- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
مقدمة :
المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من :"عطر السنة" ، نتفيأ في هذه الحلقة بإذن الله تعالى من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي ، الذي شرفنا ويشرفنا في هذه الحلقات المباركة ، نتفيأ ظلّ توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم ، وعبق حدائقه الزاهرة ، إذ يتحدث عن الجوار و حق الجوار ، الذي يجعل هذا المجتمع المسلم مجتمعاً مباركاً طاهراً كريماً ، هكذا ينبغي أن تكون حياتنا نحن المسلمون ، حياكم الله أستاذنا الكريم ، وأهلاً بكم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
أستاذنا الكريم تحدثنا في حلقة سابقة عن الجار ، وما قسم الله له من حقوق ، نريد أن نفصل في هذه الحقوق التي جعلها الله من حقوق واجبة الأداء .
حقوق الجار :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ؛ لعل هناك من آثار النبوة أقوالاً لطيفة في هذا الموضوع أتدرون ما حق الجار ؟ " إن استعان بك أعنته ، وإن استنصرك نصرته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن مرض عدته ، وإن مات شيعته ، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له منها ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ".
المذيع:
هذه منظومة لا بد من أن نقف عند كل واحدة منها في حلقة ، ما شاء الله ، نبدأ بهذه الحقوق حقاً حقاً لو تكرمتم .
إعانة الجار :
الدكتور راتب :
إن استعان بك أعنته ، أحياناً الإنسان يكون مريضاً ، ولا بد من شراء الدواء ، فإذا كلف الجار جاره أن يشتري له الدواء هذه استعانة ، استعان بك على شراء الدواء ، أو استعان به على حلّ مشكلة ، أو استعان به على قضاء حاجة ، أو طلب منك رغيف خبز مساء ، أو عنده ضيوف ، حوائج كثيرة جداً ، إذا أحبّ الله عبده جعل حوائج الناس عنده ، كلفه بحوائج الناس ، والبطولة أن تلبي هذه الحاجات ، هذا وساف شرف للمؤمن ، وهذا يؤدي إلى علاقات طيبة جداً ، وصدقاً أنا أسمع من السلف الصالح عن علاقات الجوار الشيء الذي لا يصدق الآن .
المذيع:
أستاذنا جاء في بعض الاثار عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن لله عباداً جعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وجعل حوائج العباد إليهم تكرمة لهم ". الله شرف هؤلاء بأن جعلهم يعينون الآخرين .
بطولة الإنسان بالعمل الصالح :
الدكتور راتب :
رجل له جار تزوج ، وبعد خمسة أشهر كان حملها بالشهر التاسع ، فهو بإمكانه أن يطلقها ، أو يردها إلى أهلها ، والقانون معه ، والشرع معه ، والناس معه ، أراد أن يحملها على التوبة ، جاء لها بولادة ولدت ، أخذ الغلام تحت عباءته ، وقف أمام باب المسجد إلى أن نوى الإمام صلاة الفريضة ، وضع هذا الغلام وراء الباب ، وأدى المسلمون صلاة الفجر ، بعد نهاية الصلاة بكى هذا الطفل ، تحلق الناس حوله ، سأل : ما القصة ؟ فقالوا : لقيط ، قال : أنا أكفله، هذا الذي ورد ، وأنا ليس من عادتي أن أروي المنامات ، هذا الإمام رأى رسول الله في منامه فقال له : قل لجارك فلاناً إنه رفيقي في الجنة ، لأنه عوض أن يفضحها تركها ، وأقال عثرتها ، وأعادها إلى جادة الصواب ، وسترها ، فالإنسان بطولته بالعمل الصالح :
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
المذيع:
نعود إلى حقوق الجوار ، إذا استعانك أعنته .
نصر الجار :
الدكتور راتب :
وإن استنصرك نصرته ، طلب منك مساعدة ، يبدو أن الإمام أبو حنيفة النعمان له جار مغنٍّ أقلقه قلقاً مستمراً ، أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا ، ضجر منه ثم سكت لأنه قبض عليه ، فذهب أبو حنيفة إلى صاحب الشرطة وشفع له ، وأركبه على دابته عائداً إلى البيت ، و قال له : يا فتى، هل أضعناك ؟ الإنسان عبد الإحسان ، افتح قلبه بإحسانك عندئذ يفتح لك عقله لبيانك ، الجار أحق الناس .
المذيع:
وإذا استنصرك نصرته .
الإحسان للجار و إقراضه إن طلب ذلك :
الدكتور راتب :
وإن استقرضك أقرضته ، أحياناً قرض عيني طلب رغيف خبز ، طلب مبلغاً بسيطاً، أنت حينما تقرضه متنت العلاقة بينك وبينه ، البطولة أن تمتن العلاقة مع من حولك إما أهلك ضمن البيت ، أو الجيران جغرافياً ، أو الزملاء في العمل ، العلاقات الاجتماعية ، أنت حينما تحسن للجار أنشأت مودة ما بينك وبين الجار ، المودة تمتص بعض المنغصات في المستقبل .
المذيع:
أستاذنا الكريم تقول : وإن استعانك بك أعنته ، وإذا استنصرك نصرته ، وإن استقرضك أقرضته ، الرابعة .
حقوق أخرى للجار :
الدكتور راتب :
وإن أصابته مصيبة عزيته ، إن أصابه خير هنأته ، أنجب جارك مولوداً هنأته ، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، هذا شيء دقيق جداً .
المذيع:
أستاذنا هذا تأسيس في تخطيط المدن ، ينبغي أن يكون هناك مواصفات وقياسات .
الدكتور راتب :
قد يكون الجار غنياً يعطي ابنه مبلغاً كبيراً للمدرسة ، أو فواكه غالية جداً ، أو حلويات مستوردة ، هذا الابن ليس عنده هذا الفهم الدقيق الشرعي ، قد يتباهى أمام أصدقائه بهذه الأكلات ، وهذا المبلغ الكبير ، فالبطولة أن تعطي ابنك المبلغ المعقول الذي يستوي فيه جميع الطلاب ، هذا من حق الجار ، هذا الجار فقير ، هذا الجار غني ، فأنت ممكن أن تطعم ابنك ما شئت في البيت ، أما أن يأخذ الطعام النادر والغالي جداً إلى المدرسة فهذا خطأ يؤذي جارك ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ، وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له منها ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ، هذه آداب الإسلام ، الإسلام عقائد، عبادات ، آداب .
المذيع:
ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار ، وذكر للنبي من كثرة صلاتها وصيامها فبيّن سبب دخولها النار أنها كانت تؤذي جيرانها بلسانها ، كما جاء في الحديث .
الابتعاد عن انتزاع إعجاب الآخرين و العلو عليهم :
الدكتور راتب :
فلذلك :
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً))
يتكلم بالكلمة مفتخراً ، متباهياً ، مستصغراً من حوله ، و يفعل ذلك لينتزع إعجاب الآخرين ، و ينتزع الثناء عليه منهم ، هذا مرض نفسي ، أنت حينما تعلو على من حولك هناك مشكلة تنشأ فيما بينك وبينهم .
المذيع:
إذا كان الله في عليائه يتولى الدفاع عن حقوق الجيران فينبغي أن يفهم كل واحد منا أن حق الجار ليس أدباً زائداً ، أو ليس في هامش الحياة ، إنما هو حق أمر الله بتأديته .
النّور الذي يلقى في قلب المؤمن يهديه إلى سواء السبيل :
الدكتور راتب :
الإنسان حينما يكون له اتصال بالله يلقي الله في قلبه نوراً :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
هذا النور الذي يلقى في قلب المؤمن من قبل الله عز وجل يهديه إلى سواء السبيل ، يهديه إلى الحكمة ، ولا يوجد عطاء إلهي يفوق الحكمة :
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
الحكمة أن تقف من جارك الموقف الكامل ، إما موقف المودة ، أو موقف البذل والتضحية ، أو موقف الستر الجميل ، يجب أن يكون هناك مودة و عطاء و ستر ، أحياناً يكون هناك مشكلة في بيت جارك ، و يرتفع الصياح ، أينما جلست تقول : صار مشكلة عند فلان ، تتكلم بها للناس جميعاً ؟
خاتمة و توديع :
المذيع:
ما أجمل النبي صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله حينما وصفه :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
أشكركم أستاذنا على ما تفضلتم به في هذه الحلقة ، وأنتم أعزائي المشاهدين كذلك أشكركم على حسن المتابعة ، ألقاكم في حلقة قادمة ، نتحدث فيها من عطر السنة ، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .