- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله الله ولي الصالحين ، شهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، حب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تمهيد :
عن أبو الدرداء رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم ، وأرفَعِها في درجاتكم ، وأزكاها عند مليكِكم ، وخير لكم من الوَرِق والذهب ، وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقَكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ذِكْرُ الله '
شأن الذكر:

التفكر في آيات الله :
فمن الذكر التفكر في آيات الله في الآفاق ، وفي الأنفس ، وهذا التفكُّر من أجل أن نعرف الله جل وعلا ، وأن نقدره حق قدره ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
من آيات الله في الآفاق التجاذب الحركي :
فمن هذه الآيات التي بثها الله في الآفاق ، التجاذب الحركي فيما بين الكواكب والنجوم ، قال تعالى :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
فكلمة تَرَوْنَهَا تفيد ـ فيما تفيد ـ أن الله جل وعلا رفع السماوات بعمد لا نراها إنها قوى التجاذب التي تنظم الكون كله ، بدءاً من الذرة ، وانتهاءً بالمجرة .
الشمس والأرض :
فالشمس مثلاً تجذب إليها الأرض بقوة هائلة ، بحيث تجري الأرض في مسار مُغلق حول الشمس ، ولو أنعدم جذب الشمس للأرض ، لخرجت الأرض عن مسارها حول الشمس ولاندفعت في متاهات الفضاء الكوني ، حيث الظلمة والتجمد ، وبزوالها عن مسارها (أي بغنحرافها عنه) تزول الحياة فيها ، إذ تصل درجة حرارتها إلى مئتين وسبعين درجة تحت الصفر . وهي درجة الصفر المطلق ، التي تنعدم فيه حركة الذرات . قال تعالى :
﴿ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
ولكي ندرك قوة جذب الشمس للأرض ، نفترض أن هذه القوة انعدمت لسبب أو لآخر ، ومن أجل أن تبقى الأرض مرتبطة بالشمس ، تجري في مسار حولها ، لابد من أن نربطها إلى الشمس بأعمدة مرئية من الفولاذ ، والفولاذ من أمتن المعادن ، ومن أعظمها تحملاً لقوى الشد فالسلك الفولاذي الذي قطره ميلمتر واحد ، يتحمل من قوى الشد ما يعادل مئة كيلو غرام ، إننا بحاجة إلى مليون مليون حبل فولاذي ، طول كل حبل مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وقطر الحبل الواحد خمسة أمتار والبل الواحد ن هذه الحبال يتحمل من قوى الشد ما يزيد عن مليوني طن ، فكم هي قوة جذب الشمس للأرض ؟ .. إنها مليونا طن مضروبة بمليون مليون ثم إذا زرعنا هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس ، لفوجئنا أننا أمام غابة من الحبال الفولاذية ، بحيث تقلُّ المسافة بين الحبلين عن قطر حبل ثالث ، هذه الغابة تحجب عنا أشعة الشمس ، وتُعيق كل حركة وبناء ونشاط . كل هذه القوى الهائلة من أجل أن تحرف الأرض في مسارها حول الشمس ثلاثة ميلمتارت كل ثانية . لقد صدق الله العظيم إذ يقول :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
﴿ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
من آيات الله في الأنفس :
هذه آية من آيات الآفاق ، فماذا عن آيات النفس ؟ .. قال تعالى :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
لو أن رجلاً كان يتنزه في بستان ، ولمح فجأة كائناً مؤذياً قاتلاً ، فما الذي يحدث في جسمه ؟!..
ينطبع خيال هذا الكائن على شبكية العين ، إحساساً ، وينتقل هذا الإحساس الضوئي إلى المُخِّ ، فيصبح إدراكاً للخطر ، وعندها يأمر المخ ـ وهو ملك الجهاز العصبي ـ الغدة النخامية ـ وهي ملكة الجهاز الهرموني ـ بأن تواجه هذا الخطر .. هذه الملكة تصدر أوامر لغدة الكظر لكي تعطي الجسم الجاهزية القصوى لمواجهة الخطر ، والكظر بدوره يعطي أمراً هرمونياً إلى القلب ، ليُسرِّع نبضاته ، (فالخائف تزداد ضربات قلبه) والكظر يعطي أمراً هرمونياً ثانياً للرئتين ، ليتوافق وجيبها مع ازدياد نبضات القلب (فالخائف يزداد وجيب رئتيه فيلهث) والكظر يعطي أمراً ثالثاً للأوعية الدموية فتضيق لمعتها ، ليتحول الدم إلى العضلات (فالخائف يصفرُّ لونه) والكظر يعطي أمراً هرمونياً رابعاً للكبد ، ليطرح في الدم كمية من السكر إضافية ، والسكر مادة الوقود في العضلات ، والكظر يعطي أمراً هرمونياً خامساً للكبد ليزيد من هرمون التجلط منعاً من نزيف الدم ، كل هذا في ثوان معدودة ؟!.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم :
(( مَثل الذي يذكر ربَّه ، والذي لا يذكر ربه : مَثلُ الحيِّ والميت ))