وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الصف - تفسير الآيات 1- 4
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأول من سورة الصف.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

 سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

 1 ـ معنى التسبيح:

 ( سَبَّحَ ) كما يقول العلماء: نَزَّهَ ومَجَّدَ، وبعض المفسرين يضيفون إلى التنزيه والتمجيد الخضوع، لأن الإنسان حينما يعظم الله عزَّ وجل لابدَّ من أن يخضع له، بل إن الخضوع له علامة تعظيمه، فمن عَظَّمَهُ بلسانه، ولم يخضع لأمره فما عظّمه حقيقةً، فمعنى سبّح أي نزَّهه عن كل نقص، ومجده، ونسب له كل كمال، ثم خضع له، هذا معنى: سَبَّحَ بالمعنى الدقيق: نزه ومجد وخضع، بل إن الخضوع علامة التنزيه والتعظيم، فمن ادعى أنه يسبَّح الله عزَّ وجل، ولم يخضع لأمره ففي تسبيحه خلل، أو في تسبيحه كذب، لأن الله سبحانه وتعالى أهل التقوى وأهل المغفرة.

 2 ـ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ

 أما السماوات والأرض فهو مصطلحٌ القرآني يعني الكون، والكون يعني ما سوى الله، وكل المخلوقات تُنَزِّهُ، وتمجد، وتخضع لله عزَّ وجل، أما الإنسان فقد أُعطي حرية الاختيار:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

(سورة الأحزاب: الآية 72)

 الإنسان مخلوق مكرَّم مخيَّر:

 الإنسان مخيَّر، لذلك يخضع أو لا يخضع، وبقية المخلوقات خاضعةً حكماً لله عزَّ وجل، أما الإنسان فقد أعطي حرية الاختيار، فلما قبِل حمل الأمانة كرَّمه الله عزَّ وجل:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾

( سورة الجاثية: الآية 13)

 فالإنسان مخلوقٌ، والإنسان مخلوقٌ مكرَّم، والإنسان مخلوقٌ مكلَّف، مخلوق أوَّل:

 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

 المخلوق المُكَرَّم.

 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾

( سورة الإسراء )

 إذا كان هناك ألف نوع من الورود والأزهار هذه لمن ؟ هذه لا تؤكل، ولكنها يستمتع بمنظرها وبرائحتها، لمَن خُلقت ؟ أنواع الفواكه التي لا تعد ولا تحصى لمن خُلقت ؟ هذه الأرض التي هي أمينةٌ على كل حاجاتنا لمن خُلقت ؟ هذا معنى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾

 والإنسان هو المخلوق المُكَلَّف، لقوله تعالى:

 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

 

( سورة الذاريات )

 فكل ما في الكون بسماواته وأرضه يسبِّح لله تسبيح تنزيه، وتسبيح تمجيد، وتسبيح خضوع إلا الإنسان، الذي هو سيِّدُ المخلوقات، الذي سخرت له السماوات والأرض، هذا الإنسان أعطي حرية الاختيار، فإما أن يؤدي الأمانة التي حملها، وإما أن يخون الأمانة، وهو حينما قبل حمل الأمانة لم يكن ظلوما جهولا:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾

( سورة الأحزاب )

 هل كان ظلوما جهولا بحمل الأمانة ؟ الجواب: لا، أما حينما حملها وخانها:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾

 حينما قبِلها لم يكن ظلوماً جهولاً، بل كان طموحاً، فلم خانها كان ظلوماً جهولاً.
 أيها الإخوة الكرام، مما يلفت النظر في القرآن الكريم قوله تعالى:

﴿ إِنْ هُمْ ﴾

 الكفار.

 

﴿ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

 

( سورة الفرقان: الآية 44)

 إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا

 لقد حار المفسرون في معنى قوله تعالى:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

 أي بهائم، يعيشون ليأكلوا، يأكلون ويتمتَّعون كما تأكل الأنعام.
 ما معنى قوله تعالى:

 

﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

 لأن أشد الوحوش شراسةً تنتهي وحشيته حينما يملأ بطنه، فإذا ملأ بطنه لا يعتدي على أحد، فقد تمر أمام الوحش الكاسر فيكون أضعف الحيوانات، حينما يكون شبعان لا يعتدي على أحد، أما الإنسان لو وفرت له كل حاجاته، حينما يبتعد عن الله عزَّ وجل يستطيل على خلقه حتى يغدو الشر عنده هدفاً، فهذه القنبلة التي أُلقيت على هيروشيما، وقتلت ثلاثمئة ألف إنسان في أربع ثوانٍ، هذه وحشيةٌ ما بعدها وحشية، الأسلحة الجرثومية، الأسلحة الكيماوية، الأسلحة النووية، الآن هناك أسلحة إذا أُلقيت قنبلة على مدينة لا تقتل إلا البشر، وتبقى الأبنية كما هي، من أجل أن نأخذ المدينة غنيمةً كما هي دون هدمِها، فحينما يبتعد الإنسان عن الله عزَّ وجل يغدو شرَّ مخلوقٍ على وجه الأرض.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾

 لكن:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

 

( سورة البينة )

 فالإنسان إما أن يكون فوق الملائكة المقرَّبين، وإما أن يكون في أسفل السافلين.

﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

 أي أن وحشية الإنسان تفوق أشدَّ الوحوش شراسةً، هذا إذا ابتعد عن الله.
 ومعنى:

 

﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

 أن الحيوان حينما يموت ينتهي عنده كل شيء، لا حساب ولا عذاب، ولكن الإنسان حينما يموت تبدأ متاعبه، فهو محاسبٌ عن كل كلمة، وعن كل حركة، وعن كل ابتسامة، وعن كل وصل، وعن كل قَطْع، وعن كل غضب، وعن كل رضا، وعن كل عطاء، وعن كل منع، أضل من الحيوانات لأنهم مكلَّفون وسيحاسبون، أضل من الحيوانات لأن وحشية الإنسان تفوق حاجاته التي يحتاجها.

 

﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

 3 ـ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

 عزيزٌ ؛ لا يُنال جانبه، عزيزٌ فردٌ لا شريك له، عزيزٌ يستحيل أن تحيط به، عزيزٌ يحتاجه كل شيء في كل شيء، فردٌ لا شريك له، يحتاجه كل شيء في كل شيء، لا يحاطُ به، بعيدُ المَنال.
 حكيم ؛ كل شيءٍ وقع أراده الله، وكل شيءٍ أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق.

 ليس هناك شر مطلق:

 أيها الإخوة، دققوا فيما سأقول: الشر المطلق ؛ أي أن الشر للشر لا وجود له في الكون، بل إن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بأن لهذا الكون إلهاً رحيماً، حكيماً، عادلاً، وإما أن تؤمن بالشر المُطْلَق، الشر موجود، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))

[ مسلم عن علي ]

 الشر ليس إيجابياً، فحينما تضع مادة سُكَّرِيَّة في محرِّك سيارة يصيبه الخلل، وتحتاج إلى أن إصلاحه من جديد، وأن تدفع ثلاثين ألف ليرة لكمية سكر وضعت في المحرك، السكر مادة أساسية، مادة مفيدة جداً، ونحن في أمسِّ الحاجة إليها، والمحرك مادة أساسية في حياتنا، من أين جاء الشر ؟ من سوء الاستعمال، النفط مادة أساسية، ضع قطرتين منه في الطعام، انتهى الطعام، وتلقيه في القمامة، النفط مادة أساسية، والطعام مادة أساسية، فالشر لا وجود له إلا بشكلٍ طارئ من سوء الاستعمال، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))

 إن مركبة صُنِعَتْ في أرقى معمل، وفيها كل وسائل الراحة، وفيها جمال، وفيها أناقة، فيها قوة ومتانة، أما حينما يقودها إنسان ثمل سكران، وينزل بها في الوادي، وتصبح بشكل لا يحتمل، هذا شر، مَن خلق هذا الشر ؟ سوء استعمال، أن يقود إنسان سيارة وهو سكران، هذه هي النهاية، ولا يوجد معمل في الأرض يصنعها هكذا، المعامل تصنع سيارة جميلة متماسكة أنيقة.. أما حينما ترى السيارة قد تدهورت، ولها منظر لا يحتمل ليس هناك في العالم معمل صنعها بهذه الطريقة، حينما أسيء استخدامها كانت بهذا الشكل، فأصل الشر من مخالفة منهج الله، ومخالفة التعليمات.
 أوضح مثلٍ: ثلاث مواد بيضاء مسحوقة، السكر والملح ومسحوق التنظيف، لو وضعت السُكَّر في الطبخ فإنه لا يؤكل، لو وضعت الملح في الحلويات لم تُؤكل، لو وضعت مسحوق التنظيف فيهما فكلاهما لا يُؤكلان، هذه ثلاث مواد أساسية، إذاً من أين جاء الشر ؟ من سوء الاستعمال، من الجهل، وما من مصيبةٍ في الأرض إلا بسبب خروجٍ عن منهج الله، وما من خروجٍ عن منهج الله إلا بسبب الجهل، انتهى الأمر، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام منزِّهاً ربَّه:

 

 

(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))

 أما إذا قلت في عقائد المسلم: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره و شره، معنى ذلك هذا هو الشر النسبي الذي نراه نحن شراً، وهو خيرٌ مطلق:

 

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

 

( سورة النور: الآية 11)

 الشَّرُّ مُوظَّفٌ للخير:

 الحقيقة أن كل شرٍ تتصوره شراً هو خيرٌ مطلق، لكن شر بالنسبة لإنسان محدود الأُفُق، فلو ركِب مؤمنٌ مركبةً تدهورت به فأصيب بجرح عميق في وسط جسمه، وكسر في حوضه، الطبيب يجري عملية جراحية لترميم الوسط، وهو يفتح البطن وصل إلى الكُلية، فرأى فيها ورماً خبيثاً في بدايته، وهذا الورم الخبيث لا يأخذ أبعاده إلا بعد عشر سنوات، وهو قاتل، أما في بداياته فعلاجه سهلٌ جداً، لأن الكُلية لو استئصل نصفها لبقي الإنسان حيًّا، فيما يبدو أنه وقع حادث، أما حينما أردنا أن نضمِّدَ الجراح، وأن ننظف الجراح وصلنا إلى الكلية، فإذا فيها ورمٌ خبيث، استئصل، فنجا هذا الإنسان من هذا المرض القاتل، فهذا الحادث خير أم شر ؟ ظهر أنه خير، ويمكن أن تقيس هذا على كل المصائب، كإنسان عنده مزرعة يمكن أن يضمنها بخمسمئة ألف، أتاها يوم الحصاد فإذا هي خاويةٌ على عروشها:

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾

( سورة القلم )

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(27)قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾

 قال تعالى:

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾

( سورة القلم: الآية 33 )

 بسبب هذه الخسارة الكبيرة رجعوا إلى الله، وتابوا إليه، واصطلحوا معه، فلما اصطلحوا معه عوَّضهم عن خسارتهم أضعافاً مضاعفة، فهذا المحصول المدمَّر خير أم شر ؟ إنه خير، يجب أن نؤمن أن الشر الذي يفعله الإنسان يوظِّفُهُ الله عزَّ وجل للخير المطلق.
vذهبت امرأة لتفحص صدرها في مستشفى، الموظَّف أهمل، فأعطى قريبها نتيجة امرأة ثانية مصابة بالسل، أليس هذا خطأ كبيرا ؟ أن تقدِّم لإنسان صحيح ما يفيد أنه مريض بمرض عضال ؟ هذه المرأة بقيت تبكي، وتبكي إلى أن هُدِيَتْ إلى أن تصطلح مع الله، وأن تتوب إليه، وأن تعود إليه، وأن تؤدي الصلوات، وأن تتحجَّب، ثم تبيَّن أن الخطأ من الموظف، وهي سليمة الصدر ليس فيها فيها شيء، فهذا الخطأ الذي فعله الموظَّف خطأ وشر ؟ كيف وظفه الله عزَّ وجل للخير ؟ كل أخطاء البشر توظَّف للخير، لو سألتموني: ما الدليل ؟ قال تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

 قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾

( سورة القصص )

 شرير..

﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ ﴾

( سورة القصص )

 هذا الشر ؛ شر فرعون وظفه الله عزَّ وجل لخير المستضعفين:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ ﴾

( سورة القصص )

 فإذا رجعوا، واصطلحوا مكَّناهم، وقوَّيناهم على فرعون ليتوب ثانيةً على أيديهم.

﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

( سورة القصص )

 هذه سنة الله في خلقه.
 " إذا عصاني من يعرفني سلَّطت عليه من لا يعرفني ".

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(129) ﴾

 بشكلٍ ملَّخص: الشر المطلق لا وجود له في الكون، بل إن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله.

 الشرُّ النسبي والشر المطلق:

 ما الشر المطلق ؟ النسبي أن تأتي بالمبضع، وأن تفتح البطن، وأن يخرج الدم غزيراً، وأن تغلق هذه الأوعية والشرايين، وأن تصل إلى الزائدة فتستأصلها، لأنه لابدَّ من استئصالها، إن آلامها لا تحتمل، وتصبح عندئذٍ خطراً على حياة الإنسان، فتح البطن، وانهمار الدم، واستئصال الزائدة، شرٌ مطلقٌ أم نسبي ؟ نسبي، أما لو جاء إنسان، وبقر بطن إنسان بلا سبب، نقول: هذا الشر مطلق، بالمعنى التوضيحي، فحينما أفتح البطن لأستأصل ورماً خبيثاً، أو لأستأصل زائدةً ملتهبة، فتح البطن لا يسمى شراً، يسمى شرًّا نسبيًّا موظفًا للخير، أما حينما أفعل الشر للشر فهذا اسمه الشر المطلق، وهذا لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، هكذا الإيمان، لذلك:

﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾

( سورة آل عمران: الآية 154 )

 بعض المؤمنين يظن بالله غير الحق ظن الجاهلية، الله جلَّ جلاله كماله مطلق:

﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

 هذا الكلام حول كلمة الحكيم، أي الشيء المناسب، في الوقت المناسب، بالقدر المناسب، بالأسلوب المناسب، ومعنى الحكيم: أن كل شيءٍ وقع لابدَّ من أن يقع، ولو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، من هنا قال بعض الأئمة: " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، أو " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني "، وحسن الظن بالله ثمن الجنة، ونحن في الدنيا، و فيها شر، وهذا الشر نسبي، وهذا الشر موظَّف للخير، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة السجدة )

 أيها الإخوة الكرام، لو أحصيت المؤمنين في الأرض، ولا أبالغ لوجدت تسعة أعشارهم اصطلحوا مع الله على إثر مصيبةٍ نزلت بهم، فهل تُعَدُّ المصيبة شراً ؟
أعرف رجلاً سمعت قصته في قطرٍ آخر، هو رجل متفلِّت، منغمس في المعاصي كلها، لم يُدْخِل الآخرة في حساباته إطلاقاً، عنده بنتٌ صغيرة أخذت جزءًا من عقله من شدة حبه لها، أصيبت بمرضٍ خبيثٍ في دمها، انقلبت حياته جحيماً، لم يدَعْ طبيباً إلا وعالجها على يديه، لم يدع بلداً إلا وذهب إليه، إلى أن اضطر إلى بيع بيته، والسفر إلى بلدٍ أجنبي بُغْيَةَ معالجتها، فجأةً خطر في باله لعل الله يشفيها لهم إذا تاب هو وزوجته، فاتفق مع زوجته على التوبة لله عزَّ وجل، بدءا يصليان، وحجّب زوجته، واصطلحا مع الله، وهذا المرض تراجع شيئاً فشيئاً إلى أن عوفيت ابنته تماماً، فهذا الإنسان كان متفلتاً، كان شارداً، كان في طريق جهنم، كان هالكاً في الدنيا والآخرة، هذا المرض العُضال الذي أصاب ابنته أعاده إلى الله، وحمله على التوبة، وجعله يصطلح مع الله، وذاق طعم القُرب، فهل يعد هذا المرض شراً مطلقاً أم شراً نسبياً ؟ شر نسبي.
 فيا أيها الإخوة، حينما قال الله عزَّ وجل تعقيباً على قصة أصحاب الجنة:

﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾

( سورة القلم )

 قال تعالى:

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾

( سورة القلم: الآية 33 )

 هذه طبيعته، وهذه بواعثه، وهذه أهدافه، العذاب من أجل الخير المُطْلَق، العذاب شرٌ نسبي من أجل الخير المطلق، لكن لو أن أبا شدّد على ابنه في سنيّ الدراسة، إلى أن نال أعلى الشهادات، وعاش حياةً كريمةً مريحةً ذات دخلٍ كبير، ألا يترحَّم هذا الابن على أبيه ملايين المرات على أنه ضربه في سن الدراسة، وضيَّق عليه، وألزمه البيت، وتابع دراسته، وهكذا، فلذلك الشر المطلق لا وجود له، والشر النسبي موظفٌ للخير المطلق، هذا معنى ( حكيم ).
 إذاً:

﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

 الآن الخطاب للمؤمنين:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

( سورة الصف )

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ

1 ـ البيان من خصائص الإنسان:

 ذكرت لكم من قبل أن الجماد شيء يشغل حَيِّزاً له وزن، وله طول وعرض وارتفاع، أبعاد ثلاثة، وله وزن، ويشغل حيزاً، هذا هو الجماد، أما النبات فهو شيءٌ له أبعاد ثلاثة، ويشغل حيزاً، لكنه ينمو، هذا هو الفرق الأول، الحيوان شيءٌ له أبعاد ثلاثة ووزن، وينمو، ويتحرَّك، الإنسان شيءٌ يشغل حيزاً، وله أبعادٌ ثلاثة، وله وزن، وينمو، ويتحرَّك، ويفكر، وينْطِق، الله عزَّ وجل اختص الإنسان بالبيان، قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

( سورة الرحمن )

 علَّمه البيان.. ينطق، يعبر عن مشاعره، يعبر عن أفكاره، يعبر عن حاجاته، بلسانه أو بقلمه، ويستمع إلى أفكار الآخرين ومشاعرهم بأذنه، أو يبصرهم بعينه، يسمع أو يقرأ، ينطق أو يكتب، هذه هي اللغة.. القدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر تعبيراً شفهياً وكتابياً، والقدرة على فهم كلام الآخرين فهماً شفهياً وفهماً مكتوباً، هذه هي اللغة، هذه اللغة مما اختص الله بها بني البشر:

﴿ الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَان ﴾

 تصوَّر مجتمعا ليس فيه لغة، وأردنا أن نمنع التجول، كيف نوصِل لهم ذلك ؟ تحتاج لكل مواطن إلى شرطي يدفعه إلى البيت، أما البلاغ فيُلْقى في خمس ثوان لا تجد في البلاد إنساناً يمشي، أداة اتصال راقية جداً، أما اللغة المكتوبة فهي أرقى بكثير، اللغة المقروءة نستفيد منها في قراءاتنا، أما المكتوبة فتنقل الثقافة من جيل إلى جيل، فالإمام القُرْطُبي مات قبل ألف عام، وتفسيره بين أيدينا، والغزالي ألف كتابه إحياء علوم الدين، هو مات قبل أقلّ من ذلك، وكتابه الإحياء بين أيدنا، هؤلاء العلماء الكبار الذي تركوا آثارا كبيرة جداً، آثارهم بين أيدينا نستفيد منها، فبالكتابة تنتقل المعارف والثقافات من جيلٍ إلى جيل، وبالترجمة من تنتقل أمةٍ إلى أمة، وهناك كتب عالمية أُلِّفَت باللغة الإنكليزية مترجمة إلى معظم لغات العالم، وتدرَّس في كل الجامعات، لذلك قال الله عزَّ وجل:

 

﴿ الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَان ﴾

 

 2 ـ قد تكون اللغة أداة تدمير:

 من أخص خصائص الإنسان اللغة، فما أصل اللغة ؟ أن تعبِّر بها عن واقع، فإن لم تعبر بها عن واقع فقد خنت هذه الأمانة، كما لو أوهمت إنساناً بشيءٍ لا وجود له، هذا هو الكذب، فكما أن اللغة من أخص خصائص الإنسان، ومن أرقى وسائل البيان، في الوقت نفسه تنقلب اللغة إلى أبشع أداةٍ للتضليل، والغُرْمِ بالغُنْمِ، كما أنها ميزةٌ رائعة لبني الإنسان يتواصلون بها في أفكارهم، ومشاعرهم، وفي ثقافاتهم، ومعارفهم، في الوقت نفسه حينما لا تفعل ما لا تقول تكون أكبر ضالٍ مضلًٍ في بني البشر، تقول شيئاً وتفعل غيره.

 3 ـ الأنبياء جاءوا بالكلمة:

 بماذا جاء الأنبياء ؟ الأنبياء جاءوا بالكلمة، الآن هناك حضارات مادية، يقولون لك: صواريخ، وأقمار صناعية، وقنابل عنقودية، وقنابل ذكية، وأسلحة كيماوية، وأسلحة جرثومية، وقنبلة نووية، وحاملات نفط تحمل مليون طن، فالحضارة المادية جاءت بمنجزات مُذهِلَة، نقلوا الصورة، ونقلوا الرسالة، ونقلوا عبر الأقمار الصناعية، وصار العالم كلَّه قرية صغيرة، وطائرات عملاقة تحمل ستمئة وخمسين راكبا، أو سبعمئة راكب، وصار شيئا لا يكاد يُصدَّق.
 الأنبياء الذين هم رُسُل الله عزَّ وجل بماذا جاءوا ؟ جاءوا بالكلمة، كلمةٌ أسعدت الأمم، كلمة نقلت رعاة الغنم فصاروا قادة الأمم، وأساس الكلمة الصدق، أن تعبِّر عن واقع، فإن لم تُعَبِّر عن واقع فقد أصبحت الكلمة ضالَّةً مضلَّة، لذلك الآية دقيقة جداً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 4 ـ الكذب يتناقض مع هوّية الإنسان:

 إن قلت عن شيءٍ فعلته في الماضي، ولم تفعله فهذا كَذِب، وإن قلت عن شيءٍ ستفعله في المستقبل، ولم تفعله فهذا إخْلاف، فالكذب في الماضي، والإخلاف في المستقبل، إن قلت كلاماً ينطبق على الواقع فهذا صدق إخباري، وإن قلت كلاماً فعلته في المستقبل فهذا صدقٌ إخلاصي، أي أنت قلت: أفعل كذا وفعلت كذا، أنت مخلصٌ لكلمتك، إذاً موضوع:

﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 كما قال عليه الصلاة والسلام:
 عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

 الكذب يتناقض مع هوّية الإنسان، كَرَّمه باللغة، واللغة ينبغي أن تعبِّر عن واقع، أن تعبِّر عن واقعٍ ماضٍ أو مستقبلٍ، فإن لم تعبِّر عن ذلك فهو الكذب، وهو من أسوأ خصائص الإنسان.

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 لذلك في الأرض آلاف الكُتَّاب الأخلاقيين، وآلاف المصلحين الاجتماعيين، وآلاف المربين، وفي الأرض أنبياء أرسلهم الله للأمم، لماذا فعل لأنبياء ما يُشْبِه المعجزات، ولم يفعل كل المصلحين ما فعله نبيٌّ واحد ؟ لأن النبي فعل ما قاله، ولا تجدُ مسافةً بين أقواله وأفعاله..

 

 

﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 

 كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ

 1 ـ المقت:

 المقت أيها الإخوة ليس هو البغضاء، إنه أشدُّ أنواع البغضاء، أي إذا لم يفعل الإنسان ما قاله بلسانه مَقَتَهُ الله أشد المقت، لأنه تعامل مع أوهام، كان من الممكن أن يتعامل مع وقائع، ومع أشياء دسمة، وأشياء نافعة، إنسان اكتفى أن يقول: أنا معي ألف مليون، وليس معه ثمن رغيف خبز، فرح بهذه الكلمات الفارغة، هذه لا تسمن ولا تغني من جوع، أما إذا عمل عملاً حقيقياً، وشَكَّل ثروة كبيرة فإن هذا شيءٌ آخر، فالذي يتعامل مع الكلمات الفارغة الجوفاء الكاذبة المزوّرة، هذا إنسان وقع في وهمٍ كبير، وقع في وهمٍ أنه مؤمن، وهو ليس كذلك، هذا من أخطر ما يُصيب الإنسان ؛ أن يعيش في أفكار بعيدة عن الواقع، واقعه شيء وأفكاره شيءٌ آخر، وحينما يمتهن الإنسان الفِكر، ويتعامل مع القيم لفظاً، ويتعامل مع الخُلُق الكريم َعْرَضاً وبياناً، وهو ليس كذلك فإنه وقع في شرِّ عمله، لذلك ربّنا عزَّ وجل يَمْقُتُ هذا الإنسان أشدَّ المقت..

﴿ كَبُرَ ﴾

 من يقول هذا الكلام ؟ ربُّنا.

 

﴿ كَبُرَ ﴾

 

 2 ـ كَبُرَ مَقْتًا

 لا تنسوا أن العظيم إذا وصف شيئاً بأنه عظيم فهو من العظَمة ممّا لا يُوصف، فإذا قال لك طفل: معي مبلغ كبير، فإنك تقدِّر أن معه مئة ليرة، أما إذا قال لك أحد أكبر أغنياء العالم: أنا عندي ثروة عظيمة، فتقدَّرها بعشرات ألوف الملايين، طفل قال لك: معي مبلغ عظيم، وأحد أغنى أغنياء العالم قال لك: عندي ثروةٌ عظيمة، فإنك تفهم ( العظيم ) من طفل مئة ليرة، ومن هذا الثري بعشرات ألوف الملايين، فربنا عزَّ وجل يقول:

﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 " ابن آدم، عظ نفسك، فإن وعظتها فعظ غيرك، وإلا فاستح منّي ".

 إيَّاك أيها الداعية أن يخالف فعلُك قولَك:

 أحد الدعاة نصح شخصا فقال له: " احذر أن يراك المدعو على خلاف ما تدعوه "، لأن أيّة دعوةٍ إلى أية فكرةٍ لا تنجح إلا إذا كان فيها مصداقية، وإذا فقد الإنسان المصداقية انتهى، وسقط في الوحل وتحت الأقدام، وقد يكون فصيحاً، وطليق اللسان، ومنطقياً، وأفكاره جيدة جداً، وعرضه رائع، وأدلَّته قوية، أما إذا كشف المدعو أن هذا المتكلِّم المتفقه الذي يعبِّر عن أدقّ المشاعر والأفكار ليس في مستوى دعوته، لم يجد المصداقية في دعوته، سقط هذا المتكلم في الوحل، فكل إنسان يَدَّعي الحق، لكن المحك هو العمل..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

 إن الإنسان يحاسب نفسه، بل إن المؤمن قريب من الله عزَّ وجل، وقد يشعر أحياناً إذا فعل شيئاً نهى عنه في حديث له، فكأن الله عزَّ وجل يعاتبه ويقول: يا عبدي، هل أنت كذلك ؟! أنت الذي قلت للناس: افعلوا كذا وكذا، أنت كذلك ؟! ألا تستحي منّي ؟ لذلك يرى أهل النار يوم القيامة في النار إنساناً له شهرةٌ واسعة في حقل العلم، وقد بُقِرَ بطنه، وأخرجت أمعاؤه وأقتابه، فعن عثمان بن عفان قال سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ))

 

[ متفق عليه ]

 أخطر شيء في الدعوة إلى الله أن تنقلب إلى حرفة مثل أية حرفة أخرى، هناك أساليب ومعلومات وأفكار، والإنسان يستقبل الناس، ويُقنِعهم، أما هو فبعيدٌ بعداً شديداً عما يدعو إليه، من هنا كان هذا الدعاء: " اللهمَّ إني أعوذ بك أن يكون أحدٌ أسعد بما علَّمتني منّي، اللهمَّ إني أعوذ بك أن أتزيّن للناس بشيءٍ يشينني عندك، اللهمَّ إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سِواك، اللهمَّ إني أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحدٍ من خلقك ".
 لا أكون عبرة، لا أتزيّن للناس بشيء يشينني عندك، لا أتكلَّم كلام فيه رضاك ألتمس به أحداً سِواك..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ(4) ﴾

 

 إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ

 1 ـ نعم للوحدة لا للتفرقة:

 نستنبط من هذه الآية أن الله يحبُّنا أن نكون متعاونين، متكاتفين، أن نكون صفًّا واحداً، ألاّ نكون متفرِّقين متناحرين، متباغضين، متحاسدين، مختلفين، والشيء الذي يعصر القلب هو أن أعداءنا على خمسة بالمئة من القواسم المشتركة لكنهم يتعاونون، ونحن المسلمين على خمسة وتسعين بالمئة من القواسم المشتركة ولا نتعاون، وهذا أكبر ما يؤلم المسلمين، كتابنا واحد، نبيّنا واحد، سنَّتنا واحدة، معتقداتنا واحدة، آلامنا واحدة، آمالنا واحدة، لغتنا واحدة، أهدافنا واحدة، مع ذلك لا نتعاون كما ينبغي، والأعداء الأَلِدَّاء على خمسة بالمئة من نقاط الاشتراك ويتعاونون، والأمر الإلهي:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

( سورة المائدة: آية 2)

 والآن لا يصلح أمر هذه الأمَّة إلا بالتعاون، والتضامن، والتكاتف والتآزُر، ورحم الله الإمام الشافعي فإنه يقول: " نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا ".
 سمعت تعليقا من أخ كريم على هذه المقولة، قال لي: أنا أقترح.. طبعاً ليست منه، ولكن قرأها لعالمٍ جليل.. أن نقول: " نتعاون فيما اتفقنا، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا "، نتعاون، ونتناصح بالحكمة والموعظة الحسنة، هذه الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾

 2 ـ وجوب لزوم الجماعة:

 يحبُّنا الله أن نكون متعاونين غير مختلفين، متعاونين بكل مشاعرنا وقلوبنا.
 لذلك قال النبي الكريم:
 عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ))

[ الترمذي ]

 وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ:

 

(( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ ))

 

[ الترمذي ]

 وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ ))

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ ))

 

[ مسلم]

 عن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ))

 

[ مسلم]

 ليس من صلَّى الفجر في وقته، بل في جماعة، في أقرب المساجد إليه.. فهو في ذمَّة الله حتى يُمسي، ومن صلَّى العشاء في جماعة فهو في ذمَّة الله حتى يًصبِح.
 فما قولكم بالمؤمنين إذا كانوا في قتال، وفي خط المواجهة الأول، وفي ساعات الالتحام مع العدو، ودخل وقت الظهر، عليهم أن يصلُّوا جماعةً، في القرآن تفصيل لصلاة الجماعة في أثناء الحرب، فإذا كنا في أثناء الحرب ينبغي أن نُصَلِّي جماعةً، فما القول في أيام السلم والطمأنينة ؟
 الإنسان الذي لا يصلِّي جماعة، وليس له جماعةٌ ينضمُّ إليها يتعاون معها، يستقي من علمها، يهتدي بفتواها، إنه إنسان ضائع، الإنسان قوي مع أخوه، الأجانب يقولون: واحد زائد واحد يساوي ثلاثة، أحياناً رجلان اثنان ينتج عنهما أفكار أكثر من عشرة..

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

( سورة سبأ: آية 46 )

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾

 3 ـ النبي بيّن لنا سبيل التعاون وحذّرنا من سبل التفرقة:

 لذلك كل ما من شأنه أن يقوي هذه العلاقة فقد أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، فأمر بإفشاء السلام، وأمر بتلبية الدعوة، وأمر بعيادة المريض، وأمر بالتهنئة إذا أصابه خير، أمر بالتعزية، أمر بتشيّيع الجنازة، أمر بالعطف والإحسان، أمر بإكرام اليتيم، فكل ما من شأنه أن يقوي العلاقة بين المؤمنين أمر النبي به، وكل ما من شأنه أن يُبعِد فيما بينهم نهى النبي عنه، فنهى عن الغيبة لأنها تُمزِّق المجتمع، ونهى عن النميمة، ونهى عن السخرية، ونهى عن المحاكاة والتقليد، ونهى عن اللمز والغمز، وكل ما من شأنه أن يُضْعِفَ العلاقة بين المؤمنين نهى النبي عنه.
 لو جمعنا بعض الأحاديث:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ))

[ مسلم ]

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

 

[ مسلم ]

 فهذه الأحاديث حوالي المائتين تقريباً، كل ما من شأنه أن يقوِّي العلاقة بين المؤمنين أمر النبي به، كل ما من شأنه أن يضعِف العلاقة..

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

 سيدنا عمر وسيدنا الصدِّيق رضي الله عنهما بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام صار هناك خلاف حول الخلافة، سيدنا الصديق قال لعمر رضي الله عنه: << يا عمر، مُدَّ يدك لأُبايعك، أبو بكر أقوى، وأفضل، وأقدم، فيما أذكر يقول سيدنا عمر: أي أرضٍ تقلِّني، وأيّ سماءٍ تظلّني إذا كنت أميراً على قومٍ فيهم أبو بكر >>.. هذه فوق طاقتي، لا أحتملها.. فقال له الصديق: << أنت أقوى منّي يا عمر، فقال له عمر: أنت أفضل مني، عندئذٍ قال عمر: قوّتي إلى فضلك >>.
 الحقيقة أن التعاون حضارة، والتنافس همجية، وهذا كلما ارتقى الإنسان.. فعلى مستوى البيع والشراء إذا تنافس الباعة فلا يربح الكل، الكل يفلّس.. التنافس هَمَجِيَّة، أما التعاون فحضارة.
 أيها الإخوة... حينما قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

( سورة النور )

 فوائد اجتماعية:

 ماذا نستفيد من كلمة ( جميعا ) ؟ أي حينما يتوب المؤمنون جميعاً نقطف ثمار الإيمان جماعةً، إذا كنت تعيش بين إخوة مؤمنين فيمكن أن تتعامل معهم كلهم براحة من دون خوف، وإذا لم يوجد فيهم إيمان واستقامة صار كل تعامل مع واحد منهم معركة، تخاف أن يقنصك، تخاف أن يغدر بك، كل شيء فيه لغْم، كل شيء قد ينفجر أمامك، حياة الإنسان مع أناس بعيدين عن الله عزَّ وجل حياة مخيفة جداً، أما وأنت بين إخوانك المؤمنين فإنهم لا يكذِبون، فلا تجد كذبا ولا غدرا ولا خيانة ولا إيذاء.. والمسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره ولا يؤذيه ولا يكذِبه.. ومالك حرامٌ عليه، عرضك حرامٌ عليه، دمك حرامٌ عليه.
 أنت تعيش بين مؤمنين طيّبين، عندما يكون الإنسان مع جماعة مؤمنة يرتاح، حتى لو تعاملوا فيما بينهم مادّياً أحدهم لا يأخذ إلا حقَّه، أما أهل الدنيا فيأخذون ما لهم، وما ليس لهم، الجماعة رحمة، كذلك أخوك المؤمن ينصحك وتنصحه، يأخذ بيدك وتأخذ بيده، يعطيك وتعطيه، إذا كان الجار العادي فقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( أتدرون ما حقُّ الجار ؟ إذا استعان بك أعنته، وإذا استنصرك نصرته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا أصابه خيرٌ هَنَّأته، وإذا أصابته مصيبةٌ عَزَّيته، وإذا مرضَ عدته، وإذا مات شيّعته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهةً فأهدِ له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذِه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ))

[ وردفي الأثر ]

 هذا الجار العادي، فحياة المؤمنين في سعادة كبيرة جداً، في تعاون، في صدق، في حب، أحياناً الإنسان يجلس مع إخوانه عشرة ساعات ولا يمل، توجد مليون نقطة مشتركة، أفكار مشتركة، مبادئ مشتركة، قِيَم مشتركة، أهداف مشتركة، أخلاق مشتركة، طُموحات مشتركة، آداب مشتركة، فلذلك قال النبي:

 

(( الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))

 

[ أحمد عن النعمان بن بشير ]

 وهناك مجتمعات أخرى تعينك على المعصية، وتشدُّك إلى الدنيا.
 نختم الدرس بقول النبي عليه الصلاة والسلام، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))

 

[ الترمذي ]

 انضم للمؤمنين تَسْعَد بهم، وكن مع المؤمنين لأن الله عزَّ وجل أمرك بأمر قطعي الدلالة فقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

 

(سورة التوبة )

 أي من أجل أن تستطيعوا أن تتقوا الله كونوا مع الصادقين، أنت بحاجة إلى بيئة مؤمنة، لأنه مهما تكن الأفكار دقيقة وعالية فإن البيئة لها أثر خطير جداً، فيجب أن تكون لك بيئة طيّبة، بيئة طاهرة، بيئة مؤمنة، بيئة راقية.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

(سورة التوبة )

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

( سورة الكهف )

 المؤمنون إذا ذهبوا في نُزهة فهي جنَّة، يذكرون الله عزَّ وجل، يتعاونون، لو جلسوا في جلسة حَفَّتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله في من عنده.
 والمؤمن إذا سهر مع إخوانه يسعد بهم، وإذا سافر معهم يسعد بهم، وإذا شاركهم يسعد بهم، فلذلك:

 

(( الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))

 

[ أحمد عن النعمان بن بشير ]

(( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))

[ الترمذي عن أبي سعيد الخدري]

 هذا كلُّه مستنبط من قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾

 عندما كان النبي الكريم في غزوة من الغزوات سأل عن أحد الصحابة، فغمز أحدهم أنه سرَّه النظر إلى عطفيه، وسرُّه بستانه، فهو في ظلٍّ ظليل.. أي إنه آثر مصالحه الدنيوية على أن يغزو معك.. النبي سكت، فجاء رجل وقال: " والله يا رسول الله ما علمنا عنه إلا خيرا، والله يا رسول الله لقد تخلَّف عنك أناسٌ لو علموا أنك تلقى عدّواً ما تخلَّفوا عنك، وما نحن بأشد حباً لك منهم "، فتبسَّم النبي، وسُرّ من هذا الموقف.
 دافع عن أخيك، ولا تكن عونا للشيطا

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور