وضع داكن
26-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 022 ب - اسم الله الأعلى 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  الدعاء بأسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا مع اسم الله الأعلى، الذي ورد في قوله تعالى:

﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)﴾

[ سورة الأعلى ]

والحقيقة أنه في ضوء هذا الاسم، ولأن الله جلّ جلاله يقول:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

والدعاء الذي يُدعى في صلاة الفجر هو من هذا النوع، هذا الدعاء يقول النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه الذي كان يدعوه في القنوت في صلاة الفجر:

(( عن الحسن بن علي بن أبي طالب: اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت، وعافِنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وباركْ لنا فيما أعطيت، وقِنا شرَّ ما قضيت، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت، ولا يَعزُّ مَن عاديت، تباركت ربَّنا وتعالَيت. ))

[ صحيح الترمذي ]

 

نعمة الهدى والصحة والكفاية والأمن أعظم النعم عند الله:


أيها الإخوة؛ ما من نعمة أعظم عند الله من نعمة الهدى، هي النعمة الأولى، وكي أوضح هذا المعنى أقول: هي واحد، نعمة الصحة صفر، صاروا عشرة، نعمة الزوجة الصالحة صفر ثان صاروا مئة، نعمة الأولاد الصالحين صفر ثالث، صاروا ألفاً، نعمة السمعة الطيبة صفر رابع، جميع النعم أصفار تضاف إلى الواحد، فإذا ألغيت الواحد صار كل الذي عندك أصفاراً، لذلك تمام النعمة الهدى، الإمام علي رضي الله عنه يرى أن النعمة الأولى هي الهدى، ثم الصحة، ثم الكفاية، ومن أكرمه الله بالهدى وبتمام الصحة والكفاية، أحدهم قال لي، سألته عن حالته المادية قال لي: والله وسط، أي الدخل يقابل المصروف، قلت له: إذاً أصابتك دعوة النبي، فاستغرب، قال لي: ماذا دعا؟ قلت له: قال: اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً، يكفيه، سأل ملِكٌ وزيره: مَن الملك؟ قال له: أنت، قال له: لا، الملِك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إنْ عرفنا جهد في استرضائنا، وإنا إن عرفناه جهدنا في إحراجه.
لذلك من أصاب الهدى والصحة والكفاية ما فاته من الدنيا شيء، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ- وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. ))

[ رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي في "السنن" وقال: حسن غريب  ]

الأمن الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو أمنُ الإيمان، الإيمان يوجد معه أمن، والدليل قول الله عز وجل:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

[ سورة الأنعام  ]

لو أن الآية: أولئك الأمن لهم، ولغيرهم، ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ تركيب بالبلاغة قصر وحصر، لا ينعُم بنعمة الأمن إلا المؤمن، ويوجد بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزِّع على أهل بلد لكفاهم، فلذلك أيها الإخوة، ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ-أمن الإيمان-مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) لكن لابدّ من التوضيح، من أجل أن تضيف إلى اسمك حرف دال، ثلاث وثلاثون سنة دراسة، صح، حتى يقول: الدكتور فلان، أو إذا ما قالوا الدكتور فلان، ضع أنت دالاً نقطة اسمك، هذه الدال كلفتك ثلاثًا وثلاثين سنة دراسة، ومن أجل الآخرة، من أجل السعادة الأبدية، من أجل ما أعدّ الله لعباده المؤمنين:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ» ثمَّ قَرَأَ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . ))

[ صحيح البخاري  ]

 

الهدى يحتاج إلى جهد ووقتٍ:


الهدى يحتاج إلى جهد، إلى وقت، ترى الإنسان هدفه الأول كسب المال، دُعِي إلى عقد قران، قام متكلم تكلم كلمات، يقول لك: والله استفدنا، هذا طلب علم عشوائي، من أجل أن تكون مهتدياً يجب أن تلزم دروس العلم، يجب أن تتابع العلم، جزء أساسي من حياتك، بالتعبير المعاصر ضمن الأجندة، يوجد عندك طلب علم، أما أنها قضية عشوائية، غير مُرَكّزة، غير مبرمجة، هذا لا يُقدم ولا يُؤخر، كما أنه لا يمكن أن تكون طبيباً إذا تصفحت بعض المجلات الطبية، مستحيل، هل لك أن تكتب: دكتور اختصاصي بالأمراض الداخلية إذا كنت متصفحاً مجلة طبيبة؟!! هناك شهادات، وهناك علامات، وهناك ثانوية، تفوق، وهناك سبع سنوات، وهناك ثماني سنوات أخرى، فلذلك قضية الإيمان قضية تحتاج إلى جهد، لذلك تمام النعمة الهدى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾

[  سورة الإنسان ]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[ سورة البقرة ]

هناك نقطة دقيقة جداً بحياة الناس، يتصور الهدى منحة، جالس، نائم، ما بذل أي جهد، فصار مهتديًا! حتى يهديني الله، مَن قال لك ذلك؟ الله هداك، هذا الكون كله هداك فيه، هداك بالكون، هداك بالأنبياء، هداك بالكتب، هداك بالقرآن، الله عز وجل قدم لك الهدى:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)﴾

[ سورة الليل  ]

 

إلزام الله ذاته العلية بهداية الخلق:


كل كلمة فيها على مع لفظ الجلالة معناها أن الله عز وجل ألزم ذاته العلية بشيء ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ .

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)﴾

[ سورة النحل ]

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)﴾

[ سورة هود ]

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

اجمعوهم، مادام هناك على إلى جانب لفظ الجلالة أي الله عز وجل ألزم ذاته العليّة بهذا الشيء ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ الهدى على الله، عليك أن تستجيب، تصور إذاعة تبث، ما مهمتك؟ أن تقتني جهاز استقبال، البث مستمر، مهمتك أن تستقبل هذا البث، أما حتى يبثوا لنا نسمع، هناك وهم كبير، البث مستمر، الهدى منتهٍ، بقي أن أستجيب.
 

أربع محطات مهمة في حياة الإنسان:

 

المحطة الأولى العلاقة مع الله:

لذلك: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ)) هذا أول دعاء، حسب التسلسل الرائع: ((وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ)) لكن البارحة ذكرت أنه يوجد بحياة الإنسان أربع محطات كبيرة، محطة مع الله، ومحطة مع الأهل والأولاد، ومحطة مع العمل، ومحطة مع الصحة، ولا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً، وأي خلل في بعض هذه المحطات ينعكس على المحطات الأخرى، أبداً.
إذا كانت علاقة شخص مع الله سيئة، كيف؟ عنده شُبهات غير واضحة، شُبهات متعلقة بالعقيدة، وعنده شهوات متعلقة بالسلوك، فأكبر آفتين يهزان علاقتك مع الله شبهة لم تتضح لك، اسأل يا أخي، الله عز وجل قال:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾

[ سورة النحل ]

اسأل، يقول لك: أهل الغرب كفر وفسق، وفجور وانحراف، وشذوذ وزواج مثلي، وتبادل زوجات، وخمور ومخدرات، وأقوياء وأغنياء، ويتصدرون الشاشات، ويقهرون الشعوب، وهذه الشعوب من زلزال، إلى فيضان، إلى قهر، إلى اجتياح، هذه شبهة كبيرة عندهم، فالذي يُفسد علاقتك مع الله الشبهات، الشبهات متعلقة بالعقيدة، لكل شبهة جواب مفحم، طبعاً جواب هذه القضية أن إنسانًا معه ورم خبيث منتشر، وسأل الطبيب: ماذا آكل؟ قال له: كُلْ ما شئت، ورجلٌ آخر معه التهاب معدة حاد، أمل الشفاء بالمئة تسعة وتسعون، لكن يحتاج إلى حمية، فإذا كان نحن من نوع التهاب المعدة، ويوجد علينا شدة شديدة جداً، لأن الشفاء محتمل، مطلوب، نحن بألف نعمة، والباقون في ألف نقمة، الله عز وجل قال:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام ]

فإذا كان هناك شبهة هذه تعرقل العلاقة مع الله، أو يوجد شهوة محرمة، الله عز وجل قال:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

[ سورة الشعراء ]

 

القلب السليم:


ما القلب السليم؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يُصدّق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يحتكم إلا لشرع الله، ولا يعبد إلا الله، هذا أكبر إنجاز تحققه في الدنيا، قلب سليم، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ﴾ بيل غيتس عنده تسعون مليار دولار، وهو شاب ليس كبيرًا، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قلب سَلِم من شهوة لا ترضي الله، وسَلِم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وسَلِم من عبادة غير الله، وسَلِم من تحكيم غير شرع الله.
ترى امرأةً محجبة ببلاد الغرب تختلف مع زوجها، ترفع أمرها لقاضٍ غربي، لماذا؟ ليحكم لها بنصف أملاك زوجها، وهي مسلمة، لو رفعت أمرها إلى قاضٍ في مركز إسلامي لحكم لها بالمهر فقط، فلمجرد أن تحتكم لغير شرع الله فأنت ليس لك قلب سليم، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ .
 لذلك: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ)) فعندنا أربع محطات، محطة علاقتك مع الله راجع الشبهات والشهوات، ولاحظ بيتك، هل فيه مخالفات؟ خروج بناتك يتوافق مع شرع الله؟ خروج زوجتك، هل يوجد بالبيت معاص وآثام؟ هل هناك غيبة ونميمة؟ هل هناك تبذّل؟ هل هناك عورات مكشوفة؟ لاحظ عملك، هل فيه مادة محرم بيعها؟ هل يوجد بمحلك التجاري بضائع لا ترضي الله عز وجل؟ تقول لي: مطلوبة، ما هذه مطلوبة آية أم حديث؟ مطلوبة، وإذا مطلوبة؟! إذا كانت محرمة يجب أن تلغيها، لاحظ نفسك وبيتك وعملك، هل أنت مقيم للإسلام؟ عقيدتك سليمة؟ السلوك سليم؟ العبادات سليمة؟ الآن بيتك هل فيه مخالفة؟ هل فيه معصية؟ البنات؟ الزوجة؟ اللقاءات هل هناك لقاءات مختلطة مثلاً؟ هل هناك أشياء لا ترضي الله؟ هل هناك أجهزة تُفسِد الأخلاق؟ أنت متساهل فيها مثلاً، عملك هل فيه بضاعة محرمة؟ لا يوجد، الحمد لله، هل فيه تعامل محرم؟ هل يوجد مخالفات في البيع والشراء؟ فأنت مهمتك أن تضبط الإسلام في نفسك، وفي عملك، وفي بيتك، وانتهت مهمتك، هذه المحطة الأولى. 

المحطة الثانية العلاقة مع الأهل:

المحطة الثانية: علاقتك مع أهلك، يا ترى هل هناك تفاهم؟ هل هناك مودة؟ هل هناك حب؟ هل هناك تسامح؟ هل هناك رحمة؟ هل هناك حب حقيقي؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول: الحمد لله الذي رزقني حبّ عائشة، هذه حليلتك وزوجتك، وأم أولادك، هل تحبها؟ ينبغي أن تحبها، لا أن تحب غيرها.
وبالمناسبة، الشيطان له مهمة أولى إفساد العلاقة بين الزوجين، مهمة الشيطان الأولى أن تكره زوجتك، وأن تُحبّ غيرها ممن لا تحل لكّ، فلذلك: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ)) .
المحطة الأولى: علاقتك بالله، المحطة الثانية: مع أهلك وأولادك، أي بشكل مختصر: بطولة الأب أن يكون العيد إذا دخل إلى البيت، والأب السيئ يكون العيد إذا خرج من البيت، هل يتمنى أهلك بقاءك في البيت؟ أو هل يتمنون حياتك؟ إذا كان الأب بخيلاً جداً، وأصابه مرض، وجاؤوا بالطبيب، وقال لهم: القضية سهلة، ينزعجون كثيرًا، ماذا سهلة؟ نتمنى هذه قاضية، ليست قاضية، نتمناها أن تكون القاضية، فليس من الممكن مؤمن ألا تكون علاقته مع أولاده طيبة، مؤمن، يجب أن تكون علاقتك مع أهلك وأولادك عالية جداً، علاقة حب، علاقة ود، أنا والله الشيء الذي لا أصدقه كيف يدخل القضاء بين زوجين؟ وبين الزوجين أقدس ميثاق:

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾

[ سورة النساء ]

أقدس علاقة بين اثنين بين الزوجين، ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ فهناك المحطة الأولى مع الله، والثانية مع الأهل والأولاد. 

المحطة الثالثة العمل:

الثالثة مع العمل، أي مع الله جيدة، ومع الأهل جيدة، وتأخرت ساعة، وأنت مدرِّس، آخذ الشهادة الثانوية، والمدير غير منضبط كثيراً، انفلت بكلام قاسٍ أمام الطلاب، يهزك لشهر قادم، لأن هذا عمل، هذا يجب أن تعتني بدوامك، وبأداء عملك تماماً، فالمحطة الثالثة: العمل. 

المحطة الرابعة الصِّحة:

المحطة الرابعة: الصحة، إذا شخص لم يكن مهتمًا بصحته، بوقت مبكر أصابته أمراض كثيرة أفسدت عليه علاقته بالله عز وجل، كان نشيطًا يصلي بالجامع، يقوم بأعمال صالحة، صار مُقعَدًا، لأنه أهمل صحته، أهمل طعامه، أهمل شرابه، ما اعتنى بما يدخل إلى جوفه، ما اعتنى بما يخرج منه من كلام.
فلذلك أيها الإخوة؛ أربع محطات لا يُعدّ النجاح نجاحاً إلا إذا غطّاها جميعاً، نجاح جزئي لا يوجد، تنجح ببيتك، وتخفق بعملك، هذا ليس نجاحاً، تنجح بعملك، لا تنجح ببيتك، هذا ليس نجاحاً، تنجح بعملك وبيتك ومع الله العلاقة غير طيبة، هذا ليس نجاحاً، تنجح بالثلاثة وصحتك متردّية كثيراً، هذا ليس نجاحًا، فلابد من متابعة النجاح في هذه المحطات الأربعة، لأن أي خلل في واحدة منها ينسحب على المحطات الثلاثة، ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي)) .

  المعالجة والمتابعة الربانية دليل خيرٍ للمؤمن:


والله أيها الإخوة؛ المؤمن الصادق يشعر بجبر حينما يُتابعه الله عز وجل، أخطأ، بعث له مشكلة، ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، تكون عند الله بأعلى مستوى لما تشعر أنه يتابعك، أما حينما تكون خارج العناية المشددة لا يتابعك، يُتَابع نعمه عليك وأنت في معصيته، أما المؤمن يُحاسب على النظرة، على الغفلة، على الكلمة.
سمع شاب من شيخه أن لكل معصية عقاباً، هكذا سمع، يبدو أن قدمه زلت فارتكب معصية، بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب من الله، مضى أسبوع، ما صار معه شيء، صحته، بيته، أهله، سيارته لا يوجد شيء، يبدو أسبوع آخر ما صار معه شيء، فأثناء المناجاة قال: يا رب، لقد عصيتك ولم تعاقبني؟ قال: وقع في قلب هذا الشاب أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ ألا تكفيك ذلك؟ الذي له صلة مع الله عز وجل صدقوا ولا أبالغ أكبر عقاب أن تُحجب عنه فقط، بمكانتك وصحتك وبيتك وأولادك وعملك وأرباحك، لكنك محجوب، تقرأ القرآن لا تشعر بشيء، محجوب، تصلي، لا يوجد شيء، تذكر الله، لا يوجد شيء، إذا قرأ إنسان القرآن فما شعر بشيء إطلاقاً، وذكر الله ما شعر بشيء، وصلى ما شعر بشيء، فليعلم أنه لا قلب له، لا يوجد فيه قلب أبداً، هذا عقاب، هذا عقاب الحجب، والإنسان يُحجب بقبائح الذنوب، يُحجب بالذنوب وبالعيوب، ((اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي)) لذلك: 

(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))

[ صحيح مسلم ]

ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام، ((فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزّ َوَجَلّ)) أخطر ما في الحديث: ((وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ)) إياك أن تبرئ نفسك، الله عز وجل يقول:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله شدة إلى إنسان بلا سبب، بلا سبب ألغها من ذهنك، اتّهم نفسك دائماً، أين الخلل؟ أين المعصية؟ أين المخالفة؟ قال رجل للآخر: الدراهم مراهم، أحلُّ فيها كل شيء، رجل ميسور جداً، من إخواننا والله، لكن الدراهم مراهم هذه الكلمة أنسته الله عز وجل، وقع بمشكلة، قال لي: بقيتُ ثلاثة وستين يومًا في السجن المنفرد، وباليوم  يأتيه هذا الخاطر ألف مرة، الدراهم مراهم، تفضل حلّها هذه؟! هناك كلام كبير جداً، لذلك أيها الإخوة؛ هذه معالجة، والله أخ من أكبر المستوردين لقضية نسائية سحابات، أكبر مستورد، أقل صفقة خمسمئة ألف دزينة، جاءت امرأة لا تعرف أن هذا محل جملة، قالت له: عندك سحابات؟ قال لها: لا يوجد عندي، قال لها: كم تريدين؟ قالت له: سحّاب واحد، قال لها: أعوذ بالله أنا لا أبيع مفرقًا يا أختي ونهرها، يُقسم بالله ما دخل محلَّه مَن يشتري مِن عندِه مدة ثلاثة وخمسين يومًا، جفّ دمه، قال لي: الآن أبيع سحابًا واحدًا، لأنه يوجد كِبر، فالله يؤدبك، يتابعك.
أحيانًا كلمة قاسية، أحيانًا موقف قاسٍ، والله هناك أخ يعمل بكومبيوترات المعامل، ودخُله كبير جداً، هناك معمل وصاه، طلب رقماً، قال له: كثيراً، صار هناك مساومة مملة، قال له: أنا لست بحاجة لك هذا الخبير، أنت بحاجتي، تحب أنا جاهز، قال له: أنا بكل عمري العمل ينتهي بساعة أو بساعتين أو ثلاث ساعات، قال لي: أول يوم لم أعرف أين الخلل، ثاني يوم، المبلغ على الإنجاز لا على الساعات، قال لي: تسعة أيام الطريق مغلق، فطلب إجازة يوم، راجع نفسه حتى انتبه إلى ما قال؟ قال له: أنا لست بحاجة لك، أنت بحاجة لي، هناك اعتداد، فالله أغلق عليه الحل، بعد أن تاب، ودفع صدقة، في اليوم الثاني حلّ الخلل بساعة، فانتبه إذا تابعك الله تكون مكرمًا عنده كثيراً، وافرح بنفسك إذا كان هناك متابعة، إذا أهملك ترتكب كل المعاصي-لا سمح الله-والآثام، ودخلك فلكي، ومبسوط، وصحتك طيبة، وضغطك 8/12، ولا يوجد عندك أي مشكلة، هذه المصيبة، هذه أكبر مصيبة ألا تُتَابع من الله عز وجل.

السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء:


 ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ)) البركة ما رأيت آلة حاسبة فيها زر البركة، البركة قائمة، أحياناً بدخل محدود تعيش حياة غاية في السعادة، وبدخل فلكي تعيش حياة غاية في الشقاء، إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
فلذلك هذا دعاء القنوت: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ)) لكن مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، سبحانك ((وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، ولا يَعزُّ مَن عاديت، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)) ولك الحمد على ما قضيت.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور