وضع داكن
18-04-2024
Logo
الفتوى : 32 - ما حكم الإقامة في بلاد الغرب ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

سؤال:

فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم الإقامة في بلاد الغرب ؟
وجزاكم الله عنا كل خير

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.

 

الأخ الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إجابة على سؤالكم ، نفيدكم بما يلي:

 ١- مسألة الإقامة في بلاد الغرب من المسائل التي اختلف الفقهاء فيها ، وقد اخترت من الأراء ما أراه أنسب لواقع الغرب اليوم وهو :
لا يجوز للمسلم ( إن لم يكن مضطراً ) أن يقيم إقامة دائمة في بلاد الغرب .
 ٢- استندت في اختياري هذا إلى الحديث الشريف : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

(( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تراءا نارهما ))

 وبه قال المالكية وغيرهم مستدلين به على حرمة الإقامة في بلاد الغرب ، ومستنداً إلى الواقع القائم والمشاهدات التي رأيتها خلال عشرات الزيارات التي قمت بها إلى معظم بلاد الغرب ، وكذلك بعض القصص الواقعية التي وصلتني من الثقات .
 ٣- هناك في المقابل قصص لمسلمين عاشوا هناك ، واستطاعوا أن ينجو بأنفسهم وبدينهم وبأولادهم ، وهذا موجود بلا شك ، ولكنه لا ينفي بحال وجود شريحة كبيرة قد فقدت أولادها في هذه المجتمعات ، ولا ينكر ذلك عاقل .
 ٤- يمكن لأي شخص أن ينكر هذه القصص أو بعضها ولكن لا يمكن لعاقل أن ينكر:
 -انتشار ثقافة الشذوذ الجنسي في كثير من هذه الدول كعادة غير ممقوتة .
 -انتشار ثقافة المساكنة خارج اطار الزواج .
 - انتشار ثقافة شرب الخمر كعادة طبيعية ومقبولة .
 - انتشار ثقافة الانفكاك عن العائلة في سن الثامنة عشر ، في الوقت الذي يكون الشاب أو الفتاة أحوج ما يكون الى الرعاية الأسرية .
 - طغيان ثقافة المادة والانفكاك عن أي طرح غيبي يتعلق فيما بعد الموت .
 وهذه الأمور المنكرة جميعها ما كان لها أن تتمكن في نفوس الشباب والفتيات وحتى الكبار وتلقى صدى لو أن مرتكبها كان فاشلاً غارق في التخلف المادي ، بل على العكس فالغرب يُسجل نجاحات في شتى المجالات من التفوق العلمي و التكنولوجيا الى قيم العدالة والديمقراطية البراقة وصولاً الى الإجماع على عقد اجتماعي يصون الحقوق والحريات وينهي الفوارق الطبقية والدينية وهذا واقع مادي ملموس لايمكن إنكاره ، بينما الاسلام وقيمه السامية وحضارته المتقدمة في جميع الأصعدة مغيبة وهي تتمثل في واقع مأساوي ليس لعلة فيه بل لسوء الفهم والتطبيق وانعدام النموذج الحي .
 ٥- نسبة من نجا بنفسه وبأولاده هناك محل أخذ ورد ، وقد نقلت في الدرس المصور ( من مسجد التقوى في عمان ) نقولات جاءتني من أناس أثق بهم يعيشون هناك ، ولكن هذا لا يعني بحال أن النسب دقيقة وموضوعية ، وإن أردنا نسبة حقيقية لأوضاع الجاليات المسلمة في بلاد الغرب ، فهذا بلا شك يحتاج دراسات وإحصائيات يمكن أن تعطي نتائج أكثر وضوحاً ودقة وموضوعية .
 ٦- لا أوافق أبداً على ما أورده الكثيرون من أن الفساد نفسه موجود في البلاد العربية والمسلمة ، وأعذر من لم يسافر إلى تلك البلاد ، ولكني حائر أمام من أقام في البلاد العربية أو الاسلامية وأقام هناك ثم هو يسوي بينهما من حيث الفساد وانتهاك الحرمات والمجاهرة بالفواحش ! وأهم ما يقال هنا : إنه لفرق كبير بين أن تكون في مجتمع أكثريته تحتقر الفاحشة ، وأن تكون في مجتمع أكثريته تعد الفاحشة حرية شخصية !.
 ٧- لا أرى جواز السفر بالطرق غير الشرعية ، أو التي تحفها المخاطر ، لما في ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( لا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه ، قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال : يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق ))

[ رواه الترمذي ]

 ٨ - أدعو كل مسلم عموماً ، وإخوتي السوريين خصوصاً ( أسأل الله لبلدنا الفرج القريب ) ألا يسافر إلى تلك البلاد ما دام يجد بديلاً في البلاد ذات الأغلبية العربية أو المسلمة حفاظاً على دينه ودين أولاده ، ولو وجد في تلك البلاد بعض المعاناة .
٩- السفر بنية الإقامة المؤقتة ، لطلب علم أو تحصيل رزق مع أمن الفتنة جائز بالاتفاق .
 ١٠- أدعو من اضطر من إخوتنا الكرام إلى السفر إلى تلك البلاد أن يحاول بقدر الإمكان أن يكون قريباً من المسلمين الملتزمين والمراكز الإسلامية ، وأن يحرص على أولاده وعلى اختيار مدارسهم ، وأن يبذل جهداً مضاعفاً في البيت لتربيتهم وتذكيرهم بدينهم ولغتهم العربية وأن يذكر قوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )

 وقوله صلى الله عليه وسلم :

(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))

 ١١- أرجو من إخوتي المقيمين هناك أن يكونوا خير سفراء لدينهم ينشرون الخير ويدعون إلى الله بأخلاقهم وقيمهم ، وأن يحترموا قوانين تلك البلاد ، وأن ينضبطوا بقواعد ديننا في تعاملاتهم .
 ١٢ - أدعو إخوتي الدعاة المقيمين في تلك البلاد ( ممن صحت عقيدتهم واستقام سلوكهم ) إلى تكثيف جهودهم الدعوية ونبذ الخلافات والتعاون على جمع الجالية المسلمة وتوعيتها .
 ١٣ - صحيح أن كثيراً من الدول العربية أو المسلمة قصرت في حق النازحين ، وقد اضطرت البعض إلى الهجرة ، فالهجرة وإن تمت لضرورة قصوى فعلى الأقل لا تنصح غيرك بها بل اكتف بنفسك ولا تبرر وتسوق الحجج ، بل حافظ على أسرتك بهدوء ، مع مزيد من التمكن في الدين والعقيدة والقدوة الحسنة وتحقير المنكرات .

 

 

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور