- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
مقدمة :
المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من برنامج : " عطر السنة "، نستنشق فيه عبير النبوة الفواح من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي
مرحباً بكم أستاذنا عطرت البرنامج .الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
ما زال الحديث أستاذنا الكريم عن صلة الرحم ؛ النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه رجل فيقول : " يا رسول الله إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني ، أحسن إليهم ويسيئون إليّ ، أعفو عنهم ويظلمونني ، فقال عليه الصلاة والسلام : إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ".
نريد أن نعيش قليلاً مع هذا الحديث .
البطولة مقابلة الإساءة بالإحسان :
الدكتور راتب :
الحقيقة قد يخطئ الإنسان ويقطع رحمه لكن حينما يقابل هذه الإساءة بالإحسان أنت تلقي درساً بليغاً على هذا الإنسان ، فلذلك :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
الحقيقة أن ترد على الإساءة بالإحسان هذه بطولة ، وهذا ترفع عن غرائز الإنسان البشرية ، فالإنسان قيمته بأعماله الصالحة ، وعمله الصالح أمامه عثرات أحياناً ، البطولة أن تقفز على هذه العثرات وأن تتجاوزها ، ودائماً الذي يعفو هو الكريم ، والذي يتجاوز هذه الأشياء المزعجة يكون أكبر عند الله .
المذيع:
أستاذنا هناك عقبات أمام الصلة أحياناً ، هناك مبررات للقطيعة ، ربما إساءات متكررة ، ولذلك هذا يدفع بعض الناس إلى تخفيف الصلة أو قطعها .
الابتعاد عن القطيعة الكاملة المستمرة :
الدكتور راتب :
والله أنا لا أرى قطعها كلياً ، لو أن أختاً أساءت لأخيها فقطعها نهائياً فقد كل إمكانات التوجيه في الأيام القادمة ، أنا أقول : يعاتبها ، قد يقطعها إلى حين ، أما أنا فلست من أنصار القطيعة الكاملة المستمرة ، لأنه فقد كل ما كان من الممكن أن يفعله معها .
المذيع:
أستاذنا هناك حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم من ثمرات صلة الرحم كما جاء في الحديث : " أن يبسط له في رزقه " قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل :
(( ...أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ...))
من ثمرات صلة الرحم أن الله يصل العبد إذا وصل رحمه ، ما معنى هذا الحديث ؟
القدوة قبل الدعوة :
الدكتور راتب :
هناك لعبة اسمها شدّ الحبل ، فأنا حينما أصل الرحم وأخاف أن أشد إليه ، إلى انحرافه ينبغي أن أبتعد عنه ، أما إذا كنت واثقاً أنني بإمكاني أن أشدهم إلي ، فهذا مقياس شد الحبل
فالذي يذهب إلى من حوله من أقربائه وتزل قدمه فينحرف كما انحرفوا نقول له : ابتعد عنهم ، سلامتك أولى ، أما الذي يستطيع أن يتصل مع أقربائه ممن قصروا في أمر دينهم ، وفي انضباطهم الشرعي ، وأنا بطريقة لطيفة ذكية معي هدية أقنعهم بعظمة هذا الدين ، أحملهم على العودة إلى الله ، فهذه بطولة كبيرة جداً ، أنا أقول دائماً : الطرف الخير ليس بحاجة إليك الذي بحاجة إليك الطرف السيئ ، البطولة مع هذا السيئ
فالجيد جيد ، حينما تتعامل مع الطلاب المتفوقين القضية سهلة جداً ، لكن إذا كان الطالب مقصراً جداً ، ومعنوياته محطمة ، أنت حينما تطرح عليه سؤالاً بسيطاً ، ويجيب عليه إجابة جيدة ، تثني عليه ، أنشأت عنده ثقة بالنفس ، هناك معالجات كثيرة ، هذا الذي قطعني أصله ، صلتي له درس بليغ له ، صلتي له تعليم ، فالقدوة أبلغ من الدعوة ، القدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، فهذا الذي أسيء إليه من قبل أقربائه فإذا وصلهم وأكرمهم لقنهم درساً لا ينسى .
المذيع:
أستاذنا العجيب في صلة الرحم في هذا الدين الإسلامي العظيم أنها ليست مبنية على الإسلام بمعنى ليس شرطاً أن أصل من أقربائي من كانوا مسلمين ، بل يجب عليّ أن أصل من كان من أقاربي حتى ولو لم يكونوا مسلمين .
العمل الصالح يمتن العلاقات و يوثقها :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن العمل الصالح يمتن العلاقات إجمالاً ، فالذي قطعني وأنا وصلته لقنته درساً بليغاً ، وهناك شيء آخر الإنسان عندما يكون له صلة مع أقربائه الدوائر الجيدة تتسع
فإذا اتسعت قللت من قيمة الدوائر السيئة ، هذا المجتمع كيف ينمو ؟ ينمو بالتواصل ، ينمو بالتراحم ، ينمو بالتعاضد ، ينمو بالتناصح ، أنا حينما أقطع رحمي توقف النصح ، توقف العمل الصالح ، توقفت الصلة ، توقف الأنس ، كل هذه الإيجابيات في الصلة انتهت ، البطولة عفواً عندنا آيات هي أخلاق الحرب :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
هذه أخلاق الحرب ، أما أخلاق السلم :
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
ولي حميم :
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
من كان له حظ عظيم من الله ، من كان له إقبال على الله شديد ، اتصال متين ، واشتق هذا الإنسان من الله الكمالات هذا يفعلها :
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
هذه أخلاق السلم .
المذيع:
أستاذنا هناك رحم قريبة ورحم كبرى كما يسميها بعض العلماء وهي التعلق بأمة الإسلام ، لأن الأمة مثل الأم ، ماذا تقول في هذا الشأن ؟
الانتماء للمجموع يرفع من قيمة الإنسان :
الدكتور راتب :
والله أنا أقول : ما لم يكن انتماؤك الدقيق والعميق لمجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، الدليل :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
مجموع المؤمنين أخوة لي ، أما هذا الذي ينتمي إلى فقاعات صغيرة ، ودوائر صغيرة فهذا يسهم في تمزيق شمل الأمة ، الانتماء إلى مجموع المؤمنين ، وأقولها وواثق مما أقول ، ما لم يكن انتماؤك لمجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، الآية هكذا تقول :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾
ما قال : إنما جماعة فلان ، ما قال : إنما من كان في هذا المكان أو في هذا الزمان :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
فلذلك الانتماء للمجموع هذا يرفع من قيمة الإنسان .
المذيع:
أستاذنا هل يشترط في الصلة المحبة ؟ هناك من يفهم أن صلة الرحم لا تنفع إلا أن تكون محباً ، يقول : أنا لا أحب أن أتصنع لأختي أو لأخي ، أنا لا أطيقه ولا أريد أن أزوره، نقول له : ينبغي أن تزوره وحتى لو كنت غير محب له ، فيقول : لا أزوره إلا إذا أحببته ، ما رأيك ؟
المحبة ليست شرطاً لصلة الرحم :
الدكتور راتب :
مرفوض هذا الكلام ، ما كل علاقة تبنى على الحب
هذا الذي طرق باب سيدنا عمر ليشكو له زوجته ، سمع خصومة في بيته فرجع ، فتح الباب ما وجده ناداه ، قال له : كذا كذا ، قال له : ما كل زواج يبنى على الحب ، هناك مصلحة ، هناك أولاد ، أنا أقول دائماً: حينما يكون الأولاد يجب أن يضع كل من الزوجين حظه من الزواج تحت قدمه من أجل أولاده .
المذيع:
أستاذنا هناك حب في العلاقات ، وهناك مصلحة ، وهناك مبدأ ، نحن نعيش في هذه الدواعم الثلاث للعلاقات ، على سبيل المثال لي مصلحة مع بعض جيراني فعلاقتي بهم وثيقة ، لكن علاقتي بإخوتي مبنية على المبدأ وليست على المصلحة ، وربما لست محباً لبعضهم ، ولكن المبدأ العام أنهم أخواني إذاً يجب أن أكون على علاقة حسنة معهم .
بطولة الإنسان أن يكون ودوداً و بشوشاً مع كل من حوله :
الدكتور راتب :
الجواب : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد ، البطولة أن تكون بشوشاً ودوداً مع كل من حولك ، أما شخص من هؤلاء فلا تأمنه ، و لا تطمئن له ، فأنا أقف موقفاً كاملاً منه ، هناك مودة لكن قد أخفي في قلبي قلقلي منه ، أو تخوفي من التمادي في العلاقة معه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على هذه العلاقة بشوشاً ، كان يحترس من الناس ويحذرهم من غير أن يطوي بشره عن أحد .
خاتمة و توديع :
المذيع:
أحسن الله إليك أستاذنا ، لم يبق من وقت هذه الحلقة إلا أن نشكرك جزيل الشكر على هذا العبير الكريم ، أسأل الله عز وجل أن ينفعنا به ، وأنتم أعزائي المشاهدين أشكركم على حسن المتابعة ، ألقاكم في حلقة قادمة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .