وضع داكن
27-04-2024
Logo
رحلة استراليا 1 - المحاضرة : 18 - أسئلة وأجوبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أخوة الإسلام والإيمان مستمعي صوت الإذاعة الإسلامي في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
 وحان اللقاء من عاصمة بلاد الشام دمشق مع فضيلة الأستاذ الداعية راتب النابلسي هذا الداعية الكبير الذي استمعتم إليه طوال السنة الماضية، وتعلمنا على يديه الشيء الكثير، نحن اليوم في ضيافته في داره العامرة في دمشق حتى نتحاور معه وننهل من علمه ما شاء الله لنا أن نتعلم، وبهذا نكون قد حققنا بعض ما نصبو إليه في ضيافته، سائلين المولى عز وجل أن يُتِممها علينا بزيارة يقوم بها إلى استراليا لنتبارك به وبعلمه.
 س ـ فضيلة الأستاذ السلام عليكم.
 ج ـ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 س ـ الحقيقة أن مستمعي إذاعة الصوت الإسلامي فضيلة الأستاذ في شوق كبير إلى لقياكم فقبل أن نتكلم في أي موضوع هل تَعِدُنا بزيارة إلى استراليا قريباً ؟
 ج ـ إن شاء الله تعالى.
 س ـ فضيلة الأستاذ هل لكم في بطاقة شخصية تعرفون فيها سيرة حياتكم إلى المستمعين؟
 ج ـ بسم الله الرحمن الرحيم، أنا من مواليد دمشق وقد تلقيت علمي الابتدائي والإعدادي والثانوي في دمشق، ونلت إجازة في آداب اللغة العربية وعلومها، ثم نلت شهادة الماجستير في الأدب العربي، وتلقيت العلم الشرعي عن نخبة من علماء دمشق، وعملت أستاذاً محاضراً في كلية التربية في جامعة دمشق، وأنا أخطب في جامع جدي العارف بالله عبد الغني النابلسي، وأعمل مُدَرِّساً دينياً في جوامع دمشق، ودعوتي يزيد عمرها عن ربع قرن تقريباً، أردت من خلالها أن أُعَرِّف الناس بالله عز وجل وبمنهجه، وأن أحملهم على طاعة الله والبذل في سبيله ليحقق الإنسان وجوده في الحياة الدنيا، وليسعد في الدنيا والآخرة، لي مؤلفات عديدة منها نظرات في الإسلام، وتأملات في الإسلام، والهجرة، والإسراء والمعراج، والله أكبر، ولقاء مع الشعراوي رحمه الله تعالى، وهناك كتب تحت الإصدار وهي أسماء الله الحسنى وصفاته الفُضلى، ثم إنني أُلقي دروساً في الفضائيات في الشارقة، وفي فضائية سورية، ولي دروس تُلقى في إذاعات عديدة كإذاعة الكويت، وقطر وأبو ظبي وإذاعات لبنان، وأرجو الله سبحانه تعالى أن يتقبل عملي وأن يكون ذخراً لي يوم القيامة إنه سميع مجيب.
 س ـ فضيلة الأستاذ هل لكم بتقييم واقع المسلمين في الدول الأوروبية حيث علمنا أنكم من المشاركين بعدة مؤتمرات في أمريكا وما شابه ذلك؟
 ج ـ والله لو أن المسلمين طبّقوا الإسلام في بلاد أوروبة وأمريكة وفي أي مكان آخر في العالم، لكان وضع الإسلام بشكل آخر، ولكن قلة قليلة تُطَبِّق الإسلام، وهم مُثلٌ عليا، وكثرة كثيرة لا تعطي حقيقة الإسلام من خلال سلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( استقيموا يُستقَم بكم ))

 ويقول في حديث آخر:

 

(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يؤتين من قبلك ))

 فكل مسلم هو في الحقيقة سفير لهذا الدين العظيم، فلو أنه طبَّقه تطبيقاً دقيقاً، لو أنه فهمه فهماً عميقاً، وهو دين يقوم على الصدق والأمانة والإخلاص والرحمة والعدل والإنصاف والنصيحة، كما قال سيدنا جعفر حينما سأله النجاشي، قال: كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونُسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ماكان يعبد آباءنا من الحجارة والأوثان، وأمَرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عم المحارم والدماء، الإسلام منهج أخلاقي، قال الرسول الكريم:

 

 

(( إنما بُعثت معلماً، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

 العبادات في الإسلام نوعان: عبادات تعاملية، وعبادات شعائرية، كالصلاة والصيام والحج، العبادات التعاملية كالصدق والأمانة والإخلاص والتواضع والإنصاف والرحمة، العبادات الشعائرية لا تصح ولا تُقبَل إلا إذا صحَّت العبادات التعاملية، وهذا درس دقيق جداً يجب أن نَعِيَهُ:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.))

 

[ مسلم، الترمذي، أحمد ]

 ما أحوج المسلمين إلى هذا الفهم الدقيق، أن يفهموا أن الإسلام سلوك، أن يفهموا أنّ الإسلام التزام، أن يفهموا أن الصدق والأمانة والرحمة والحكمة والتواضع هم شعار المؤمن، فإذا ضيَّع هذه الأخلاق فلا قيمة لصلاته ولا لصيامه ولا لصدقته، فيُؤتى يوم القيامة برجال لهم أعمال كجبال تِهامة فيجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلِّهم لنا ـ صِفهم لنا ـ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها، إذاً مضمون هذا الدين مضمون أخلاقي، فلو أنّ الجالية الإسلامية في أي دولة إسلامية، في أي بلد أوروبي أو أمريكي أو استرالي طبَّق الدين تطبيقاً كاملاً، وكان كل فرد سفيراً لهذا الدين ووقف عند حدود كتاب الله لكان مثلاً أعلى يُحتذى، فالذي يشد الناس إلى الدين ليس العبادات الشعائرية، لا لصلاتنا ولا صيامنا ولا حجنا ولكنّ الذي يشد الناس إلى الدين معاملتنا، وتعلمون أنّ أكبر قطر إسلامي على الإطلاق وهو أندونيسيا الذي يزيد عن مئتي مليون إنما أسلم عن طريق التجار، فالتاجر الصدوق مع النبيين والصدِّيقين يوم القيامة، فالذي أتمناه على الإخوة الكرام أبناء الجاليات الإسلامية في أقطار العالم أن يكون كل واحد منهم سفيراً لدينه عن طريق حسن المعاملة، وأعود على ما ذكرت أولاً قول الرسول الكريم:

 

(( استقيموا يستقم بكم ))

 س ـ فضيلة الأستاذ كلمة الداعية كلمة كبيرة ولكننا أصبحنا اليوم لا نعرف كُنهها وحقيقتها فعلاً، فهل الداعية هي المؤسسات أم الأشخاص أم المُدرِّسون أم القُضاة، فهل لكم بشرح الأمور التي تتعلق بالداعية والأحداث التي يجب أن يُركِّز عليها ؟
 ج ـ أولاً المسلمون في أشد الحاجة في كل زمان إلى الدُعاة، فالدُعاة إلى الله ركن أساسي في المجتمع، بل إنها صنعة الأنبياء، وقد نوَّه الله لهؤلاء فقال:

 

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت: الآية 33 ]

 أي لن تجد بين الناس إنساناً أفضل من الذي دعا إلى الله وعمل صالحاً، أي أكَّد القول بالعمل وقال إنني من المسلمين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيٌّ ؟ فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.))

 

[ مسلم، أبي داوود، البخاري، أحمد ]

 الدعوة إلى الله ركن أساسي في الحياة العامة للمسلمين، لأنّ الناس من دون دُعاة إلى الله يتيهون في الأرض معصية وانحرافاً وتقصيراً وتجاوزاً وعدواناً، أما إذا عرفوا غاية خلقهم وسر وجودهم في الحياة، وعرفوا الهدف الذي خُلِقوا من أجله تحركوا حركة وفق الهدف الذي خُلِقوا من أجله، فسَعِدوا في الدنيا والآخرة، الدعاة إلى الله مؤمنون، كبار، ينبغي أن يتعلموا العلم الصحيح أولاً، كل داعية يجب أن يكون عالماً، لكن ما كل عالم بداعية، لأن عمل العالم عملٌ مخبري، بينما عمل الداعية عمل إعلاني، هو يحبب الناس بالله، يرسخ قيم الأخلاق، يحاول أن يحمل الناس على طاعة الله، يقنعهم بأحقيَّة هذا الدين، يقنعهم بضرورة الالتزام بالصراط المستقيم، هذه مهمة الداعية، لكنّ أيَّ داعية لن يستطيع أن يحقق الهدف إلا إذا أصلح نفسه أولاً، لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بأذانهم، لا بد من أن يُصلح نفسه ويكون قدوة لغيره وأن يُحسِن لهؤلاء الذين يدعوهم إلى الله عز وجل، هناك بعض القواعد في الدعوة مهمة جداً، أولاً: القدوة قبل الدعوة، أن تكون قدوة صالحة لمن تدعُهم حتى يقتنعوا بكلامك وإلا سخروا من دعوتك، والإحسان قبل البيان، لا بد من أن تُحسن إليهم حتى تفتح قلوبهم بإحسانك عندئذ يُصغون إليك، أن تكون قدوة لهم وأن تكون محسناً لهم قبل أن تدعوهم إلى الله عز وجل، ثم إنّ الداعية يجب أن يجمع بين الترغيب والترهيب كما قال الله عز وجل:

 

﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 90 ]

 وعليه أن يُيَسِّر ولا يُعَسِّر فقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا.))

 

[ مسلم، أحمد، البخاري ]

 وعليه أن يتدرج في الدعوة إلى الله فقد حرّم الله الخمرة على مراحل قال:

 

﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً﴾

 

[ سورة النحل: الآية 67 ]

 ثم قال:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 90]

 بدأ بالإشارة إلى أنّ الخمرة ليست رزقاً حسناً ثم بيَّن أنّ في الخمرة إثم كبير ومنافع للناس قال تعالى:

 

﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 219 ]

 ثم قال:

 

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾

 

[ سورة النساء: الآية 43 ]

 ثم قال:

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ(90)﴾

 فالتدرج ضروري، والتيسير لا التعسير، والترغيب والترهيب، ثم الداعية إلى الله يُفَهِم ولا يُلقِن، أي يحاول إقناع الناس عن طريق الدليل العقلي، والدليل الفطري، والدليل النقلي، والدليل الواقعي، يستخدم الدليل، يقول الله عز وجل:

 

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 108 ]

 فأنا أقول أن الداعية له دور كبير جداً في المجتمع، كيف أنّ الناس بحاجة ماسَّة إلى طبيب، كذلك هم بحاجة ماسَّة إلى داعية يُعرِّفهم سرّ وجودهم، وغاية وجودهم، والمنهج الدقيق الذي ينبغي أن يسيروا عليه، فالإنسان بشكل أو بآخر أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم، ولهذا الصانع توجيهات دقيقة، فالإنسان إنطلاقاً من حبه لسلامته وحبه لسعادته وحبه لوجوده يتّبع تعليمات الصانع، إذاً الداعية يبين تعليمات الصانع لهذا الإنسان الأول الذي خلقه الله لجنة عرضها السموات والأرض.
 س ـ فضيلة الأستاذ هل لكم بإظهار علاقة الداعية مع المؤسسات الدَعَويَّة ؟
 ج ـ لا شك أن قيمة المستشفى بقيمة أطبائها، وقيمة الجامعات بقيمة أساتذتها، وقيمة أية مؤسسة دَعَويّة بالدعاة فيها، فلو أنشأنا بناءً ضخماً وهيئنا موظفين ونظام دقيق جداً، وليس في هذه المؤسسة الداعية المستقيم، الواعي، المثقف، الحكيم، الذي يملك قوة إيمان تدفعه إلى نشر الحق ما قيمة هذه المدرسة ؟ فأنا أؤمن أن الداعية الحكيم، المثقف، المخلص، الذي يدعو إلى الله على بصيرة وبإخلاص شديد هو حجر الزاوية في أية مؤسسة إعلانية، أو مؤسسة دعوية، أما أن نقول للداعية ادعُ وحدك دون معاونين، أو أجهزة، أو إذاعة، أو مسجد، أو موظفين يعينونه، إنهما متكاملان، كل منهما شرط لازم غير كافٍ في الدعوة، أرجو الله سبحانه وتعالى أن نفهم هذا، أن نعمل كفريق عمل، الأجانب سبقونا في هذا، هم يعملون كفريق عمل، الداعية له دور، وحوله أناس كثيرون، كل واحد منهم له دور آخر، كيف أنّ نظام الأسرة أنّ الرجل في العمل، والمرأة تطبخ الطعام، والبنت تنظف البيت، والشاب يأتي بالحاجات من السوق، فإذا جاء وقت الطعام جلسوا جميعاً على مائدة مستديرة لا فرق بين واحد وآخر، هم يعملون كفريق، واحد في العمل لكسب المال وهو الأب، والأم في طبخ الطعام وإعداده وتربية الأولاد، والابن يأتي بالحاجيات من السوق، والبنت تنظف البيت، هؤلاء يجلسون على مائدة واحدة أثناء تناول الطعام كفريق عمل، لو فهمنا نحن هذا المثل وعممناه على حياتنا العامة لكنا في حال غير هذا الحال.
 س ـ فضيلة الأستاذ لو أننا الآن في حملة إعلانية لجمع التبرعات لدعم مؤسسة إسلامية أو مؤسسة دعوية كإذاعة إسلامية فما هو خطابكم الذي توجهونه للمستمعين الذين يُطلب منهم التبرع ؟
 ج ـ ما من مؤسسة تقوم إلا ببذل وتضحية، أما أن ينسحب المسلمون من هذه المسؤولية، فهذا تقصير شديد منهم، أي أن المؤسسات الإعلامية الدعوية تحتاج إلى نفقات ورواتب ومصروف فمن غير المسلمين المنتفعين بهذه الدعوة عليهم أن يبذلوا، لا شك أن هؤلاء الذين استفادوا من هذه المؤسسات وانتفعوا بها، وازدادوا علماً وقرباً من الله عز وجل يجب أن يردوا هذا الجميل من قِبَل الإذاعة بإحسان وبذل وتضحية ومساهمة في نفقاتها التي لا بد منها لذلك كما أسمع وأنا سعيد بهذا أصبحت إذاعة الصوت الإسلامي منارة للدعوة في القارة الأسترالية وهذا شيء يثلج الصدر ويرفع من معنويات المسلمين ويبث روح الأمل في قلوبهم، في بلد بعيد جداً عن منابع العلم في الشرق، هناك إذاعة تعطي القرآن والحديث والدروس الدينية من أجل توعية هؤلاء المسلمين وحملهم على طاعة الله عز وجل، هذا عمل عظيم مشكور لا بد من أن ندعمه بكل ما نملك أي بمالنا وجهدنا وتعاطفنا ودعمنا المعنوي والمادي.
 س ـ هل تقصدون أنّ ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب ؟
 ج ـ هذه قاعدة أصولية وجزاكم الله خيراً، ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، انظر إلى الوضوء تغسل أعضاءك بالماء هو فرض، لأن الصلاة التي هي فرض لا تتم إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، فإذا كانت هذه الإذاعة تنطلق من أسس علمية، وتبث الحق في أرجاء هذه القارة، وينتفع بها المسلمون أشد الإنتفاع فهذا الخير العظيم لا بد له من دعم شديد، فدعم هذه الإذاعة الإسلامية فيما أعتقد هو فرض وواجب على كل مسلم في استراليا حتى تتحقق الكفاية لهذه الإذاعة، أي مرة ثانية من باب التأكيد دعم هذه الإذاعة الإسلامية هو فرض وواجب على كل مسلم في استراليا حتى تتحقق الكفاية.
 س ـ فضيلة الأستاذ هناك مسألة تؤرق الكثيرين في استراليا وهي مسألة القروض السكنية من البنوك، وكما علمتم وتعرفون أنّ هذه المسألة في تخبط شديد بين أقوال كثيرة ومآرب شخصية لدى عامة الناس فمنهم من حلل ومنهم من حرّم فالذي حلل استند إلى أقوال علماءٍ حللوا، والذي حرّم استند هو أيضاً إلى أقوال علماء حرَّموا، فالغريب في الموضوع أنّ الذي يحلل إنما يحلل بتقييد شديد، أما الذين حرَّموا فقد حرّموا على الإطلاق، فما قولكم بهذه المسألة بإسهاب لأنها مسألة بدأت تَقُضُّ مضاجع الدعاة هناك ؟
 ج ـ أولاً يجب أن نعتقد أن هناك طبع وهناك تكليف، فأنت مكلف أن تغض البصر عن محارم الله بينما الطبع يدعوك إلى إطلاق البصر، أنت مكلف أن تنفق المال، بينما التكليف يدعوك أن تأخذ المال، أنت مكلف أن تستمر نائماً صباحاً بينما التكليف يدعوك أن تستيقظ، أنت مكلف أن تصمت عن قضايا الناس وعن أسرار حياتهم بينما الطبع يدعوك أن تبحث عنها وأن تُروِّجها، من خلال هذه الأمثلة الأربعة رأيت معي أن الطبع يتناقض مع التكليف، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة، قال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

 

[ سورة النازعات ]

 لأنه نهى النفس عن الهوى، فالإنسان يحب أن يكون مسكنه واسعاً مريحاً فيه كل وسائل الراحة، ويحب أن يكون هذا المسكن له، هذا كله طبع، لكن التكليف يحرم عليك التعامل الربوي، يحرم عليك القرض الربوي، فالإنسان بقدر إيمانه بالله وتعظيمه له يلتزم أمره، ولا بد من أن يكون هناك تناقض بين مصالح الإنسان وبين التكليف الإلهي لأن جنة إلى أبد الآبدين قد وعده الله بها، فإذا كل شيء لاحظنا فيه مصالحنا وحاجاتنا ولم نعبأ بشرع ربنا فكيف نستحق جنة ربنا ؟ الإنسان بحاجة إلى بيت، ولكن لا بد أن يكون تملُكُ هذا البيت وفق الشريعة الإسلامية لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 24 ]

 أي إذا آثرت مسكناً تتملكه بطريقة ربوية على طاعة الله عز وجل، فهناك مشكلة في إيمانك، هناك مشكلة في آخرتك، هناك مؤاخذة يوم الحساب، فنحن نعتقد أنه ـ ودقق فيما أقول ـ ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوَّضه الله خيراً منه في دينه ودنياه، كنت في أمريكا وهذه هي المشكلة الأولى في أمريكا، لكنّ مؤسسة ضخمة جداً جمعت من أموال المؤمنين هناك وجعلت صندوقاً للقرض العام، فكل مسلم ناشيء يأخذ قرضاً حسناً من هذا الصندوق ويشتري بيت بمئة ألف دولار بينما زمنه الربوي ثلاثمائة ألف دولار، ثلاثة أمثال يدفعها فائدة، فحبذا لو تؤسَس في استراليا صناديق للقرض الحسن، بهذا نكون قد عملنا عملاً صالحاً، هؤلاء الذين يكسبون الأموال عليهم أن يدفعوا زكاة مالهم، ماذا لو خصصوا جزءاً من أموالهم كصدقات ووضعوها في هذا الصندوق للقرض الحسن، نكون بذلك قد أرضينا ربنا وحققنا مصالحنا، أما الإنسان متى يجوز أن تُباح له المحظورات ؟ عند الضرورات، أما الضرورات بالمفهوم الساذج العامي أنني أنا مضطر إلى بيت، إنا مضطر إلى مُكَيِّف، أنا مضطر إلى سيارة، هذه الضرورة الساذجة مضحكة، الضرورة الشرعية حينما يهلك الإنسان أو يشرف على الهلاك هو وأهله جوعاً وعُرياً وتشرداً، عندئذ الضرورات تُبيح المحظورات، لو أنّ الإنسان هُدِم بيته بزلزال، وصار في الطريق، وعلى الرصيف وكان مُتاحُ له قرض ربوي، في مثل هذه الحالات النادرة جداً يمكن أن يقترض قرضاً ليشتري بيتاً ليسكنه ويأوي إليه، أما من غير هذه الضرورة المُرجئة الأحكام يجب أن تُراعى، فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وما ترك عبدٌ شيئاً لله ـ دققوا في هذه الكلمة ـ والله زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، إنسان ترك شيئاً لله الأخلاق الإلهية إن صح التعبير، الكمال الإلهي، لا بد من أن يرسل له بيتاً بالطريق المشروع، أنا مؤمن من أنّ هناك أناساً كثيرين في دمشق تركوا قروضاً ربوية ليشتروا بها منازل والله ما من واحد إلا يسَّر الله له شراء بيت بقرض حسن، وبطريقة عجيبة جداً، إلا أنّ هناك اللحظة الحرجة، حينما تقول يا ربي لا أعصيك وليكن ما كان، حينما تقول يا ربي مادمت راضياً عني فأنا في سعادة كبيرة، حينما يقول المؤمن:

 

فليتك تحلو والحياة مريـرة  وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر  وبيني وبين العالمين خـراب

 أي هل يُعقل أن يدع الله مؤمناً صادقاً مستقيماً مطيعاً خائفاً منه يرجو رحمته بلا بيت إلا إذا عصاه، أنا لا أعتقد بهذا، أما كيف ؟ فالشيء الذي أعجبني بأمريكا هو هذا الصندوق، ماذا يمنع أن يسهم الإخوة أصحاب الجالية الإسلامية هناك بتأسيس صندوق للقرض الحسن، يدفع ثمن بيت وتأتيه الأقساط الشهرية، يكون هناك تمويل دائم، هذا الذي أرجوه من هذا الموضوع.
 س ـ فضيلة الأستاذ ما هو ردكم على الذين يقولون لا نأخذ مال الربا ولكن ندفعه كرهاً للبنك ؟
 ج ـ الحديث النبوي الشريف:

 

 

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ.))

 

[ مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ]

 سواء أأخذت مال الربا أو دفعت إلى مؤسسة ربوية، فالحرمة واحدة في الحالتين، العِبرة أن لا تدعم مؤسسة ربوية، البنك حينما يقرض قرضاً ربوياً ويأخذ عليه فائدة يقوى مركزه، فالذي يسهم في تقوية مركز هذا البنك شارك في الإثم، أنا هذا الذي أنطلق منه، من حديث رسول الله، لا يوجد عالِم على وجه الأرض يشرِّع، المُشرِّع هو الله، والمُبين هو رسول الله، العالِم ينقل، فلأن معصية شرب الخمر تُؤذي إنساناً وحده، معصية الزنا تؤذي إنساناً وإنسانة، بينما قضيو الربا تؤذي مجتمعاً بأكمله، لأنّ الربا أساسه أن المال يلد المال، وإذا ولد المال المال تجمعت الأموال في يدٍ قليلة، وحُرِمت منها الكثرة الكثيرة، وكل ما يعانيه البشر في كل عصورهم وراءه هذا التفاوت الكبير بين الدخول، إنسان يملك مليون ومليون لا يملكون واحداً، هذا التفاوت الكبير وراء الثورات، وراء الانحراف، وراء دُور العارة، وراء القتل، وراء السرقة، فما تعانيه المجتمعات في العالم كله بسبب أنّ هناك تفاوتاً في الدخول، سببه أن المال يلد المال، وإذا ولد المال المال نَمَت الأموال في أيدٍ قليلة وحرِمت منها الكثرة الكثيرة، إذاً ما من معصية توعد الله عليها بحرب من الله ورسوله إلا معصية الربا.
 س ـ أستاذنا عندما نقول هذه السلعة ثمنها كذا نقداً وسعرها كذا بالتقسيط، فما وجه التحليل في هذا الموضوع ؟ وما هو سبب انتفاء الحرمة ؟
 ج ـ لك أن تبيع بضاعتك بأي ثمن ولك أن تقبضه بأي طريقة، ما لم يتدخل ولي أمر المسلمين في تحديد أثمان السلع الأساسية كالخبز واللحم وما إلى ذلك، لك أن تبيع بضاعتك بأي ثمن ولك أن تقبضه بأي طريقة، نقداً أو تقسيطاً، كما أنه لك أن تشتري الحاجة بأي ثمن ولك أن تدفع ثمنها بأية طريقة، إلى هنا الأمر طبيعي، أما حينما نُسمي للزمن ثمناً وقعنا في شبهة الربا في البيع والشراء.
 س ـ هل تعني التقسيط حينما يدخله الزمن ؟
 ج ـ نعم، أنت حينما تسمي هذا الكتاب مثلاً ثمنه مئة ليرة، وهو مغلفٌ ثمنه مئة وخمسين، فالخمسون في الكتاب، فإذا كان اسمك مكتوباً على طرفه بلون رائع أصبح ثمنه مئتين، والخمسين الثانية في الكتاب، فإذا غلفته لك بغلاف وأخذت ثمن الغلاف كل هذه الزيادات في الكتاب، أما حينما أزيد عليك مئة ليرة لأني سآخذ ثمنه بعد سنة، فهذه المئة الأخيرة ليست في الكتاب ولكنها مقابل الزمن، على أية حال لك أن تبيع بأي سعر ولك أن تقبض بأية طريقة، ولك أن تشتري بأي سعر، ولك أن تدفع بأية طريقة، أما حينما تسمي صراحة للزمن ثمناً فقد وقعت في شبهة الربا.
 س ـ إذن في بيع الأقساط يشترط أن لا يكون هنالك زمن ؟
 ج ـ نعم، أن لا يكون هناك زيادة، البيع بالتقسيط هناك مساعدة من البائع للشاري عمل طيب، إحسان، وبيع السَلَم مساعدة من الشاري للبائع.
 س ـ فضيلة الأستاذ نريد هنا أن ننتقل إلى موضوع لطالما أعجب المستمعين في إذاعة الصوت الإسلامي وهو تربية الأولاد في الإسلام، فتكلمتم عن الحقوق لكنّ هناك مسألة أنّ حق الآباء على الأبناء ما زال هناك لغط كبير عليه، فما تظنون سبب هذا اللغط ؟
 ج ـ الأبوة مسؤولية، وهذا الابن الذي أنجبه الأب سيُحاسب عنه حساباً دقيقاً، لأنه لو أحسن تربيته لكان ولداً صالحاً، لو أهمله لكان ولداً سيئاً، ورد في الأثر أن بنتاً تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أُدخل أبي قبلي، لأنه هو الذي أفسدني، هو الذي أطلقني، هو الذي سمح لي أن أفعل كذا وكذا، ألا تعلم أنّ المؤودة في الجاهلية جريمة كبيرة جداً حتى إن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾

 

[ سورة التكوير ]

 حسناً ويقول الله عز وجل في آية أخرى:

 

﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 191 ]

 لو أنّ إنساناً أطلق لابنته الحرية فارتدت ما تشاء من الثياب، وصاحبت ما تشاء من الأصدقاء، وفعلت بعض الموبقات، بسبب تساهل أبيها وأمها، بسبب عدم تربيتها، عدم تعريفها بربها وبمنهجه، عدم حملها على طاعة الله عز وجل، فكل ابنة ينساها أباها، يهملها، لا يوجهها، لا يُعرِّفها بربها، لا يُعرِّفها بآداب الإسلام وقواعده، قد تنحرف هذه البيت وقد تفسق وقد تزني، وكل هذا في صحيفة الأب الذي أهملها، لذلك قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾

 

[ سورة التحريم: الآية 6 ]

 يأمرنا الله عز وجل أن نقِيَ أنفسنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة، تربية الأبناء مسؤولية كبيرة جداً، بل إن الأب الذي يربي أولاده كأنه يتصدق كل يوم بصاع من بُر، بل إنّ الأب الذي يهمل أولاده ويملك أكبر ثروة، ويتربع على أعلى مقام، ويحمل أعلى شهادة ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس، والإنسان يشقى بشقاء أولاده، ويسعد بإسعادهم، فكل أب يهمل أولاده لا بد أن يشقى في الدنيا قبل الآخرة لأن الولد فلذة الكبد، إن رآه منحرفاً، تائهاً، ضالاً، وقد فات الأوان ـ هناك أوقات تنجح فيها التربية ـ لكن بعد فوات الأوان التربية لا تُجدي ولا سيما في البيئات المتفلتة، في البيئات التي يغلب عليها انحراف المجتمع، نحن في زمن صعب القابض على دينه كالقابض على الجمر، أنا أذكر أنه قبل عدة عقود من السنوات الرذيلة محصورة في أماكن محدودة جداً، كما لو زرت حديقة حيوانات، الحيوانات في أقفاصها، والزوار طلقاء، أما الآن نحن في حديقة حيوان في إفريقية، الحيوانات طلقاء، والزائر إن لم يُحَصَّن في سيارة مصفحة تأكله الوحوش، هكذا حال العالَم اليوم، الزنا على قارعة الطريق، المرأة معروضة بشكل غير معقول في كل وسيلة إعلام، في الصحف، في المجلات، في الإذاعات، في التلفزيون، أي أن الشهوات مستعرة، أماكن اللهو كثيرة جداً، الانحراف شديد، الخمور تباع في كل مكان، فنحن في زمن صعب القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، فالآباء الآن تتضاعف مسؤولياتهم، فإن لم يكونوا فوق أولادهم توجيهاً ورعاية ومحاسبة وتدقيقاً خرجوا من نمط حياتهم وانحرفوا وفسدوا وكانوا عبئاً على أهلهم، فتربية الأولاد أنا أراها من أخطر الموضوعات على الإطلاق الآن.
 س ـ فضيلة الأستاذ هناك مسألة أنّ الولد ينحرف شيئاً فشيئاً أمام ناظري والديه، وبداية الانحراف هي أمور بسيطة يقوم بها الولد ويتساهل بها الأهل مماشاة لواقع العصر وواقع البيئة، فهذا الموضوع خطر جداً، فماذا نوجه لهذا الأب الذي وجد أمارَة من أمَارات الانحراف عند ولده ولم يوجهه إليها، وما هو حال الولد في هذه الحالة؟
 ج ـ قالوا: معظم النار من مستصغر الشرر، أي أن الأب الذي يجد ابنه على وشك الانحراف ولا يستنفر، ولا يقف بكل إمكاناته في وجه هذا الانحراف سوف يدفع الثمن باهظاً لأن هذا الانحراف سيزيد، ودائماً الإنسان ديناميكي، أي خطوة نحو الخير تجره لخطوات نحو الخير، وخطوة نحو الشر تجره لخطوات نحو الشر، فالإنسان ديناميكي، فالأب الذي يرى قطعة نقود في جيب ابنه ويعلم أنه لم يعطه شيئاً هذه بداية سرقة، فإذا لم يتخذ موقفاً ويُنبِه ابنه، ويعلم مصدر هذا المبلغ، ومن أعطاه إياه، وحقق، ودقق، وتابع الأمر، ونبَّه، ووجه، وعلَّم، هذا الأمر يتفاقم، هذا في قضية المال، وفي قضية الفتيات، فالأب مسؤول مسؤولية كبيرة أمام الله عز وجل عن أولاده، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 

[ سورة المنافقون: الآية 9 ]

 قد يهتم الأب فقط بطعام ابنه وثيابه ولباسه ودراسته ويهمل أخلاقه وقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( كفى بك إثماً أن تضيع من تقوت ))

 أي هو يطعمهم لكنه ضيَّعهم في دينهم، قد يسأل الأب: هل تناول فلان طعام العشاء ؟ هل كتب وظيفته ؟ لكنه قلّما يسأل هل صلى صلاة العشاء ؟ قد لا يهتم لهذا السؤال وهذا من تقصير الآباء، ولكن في الحقيقة أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، إذا كان الأب مقصراً، إن كانت عقيدته مهزوزة، إن كانت استقامته غير دقيقة، إن كان في كسبه شيء من الحرام، إن كان في علاقاته الاجتماعية محرمات، فكيف يحمل آبه على طاعة الله ؟ فاقد الشيء لا يعطيه.
 س ـ فضيلة الأستاذ هناك مشكلة تتعرض لها فتياتنا اليوم ونساؤنا بشكل عام وخاصة في استراليا حيث بات لباس الفتيات المحجبات نوع من التقليد الأوروبي، إذ نجد الحجاب مع البنطال، فما هو حكم الشرع في هكذا لباس ؟
 ج ـ والله لأنّ المرأة خلقها الله محببة للرجل أية امرأة على الإطلاق محببة للرجل، فالمرأة زينتها وجمالها لزوجها، فإذا جعلت هذا الجمال مباحاً لكل الناس فقد أفسدت وهي لا تدري، هذا الشاب الذي في الطريق يراها بأبهى زينة، يرى مفاتنها واضحة، صارخة، وليس أمامه زواج إلا بعد سنوات وسنوات، قد ينحرف، وقد يعمل عملاً لا يُرضي الله، من هو السبب في ذلك ؟ هذه الفتاة التي أبرزت مفاتنها في الطريق، هذه المفاتن جعلها الله رأس مال للفتاة مع زوجها، أما حينما تجعل هذه المفاتن لكل الناس الأمر يغدو فساداً عريضاً، فلذلك كل ثوب يصف حجم عضو المرأة فهو ثوب محرم، فالبنطال مثلاً إذا كان ضيقاً جداً وسط حجم أعضاء الفتاة فهذا ثوب محرم، وأي ثوب آخر، أي قطعة ثياب إذا كانت على حجم العضو تماماً فهي ثياب مُحرَّمة، وأي ثوب شفَّ عن لون البشرة كالثياب الرقيقة فهو ثوب محرم، فلا بد من ثياب تحجب عن الناس مفاتن المرأة، لا بد من ثياب فضفاضة، كثيفة، لا تسمح للناظر أن يرى ما وراءها، كما لا تسمح للناظر أن يرى حجم العضو الذي تستره، وأن تكون ألوانها معقولة، وغير صارخة، ولا تلفت النظر، هذا حكم الشرع في لباس المرأة، بل إنّ إيمان المرأة متناسب مع ثيابها، بل إنّ كل مساحة من ثيابها تُعَبِّر عن إيمانها، فإذا كان ثوبها فضفاضاً وسميكاً لا يشِفُّ عما تحته فإيمانها بالله كبير، والعِبرة أن تسعد الفتاة بزوج مخلص لها، فما بين الزوجين كل شيء مُباح، أن ترتدي أجمل الثياب، أن ترتدي أحدث صرعات الأزياء لزوجها، أما أن يكون هذا الجمال للناس جميعاً، السيارة الخاصة غير السيارة العامة، السيارة العامة يركبها كل الناس، أما السيارة العامة فيركبها صاحبها فقط، فكأن الفتاة تُسعِد زوجها ويسكن إليها، أما هي فليست لكل الناس، إن كانت لكل الناس كان فسادٌ عريض، المرأة محببة في أي مكان، والآن المرأة سلعة رخيصة جداً في العالَم الغربي، أي إذا أردت أن تبيع أية سلعة لا بد لها من امرأة شبه عارية تبيعها بها، فهذا أراه احتقار للمرأة وليس تعظيماً لها، الجوهرة الثمينة هل تضعها في الطريق أم في علبة ثمينة وفي بيت حصين ؟ وهكذا والله أعلم.
 س ـ أستاذنا مسألة العلاقة بين الرجل وزوجته أساسها القوامة للرجل على المرأة فما هي حدود هذه القوامة ؟ وما هي حدود المرأة في تصرفاتها، وفي خروجها ودخولها وما شابه ذلك، نريد حالة عامة ؟
 ج ـ قال تعالى:

 

 

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 34 ]

 أسباب هذه القوامة لِمَ فضّل الله بعضهم على بعض، فالزوج الأشد، الأكثر علماً، والأكثر حكمة، والأكثر قوة يملك هذه القوامة، وبما أنفقوا من أموالهم، فالزوج الذي ينفق من ماله على زوجته مَلَكَ القِوامة، مَلَكَها بتفوقه، ومَلَكَها بإنفاقه، أما إذا كان الزوج دون زوجته ورعاً وعلماً وديناً وكان يستعين بدخلها على صلاح حياته فَقَدَ القِوام، لكنّ الله عز وجل يقول:

 

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 228 ]

 درجة واحدة، لأن المرأة والرجل متساويان تماماً في التكليف، والتشريف، والمسؤولية، هي مكلفة بأركان الإيمان وأركان الإسلام كما هو مُكَلَّف، مُشرَّفة كما هو مُشرَّف، مسؤولة كما هو مسؤول، فهذا من أروع ما في الإسلام أنّ المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف والتشريف والمسؤولية، ولكنّ الله عز وجل يقول:

 

﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 36 ]

 فالمرأة لها خصائص جسمية، وخصائص عقلية، وخصائص اجتماعية ليست للرجل، هذه الخصائص كمال لمهمتها، والرجل له خصائص جسمية وعقلية واجتماعية ونفسية ليست للمرأة، هي كمال لمهمته، أنت حينما تريد أن تهدم بناء بالتراكس فهذا يجب أن تكون قوته كبيرة جداً، أما حينما تريد أن تذهب للنزهة تركب سيارة سياحية لطيفة، فمهمة هدم البناء تحتاج إلى تراكس، بينما مهمة أن تذهب إلى مكان جميل تحتاج إلى سيارة سياحية، فالمرأة والرجل متكاملان وليسا متشابهَين، كل عنصر له خصائصه الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية، هي كمال لمهمته، لذلك امرأة جاءت الرسول عليه الصلاة والسلام تشكو زوجها، قالت: يا رسول الله إنّ زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني ونثر بطني وتفرق أهلي وذهب مالي قال أنت عليّ كظهر أمي ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، أي هو دوره في الحياة أن يكسب المال وأنا دوري أن أربيهم، فهناك دوران متكاملان للرجل والمرأة معاً فهي مساوية له، ولكن له عليها القِوام، وقِوامته بسبب تفوقه في كل المناحي وبسبب إنفاقه للمال، أما إذا لم يكن يفوقها علماً وخُلُقاً، ولم يكن ينفق عليها، عندئذ فَقَد القِوام، أما الدرجة التي ميَّزه الله بها هي درجة واحدة، درجة القرار، أي لها حقوق وعليها واجبات، درجة واحدة، أما الجاهل يظن أنها لا شيء أمامه، هو كل شيء، قال تعالى:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾

 

[ سورة الروم: الآية 21 ]

 من أنفسكم أي إنسان تفكر كما يفكر، وتتمنى كما يتمنى، وتغضب كما يغضب، وترضى كما يرضى، وتؤمن كما يؤمن، وترقى كما يرقى، هي إنسانة، فقِوامته بسبب تفوقه وإنفاقه للمال، وهذه القِوامة درجة واحدة لأنّ الله عز وجل يقول:

 

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ(228)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 س ـ هل نفهم أنكم تُعارضون خروج المرأة للعمل ؟
 ج ـ العمل الذي فيه خروج عن منهج الله، لو أنّ المرأة خرجت كي تُدَرِّس الطلاب، لو أنها خرجت كي تخيط الثياب، العمل الذي يتوافق مع طبيعتها ويتوافق مع شرع ربها، العمل الذي فيه اختلاط شديد، العمل الذي فيه فتنة، العمل الذي فيه انحراف، طبعاً أنا ضد هذا العمل، أما لو أن المرأة علَّمت أطفالاً صغاراً أو علَّمت فتيات كباراً، لو أنّها خاطت الثياب، لو أنها عملت عملاً يتناسب مع طبيعتها ووفق منهج ربها، لا شيء عليها.
 س ـ أستاذ حتى بوجود أطفال في البيت تضعهم في الحضانة وتذهب للعمل ألا يشكل ذلك ضرراً على الأولاد ؟
 ج ـ والله لو قال الطيّار أنا ضقت ذرعاً بهذه الغرفة الصغيرة وهناك ستمائة راكب حياتهم بيده، أي أنّ هذه المرأة التي تجلس في بيت زوجها وتربي أولادها تقوم بأخطر عمل على الإطلاق، المرأة في المجتمعات الغربية إذا كانت مترفة ومصونة إلى أعلى درجة يُكتب في بطاقتها ربة منزل، فأنتِ حينما تقبعين في بيتك وتربين أولادك لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أنّ حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

 هذه المرأة التي تضيق ذرعاً بالبيت تريد الخروج لا تعرف مهمتها، و لا تعرف خطر خروجها من المنزل و إهمال أولادها، شهاداتها أولادها فإذا تركتهم لمربية هناك أخطار كبيرة جداً تتأتى من ترك الإنسان لامرأة غريبة، لأنّ ما بين الأم وأولادها شيء لا يعلمه إلا الله، لا يوجد امرأة على الإطلاق تحل محل الأم أبداً، أنا أرى أن الزوج حينما يشعر أن امرأته في بيته فوق أولاده مربية، مشرفة، راعية، هو مطمئن في عمله، أما إذا كانت زوجته في العمل وهو في العمل أيضاً والأولاد في الطريق أو في المدرسة، وقد يأتون بوقت غير مناسب، مَن يطعمهم، مَن يربيهم، هذا خطر كبير جداً، وهذا معنى قول الله عز وجل:

 

 

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾

 

[ سورة الأحزاب: الآية 33 ]

 لها أن تخرج لكن لضرورة، أما أن تجعل الخروج دائماً فهذا مستحيل، الأصل أنها في البيت، الأصل أنها تقوم بأخطر مهمة على الإطلاق وهي تربية الأولاد، فالأولاد إذا أُهملوا وانحرفوا بسبب عمل أمهم، هذا الذي أراه.
 س ـ فضيلة الأستاذ هناك مفكرون اسلاميون يقولون أنّ من أسباب تخلف المسلمين في العالَم على عدة أصعدة ومنها الصعيد العسكري هم أنهم لا يعترفون بالهزيمة ويعملون للنصر، ما قولكم في مجال هذه الصحوة ؟
 ج ـ والله الإنسان إذا لم يكن واقعياً لا يستطيع أن يتقدم، لأن أية مشكلة أول طريقة لحلها أن تعرفها، وأن تعترف بها، وأن تُقِر بها، وأن تحددها، فإذا لم نعترف بسلبياتنا كيف ننتصر عليها ؟ أنا أرى أن الإنسان واقعي، الإنسان الموفق في حياته واقعي، ومن واقعيته أن يرى أنه في مشكلة، وأن يعرف حجم هذه المشكلة، وحدودها، ثم يفكر في طريقة حلها، فكل إنسان يقفز على مشكلاته ولا يواجهها مواجهة هو إنسان غير واقعي، وليس جديراً بالنصر.
 س ـ هل تعني أنّ المكابرة على الواقع والقول بأننا منتصرون هي من عوائق التقدم ؟
 ج ـ طبعاً هذا يعيق تقدمنا، لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لو أن معك شيك مزور، وأنت تشعر أنك غني، ولكن هذا الشيك في سجن معه، لو عرفت الحقيقة أن هذا الشيك مزور، وأنه قد يوصلك إلى السجن، وعرفت الحقيقة المرة في الوقت المناسب قبل فوات الأوان، كان أفضل لك ألف مرة من هذا الوهم المريح الذي تتوهم فيه أنك غني كبير، فأنا أرى أن الإنسان إن لم يكن واقعياً فهو جاهل، لأن أدق تعريف للعلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل، فالواقعية أساس العلم، فإن لم تكن واقعياً كنت حالماً والحالم إنسان لا يُعتَدُّ به، إنسان خارج حدود البحث، الإنسان الحالم.
 س ـ فضيلة الأستاذ مستمعي إذاعة الصوت الإسلامي في شوق كبير إليكم فهل لكم بأن تخصوهم بكلام خاص ؟
 ج ـ والله أنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن يقبل عملي، وأنا أستمع من بعض الإخوة الذين يأتون من استراليا أن هذه الإذاعة الإسلامية إذاعة تركت أثراً كبيراً جداً في نفوس الجالية الإسلامية، وتركت بصمات واضحة، لذلك عبر هذه الإذاعة الإسلامية أخاطب مستمعيكم فرداً فرداً وهم في منازلهم وسياراتهم، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يُلهمني الصواب في مخاطبتهم، وأن يكون كلامي نافعاً لهم مُعِيناً على تفَهُم أمر دينهم ويحملهم على طاعة ربهم، لأنك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علِم فقد جهل.
 س ـ فضيلة الأستاذ أخيراً هل لكم من توصية تُحَمِلوننا إياها إلى استراليا ؟
 ج ـ يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ.))

 

[ أحمد، الترمذي، الدارمي ]

 سواء في دمشق أو في أمريكا أو في استراليا، اتقِ الله حيثما شئت، أنت في أرض الله، وأنت عبد لله، والله عز وجل معك في كل مكان، ومنهجه بين يديك، والآن التواصل الإعلامي جعل العالَم قرية، بل جعله بيتاً، بل جعله غرفة، أنت باتصال هاتفي تكون مع أبناء الشام، أنت ترى برامج إسلامية من أطراف الدنيا، فالعالَم أصبح ليس قرية، وليس بيتاً، بل أصبح غرفة، هذه البلاد بلاد الله، والله عز وجل هو الأول والآخر، وهو الظاهر والباطن، وله منهج قويم وصراط مستقيم، فاتقِ الله حيثما كنت، لكن أنا أقدم هذه النصيحة، وإن كانت تبدو غريبة اليهود في شتى بقاع الأرض لهم حارة تسمى حارة اليهود، أليس كذلك ؟ هم ماذا يفعلون ؟ يحافظون على انتماءاتهم، وعلى ديانتهم، وعلى تربية أولادهم، أنا أقول ينبغي للجالية الإسلامية في أي بلد آخر غير بلادهم أن يكونوا مع بعضهم بعضاً، أن يكونوا في حيٍ واحد ليؤسسوا مدرسة لأبنائهم، ليلتقوا في مسجدهم، أن يتواصلوا في زياراتهم، أن يتعاونوا، أنا أرى أنّ الإخوة المؤمنين في استراليا هم في أمَسِّ الحاجة إلى التواصل، وإلى التعاون، وأن يكونوا مع بعضهم بعضاً، وأن يسهموا في إنشاء مؤسسات ترعى دينهم وأولادهم، وترعى مستقبل بناتهم، فماذا يضيرهم لو كانوا في حيٍ واحد، وكان لهم مجلس علم كل أسبوع مثلاً، كان لهم مسجد، لهم إذاعة يستمعون إليها، لهم لقاءات، لهم

إخفاء الصور