- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( المليك ):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، واليوم مع اسم ( المليك ).
1 ـ ورودُ اسم ( المليك ) في القرآن الكريم والسنة النبوية:
هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾
العلم والعمل مقياسان شرعيان لتقييم الناس:
أيها الإخوة، البشر لهم مقاييس، يكبرون الغني، يكبرون القوي، يكبرون الوسيم، يكبرون الذكي، لكن خالق البشر من خلال القرآن الكريم يتعمد قيمة العلم، وقيمة العمل، قال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾
فالقرآن الكريم من عند الخالق العظيم، اعتمد قيمة العلم والعمل، بينما أهل الدنيا اعتمدوا القوة والمال، والوسامة والذكاء، والبطولة أن تأتي مقاييسك وفق مقاييس القرآن، لا وفق مقاييس البشر، لذلك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
فالبطولة أن تكون صاحبَ:
﴿ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾
لا أن تكون لك مكانة عند أهل الأرض وأنت لا ترضي الله، البطولة أن تكون لك مكانة عند ( المليك ) المقتدر.
مَن هو الوليُّ:
فلذلك من أدق تعريفات الولي في القرآن الكريم تعريف بسيط.
بالمناسبة، ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، تعريف الولي في القرآن الكريم:
﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾
فقط.
سيدنا سعد بن أبي وقاص كان خال النبي، وكان عليه الصلاة والسلام يحبه كثيراً ويداعبه، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ ))
وما فدى أحداً من أصحابه كما فدى سعد ابن أبي وقاص، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ:
(( يَا سَعْدُ ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ))
ومع ذلك قال له سيدنا عمر بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام: << يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخَلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له >>.
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
فالمعنى الأول من اسم ( المليك ) أن يكون لك عند هذا الإله العظيم ( المليك ) مقعد صدق:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾
وقد ورد أيضاً في السنة الصحيحة حيث أن أبا بكر رضي الله عنه، قال: يا رسول الله مُرني بشيء أقوله إذا أصبحت، قال:
(( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ. قالَ: قُلْها إذَا أصْبَحْتَ، وَإذَا أمْسَيْتَ، وَإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ))
إذاً: ورد هذا الاسم في القرآن وفي السنة.
كتعليق على هذا الحديث، ورد من بعض أقول العلماء: لا بد للمؤمن من مؤمن يحسده أحياناً، مؤمن لكنه يحسده، ومن منافق يبغضه، ومن كافر يقاتله، ومن شيطان يغويه، ومن نفس ترديه، هذه حقيقة، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، ووطن نفسك أنه لا بد من أن يكون للحق من يعارضه، هذا شيء طبيعي جداً.
2 ـ معنى ( المليك ):
أيها الإخوة، الملك الذي يحكم ولا يملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم، إنسان مالك لأرضٍ، وإنسان ملِك، هذه الأرض لا يملكها الملك، لكن يحكمها، ومالك هذه الأرض لا يحكم، لكن الله جل جلاله ملك ومالك، يملك ويحكم، والمُلك في الدنيا والملكوت في الآخرة، المُلك في عالم الشهادة، والملكوت في عالم الغيب، والله جل جلاله مالك المُلك والملكوت.
3 ـ الله مالك كل شيء خَلقًا وتصرُّفًا ومصيرًا:
و( المليك ) ملِك ومالك، وصاحب الملك والملكوت، و( المليك ) ـ دققوا الآن ـ يملك كل شيء، خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً.
للتوضيح: قد تملك المنفعة، ولا تملك الرقبة، وقد تملك الرقبة، ولا تملك المنفعة، وقد تملكهما معاً، ولا تملك المصير، لكن:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
الله جل جلاله يملك كل شيء خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً.
معمل طائرات حربية يصنع طائرة، صنعها وباعها، الآن أمرها بيد مَن ؟ بيد من اشتراها، فقد تقصف بلاداً لا يرضى صانع الطائرة أن تُقصف، لكنها خرجت من يديه.
لكن ولله المثل الأعلى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
يملك ويحكم.
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
قد تصنع طائرة، وقد تأتمر بأمرك، ولكن قد تفاجَأ بأنها سقطت، لا تملك مصيرها، هذا للتوضيح.
الله عز وجل مالك المُلك والملكوت، ملك ومالك، مالك كل شيء خَلقاً وتصرفاً ومصيراً.
( المليك ) أيها الإخوة، صيغة مبالغة، والقاعدة الثابتة أن الأسماء الحسنى إذا وردت بصيغة المبالغة تعني الكم والنوع معاً، أعلى درجات الملك، ويملك الله كل شيء، إن الله يرى دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.
هذه الصيغة ( المليك ) تدل على كمال الملكية، كمال الملكية ودوامها أزلاً وأبداً.
الآن الله عز وجل مليك، بمعنى أنه مالك لكل شيء يُملّك، يملك الحياة، فهو الذي يهب الحياة، وهو الذي يأخذها.
هناك قصة: طائرة على ارتفاع 43 ألف قدم، تطير فوق جبال الألب، حصل فيها انفجار فانشطرت شطرين، وقع أحد ركابها من مكان الشطر، وقع من ارتفاع 43 ألف قدم نزل فوق غابة كبيرة من غابات جبال الألب، فوق هذه الغابة خمسة أمتار من الثلج وأغصان الأشجار كانت ماصة للصدمة، فنزل واقفاً، لأن الله يملك الحياة، بالمقاييس الأرضية مستحيل لإنسان يقع من ارتفاع 43 ألف قدم أن يبقى حياً.
وهناك قصة أخرى قبل عشر سنوات تقريباً: تحطمت نافذة طائرة، وكان إلى جانب هذه النافذة امرأة من باكستان معها ولدان صغيران، فخرجا من نافذة الطائرة، والطائرة مضغوطة 8 أمثال حاجتها من الهواء، طبعاً الموت محقق على ارتفاع خمسين ألف قدم، الطائرة تتجه إلى باكستان من السعودية، الشيء الذي لا يصدق أن الطفلين بقيا حيّين، لأنهما سقطا إلى جانب صياد، فرأى شيئاً من السماء يسقط، تتبع الشيء فإذ هما طفلان، أخذهما إلى القارب وأبلغ السلطات، وبلغت السفارة في باكستان، وجاءت الأم وأخذت ولديها.
الله عز وجل واهب الحياة، وهو الذي يأخذ الحياة بأقلّ سبب، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى في مثل هذا.
قد يتمتع الرجل بأعلى درجات الصحة، ولا يشكو من شيء، في ثانية واحدة يصبح خبراً على الجدران، فلذلك الله مالك الحياة، ومالك الرزق.
وَلَو كانَتِ الأَرزاقُ تَجري عَلى الحِجا هَلَكنَ إِذَن مِن جَهلِهِنَّ البَهائِــــمُ
***
إنسان يتمتع بأعلى درجات الذكاء ورزقه محدود جداً، وإنسان أقل ذكاء منه بكثير له رزق وفير، فالله مالك الحياة، مالك الرزق، مالك السمع والبصر والقوة، ومن أدق أدعية النبي عليه الصلاة والسلام أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ:
(( اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا ))
من تكريم الله للإنسان أن يمتعه بسمعه وبصره، وعقله وقوته ما دام حياً، من يملك نمو الخلايا ؟ إذا نَمت الخلايا نمواً عشوائياً ينتهي الإنسان، ورم الخبيث يصيب كل الأعمار، ويصيب كل أجزاء الجسم، في الدماغ، في الجلد، في الجهاز الهضمي، في الغدد الليمفاوية، مَن يملك نمو الخلايا ؟ الله جل جلاله، من يملك الشرايين ؟ من يملك مرونتها ؟ الله جل جلاله، مَن يملك سيولة الدم ؟ الله جل جلاله، مَن يملك من حولك ؟ الله جل جلاله، مَن يملك مَن فوقك ؟ الله جل جلاله، مَن يملك مَن دونك ؟ الله جل جلاله، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
الإنسان لضعف إيمانه ولجهله يتوهم أنه يفعل ما يشاء، لكن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
يعني أنت في قبضة الله، ولو كنت قوياً، ولو كنت غنياً.
إن أخًا أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، قال كلمة خطيرة، قال: الدراهم مراهم، تحل بها كل المشكلات، فأدّبه الله بأن أدخله السجن المنفرد، وبقي فيها 67 يوماً، وفي كل يوم يقول: الدراهم مراهم ؟! لن تحل هذه المشكلة بالمال.
فلذلك الإنسان إذا عرف من اسم ( المليك ) أن بيده كل شيء، بيده حواسك، بيده نشاطك وقدرتك، بيده زوجتك، بيده أولادك، إذا رضي الله عنك خدمك عدوك، وإذا غضب عليك تطاول أقرب الناس إليك.
بالمناسبة، المكانة صفة في الأجسام عبر عنها العلماء بأنها مقاومة قوى الشدة، والفولاذ المضفور أمتن عنصر في الأرض، لذلك الجسور المعلقة، و( التلفريك )، والمصاعد تستخدم الفولاذ المضفور، أما القساوة ومقاومة قوى الضغط فأقسى عنصر هو الماس، لذلك الحفارات تستخدم رؤوس من الماس.
الآن لماذا جاءت هذه الآية ؟
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
الإنسان مربوط بحبل مهما كان قوياً لا ينقطع، مهما كان غنياً لا ينقطع، في أية لحظة هو في قبضة الله، هذا شعور المؤمن.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
القوة بيده، السمع بيده، البصر بيده، العقل بيده، الشريان التاجي بيده، سيولة الدم بيده، نمو الخلايا بيده، الكبد، القلب، الكليتان، فشل كلوي، تشمع كبد، هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾
وهو ( المليك ).
4 ـ مِن لوازم المليك أن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع:
لكن الآن نحتاج إلى حقيقة خطيرة كي ينسجم الإيمان مع ما يحدث، كي ينسجم الإيمان بأن الله مليك يملك كل شيء مع ما يحدث، هناك مقولة رائعة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، لأنه لا يليق بمقام الألوهية أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، بل لكل واقع حكمة، ولو كان الموقِع مجرماً، هذا الإيمان، لكل واقع حكمة، ولو كان الموقع مجرماً، ما دام قد سمح الله بوقوعه فلابد من حكمة، عرفها مَن عرفها، وجهلها مَن جهلها.
ليس هناك شرٌّ مطلَق في الكون:
لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون، اطمئنوا، الشر من أجل الشر، لا وجود له في الكون، هناك شر نسبي موظف للخير المطلق، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بوجود إله عظيم حكيم عليم رحيم، فعال لما يريد، أو بشر مطلق، والله عز وجل يوظف شر الإنسان للخير المطلق.
كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
إذاً: الآن النتيجة، كل شيء وقع مع أنه على الشبكية نتوهم أن فلانا وقع هذا القرار، وفلانا غزا هذه البلاد، وفلانا اتخذ قراراً بإعلان الحرب، كنتيجة توحيدية كل شيء وقع وقع ضمن خطة الله، بل إن خطة الله استوعبت خطة القوي الظالم.
مرة سألوا تيمور لنك: من أنت ؟ سبحانك يا رب ! أجاب إجابة رائعة، قال: أنا غضب الرب، فحينما يغضب الإنسان قد يضرب، وقد يكسر، وقد يصيح، وقد يشتم، فإذا غضب الله عز وجل يبعث تيمور لنك، سُئل: من أنت ؟ قال: غضب الرب، الدليل القرآني:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
الآن توظيف الشر النسبي من الطغاة والظلام للخير المطلق.
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
هذه سياسة الله، وأسأل الله أن تكون هذه الهجمة الشرسة على من هذا القبيل:
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾
خاتمة:
إخوتنا الكرام، ابتلي المسلمون برجل بطاش في العصور السابقة، فجاء نفر من علية القوم إلى الإمام الحسن البصري، والإمام الحسن البصري والله له كلمة تكتب بماء الذهب، لما كان عند والي البصرة، وجاء توجيه من يزيد إنْ نفذه أغضب الله، وإن لم ينفذه أغضب يزيد فعزله، قال له: ماذا أفعل ؟ فقال له الحسن البصري: " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله "، هذه مقولة تكتب بماء الذهب، " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله "، فهذا النفر جاء إلى الحسن البصري يشكون له هذا الجبار القاسي العنيف، ماذا ينبغي أن يفعل، أو ماذا ينبغي أن يفعلوه معه، فقال: " تعلمون رأيي فيه ؟ قالوا: لهذا أتيناك قال: لا تخرجوا عليه، لأن ظلم القوي هي نقمة الرب، وإن نقم الله عز وجل لا تدفع بالسيوف وحدها، بل تدفع بالتوبة والإنابة أولاً، ثم إعداد القوة ثانياً.
كما فعل صلاح الدين الأيوبي، حينما أزال كل المنكرات، وعلّم الأجيال العقيدة الصحيحة، والاستقامة التامة، وبعدها واجه الغرب، فلابد من دولة وأوبة وعودة، وإقبال وصلح مع الله أولاً، ثم لا بد من إعداد العدة المتاحة، والقوة المتاحة، عندئذٍ يكون نصر الله عز وجل.
قال الحسن: " وإنها إن عولجت بالسيوف وحدها من دون إنابة إلى الله كانت الفتنة أقطع من السيوف "، كما ترون فيما يجري حولنا.