وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0913 - تلازم الخلق والإيمان - فضل العشر من ذي الحجة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
 اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تلازم الخلق والإيمان :

 أيها الإخوة الكرام: كلام النبي عليه الصلاة والسلام وحي غير متلو، فهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
 من أحاديثه الشريفة التي تبين جوهر الدين وحقيقة الدين، قوله صلى الله عليه وسلم:

((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))

[ حديث رواه البزار ورجاله رجال الصحيح إلا واحداً وهو ثقة ]

 إتمام مكارم الأخلاق جوهر الدعوة، والتمسك بالقيم الأخلاقية حقيقة الدين.
 أيها الإخوة الكرام: لأن الخُلُق يحتاج إلى جهد، فإنه يحتاج إلى ضبط، وقد منح الله النبي عليه الصلاة والسلام كل الخصائص التي ينجح بها في دعوته، لكنه حينما أثنى عليه قال له:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم : 4)

 بشكل ملخَّص أيها الإخوة: الإنسان خُلق للجنة قطعاً، وثمن الجنة في الدنيا، ضبط السلوك، أي الخُلق.
 لذلك: نعرف الله فنعبده، فنسعد بعبادته في الدنيا والآخرة.
 والإسلام بشكل أو بآخر، عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق، والعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة، عبادات أساسية في الدين، لكن ثمارها تكمن في التبدل الأخلاقي، والأدلة كثيرة:

﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

( سورة العنكبوت: 45 )

 فإن لم تنهَ الصلاة عن الفحشاء والمنكر، فهناك خلل كبير في شخصية المسلم.
 وعن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّه قَالَ:

((لأعلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أمَّتِي، يَأتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعلُهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنثُوراً، قَالَ ثَوْبَان: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيلِ كَمَا تَأخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَام إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))

[ حديث صحيح، أخرجه ابن ماجة ]

 وورد في أثر قدسي:
 ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفَّ شهواته عن محارمي، ولم يصرَّ على معصيتي، وأطعمَ الجائع، وكسا العُريان، ورحِمَ المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوَءُ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة له نوراً، يدعوني فألبيه، يسألني فأعطيه، يقسم علي فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس، لا يُمَسُّ ثمرها، ولا يتغير حالها.
أحد كبار العلماء يقول: الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك بالخُلق زاد عليك في الإيمان.

نموذجان من المسلمين :

 أيها الإخوة الأكارم:
 أحاول في اختيار موضوع الخطبة أن أضع يدي على جراح المسلمين، وأن أبحث عن الحل، وعن البلسم لهذه الجراح.
 هناك نموذجان في حياة المسلمين:
 عابد سيئ الخُلق، وحسن الخُلق ضعيف العبادة.
 هذان النموذجان مرفوضان، وإليهما أوجه هذه الخطبة:
 عابد سيئ الخُلق، وحسن الخُلق ضعيف العبادة.

 

 أيها الإخوة الأكارم: يقول الله عز وجل، يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾

( سورة الأنبياء : 107)

 مجتمع يسوده الغش، يسوده الكذب والخداع، تسوده إضاعة الأمانة، تسوده الفواحش، هل هذا مجتمع الرحمة؟
 أسرة تسودها الكراهية، يسودها الحسد، تسودها الضغينة، هل هذه أسرة مرحومة؟

 

 مستحيل وألفُ ألفِ مستحيل، أن تجتمع رذائل النفس مع عبادات هذا الدين العظيم.

((إِن الله لم يبعثني مُعْنِتاً ولا مُتَعَنِّتاً، ولكن بعثني مُعَلِّماً مُيَسِّراً))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

 وفي كلمة: معلماً، إشارة إلى أن التغيير ممكن.

 

  ما هو الشيء المستحيل؟
 الشيء المستحيل، لا الذي تتوهم أنك لا تستطيع أن تفعله.
 الشيء المستحيل: هو الذي لا تريد أن تفعله.
 وهناك في تاريخ البشرية قصص لا تصدق عن إنسان أراد شيئاً فوصل إليه، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان.
 أيها الإخوة الأكارم: العبادة التعاملية من صدق وأمانة وعفة وإنجاز وعد، وإنصاف، وعدالة، ورحمة، وعفو، هذه العبادة التعاملية، كالعام الدراسي.
 والعبادة الشعائرية كالصلاة والصيام والحج، كساعتي الامتحان.
 ما معنى ساعات الامتحان من دون دراسة طوال العام؟
 إن لم تكن دراسة طوال العام، فساعات الامتحان لا معنى لها أصلاً، لذلك العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا تحققت العبادات التعاملية.

الخُلُق والصلاة :

 تحدثت عن الصلاة:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً:

((أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُه قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي ]

﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

( سورة العنكبوت: 45 )

 فإن لم تنهَ الصلاة عن الفحشاء والمنكر فقدت حقيقتها، وفقدت ثمارها، وعندئذٍ في الأعم الأغلب لا تقبل، والله أعلم.
 لا نستطيع أن نقول لمن يصلي ويؤذي الناس: لا تصلِّ، بل نقول له: أضف إلى صلاتك الإحسان إلى الناس.

الخُلُق والصيام :

 أيها الإخوة الكرام: أما الصيام:
 فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَه وشَرَابَه))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

الخُلُق والحج :

 أما الحج: فمن حج بمال حرام نودي أن:

 

((لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور))

[ من حديث أخرجه الطبراني وفي سنده رجل ضعيف ]

 

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

( سورة التوبة : 53)

 هذه العبادات الشعائرية: الصلاة والصيام والحج والزكاة لا تقطف ثمارها إلا إذا رافقتها عبادات تعاملية.

لا بدَّ من تلازم العبادة والخُلُق :

 أيها الإخوة الكرام: شيء دقيق، هو أن العبادات الشعائرية شرط لازم غير كافٍ، وأن العبادات التعاملية شرط لازم غير كافٍ، فما لم تقترن العبادة الشعائرية مع العبادة التعاملية فلا جدوى من هذه العبادة:
 ورد في الأثر:
 ترك دانقٍ من حرام، خير من ثمانين حجة بعد الإسلام.
 وأن تمشي مع أخ في حاجته خير من صيام شهر واعتكافه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 ابن عباس، الصحابي الجليل، كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى إنساناً كئيباً، قال: مالي أراك كئيباً؟ قال: ديون لزمتني لا أطيق سدادها، قال لمن؟ قال: لفلان، قال ابن عباس: أتحب أن أكلمه لك؟ قال: إذا شئت، فلما همّ أن يخرج من معتكفه قال له أحدهم: يا ابن عباس أنسيت أنك معتكف؟ قال: لا والله ولكنني سمعت صاحب هذا القبر، يقصد النبي عليه الصلاة والسلام، والعهد به قريب، ودمعت عيناه، يقول: لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين.

 

الأخلاق جزء من الدين :

 أيها الإخوة الأكارم: الأخلاق جزء من الدين، يُرَوَّج الآن في أوربا أن الحجاب رمز إسلامي، لا، إنه جزء من الدين، وكذلك الأخلاق ليست اختيارية، إنها جزء من الدين.
 شركات السيارات تضع شارة على المركبة ترمز إلى المعمل الذي صنعها، هذه الشارة رمز لهذا المعمل، ولكن المكبح في السيارة ليس رمزاً، بل هو جزء أساسي لها، بل هو ضمان لسلامتها، كذلك الأخلاق.
 لسنا مُخيَّرين نتخلق بخُلُق راقٍ، أو لا نتخلق، ونقول: الأصل هي العبادات، بل الأخلاق جزء من الدين، وهناك أدلة لا تعد ولا تحصى على ذلك.
 وفي الحديث:

(( يا رسول الله، إن فلانة ذكر من كثرة صلاتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ))

[ من حديث صحيح، أخرجه الحاكم في مستدركه ]

بعض الأخلاق صدقات :

 أيها الإخوة الكرام: هناك عبادات ترتقي إلى مستوى الصدقة، والصدقة سميت صدقة لأنها تؤكد صدق الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى حبَّب إلينا المال، قال تعالى:

 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾

( سورة آل عمران : 14)

 فإنفاق المال معاكسة لطبع الإنسان، فالصدقة من أرقى العبادات التعاملية، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة، وأمْرُك بالمعروف ونَهيُكَ عن المنكَرِ صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبَصَرُك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتكَ الحجَرَ والشوكَ والعظمَ عن الطريق لك صدقة، وإفراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيك صدقة))

[ حديث حسن، أخرجه الترمذي ]

 أيها الإخوة الكرام: شيء دقيق جداً في هذا الموضوع:
 مكارم الأخلاق مخزونة عند الله عز وجل، فإذا أحب الله عبداً منحه خُلُُقاً.
 الخُلُق الحسن ثمرة الاتصال بالله عز وجل، إنك بالاتصال بالله عز وجل تشتق من كمال الله، فتتخلق بالكمال البشري.
 يا أيها الإخوة الكرام: بعض الناس يظن أنه إذا طلب العلم حقق كل الأهداف، وفات هذا الإنسان أن العلم في الإسلام وسيلة، وليس غاية.

لا بدَّ أن تسبق التزكية التعليم :

 نحن أمام أربع آيات في كتاب الله، يقول الله عز وجل على لسان سيدنا إبراهيم:

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾

( سورة البقرة : 129)

 هذا المعنى ورد في ثلاث آيات في القرآن الكريم، بترتيب آخر، فهذا الترتيب في الآية الأولى جاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولكن الترتيب الصحيح أنزله الله في آيات أخرى، قال تعالى:

﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

( سورة البقرة : 151)

 عند الله: التزكية قبل العلم.
  عند الله: أن تتخلق بخُلق حسن أولى من أن تغوص في دقائق المسائل.
 عند الله: أن تكون حسن الخُلق أفضل ألف مرة من أن تكون متبحراً بالعلم.
 قال تعالى:

 

﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

( سورة البقرة : 151)

مفارقة خطرة عند المسلمين :

 أيها الإخوة الكرام: عودة إلى الحديث الشريف:

((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))

[ حديث رواه البزار ورجاله رجال الصحيح إلا واحداً وهو ثقة ]

 مشكلة يعاني منها المسلمون في الأرض، انفصال شديد بين الأخلاق والعبادات، هذا الانفصال بين الدنيا والآخرة، بين حقيقة الدين ومظاهر الدين، شيء مريع.
 تجد إنساناً هو في المسجد إنسان كامل، لكنه في بيته ليس كذلك، في عمله ليس كذلك، في علاقاته الخاصة ليس كذلك.
 أتمنى على الله عز وجل أن يبرئنا من هذه المفارقة الحادة، وهذا التناقض المريع في شخصية المسلم.
 أيها الإخوة الكرام: لا يجرؤ أحد في العالم الإسلامي أن يقول كلمة من عنده، هذا دين، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، الدين كتاب وسنة، ولا يحتمل رأياً شخصياً، ولا اجتهاداً خاصاً:
 الأدلة:
 عن أبي شريح رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمَن جاره بوائقه))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 مهما عبدت الله، ولك جار تتفنن في إيقاع الأذى به، فالنبي عليه الصلاة والسلام ينفي عنك الإيمان ثلاث مرات:

((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمَن جاره بوائقه))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 أيها الإخوة الكرام: حديث آخر رواه الإمام أحمد:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:

((قال رجل: يا رسول الله إن فلانة، فذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإن فلانة، فذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تصَّدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي بلسانها جيرانها، قال: هي في الجنة))

[ حديث رواه أحمد في مسنده ورجاله ثقات ]

 ألا نصدق مبعوث العناية الإلهية؟ ألا نصدق المعصوم؟ ألا نصدق الذي لا ينطق عن الهوى؟

((فلانة، فذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإن فلانة، فذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تصَّدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي بلسانها جيرانها، قال: هي في الجنة))

[ من حديث رواه أحمد في مسنده ورجاله ثقات ]

 هذا كلام الفصل، هذا كلام الصادق المصدوق، هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى، هذا كلام مبعوث العناية الإلهية.

لا تقليل من شأن العبادة :

 أيها الإخوة: أتمنى، وهذا واقع إن شاء الله، ألا يفهم أحدكم أننا نقلل من شأن العبادة، لا، كن بعبادتك على أتم وجه، ولكن اعتقد اعتقاداً جازماً أن الإساءة إلى الناس مما ينقض العبادة.
 كنت أضرب مثلاً لطيفاً:
 جاءك ضيوف، ولست مستعداً لإكرامهم، عندك كمية من اللبن قليلة، تضيف لها أربعة أخماسها ماءً، وتضع له الثلج، ويقدم شراباً في الصيف.
 لكن هذا اللبن لو أصابته قطرة نفط واحدة لألقيته في القمامة، فالإساءة تفسد العمل، كما يفسد الخل العسل.

 

 أيها الإخوة الأكارم: روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم:

((إِنَّ مِنْ شَرِّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، من تركه الناس اتِّقاء شره))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

  وفي رواية أخرى:

((إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاس مَنْ تركه الناس، أو وَدَعَه الناس، اتقاء فُحْشِهِ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 فكيف بالذي يلقي الأذى في الطريق؟
 إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، وإلقاء الأذى في الطريق ينافي الإيمان.
 أحياناً تكون في طريق سفر طويل، فتجد حجراً كبيراً في منتصف الطريق، حينما تقف، وتزيح هذا الحجر، تتقرب بهذه الإزاحة إلى الله عز وجل.
 هناك أمثلة لا تعد ولا تحصى عن إساءة الناس في الطرقات، وفي المنازل، وفي إقلاق الراحة، وفي إلقاء القاذورات، ويوجد أخطاء لا تعد ولا تحصى، فاتقاء هذه الأخطاء جزء من الدين.

 

اقتران الحياء بالإيمان :

 شيء آخر: الحياء والإيمان قرنا جميعاً، بمعنى أنه إذا ذهب الأول ذهب الآخر:
 فتاة تضحك بأعلى صوتها، ولا تستحي من المارَّة، هذه قليلة الحياء، ومعنى قلة الحياء: قلة الإيمان.
 أيها الإخوة الكرام: إلى القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (*)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (*)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (*)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (*)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾

( سورة المؤمنون 1-5)

 ألم تروا كيف قرن الله الإيمان والخشوع في الصلاة مع الضبط الأخلاقي؟

 أيها الإخوة الكرام، آية ثانية:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (*)وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (*)وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (*)إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (*)وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾

( سورة الفرقان 63-67)

 أيها الإخوة الكرام، آية ثالثة:

﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾

( سورة الماعون : 4)

 الهلاك لمن؟ للمصلين؟ لكل من يصلي؟ لا:

﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (*)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾

( سورة الماعون : 4-5)

 لماذا غفلوا عن صلاتهم؟ قال تعالى:

﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (*)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (*)الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (*)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾

( سورة الماعون : 4-7)

 يكفي أن تستقرض مبلغاً، ولا ترده، لتدفع الذي أقرضك المبلغ إلى أن لا يقرض أحداً بعدك، يكفي أن تستعير حاجة، ولا تؤديها، فالذي أعارك إياها لن يعير أحداً من بعدك.
 تروي قصص العرب أن لصاً من لصوص الخيل، أركبه صاحب فرس في أيام الصيف الحارة، فما إن اعتلى اللص ظهر الفرس حتى دفع صاحبها إلى الأرض، وعدا بها لا يلوي على شيء، فقال له صاحب الفرس: قد وهبت لك هذه الفرس، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع الخبر في الصحراء، فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها.

ضياع العلم عند فقد الأخلاق :

 أيها الإخوة الكرام: شيء دقيق جداً، إنسان يحضُر دروس علم منذ ثلاثين عاماً، ولم يقدّم لله شيئاً، ما قيمة حضوره دروس العلم؟
 إنسان آخر، كل يوم له درس علم، من مسجد إلى مسجد، شيء رائع، ما محصلة هذا؟ ماذا ظهر منه؟ أي فعل فعله تقرباً إلى الله؟ أي تضحية قدمها في سبيل الله؟ أية معونة أعان بها طلاب العلم؟ ماذا قدم؟
 حجمك عند الله لا بحجم معلوماتك، ولكن بحجم عملك الصالح:
 تعلموا ما شئتم، فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم.
 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، والدليل قال تعالى:

 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

( سورة الأنعام : 132)

 ماذا قدمت لله عز وجل؟ ماذا قدمت لهذه الأمة؟ ليس لك ميزة، ما منا واحد إلا وله شيء يقدمه، هل قدمت من هذا الشيء لله عز وجل؟

منازل أصحاب الخُلق :

 أيها الإخوة الكرام: دققوا في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام:
 عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ فِي الميزانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

 حسن الخُلق أوزن من قيام الليل، وأثقل من إنفاق المال.
 حسن الخُلق أثقل في الميزان يوم القيامة من أي شيء:

((مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ فِي الميزانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

 أيها الإخوة الأكارم:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

((أَكْمَلُ المُؤمِنينَ إِيمَاناً، أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

 كمال الإيمان بحسن الخُلق، أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خُلقاً، كمال الإسلام بحسن الخُلق.
 أيها الأخ الكريم: ألا تحب يوم القيامة أن تكون قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكم إِليَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِني مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنُكُم أخلاقاً))

[ من حديث حسن، أخرجه الترمذي ]

 سئل النبي عليه الصلاة والسلام:
 يا رسول الله، ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام:

 

((تقوى الله، وحسن الخُلقُ))

[ من حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

 أن تستقيم، وأن تكون ذا خُلق حسن.

 أيها الإخوة الكرام: سئل عليه الصلاة والسلام:
 يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

((أحسنهم أخلاقاً))

[ من حديث رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ]

 عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس:

((ألا أخبركم بأحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ ثلاث مرات يقولها، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم أخلاقاً))

[ حديث صحيح، أخرجه ابن حبان ]

 عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

((أنا زعيم ببيت في رَبَض الجَنَّة، لمن ترك المِراء وإن كان مُحِقّاً، وببيت في وَسَط الجنة، لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة، لمن حَسَّنَ خُلُقَه))

[ حديث أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ]

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسطُ الوجه وحسنُ الخُلق))

[ حديث رواه البزار وفيه رجل ضعيف ]

 ومن أدعيته عليه الصلاة والسلام:

((واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

الخُلق دليل حسن الاختيار:

 لو أن ابناً لك أهديته مركبة، هل لك أن تقيم حفلاً تكريمياً له بمناسبة إهدائه هذه المركبة؟
 كلام مضحك.
 أما إذا نال الدرجة الأولى في الامتحان العام، فنقيم له حفلاً تكريمياً.
 والله عز وجل لا يكرم الأذكياء ولا الأقوياء، هو الذي منحهم القوة والذكاء، لا يكرم من كان وسيم المظهر، وإنما يكرم من كان ذا خُلق حسن، والدليل أن الله جعل نبيه قمةً بين البشر، جعله قمةً في العلم، وجعله قمةً في الفصاحة، وقمةً في التذكر، قال تعالى:

 

﴿ سَنُقْرِئُكَ فلا تَنْسَى ﴾

( سورة الأعلى : 6)

 أجرى على يديه المعجزات، هذه كلها من الله عز وجل كوسائل دعوية، أما حينما أثنى عليه قال:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم : 4)

 لذلك، دققوا في هذا الحديث:
 عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

 

((إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

 رجل يصوم في النهار، ويقوم في الليل، فيأتي مؤمن ذو خُلق حسن، يسبق هذا الصائم القائم.
 ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم:

((اللهم حسنت خَلقي فحسن خُلقي))

[ من حديث صحيح، أخرجه أحمد في مسنده ]

 انظر إلى وجهك في المرآة، إنه وجه حسن، عينان، وأذنان، وأنف، وفم، وشعر، وجسم، وجذع، وأطراف:

((اللهم حسنت خَلقي فحسن خُلقي))

[ من حديث صحيح، أخرجه أحمد في مسنده ]

 أيها الإخوة الكرام: مرةً ثانية، الخُلق هو الضبط، ماذا قال أحد زعماء بريطانيا؟
 قال: ملكْنا العالم، ولم نملك أنفسنا، البشرية اليوم في الحضيض أخلاقياً، وفي الأوج تقنياً.
 هذه الحضارة لم تسعِد أهل الأرض، الناس في شقاء، لكن الخلاص في هذا الدين إذا أحسنا فهمه، وأحسنا تطبيقه، وأحسنا عرضه على الناس.

الخُلُق أمر مكتسب :

 أيها الإخوة الكرام:
 لئلا يقول أحدكم: هل بالإمكان أن أغير أخلاقي؟ هل يستطيع البخيل أن يكون كريماً؟ هل يستطيع العصبي أن يكون حليماً؟ هل تستطيع الفتاة التي لا تستحي أن تكون حيية؟

 

 الجواب عند رسول الله، يقول عليه الصلاة والسلام:

((إنما العلم بالتعلّم، وإنما الحلم بالتحلّم))

[ من حديث أخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده رجل كذاب ]

 التحلُّم: تصنُّع الحلم، وبعد حين تصبح حليماً أصيلاً، في البدايات حلمك تصنع، وفي النهايات حلمك أصيل.
 إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الصبر بالتصبر، ولولا أن الإنسان بإمكانه أن يغير فلا معنى لبعثة الأنبياء، ولا معنى لإنزال الكتب، لولا أن الإنسان عنده قابلية لا حدود لها للتغيير ما كان لدعوات الأنبياء من معنى، ولا لإنزال الكتب من غاية.

 أيها الإخوة الكرام: يجب أن تعتقد أن الإنسان قابل للتغيير، والله سمعت قصة من أحد علماء دمشق، يغلب على ظني أنها صحيحة:
 أن رجلاً في صعيد مصر، يبلغ الخامسة والخمسين من عمره، أرسل ابنه إلى الأزهر ليكون عالماً، فلما عاد ابنه، واعتلى المنبر تمنى الأب أن يكون عالماً، وهو في الخامسة والخمسين، فانطلق على حمارته إلى القاهرة، من صعيد مصر، وفي القاهرة سأل عن الأزعر، لم يحسن نطق اسم هذا الجامع الكبير.
 القصة طويلة ملخصها: أنه في الخامسة والخمسين من عمره، طلب العلم، تعلم القراءة والكتابة، ثم تعلم القرآن، ثم طلب العلم، وارتقى، وما مات إلا وهو شيخ الأزهر، وهو في السادسة والتسعين حين توفاه الله عز وجل.
 يجب أن تؤمن أنه يمكن أن تغيّر، لا تقل لا أستطيع أن أغيّر، أعيد عليكم هذه المقولة: ما هو الشيء المستحيل؟
 ليس الشيء المستحيل، هو الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيع أن تفعله، ولكن الشيء المستحيل هو الذي لا تريد أن تفعله، كم من إنسان أصرَّ فبلغ مراده.

السيرة النبوية واكتساب الخُلق :

 أيها الإخوة الكرام: يقول الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾

( سورة الأحزاب : 21)

 أذاقه الله الفقر فصبر:

((هل عِنْدَكم شيء؟ قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ الله، ما عندنا شيء، قال: فإني صائم))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

 بيت سيد الخلق وحبيب الحق، بيت رأس الأمة، ليس فيه طعام.

 وأذاقه الله الغنى، فشكر:

((ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنماً بين جبَلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلِمُوا، فإن محمداً يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

 أذاقه الله أنه انتزع من بلدته، ومن جذوره إلى المدينة المنورة، بالهجرة، الهجرة صعبة جداً، وقاسية جداً، فصبر.

 أذاقه الله موت الولد:

((إنَّ العينَ تدمع، والقلبَ يخشع، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم محزونون))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 أذاقه أن يقول الناس كلاماًً يمس عفة زوجته في حديث الإفك، فصبر.

 

 أذاقه الله الجوع.
 أذاقه الله مكر الأعداء.
 كان في كل هذه التجارب قمة في الكمال:

((لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاث من بين يوم وليلة، ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

 أذاقه الله أنه لم ينتصر في معركة أحد، فصبر.
 أذاقه الله النصر في مكة، فدخل مكة مطأطئ الرأس تواضعاً لله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَة حَسَنَة ﴾

( سورة الأحزاب : 21)

 من أجل أن تتحسن أخلاقك، اقرأ سيرة رسول الله، ووازن بين خُلقك، وخُلق النبي عليه الصلاة والسلام، فخُلق النبي قدوة وقمة، لذلك:

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((لا يُؤمن أحدكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

وأخيراً :

 أيها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا.
 الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين

 

* * *

الخطبة الثانية:
  الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعمال عشر ذي الحجة :

 أيها الإخوة الكرام: نحن في العشر من ذي الحجة، ففي الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

 

((ما مِن أيامٍ، العملُ الصَّالِحُ فيهنَّ أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العَشْرِ، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجِهاد؟ قال: ولا الجِهاد، إلا رجل خَرجَ يُخاطِرُ بنفسه ومَاله، فلم يرجع بشيء))

 

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي وأبو داود ]

 وفي حديث آخر:
 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير))

[ حديث رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ]

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

 

((ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة))

[ من حديث رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح إلا واحداً وثقه ابن معين ]

 ماذا ينبغي أن نعمل في هذه الأيام العشر؟

1) الحج

 العمل الأول الذي لا يعلو عليه عمل: أن نكون في الحج، فإن لم يتح لنا هذا العام، فأن ننويَ الحجَّ في العام القادم.

2) الصيام

 العمل الثاني: صيام يوم عرفة أو صيام بعض هذه الأيام، صيام يوم عرفة على التأكيد، وصيام بعض هذه الأيام على الندب.
 ماذا ينبغي أن نعمل؟

3) ذكر الله

 أن نكثر من الذكر والتكبير في هذه الأيام، لقوله تعالى:

﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾

( سورة الحج : 28)

 وقد فسرت أنها أيام العشر.
 وماذا ينبغي أن نعمل في هذه الأيام؟

 

4) التوبة من الذنوب

 التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب.
 ماذا ينبغي أن نعمل في هذه الأيام؟

 

5) النوافل والصدقات

 كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات، كالصلاة والصدقة وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 ماذا ينبغي أن نعمل في هذه الأيام؟

 

6) التكبير

 أن نكبر التكبير المطلق في كل هذه الأيام، وأن نكبر التكبير المقيد في أيام العيد عقب الصلوات المفروضة حينما تؤدى جماعة.
 وماذا ينبغي أن نعمل في هذه الأيام؟

7) ذبح الأضاحي

 أن نفكر في تقديم الأضحية لله عز وجل:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((من وجد سعة فلم يذبح، فلا يقربنَّ مصلانا))

[ حديث صحيح، أخرجه الحاكم في مستدركه ]

 وماذا ينبغي أن نعمل في هذه الأيام؟

8) صلاة العيد

 أن نحرص على صلاة العيد.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمةَ الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، أذلَّ أعداءك أعداء الدين، يا رب العالمين.
 اللهم شتت شملهم، فرق جمعهم، خالف فيما بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم، اجعل تدميرهم في تدبيرهم، يا رب العالمين.
 اللهم أرنا قدرتك في تدميرهم يا أكرم الأكرمين، انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
 اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، واجمع بينهم على خير، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور