يكون هو الأصل، وأن ننسى التزكية فلا .
ابحثوا كم دعوة إسلامية في العالم ـ والله وأنا أحترم كل الدعوات الإسلامية ـ تبرز عظمة الله عز وجل كي تنصاع لأمره، وتلح على تزكية النفس، على استقامتها، على عفتها، على طهارتها، على صفاء نيتها، على تواضعها، على رحمتها، على حكمتها، إسلام من دون تزكية لا معنى له إطلاقاً، إسلام من دون تزكية أصبح ثقافة لا غير، أصبح تقليداً، أصبح عادات، أصبح فلكلورا، أصبح نزعة، اتجاهًا، اهتمامًا، أما أن يكون الإسلام ديناً فعالاًفهذا مفقود .
أيها الإخوة الكرام، كلكم يتابع ما يجري في العالم، أي هذا الدين العظيم الذي منّ الله به علينا، هذا الدين الذي هو قوام سعادتنا، هذا الدين هو سبب نصرنا :
﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ ﴾
هو سبب دفاع الله عنا :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
الإسلام الصافي هو سعادتنا وسلامتنا :
هذا الدين العظيم هو سبب سلامتنا في الدنيا، هو سبب سعادتنا في الدنيا، هو سبب توحدنا في الدنيا، هو سبب انتصارنا على أعدائنا، هذا الدين العظيم بفضله انتقلنا من رعاة للغنم إلى سادة للأمم سابقاً .
إذاً: هذا الدين العظيم :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾
أترون معي أن هناك تمكيناً في الأرض؟ لا و الله، أن هناك استخلافاً في الأرض؟ لا والله، أن هناك اطمئناناً؟ لا و الله، كونوا واقعيين، لا يمكن أن تقنع طفلاً إلا إذا كنت واقعياً، هل المسلمون اليوم مستخلفون في الأرض، و قد قال الله عز وجل :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
لا و الله، هل هم ممكنون؟ لا و الله، هل هم مطمئنون؟ لا والله؟ إذاً ما الجواب؟ الجواب الدقيق هو أنهم لم يزكوا أنفسهم، هو أنهم لم يعظموا ربهم، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله .
حضرت قبل سنتين مؤتمراً في بلد عربي إسلامي حول الأسرة، وأمضينا في هذا المؤتمر أربعة أيام، شهد الله أنه في اليوم الأول صباحاً ومساء، وفي اليوم الثاني صباحاً حتى المحاضرة الرابعة، و المؤتمر في بلد إسلامي، والمؤتمرون نخبة من رجال الفكر في العالم العربي و الإسلامي، والموضوع ألصق موضوع بالإسلام وبالقرآن، وهو الأسرة، والله الذي لا إله إلا هو لم يذكر اسم الله، ولا كلمة الدين، ولا الإسلام، ولا مرة في اليومين الأولين، كل شيء طرح في هذا المؤتمر لا علاقة له لا بالدين، ولا بالقرآن، ولا بالإسلام، معنى ذلك :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
إذاً: دين من دون تزكية لا قيمة له إطلاقاً، لا يوجد مؤمن لئيم، ولا مؤمن محتال ، ولا مؤمن كذاب ، ولا مؤمن يملأ عينيه من الحرام ، لا يمكن أن يكون هذا مؤمناً :
﴿ وَلَا يَزْنُونَ ﴾
وإطلاق البصر نوع من الزنا، فهذا الدين العظيم سبب نصرنا :
﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ ﴾
سبب دفاع الله عنا :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
سبب وحدتنا :
﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
سبب تفوقنا على أعدائنا :
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ ﴾
ترك التزكية سبب للهزيمة والغيّ :
أي الأعلون إن كنتم مؤمنين، هذا الدين إذا ألغينا منه التزكية، إنسان مسلم، لكنه قاسي القلب، يأخذ ما ليس له، يقيم دعوة كيدية على أخيه المؤمن، يتفلت من منهج الله، يطلق بصره في الحرام، يمد يده إلى الحرام، يقبل دخلاً حراماً، و يصلي في المسجد، إذا ألغينا التزكية من هذا الدين بسبب أننا لم نعرف هذا الإنسان بالله عز وجل ماذا يصبح الدين؟ استمعوا ، يصبح الدين على عظمته ظاهرة صوتية كيف؟ أنت قد تأتي بإذاعة، وتضع شريطاً، وتملأ ملعباً كبيراً صخباً، وضجيجاً، بضغطة زر واحدة يشتغل الصوت، ظاهرة صوتية، هذا معنى قول الله عز وجل :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
و قد لقي المسلمون ذلك الغي، و أنتم تنظرون كيف أن المسلمين على أنهم يزيدون على مليار ومئتي مليون ، ليس أمرهم بيدهم ، وليست كلمتهم هي العليا ، و للكفار عليهم ألف سبيل و سبيل.
الإيمان مرتبة عالية :
إذاً: أيها الإخوة ، هذه الآية التي تم شرحها في الدرس الماضي خطيرة جداً جداً ، أساس هذا الدين أن تعرف الله ، أساس هذا الدين أن تزكي نفسك ، فما الذي يجذب الناس إلى الإسلام؟ الصدق، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الرحم ، ونسيء الجوار ، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه ، أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه ، هذا المؤمن ، المؤمن مرتبة عالية جداً ، المؤمن مرتبة علمية ، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه ، اقرأ هذه الآية :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
ما هو الفضل العظيم؟
الفضل العظيم أن تعرف الله، الفضل العظيم أن تعرف سر وجودك، الفضل العظيم أن تعرف غاية وجودك، الفضل العظيم أن توقع حركتك وفق منهج الله، الفضل العظيم أن يكون لك عمل صالح يصلح للعرض على الله، هذا الفضل العظيم، شق على صدر الناس الآن ما هو الفضل العظيم؟ يكون له دخل فلكي، يركب مركبة راقية جداً ثمنها أربعة وعشرون مليوناً، يسكن منزلا فخمًا جداً، فيه كل وسائل الراحة، يكن له مكانة عالية، هذا الفضل العظيم عنده، كل هذا الفضل عند الناس فضل دنيوي ينتهي كلياً عند الموت، وكل شيء يجمعه الإنسان في الدنيا يخسره في ثانية واحدة، لذلك هذا الدين حينما نلغي منه التزكية، ونلغي منه معرفة الله عز وجل، ويبقى أحكاماً، وأفكاراً، وكتباً، ومجلدات، ومؤتمرات، الحقيقة المظاهر قوية وصارخة، المظاهر الإسلامية قوية وصارخة .
والله دخلت إلى مسجد في الدار البيضاء كلّف مليار دولار، مئذنته جامعة، أعلى مئذنة في العالم، مساحة المئذنة جامعة، كل طابق قسم ـ هذه مئذنة ـ بني على ساحل البحر، قالوا فيه :
﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾
المصلي، وهو في الحرم يرى أمواج البحر في فتحات صغيرة في البلور، مسجد كلّف ألف مليون دولار، أي مليار دولار، أقسم لي أحدهم زار المغرب، وصلى الجمعة في هذا المسجد، أقسم لي بالله لا يوجد فيه نصف صف، في خطبة الجمعة، العبرة لا بهذه المظاهر، مظاهر إسلامية كبيرة جداً، مؤتمرات ، حضرت عدة مؤتمرات، كل دولة لها علم، و لها مرافقة، ولها جناح في الفندق، شيء فخم جداً ، ولكن المحصلة ليس أمرنا بيدنا، ولعدونا علينا ألف سبيل وسبيل، النتيجة لسنا ممكنين في الأرض، لسنا مستخلفين، لسنا آمنين، تسمعون من حين لآخر كيف أن التهديدات تأتينا من كل جانب، هذا هو النصر العزيز :
﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾
صار الدين ظاهرة صوتية، خطابات، ولقاءات، وحوارات، وندوات بالفضائيات، و مظاهر دينية، ومساجد كبيرة، و مراكز إسلامية، و مكتبات إسلامية، و مؤتمرات إسلامية، لكن لا يوجد التزام بالدين، ألغي منه التزكية و معرفة الله عز وجل ، وبقي :
﴿ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
هذه الآية خطيرة جداً، والله عز وجل حينما دعاه إبراهيم عليه السلام ، سيدنا إبراهيم بشر على علو قدره، وهو أبو الأنبياء فقال له :
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
فكان رد الله عليه :
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
الإيمان قبل القرآن، والمعرفة قبل الطاعة :
لذلك قال الصحابة الكرام، أوتينا الإيمان قبل القرآن، ما لم تؤمن بهذا الخالق العظيم من خلال خلقه في السماوات و الأرض، و من خلال خلقه في النفس البشرية لم تستطيع أن تعرف الله، لذلك سيدنا بلال يقول : <<لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر على من اجترأت>> .
أيها الإخوة، سواء كنت مؤمناً عادياً فلابد أن تعرف الله كي تحملك هذه المعرفة على طاعته، إذا كنت مؤمناً عادياً لابد أن تزكو نفسك، هل تحقد؟ هل تتمنى أن تزول عن أخيك نعمة لتصبح لك؟ هل تأخذ ما ليس لك؟ هل تكذب؟ هل تحتال على أخذ ما ليس لك؟ هل تملأ عينيك من الحرام؟ إذاً أنت لست في المستوى الذي أراده الله .
أحياناً بعض المسلمين يعتبون على الله في أنفسهم، لماذا ربنا هكذا؟ لمَ لم يكن معنا؟ لمَ لا يظهرنا على أعدائنا؟ لمَ لا يحقق لنا نصراً مؤزراً؟ فالجواب: العباد جميعاً عباده، وهذا الذي ينتمي إلى الله، هذا الذي محسوب على الله، لا يمكن أن يتنزل عليه نصر الله إلا إذا كان كما يريد الله عز وجل: "عبدي، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد و لا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد ، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد" .
لا لإيمان إبليس :
أتمنى على الله عز وجل أن تكون هذه الآية التي كانت محور الدرس الماضي، مع هذا التعليق اليوم أن تكون هذه الآية باعثاً لنا على معرفة الله، ثم على تزكية النفس، راقب نفسك، سيدنا عمر قال: <<تعهد قلبك>> ،راقب نفسك، حينما تعصي الله معنى ذلك أن إيمانك لم يكن كافياً بحيث يحملك على طاعة الله، سمه إن شئت إيماناً إبليسياً: إبليس قال :
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
قال: خلقتني، آمن بالله خالقاً، قال :
﴿ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
آمن بالآخرة، و مع ذلك مستوى إيمانه بهذه القضايا الكبرى أن الله خالق، وعزيز، ورب، والدار الآخرة، وأن مستوى إيمانه بهذه القضايا الكبرى لم يكن كافياً ليحمل صاحبه على طاعة الله عز وجل، ثم يقول الله عز وجل :
﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم
العاقل يبحث عن سبب المصيبة:
والله لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت :
﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
ذلك بأن عطائي كلام، وأخذي كلام .
هناك كلام دقيق سأقوله لكم، وقلته مراراً: لا يمكن لإنسان فيه ذرة عقل أن يتلقى ضربة بعصا، ثم يحقد على العصا، العصا لا علاقة لها، العصا أداة، إذا كان عاقلاً، وتلقى ضربة بعصا فالعصا لا يُحقد عليها، لأنها أداة ليس غير، ينبغي أن يحقد على الضارب الذي استخدم هذه الأداة، فإذا كان الضارب هو الله جل جلاله، وهو صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى رجعت الكرة إلى ملعبها، عنده مشكلة، وكل إنسان على شيء من العقل ما من مصيبة تصيبه إلا ويبحث عن أسباب لها من عنده .
وهذه (لو)المسموح بها في العقيدة، لو لم آكل هذا المال الحرام لما دمر مالي، لو لم أسترق النظر إلى النساء لما نشأ خلاف بيني و بين زوجتي، لو اعتنيت بأولادي عناية بالغة لما عقوني الآن، كلام دقيق ، كل أدوات الشر في الكون يمكن أن تصفها بأنها عصي بيد الله، رجال أقوياء عصي بيد الله، أمراض، جراثيم، فيروسات، هدم، حرق، جفاف، أي شيء يزعجنا هو أداة تأديبية بيد الله عز وجل .
التأديب الإلهي أنواع كثيرة :
المشكلة أن الإنسان حينما يستحق التأديب يأتيه التأديب من مصادر لا تعد و لا تحصى ،ذكرت هذا في خطبة هلاك الأمم، أن الأمة الخطورة أن تستحق الأمة الهلاك، قد يأتيها الهلاك جفافاً، و قد يأتيها زلزال، و قد يأتيها بركان، وقد يأتيها حروباً أهلية، وقد يأتيها عدواناً خارجياً، لا قيمة لهذا التنوع في التأديب، القيمة والخطورة أن هذه الأمة فعلت ما يوجب التأديب، هذا على مستوى أمم، وعلى مستوى أفراد، أي يوجد عند الله عز وجل آلاف الأدوية المرة، يوجد مرض، والمرض مخيف، يوجد مشكلة زوجية، يوجد مشكلة مع أولادك، يوجد مشكلة في عملك، فالإنسان حينما يرتكب ما يوجب التأديب مهما سدّ الثغرات يأتيه التأديب من حيث لا يشعر، و هذا الذي جرى قبل شهر تقريباً في العالم الغربي هو تأديب من الله عز وجل، لأنهم قالوا :
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
فالتأديب موجود في كل مكان في العالم، فالعبرة ألاّ تصل مع الله إلى مرحلة وجوب التأديب .
أنت في بحبوحتين؛ في بحبوحة تطبيق منهج الله :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
وفي بحبوحة الاستغفار، إن لم يكن هناك تطبيق، ولا استغفار، وفعلت ما يوجب التأديب فلابد أن يكون التأديب :
﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾
يؤتى الحذر من مأمنه، لا ينفع حذر من قدر، إذا أراد الله إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لبٍّ لبَّه .
أحياناً الكافر على ذكائه الشديد يجمع، ويطرح، ويقسم، ثم يجعل الله تدميره في تدبيره، أحياناً يستدرجه من الغرب إلى الشرق لتكون مصيبته في الشرق، فلا ينفع حذر من قدر، لا ينفع ذا الجد منك الجد يا رب، مع الله لا يوجد ذكي، لا يوجد قوي معه، الله القوي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ ))
﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾
قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
دقق في قوله تعالى :
﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾
انتهى الأمر، الكرة ردت إليك، فلا تحقد على أحد، ولا تندب حظك، هناك أمهات كثيرا يقلن : مسكينة ابنتي ، ليس لها حظ، ما هذا الحظ؟ لا يوجد حظ في الإسلام ، هناك توفيق وعدم توفيق، هناك إكرام وتأديب فقط، وتيسير وتعسير ، لا يوجد حظ، هناك حظ بمعنى آخر :
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
من كان له حظ عظيم من الله يمكن أن يصبر :
﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
فالمؤمن دائماً، وأبداً كلما أصابته ضائقة يراجع حساباته الداخلية، لا مشكلة عنده، طبعاً يقف موقفاً حكيماً مع الناس، لو أن سائقاً أرعناً أساء إلى ابنه يوقفه عند حده، ويشتكي عليه كي يمنعه عن عنفوانه، وعن طيشه في القيادة، لكن لا يحقد عليه :
﴿ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾
ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر، هذه الفكرة في الدين رائعة جداً، أي لم يعد هناك حقد، هناك شعور أن ثمة محاسبة ذاتية، لمَ كان ذلك؟ لأنك فعلت كذا، والله عز وجل كأنه تولى أن يلقي في روع كل مؤمن سبب المصيبة :
﴿ أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾
إلى حكمتها، إلى سببها، والمؤمن على فطنة عالية إن جاءته الأمور كما لا يشتهي يبحث عن سبب فيه، إن جاءته كما يشتهي تقول: الحمد لله، إن جاءت على ما لا يشتهي يسأل نفسه لماذا؟ لماذا حرمت هذا؟ لماذا تعسر هذا؟ لماذا فقدت رزقي؟ طبعاً إن لم يجد سبباً عليه أن يستسلم لكن في الأعم الأغلب يجد السبب.
و الحمد لله رب العالمين
الأسئلة :
س: كنت مقصراً مع والدي قبل أن يموت ماذا أفعل؟
ج: هل تصدقون أن هناك برًّا للأب بعد الموت، قال: ماذا بقي لي من بر والدي؟ قال: أن تصلي عليهما في الجنازة، وأن تدعو لهما في الصلاة، ربي اغفر لي ولوالدي، وأن تنفذ عهدهما، قال لك الأب: انتبه لأختك، يجب أن تعتني بها كثيراً، فإنفاذ عهد الأب نوع من بر الوالد بعد موته، وأن تصل صديقهما، وأن تصل الرحم التي لم يكن لها صلة إلا بهما، هذا نوع من بر الوالدين بعد الموت .
س: ما صفات المتكبر ؟
ج: رد الحق، وغمط الناس ، هذا تعريف النبي له، لا يقبل الحق، ويبخس الناس أشياءهم .