وضع داكن
26-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 022 أ - اسم الله الأعلى 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

من أسماء الله الحسنى الأعلى:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم الأعلى.
أيها الإخوة؛ ورد هذا الاسم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة فقال تعالى:

﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)﴾

[ سورة الأعلى ]

 

الفرقُ بين المطلَق والنسبيّ:


أريد أن أوضح لكم ما الفرق بين المطلق والنسبي، قد نجد قاضياً أصدر ألف حكم، خمسة أحكام ليست عادلة، لكن بقية الأحكام عادلة، هو عندنا قاض عادل، لكن عدله نسبي، لكن إذا قلت: الله عز وجل عدلٌ، عدله مطلق، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُظلمَ في ملكه مخلوق، كمال الله مطلق، لكن المشكلة أحياناً أن الإنسان يحاول أن يبحث بعقله عن عدل الله، لا يمكن أن يدرك عدل الله بعقله إلا بحالة مستحيلة، أن يكون له علم كعلم الله، لذلك نحن جميعاً في حياتنا آلاف القصص نعرف الفصل الأخير منها، هذه القصص التي نعرف الفصل الأخير منها ليست صالحة للنشر، لكن بحكم علاقاتنا الحميمة أحياناً نطّلع على قصة من أول فصل إلى آخره تتضح عدالة الله المطلقة، أنت حينما تؤمن أن أسماء الله حسنى وصفاته فضلى، أيْ أن عدله مطلق، رحمته مطلقة، حكمته مطلقة.
 

من لوازم الأعلى أن كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع لحكمة:


لابد من توضيح الحقيقة بهذه العبارة، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، إذا قلت: سبحان ربي الأعلى، إذا قرأت قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ أي كل أسمائه كاملة كمالاً مطلقاً، أما نحن بني البشر يمكن أن نصف إنساناً بالعدل، وفي بعض أحكامه حكم ليس كما ينبغي، يمكن أن نصف إنساناً بالرحمة، وفي بعض تصرفاته تصرف ليس كما ينبغي، لكن الإله العظيم إذا وصفته بأنه عادل أو رحيم أو حكيم فأسماؤه حسنى بمعنى مطلقة.

من لوازم الأعلى أن الله لا يغفل عن أعمال العباد:


مثلاً الله عز وجل قال:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

[ سورة إبراهيم ]

أنت متى تنهى؟ لو قلت لك: إياك أن تصل إلى الشمس، كلام ليس له معنى إطلاقاً، لأنك لن تستطيع أن تصل إلى الشمس، لا يكون النهي نهياً حقيقياً إلا إذا كان هناك إمكان أن يقع المنهيّ عنه، لا تتأخر، يمكن أن تتأخر، أنهاك عن التأخر، لا تكذب، يمكن أن يكذب الإنسان، ينهى الأب ابنه عن الكذب، فالنهي يعني أن المنهي عنه يمكن أن يقع، هذه حقيقة أولى.
إذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ معنى ذلك أنه قد يبدو لبعض البشر أو لمعظم البشر اليوم، اليوم بالذات أن الله غافل عما يعمل الظالمون، فلحكمة بالغة بالغة الإله العظيم له امتحان صعب، ونحن واقعون فيه، هذا الامتحان الصعب يقوّي أعداءهم، يقويهم، يقويهم، يقويهم، إلى أن يفعلوا ما يريدون فيما يبدو لقاصري البصر، إلى أن يقول ضعيف الإيمان: أين الله؟ وقد قيلت: أين الله.
تجد بلاداً إسلامية مضطهدة، مسلوبة الإرادة، أمرها ليس بيدها، ليست كلمتها هي العليا، تعوم على ثروات هائلة، لها موقع استراتيجي رائع، ومع ذلك حرب عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين في كل أنحاء الأرض، فالإنسان بساعة ضعف قد يتوهم أن الله غافل، فيأتي الجواب: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ .
 

من لوازم الأعلى أنه منزَّه عن ظلم العباد:


لذلك أنا أنصح الإخوة الكرام ألا تتورط برواية قصة لا تعرف فصولها كلها، إن كنت تعرف الفصول كلها من أول فصل إلى آخر فصل يجب أن يقشعرّ جلدك لعدل الله عز وجل، ولكن نحن نرى الظاهر، نرى إنساناً مضطهَداً، نرى إنساناً رزقه قليل، الله عز وجل يقول:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُظلَم الإنسان بلا ذنب منه:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

[ سورة الشورى ]

ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وحسن الظن بالله ثمن الجنة، وضِعاف الإيمان:

﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)﴾

[ سورة آل عمران ]

فيا أيها الإخوة؛ أنت حينما تقول: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ معنى سبح أي نزِّه، معنى سبح أي مجِّد، يجب أن تنفي عن الله عز وجل كل نقص متوهم، لذلك قالوا: الله واحد أحد، واحد ليس له شريك، وأحد ليس له مثيل، فكلمة أعلى أعلى في كلّ شيء، أعلى في حكمته، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، معنى بالحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة القصص ]

هذه المصائب التي تترى على المقصرين، على المذنبين، على الشاردين، على الغافلين، لو أن الله عز وجل لم يضيق عليهم ولم يعالجهم لقالوا يوم القيامة: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ الرسول هنا المصيبة: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾ أيْ مصيبة:

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)﴾

[ سورة طه ]

 

الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرة دار الجزاء والخلود:


لذلك أيها الإخوة؛ أنت حينما تُحسِن الظن بالله، أنت حينما تسبح الله، أنت حينما تُمجّد الله، أنت حينما تعلم علم اليقين أن أسماء الله حسنى، أي كاملة كمالاً مطلقاً ترتاح نفسك، وهذا هو الإيمان الصحيح، أما تقول: لا إله إلا الله، ولك اعتراضات لا تُعدّ ولا تحصى على تصرفات الله عز وجل، العوام لهم كلمات هي الكفر بعينه، يقول لك مثلاً: الله يعطي الحلوى لمن ليس له أسنان مثلاً، أضراس، هذا كلام ليس له معنى إطلاقاً، لأن الدنيا دار ابتلاء.
أيها الإخوة؛ ورد في بعض الآثار: إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
إخواننا الكرام؛ حياتنا الدنيا إذا قيست بالآخرة صفر، لأوضح لكم ذلك: واحد بالأرض، وأصفار إلى الشمس، وكل ميليمتر صفر، ما هذا الرقم؟ هل يمكن لعقل أن يستوعب هذا الرقم؟ واحد بالأرض ومئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفاراً، وكل ميليمتر صفر، هذا الرقم ضعه صورة لكسر، وضع مخرجه لا نهاية، القيمة صفر، هذا من بديهيات الرياضيات، أيّ رقم مهما كان كبيراً إذا نُسِب إلى اللانهاية فهو صفر، الآخرة لا نهاية، طبعاً الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾

[ سورة الإسراء ]

أنت قد تجد إنسانة تأتي من أقصى الدنيا كي تخدم في بيت لتأخذ أجراً يسيراً جداً كي تُطعِم أطفالها، من دون يوم آخر ينشأ عندك مليون سؤال، مليون مشكلة، لكن اليوم الآخر يومٌ أبديّ إلى ما شاء الله، لذلك الإنسان قد يخسر الحياة الدنيا، قد تكون حياة الإنسان متعبة، خشنة، دخله قليل، لكنه مستقيم، والذي طغى وبغى ونسي المبتدا والمنتهى على الشبكية يعيش ببحبوحة كبيرة جداً، لكن العبرة بالدار الآخرة، لذلك سيدنا علي رضي الله عنه يقول: الغنى والفقر بعد العرض على الله.
 

عدلُ الله مطلقٌ لا يشوبه ظلمٌ:


النقطة الدقيقة في بداية هذا الموضوع الدقيق أن أفعال البشر نسبية، كمالهم نسبي، أي في الأعم الأغلب حكيم، في الأعم الأغلب رحيم، في الأعم الأغلب عادل، لكن كمال الله مطلق، لا يمكن أن يُظلَم عصفور في ملك الله من آدم إلى يوم القيامة، هذا الإيمان، لأن الله عز وجل قال:

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)﴾

[  سورة غافر ]

﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)﴾

[ سورة الإسراء ]

في نواة التمرة رأس مؤنّف كالإبرة تماماً، هذا اسمه نقير، ويوجد بالنواة خيط بين فلقتي النواة، هذا اسمه الفتيل، وهناك غلالة رقيقة قشرة شفافة هذه قطمير.

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)﴾

[  سورة النساء ]

﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ ولا قطميراً.

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾

[  سورة الأنبياء ]

هذا اليقين بكمال الله يريح النفس، الإيمان شيء ثمين جداً.
 

المؤمن الحقيقي لا يرى في الدنيا مع الله أحداً:


 المؤمن متوازن، مثلاً الله عز وجل قال:

﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)﴾

[ سورة الشورى ]

هناك سؤال كبير، بيد مَن كانت حتى آلت إليه؟ الأمر بيد الله في الدنيا والآخرة، هذه الآية متعلقة بالآخرة، لكن يبدو مِن صياغتها أن الأمر في الدنيا ليس بيد الله، ماذا قال علماء التفسير؟ قالوا: هؤلاء الذين شردوا عن الله، هؤلاء الغافلون، هؤلاء ضِعاف الإيمان يرون في الدنيا آلهة غير الله، يرون الأقوياء آلهة، الطغاة آلهة، لكن المؤمن الحقيقي لا يرى في الدنيا مع الله أحداً، لا يرى فعّالاً إلا الله، لا يرى قهّاراً إلا الله، لا يرى ناصراً إلا الله، لا يرى مُعطياً إلا الله، لا يرى رافعاً إلا الله، ولا خافضاً إلا الله، ولا مُعزاً إلا الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، فلذلك الأعلى من أسماء الله الحسنى، أي واحد أحد، واحد لا شريك له، أحد ليس كمثله شيء.
 

من لوازم الأعلى كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ:


الله عز وجل قال:

﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾

[ سورة المؤمنون ]

أي سمح لذاته العلية أن توازَن مع مخلوقاته، وقد وصف الله بعض مخلوقاته مجازاً أنها خالقة، لكن الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء، بينما خالق البشر إذا خلق شيئاً يخلق كل شيء من لا شيء، إذا صنع الإنسان شيئاً يصنعه من كل شيء، وعلى غير مثال سابق، بينما خالق البشر يصنع كل شيء من لا شيء ومن دون مثال سابق، فالله عز وجل سمح أن توازَن ذاته العلية مع عباده فقط كي تعرف الفرق.
أحيانا يصنعون كُليةً صناعية حجمها كحجم هذه الطاولة، يجب أن تستلقي إلى جانبها ثماني ساعات في الأسبوع ثلاث مرات، وازن بين هذه الكلية الصناعية وبين الكلية الطبيعية، هذا العضو الذي لا صوت له يعمل بانتظام ليلاً نهاراً، وأنت مرتاح، وأنت نائم.
وازن بين آلة التصوير وبين هذه العين، بآلة التصوير بالمليمتر مربع يوجد أكثر من عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما بالعين بالمليمتر مربع من شبكية العين يوجد مئة مليون مستقبل ضوئي، العين البشرية تُفرّق بين ثمانية ملايين لون، القرنية شفافة شفافية مطلقة، مع أن الغذاء يتم في كل أنسجة الجسم عن طريق الأوعية، إلا في القرنية عن طريق الحلول:

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[ سورة المؤمنون ]

يوجد نقطة دقيقة: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، يوجد بالخلق إعجاز، إعجاز بخلق السماوات والأرض، بخلق الإنسان، بخلق الحيوان، بخلق الأطيار، بخلق الأسماك، النباتات، شيء معجز، أيعقل أن يكون هذا الإعجاز في خلقه لا يقابله كمال في تصرفاته؟ لذلك قالوا: هناك آيات كونية، وهناك آيات تكوينية، وهناك آيات قرآنية، الآية العلامة الدالة على عظمة الله، فالآيات الكونية خَلقه، والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه، لكن الأولى أن تبدأ بآياته الكونية، لأنها واضحة لا لبس فيها، جلية، حاسمة، ناطقة بكماله، أن تبدأ بآياته الكونية، وأن تُثنّي بآياته القرآنية، وأن تؤخر التفكر في أفعاله بعد أن تتفكر في خلقه، وبعد أن تتدبر كلامه، خلقه وكلامه يلقيان ضوءاً على أفعاله.
المرة الأخيرة: لا يمكن أن ندرك عدل الله بعقولنا، لأن عقلنا قاصر، تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
 

دائرة المحسوسات والمعقولات والإخباريات:


العقل البشري قاصر، وكنت أقول دائماً: هناك دائرة اسمها دائرة المحسوسات، أداة اليقين فيها الحواس الخمس، ومع تقدم العلم واستطالاتها كالمراصد والمجاهر ومكبرات الصوت إلى آخره، الدائرة الأولى دائرة المحسوسات، أي شيء ظهرت عينه وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس واستطالاتها.
أما الدائرة الثانية دائرة المعقولات، هذه الدائرة الشيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداة اليقين في هذه الدائرة الثانية العقل، العقل مرتبط بالواقع، هناك شيء غابت عنك عينه، طريق ترابي، رأيت آثار عجلات، تقول: لقد مرت سيارة على هذا الطريق يقيناً، ومن مسافة ما بين العجلتين تُقدّر حجم السيارة، ومن عرض العجلة تُقدّر مستواها، إذاً أنت بآثار العجلات أيقنت أن هناك سيارة مرت، فالماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، هذا اليقين الاستدلالي يقين عقلي، لكن في اليقين العقلي ذات الشيء غابت، وبقيت آثاره، من دون آثار العقل لا عمل له إطلاقاً، ذات الشيء غابت بقيت آثاره.
أيها الإخوة؛ الله عز وجل لا تدركه الأبصار، ولكن تصل إليه العقول، لا أقول: تدركه، تصل إليه العقول، كما لو أنك تركب مركبة يمكن أن تُقِلّك إلى البحر، لكن لن تستطيع بهذه المركبة أن تخوض أمواج البحر، هذا اليقين الثاني، العقل مرتبط بالواقع، الآن بالواقع يوجد قرص مدمج فيه سبعة آلاف كتاب، لو سألت إنساناً مات قبل خمسين عاماً: هل تصدق أن هناك قرصاً فيه سبعة آلاف كتاب؟ مكتبة بأكملها أربعة جدران ممتلئة كتباً من الأرض إلى السقف يوجد قرص صغير، والنصوص مضبوطة بالشكل، وهناك بحث، وكتاب كتاب، وقد نبحث في كل هذه الكتب في ثلاث عشرة ثانية، شيء لا يصدق، لكن الآن شيء واقع، فعقلي مرتبط بالواقع، أما لو سألت إنساناً مات قبل خمسين عاماً يتهم من يقول هذا الكلام بالجنون، الآن الشيء الثالث؛ الدائرة الثانية: شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداة اليقين به العقل، الكون كله أثر من آثار الله عز وجل، الكون كله ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، الكون كله ينطق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، هذا شيء واضح.
أما الدائرة الثالثة هنا المشكلة، الدائرة الثالثة شيء غابت عينه، وغابت آثاره، ليس له أثر أبداً، يوم القيامة، لو جُبت الأرض كلها هل ترى يوم القيامة؟ هل ترى آثاره؟ أبداً، الجن، الملائكة، يوجد عندك آلاف الموضوعات أخبرنا الله بها، أداة اليقين بهذه الدائرة الثالثة الخبر الصادق، لذلك أنت حينما لا تخلط بين الدائرة الأولى والثانية والثالثة هذه القضية حسية، هذه القضية عقلية، هذه القضية إخبارية، ترتاح وتنتظم الأمور، لذلك قضية اليوم الآخر دليلها إخباري، الله أخبرنا، الدنيا محسوسة، ترى المرأة الجميلة على شبكية العين، وترى القصر الرائع على شبكية العين، وترى الطعام الطيب على شبكية العين، وترى المركبة الفارهة على شبكية العين، ولكن الآخرة والجنة كلمات في قرآن كريم:

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)﴾

[ سورة الضحى ]

 

الإيمان بالغيب شيء عظيم:


لذلك الإٍيمان بالغيب شيء عظيم جداً:

﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)﴾

[ سورة البقرة ]

فالبطولة أن تؤمن بالغيب، أنت متجه إلى حمص، لك مبلغ ضخم في حمص، وخرجت من دمشق فإذا لوحة كتب عليها في ظاهر المدينة: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك، ترجع، ما الذي دعاك إلى أن ترجع؟ هذا النص، خمس كلمات غيرت اتجاه المركبة، لكن لو أن دابة تمشي على هذا الطريق أين تقف؟ في النبك، ما الذي حكم الدابة؟ حكمها الواقع، ما الذي حكم الإنسان؟ حكمه النص، هذا الإيمان بالغيب، الله أخبرك يوجد جنة، يوجد نار، يوجد حساب:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[  سورة الحجر ]

هناك حساب دقيق، هناك تسوية حسابات بين البشر، لذلك ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما كركن الإيمان بالله واليوم الآخر، إذًا: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ كماله مطلق، وكمال البشر نسبي، واحد أحد، واحد لا شريك له، وأحد لا مثيل له.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور