- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى ( القاهر ):
1 ـ سبحان مَن قهر عبادَه بكل أنواع القهر:
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في اسم الله ( القاهر )، والمقولة التي يرددها معظم المسلمين: سبحان من قهر عباده بالموت، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:
(( بادِرُوا بالأعمال سبعا: هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا، أو غِني مُطغيا، أو مَرَضا مُفسِدا، أو هَرَما مُفنِدا، أو موتا مُجْهِزا، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ ))
هل يمكن أن يستيقظ الإنسان كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل !.
(( هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا، أو غِني مُطغيا، أو مَرَضا مُفسِدا، أو هَرَما مُفنِدا، أو موتا مُجْهِزا، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ، والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ ))
سبحان من قهر عباده بالموت، وأحياناً يقهر المرء بالمرض، وأحياناً يقهر بالفقر، وقد يقهر بالغنى المطغي، كان مستقيماً فانحرف، هذا قهر أيضاً.
أيها الإخوة، الآية الكريمة:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
والقاهر من أسماء الله الحسنى، يقهر الجبابرة، يقهر الظالمين، يقهر المتجبرين لذلك في بعض الأدعية التي نقرأها كثيراً في قنوت الصلوات:
(( اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ))
الهدى أعظمُ نعمةٍ:
دققوا، النعمة الأولى: نعمة الهدى، ولا نعمة قبلها، ونعمة الهدى تشبه الرقم واحد، فإذا أضيف إليها نعمة الصحة فهي صفر أمامها، صاروا عشرة، فإذا أضيفت نعمة أمامها فهي صفر آخر، نعمة الكفاية، ويمكن أن تضيف النعم أمام هذا الواحد إلى ما شاء الله، لكن تأكد أن هذه النعمة الأولى نعمة الهدى، هي الرقم واحد، فلو حذفته لكانت كل النعم الأخرى أصفاراً، لا قيمة لها.
2 ـ سبحان مَن قهر عبادَه بالموت:
لأن الموت ينهي كل ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، ينهي غنى الغني وفقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم، ينهي صحة الصحيح ومرض المريض، الهدى نعمة مستمرة بعد الموت، وما سوى الهدى نعمة منقطعة عند الموت وتأكد أن أي نعمة وهبك الله إياها ليس معها الهدى تنتهي عند الموت، وليست عطاءً، لأن كرم الله عز وجل لا يمكن أن يكون بنعمة منقطعة، نعم الله الحقيقية مستمرة بعد الموت.
ابحثْ عن نعمةٍ لتدّخرها لِما بعد الموت:
فلذلك البطولة أن تتمتع بنعمة تسعدك بعد الموت، أما نعم الحياة الدنيا على أنها نعم طبعاً، لكن تنتهي عند الموت، من بيت إلى قبر، من منصب إلى قبر، من انغماس في اللّذات إلى قبر، أما المؤمن فنعمه مستمرة بعد الموت، وهي متنامية، البطولة، والتوفيق والذكاء أن تبحث عن نعمة ليس الموت نهاية لها، أي عطاء ينتهي بالموت بالحقيقة ليس نعمة من النعم التي أرادها الله.
لذلك فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمدا صلى الله عليه وسلم أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، فإن قال: أهانه، فقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا.
بشكل موضوعي: إن الله يعطي المُلك لمن يحب، ولمن لا يحب، أعطى الملك لنبي كريم سيدنا سليمان، وأعطاه لعدوه فرعون، فما دامت هذه النعمة تعطى لعدو الله و لصفيه إذاً فليست مقياساً، أعطى المال لقارون، وهو لا يحبه، أعطى المال لصحابة كرام كسيدنا عثمان، وهو يحبه، فما دامت النعمة الواحدة تعطى لمن يحب ولمن لا يحب فإذاً ليست النعمة التي في الدنيا مقياساً على محبة الله.
3 ـ دعاء عظيم يتجلى فيه اسم ( القاهر ):
البطولة أن تكون مهتدياً، حتى إن بعضهم قال: تمام النعمة الهدى، لذلك هذا الدعاء:
اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ:
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ))
ما النعمة التي تأتي بعد الهدى ؟ الصحة.
((وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ))
وما من دعاء كان عليه الصلاة والسلام يكثر منه كقوله صلى الله عليه وسلم:
(( اللهم ارزقنا العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ))
هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وهناك أمراض لا قيمة للمال معها، بل لا قيمة لكل النعم المادية معها.
فلذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
(( اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء ))
((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي ))
نعمة المتابعة الربانية للعبد:
أحياناً الله يتابعك في خطأ، تدفع ثمنه، في موقف فيه كِبر فيضعك في موقف صعب جداً فيه إهانة، في موقف فيه إسراف فيضعك في موقف فيه تقتير، يقتر عليك، وفي موقف الاستعلاء تتحجم، أحياناً يشعر الإنسان أن الله يتابعه.
أقول لكم من أعماقي: من كان يشعر أن الله يتابعه فهو في خير عميم، فهو ممن خضع لعناية الله المشددة، فهو ممن يرجى شفاءه، لكن المصيبة الكبرى أن يسترسل الإنسان في الخطأ، والله عز وجل يَدَعه وخطأه، وخطر كبير أن يخطئ الإنسان، أو يستعلي، أو يأكل مالاً حراماً، والله يتركه مع خطئه، لكن المؤمن يحبه الله عز وجل، فإذا أحبه ابتلاه، وتابعه، فالأفضل ألف مرة أن تتابع من قِبل الله عز وجل على كل خطأ من أن يدعك وشأنك، فإذا كان الله يتابع نعمه عليك، وأنت تعصيه فاحذره، لأن أكبر خطر أن تأتيك الدنيا كما تتمنى، وليس فيك التزام أبداً، ولا انضباط، ولا طاعة لله عز وجل.
الحالة الثانية أفضل بمليار مرة: أنك إذا أخطأت تُتابع، ولكل سيئة عقاب، وكل ما ارتقى الإنسان يحاسب على أدق الذنوب، وأقل العيوب، كلما ارتقى الإنسان، وكلما ضعف مقامه يحاسب على عظائم الأمور، لا على دقائقها.
إذاً:
((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي ))
التولي التربية.
إخوتنا الكرام، لمجرد أن تقول: الله، في كل شيء يتولاك، أما إذا قلت: أنا، يتخلى عنك.
وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ: درسان من غزوة أحد وحنين فيهما عبرة:
ثمة درسان بليغان، درس في بدر، ودرس في حنين، الصحابة الكرام وهم قمم البشر، وفيهم سيد البشر، في حنين قالوا: ولعلها مقولة في قلوبهم: << ولن نغْلَبَ اليوم مِن قلة >>.
فتخلى الله عنهم.
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
إياك أن تقول: أنا عندي خبرات متراكمة، أنا الأول في هذا الاختصاص، أنا لا أحد ينافسني في هذه المعرفة، إياك أن تقول هذا الكلام، هذا تطاول على الله عز وجل، يجب أن تشهد نعم الله لا أن تتبجح بها.
حينما يعتدّ الإنسان بنفسه يتخلى الله عنه، وقد يعتد الذكي بذكائه فيرتكب حماقة لا يرتكبها الأغبياء، وقد يعتد الغني بماله فيجعله الله في مكانة لا ينفع المال معه أبداً.
مرة أخ كريم أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحدا، قال: الدراهم مراهم، تحل بها كل مشكلة، فابتلاه الله بمشكلة لا تحل بمليارات، وبقي في السجن المنفرد 64 يومًا، وكل يوم يقول: الدراهم مراهم !
إياك تقول كلمة تنسى الله بها، لذلك الله عز وجل غيور، إن اعتمدت على غيره، إن اعتددت بفكرك، باختصاصك، بخبراتك، بمالك، عالجك معالجة قاسية، فاعتز بالله عز وجل.
أصحاب النبي الكريم في بدر قالوا:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
هم مفتقرون إلى الله.
أما في حنين:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
هذا الدرس نحن بحاجة إليه كل ساعة، لا تقل: أنا، قل: الله، هذه المقولة ليست تواضعاً، بل حقيقية، أنت لا شيء، كنت لا شيء فأصبحت به خير شيء.
إذاً:
(( وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ))
هذا هو التولي، والرعاية، والمتابعة، والمعالجة.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الآن لاحظ ابنًا مربًّى، إذا تكلم كلمة نابية، يقال له: يا بني ! هذه الكلمة لا تصح، يتابعه الأب، والأب المربي يتابع ابنه حتى في جلسته، إذا لم يكن فيها أدب، جلس قبله، لا تجلس قبل أبيك، لا تمش أمامه، لا تسمه باسمه، فالابن الذي يربيه أبوه على كلمة، وعلى كل حركة وسكنة وخاطرة يحاسب عليها.
وبَارِكَ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ:
(( وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ))
أحياناً دخل كبير ليس في بركة، يذهب في معالجة أمراض، ومال مصادر، وضرائب لا تحتمل، المال الكثير ذهب أدراج الرياح، وقد يكون للإنسان دخل قليل يبارك الله له في هذا الدخل، كلمة مبارك كلمة قرآنية:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾
أحياناً يبارك لك في وقتك، تفعل في وقت محدود أعمالاً لا يفعلها معظم الناس.
يبارك لك في مالك، يبارك في زوجتك، تعيش معها عمراً مديداً، كلها خير، كلها وفاء، كلها محبة، كلها تفانٍ، كلها تضحية، وأحياناً الزوجة تكون جحيماً لا يطاق، فالبركة ليست في المال فقط، بركة في الزوجة، بركة في الأولاد، أولاد أبرار، طائعون، البركة في الصحة، فقد يتمتع الإنسان بصحته طوال حياته، وهذه من نعم الله العظمى، وتكون البركة في المال، بدخل معقول جداً، كل شيء عندك، ولا ينقصك شيء، البركة في الوقت، ففي وقت محدود تنجز أعمالاً كبيرة، لذلك:
(( وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ))
(( وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر:
(( وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ))
اجعل لربك كل عزـــــــك يستقر ويثبت
فإذا اعتززت بمن يم ــــوت فإن عزك ميت
اعتز بالله، لا تعتز بسواه، ليكن ولاءك له، هذا دعاء، والله من الأدعية الجامعة المانعة، وهو دعاء بمعنى اسم ( القاهر )، فالله قهرنا بالمرض، قهرنا بالموت، قهرنا بالمال أحياناً، فقد يفتقر الإنسان، وقد يبكي الرجل، لأنه لا يجد ما يأكل، وقد ينقّب إنسان في الحاوية ليأكل، فإذا أكرم واحد الله عز وجل الإنسان ببيت، بمأوى، بزوجة، بأولاد، بدخل معقول، هذه نعمة لا تعدلها نعمة، أن يغنيك الله عن السؤال.
4 ـ ماذا نستفيد من اسم ( القاهر ) ؟
الخضوع والانصياع لله:
أيها الإخوة، ما الخُلق الذي ينبغي أن تتخلق به من هذا الاسم ؟ الله هو القهار صيغة مبالغة، وهو ( القاهر )، اخضع له، لأنك في قبضته، وأقلّ خطأ في صحتك يجعل الحياة جحيما لا تطاق.
والله كنت مَرة عند طبيب، جاءه اتصال هاتفي، سمعت المتكلم، قال له: أيّ مكان في العالم تريد للعلاج، وأيّ مبلغ، قال له: والله لا أمل، الورم في الدرجة الخامسة، لا أمل، فالمرض يقهر، لكن أصعب قهر أن يقهرك إنسان.
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
يبدو أنه قهر الواحد الديان مباشرة أخفّ من قهر إنسان، الدليل:
﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
يحتاج إلى صبر، هذا قضاء الله وقدره المباشر، لكن في آية أخرى:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
قد يأتي القضاء والقدر على يد إنسان، تحتاج هذه الحالة إلى صبر أشد،
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ ﴾
ـ على قضاء الله ـ
﴿ وَغَفَرَ ﴾
ـ لمن أجراه الله على يديه ـ
﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ ﴾
ـ لام التوكيد ـ
﴿ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
أحيانا يُقهر الإنسان من قِبل الله مباشرة، وقد يقهر من قِبل إنسان، وقهرُ الرجال لا يُحتمل.
أيها الإخوة الكرام، إذاً: الموقف الكامل ما دام الله يقهر كل إنسان أن تكون خاضعاً له، أن تكون في طاعته، أن تكون محباً له، فهو يقهر ليربي.
أعيد هذا كثيراً: علماء العقيدة لا يرون من المناسب أن تقول: الله ضار، الضار من أسمائه، يجب أن تقول: الله ضار نافع، لأنه يضر لينفع، لا ينبغي أن تقول: الله مذل، هو مذل، لكنه مذل ليعز، المعز المذل، لا ينبغي أن تقول: الله خافض، هو خافض، لكنه خافض ليرفع، هذا كمال الله عز وجل، فهذه النعم الباطنة.
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
أعرف إنسانا متفلتا غارقا في الشهوات آتاه الله وسامة، ومالاً، وغنىً، حتى إنه كان يستهزئ بالمقدسات، عنده بنت يحبها محبة تفوق حد الخيال، أصيبت بمرض خبيث، فلم يدَع طبيباً في بلده إلا وعالجها عنده، لكن لا أمل للشفاء، أخذها إلى بلد بعيد، باع بيته، وكل ما يملك من أجلها، ثم جاءه خاطر هو وزوجته ؛ لو أننا تبنا إلى الله، واصطلحنا معه، وأدينا الصلوات، وطبقنا منهج الله، بدآ بهذا المشروع، وقد شفا الله هذه البنت، ودُعيتُ حينما كبرت إلى حضور عقد قرانها، فلما ألقيت كلمة في هذا العقد، سألت أباها: هي ؟ هي ؟ قال لي: هيَ هي، مرض جاء إلى أسرة ردّ الأب والأم إلى الله وانسحب، هذا فعل الله عز وجل.
هناك إنسان لا يأتي طواعية، بيسر، وبرخاء، يأتي بالشدة، وهذه نعمة كبيرة أيضاً، لذلك قالوا: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر.
نحن في قبضة الله، والإنسان كل مكانته، وهيمنته، وسيطرته، وقدرة منوطة بقطر شريانه التاجي، ميلي وربع، وكل مكانته وهيمنته وسيطرته منوطة بسيولة دمه، وكل مكانته وهيمنته وسيطرته منوطة بنمو خلاياه، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهت حياتُه.
إذاً: نحن في قبضة الله عز وجل، أحيانا حادث سير ينهي حياة الإنسان، والأصعب ألاّ تنتهي حياته، بل يصبح مشلولا طول حياته بحادث سير، وأنت تمشي على اليمين، وفي أعلى درجات الانضباط، والآخر نائم، فنحن تحت رحمة الله، نحن في قبضته، فما دام الله قاهراً فينبغي أن ننصاع له، أن نؤمن به، أن نستقيم على أمره، أن نعمل صالحاً، هذا المعنى.
استمداد القوة من الله:
هناك معنى آخر: ماذا ينبغي أن تتخلق بهذا الاسم ؟ قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
لا تكن ضعيفاً، لا تكن خنوعاً، لا تكن مستسلماً:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
استمد من الله القوة.
هناك إنسان يضعف عن أن يأخذ حقه، يضعف لأقلّ تهديد، أما المؤمن فيعتز بالله.
﴿ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾
أما الآية الدقيقة:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
لكن لا تَكِل له الصاع أصوعاً.
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾
أما أروع ما في الآية:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
إذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الذي أساء إليك يقربه إلى الله فاعفُ عنه، ويا عبدي أجرك عندي.
أحيانا سائق سيارة يمشي بأعلى درجات الانضباط، قفز طفل أمام السيارة، ودُهس، الأب يقرّر أن يقيم عليه دعوى، وأن يضعه في السجن، لكن معطيات الحادث أن السائق بريء وفقير، والخطأ من الابن، لكن تسبب هذا السائق في موت الطفل الصغير، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
أما إذا كان أرعن ويتحدى الناس فلا بد من معاقبته، أما إذا ما كان الخطأ مِن قِبَله فيعاقَب، وهناك حالات كثيرة يكون الخطأ فيها مدمرًا، لكن صاحب الخطأ ليس ملوماً عند أحد، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
كلما عفوت عن أناس وعفوك عنهم يصلحهم، فاعف عنهم، وتوكل على الله.