- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
مقدمة :
المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم أجمل ترحيب في حلقة جديدة من برنامجكم : "عطر السنة "، نستتشق فيه عبير النبوة ، وحدائقها الزاهرة من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم أستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ؛ شكراً جزيلاً .
المذيع:
أعزائي المشاهدين إن الاستقامة عند الها عز وجل ، وفي تربية النبي صلى الله عليه وسلم قيمة كبرى ، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من أسرارها العبقة ، ورياحينها المتناثرة ، ولا زال الحديث عن الاستقامة ، أستاذنا قلت في حلقة سابقة : إن الاستقامة على مستوى الفرد تورث السعادة ، هناك بعض المتدينين لا يشعرون بالسعادة ، هل هناك خلل في الاستقامة أم أن السعادة تتأخر عن الاستقامة ؟
الاستقامة على أمر الله تولّد السعادة :
الدكتور راتب :
نجيبهم بهذا الجواب : ما من شهوة أودعها الله بالإنسان على الإطلاق إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، والدليل :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف عند علماء الأصول : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، بالدين لا يوجد حرمان ، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان على الإطلاق إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة عبقة تسري خلالها .
المذيع:
وهذا معنى مهم ، الاستقامة ليست حرماناً .
الدكتور راتب :
إنها توجيه ، هذه صفيحة البنزين سائل متفجر ، إذا وضعت في المستودعات المحكمة ، وسالت في الأنابيب المحكمة ، وانفجرت في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب، ولّدت حركة نافعة ، أقلت هذا الإنسان هو وأهله إلى مصيف جميل في الصيف ، هو وأولاده وأهله ، أما إذا صُبت على المركبة ، وأصابتها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، الشهوة إما أنها قوة دافعة ، أو قوة مدمرة ، فلذلك حينما نتبع في تعاطينا مع الشهوة منهج الله عز وجل نقطف ثمارها اليانعة والإيجابية .
المذيع:
أستاذنا بعض الأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم تضيف للاستقامة بعض الصفات منها قوله صلى الله عليه وسلم :
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
ما معنى هذا الحديث ؟
المعنى الدقيق للاستقامة من خلال الحديث الشريف اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا :
الدكتور راتب :
والله هذا الحديث بعضهم فهمه فهماً ، وبعضهم فهمه فهماً أعمق ، بعضهم قال: لن تحصوا الاستقامة ، لن تحصوا أن تستقيموا ، غير فروعها ، قد لا تستطيعون أن تستقيموا ، لن تحصوا أن تحققوا هذا الهدف ، لكن المعنى الدقيق لن تحصوا ثمارها ، إنسان مستقيم عنده حالة أمن ، عنده حالة تفاؤل ، عنده حالة يقين ، عنده حالة حكمة ، عنده رؤية ثاقبة ، عنده فرح بطاعة الله ، عنده إشراق ، عنده قوة تأثير ، لن نحصي ثمار الاستقامة ، تعاملت أنت مع خالق السموات والأرض حينما غضضت بصرك عن محارم الله شعرت بقيمة إنسانيتك ، شعرت أنك عبد مطيع لله ، شعرت أنك ترضي الله ، ما من شعور ينتاب الإنسان أعظم من أن يشعر الإنسان أن الله يحبه .
المذيع:
أستاذنا الكريم في معرض وحقيقة ومنزلة ودرجة الاستقامة ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( شيبتني هود وأخواتها ))
وسورة هود فيها :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
وغيرها من الآيات التي جاءت حول الاستقامة ، هذا الاستشعار لعظمة الاستقامة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ما سره ؟
سرّ عظمة الاستقامة في قلب النبي :
الدكتور راتب :
قوله تعالى :
﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾
فالذي عرف ربه ، وخشع قلبه ، الاستقامة عليه سهلة جداً ، لأنك إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر فتتفنن في معصيته ، أي قد تأتي رسالة من دائرة البريد : تعال غداً واستلم رسالة مسجلة ، لا تتحرك فيك شعرة ، وقد تأتي من جهة قوية لو دخلت إلى مبنى هذه الجهة لا تخرج ، من هو الآمر ؟ أنا حينما أعرف من هو الآمر أتفانى في الطاعة ، أما إذا لم أعرف من هو الآمر يهون عليّ أن أعصيه ، وعندئذ أدفع الثمن باهظاً .
المذيع:
أستاذنا هل هناك علاقة بين الاستقامة والعمل الصالح ؟
العلاقة بين الاستقامة و العمل الصالح :
الدكتور راتب :
هناك مصطلح في الإسلام أن الشيئين إذا اجتمعا تفرقا ، وإن تفرقا اجتمعا ، إذا قلت : الاستقامة تتضمن العمل الصالح ، فالاستقامة في أساسها ترك ، ابتعاد عن المعصية ، والعمل الصالح عطاء ، فإذا قلت : العمل الصالح وحده أي الاستقامة ، وإن قلت الاستقامة أي العمل الصالح ، أما إذا قلت : الاستقامة والعمل الصالح ، فالاستقامة سلبية لأنها ترك المنهيات، والعمل الصالح إيجابي ، العمل الصالح عطاء ، بذل ، تقديم المال ، الحكمة ، العلم، الجاه ، هناك عطاء ، والاستقامة ترك ، الاستقامة تحقق السلامة ، بينما العمل الصالح يحقق السعادة ، فأنت بالاستقامة تسلم و بالعمل الصالح تسعد .
المذيع:
الله سبحانه وتعالى أمرنا في كل ركعة أن نسأله أن يرشدنا إلى صراطه المستقيم فقال سبحانه :
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
لماذا هذه الاستعانة بالله عز وجل في طلب الاستقامة ؟
الحكمة من الاستعانة بالله في طلب الاستقامة :
الدكتور راتب :
لأن لا حول عن معصية الله إلا بالله ، ولا قوة على طاعته إلا به ، لذلك :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
فأنا حينما أقول :
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
وتأتي الآيات بعد الفاتحة :
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
هذا أمري يا عبدي نفذه ، فأنت حينما تركع تركع خضوعاً لتنفيذ هذا الأمر ، وحينما تسجد تطلب العون على تطبيقه ، فالركوع خضوع ، والسجود استعانة :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
فالله عز وجل لما كلفك أن تقرأ آيات من القرآن بعد الفاتحة فلما قلت له : اهدنا الصراط المستقيم جاء الجواب الإلهي :
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
فأنت تقرأ الآية وكأن هذا هو الصراط المستقيم فتركع خاضعاً ، وتسجد مستعيناً ، فلذلك لا حول عن معصيته إلا به ، ولا قوة على طاعته إلا به :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
المذيع:
أستاذنا الكريم هل هناك شروط للاستقامة ؟
شروط الاستقامة :
الدكتور راتب :
الاستقامة حدية ، لا يوجد مستقيم نوعاً ما ، منهج تفصيلي ؛ افعل ولا تفعل ، ما لم نؤدِّ الفعل وندع المنهي عنه لا نعد مستقيمين ، لكن يوجد فرق بين أن تكون الاستقامة تامة أي مئة بالمئة وبين أن تكون تسعين بالمئة ، أي هناك ثغرات لم تتحقق فيها الاستقامة ، إذا أتيح لنا أن نقول : هناك نسب إذا كان المنهج مئة بند ؛ فالمستقيم تسعون بالمئة غير الثمانين غير السبعين غير الأربعين غير الثلاثين ، فكلما ارتفع الرقم الاستقامة أصبحت أكثر فعالية ، ونتائجها محققة أكثر ، أما الاستقامة المطلوبة فالاستقامة التامة ، لأنها هي الحدية .
المذيع:
أستاذنا كيف نحصل هذه الاستقامة ؟
كيفية تحصيل الاستقامة التامة :
الدكتور راتب :
أنا أرى لا تحصل إلا بمعرفة الله أولاً ، ينبغي أن تعرف من هو الآمر ، إذا عرفت من هو الآمر يعد الإنسان للمليار قبل أن يعصيه ، أما إذا ما عرف الآمر فالأمر يختلف.
المذيع:
ما قدر اله حق قدره ، أستاذنا الاستقامة هل ينتفع الإنسان إذا أراد أن يحققها بصحبة أهلها ؟
الدكتور راتب :
هناك أمر إلهي :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أنت بحاجة إلى بيئة ، بحاجة إلى من حولك أن يكونوا على شاكلتك .
(( يد الله مع الجماعة و من شذّ شذّ في النار ))
المذيع:
أستاذنا هذا مبرر لترك الاستقامة لمن يعيش في مجتمع خليط من الصالحين وغيرهم كما نرى .
الدكتور راتب :
الإنسان عندما يكون طبيباً ويجلس مع أناس يعانون من مرض معد ، لماذا في أموره الصحية يخشى أن يشرب ماء من كأس شربوا منه ؟ أيضاً المؤمن إذا كان حريصاً على دينه وآخرته ، وحريصاً على طاعة ربه ، هناك أناس لا ينبغي أن يجلس معهم ، أنا حينما أستطيع أن أؤثر فيهم أجلس معهم ، ولو كانوا سيئين ، حينما أوقن أنه بإمكاني أن أقنعهم ، أن آخذ بيدهم ، أو أن أرقى بهم ، أجلس معهم ، أما حينما أخشى أن يسحبوني ، فالحقيقة هذه كلعبة شدّ الحبل إذا أمكنك أن تشدهم إليك اجلس معهم ، أما إذا خشيت أن تُشد إليهم فدعهم .
خاتمة و توديع :
المذيع:
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الاستقامة على طريق الله المستقيم ، لم يبق أستاذنا الكريم من حلقتنا إلا أن نشكرك على هذه الرياحين العطرة ، وأنتم أعزائي المشاهدين أشكركم لحسن متابعتكم لنا ، أسأل الله أن ألقاكم في حلقة قادمة طيبة من برنامجكم " عطر السنة " ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .