- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
اسم الله تعالى ( القريب ):
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا مع اسم الله ( القريب )، والآية التي ورد فيها اسم ( القريب ) هي قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
1 – صيغة ( يسألونك ) في القرآن الكريم:
وقبل أن نقف عند تفاصيل هذه الآية لابد من التنويه إلى أن في القرآن الكريم عدداً ليس بالقليل من الآيات تبدأ:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ﴾
2 – استنباط لطيف من قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ:
آيات كثيرة هذه صيغتها:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾
ويأتي الجواب:
﴿ قُلِ ﴾
إلا في هذه الآية الوحيدة:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾
فليس هناك: قل.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
استنبط العلماء أنه ليس بين الله وبين عبده وسيط أبداً، فإذا قلت: يا رب تبت إليك، يقول الله لك: وأنا قبلت يا عبدي.
3 – معنى: وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ:
لكن الآية الأخرى تقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾
ما معنى الوسيلة في هذه الآية ؟ قال العلماء: الوسيلة هي العلم، اطلب العلم كي تعرف الله عز وجل، والوسيلة هي العمل الصالح.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾
فالعمل الصالح وسيلة، والعلم وسيلة، وإنفاق المال وسيلة، وصحبة الصالحين وسيلة، لكن صحبة الصالحين لا تزيد على أن هذا الذي تجلس معه يجب أنْ يدلَّك على الله مقاله، وينهض بك إلى الله حاله، وفوق ذلك لا يُقبل إطلاقاً.
4 – لا أحد من البشر يعلم الغيب:
لأن الله عز وجل حينما خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام قال له: قل:
﴿ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾
ليس على وجه الأرض إنسان بما فيهم النبي يعلم الغيب، وأيّ إنسان يدّعي علم الغيب فهو كذّاب، والآن هناك قنوات تؤكد أن هذا الذي تسأله يعلم الغيب، يقول لك: بعد عشرين يوما سيكون كذا، هذا كذب ودجل وبهتان، فإذا كان سيد الخلق، وحبيب الحق لا يعلم الغيب فلا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يدّعي أنه يعلم الغيب، لذلك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ))
إذاً سيد الخلق، وحبيب الحق لا يعلم الغيب.
﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
ليس في الإسلام درجة إذا بلغها الإنسان لم تضره معصية بعدها، مستحيل، إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق يأمره الله أن يقول:
﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
إذاً: لا يجرؤ إنسان أن يدعي ذلك.
5 – لا أحد من البشر يملك ضرا ولا نفعا:
الآية الثالثة:
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾
إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق، لا يملك لنا نفعا ولا ضرا، هل يستطيع إنسان أن يدعي ذلك ؟ الآن:
﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا ﴾
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾
إذا كان سيد الخلق، وحبيب الحق لا يملك لنا نفعاً ولا ضرا فهل يستطيع إنسان أن يدعي ذلك ؟
﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا ﴾
إذا كنتُ لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً.
لذلك أنت بهذه الآيات تركل بقدمك ألف قصة تخالف هذه الآيات، والعلم سلاح، والعلم وسيلة لمعرفة الله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾
والعمل الصالح وسيلة، وإنفاق المال وسيلة، وصحبة الصالحين وسيلة، في حدود أن هذا الصالح لا تزيد مهمته على أن يرقى بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله وفوق ذلك القدوة هو رسول الله.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(( مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا ))
هكذا كان ورع النبي عليه الصلاة والسلام.
قالوا: يا رسول الله مثل بهم كما مثّلوا بعمك، قال:
(( لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً ))
بهذه الآيات يمكن أن تركل بقدمك ألف قصة تتناقض معها.
فلذلك: قال سيدنا علي: << يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
6 – ليس بين العبد وربِّه واسطة:
إذاً:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
لم تأتِ في هذه الآية كلمة قل، أي أنه ليس بين العبد وبين ربه وسيط.
إن معظم الناس يصدر خطأ منهم، يقولون لك: أجرِ لي استخارة، الاستخارة بينك وبين الله مباشرة، ولا تكون الاستخارة نيابة وبالوساطة، تقول: آنستي عملت لي استخارة، أنتِ أجري استخارة فيما بينكِ وبين الله.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
أنا معكم.
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
أنا أسمع صوتهم، وأرى حركتهم، وأنا مطَّلع على ما في قلوبهم، إن تكلموا فأنا سميع بصير، إن تحركوا فأنا سميع بصير، إن أضمروا فأنا مطلع عليهم، لا تخفى عليه خافية، فإنه علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
7 – الدعاء سلاح المؤمن:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾
أنت بالدعاء أقوى إنسان، الدعاء سلاح المسلم، يعني أنت حينما تقول: يا رب، الله عز وجل الذات الكاملة، المطلق لكل شيء، علمه مطلق، وقدرته مطلقة، ورحمته مطلقة، وحكمته مطلقة، أنت تستعين بالله عز وجل، مهما يكن عدوك كبيراً الله أكبر منه.
يعيش المؤمن حالة ثقة بالله لا تقدر، ولا توصف، لأنه يستعين بالله، كفى بك قوة أن تدعو الله، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك، إن أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله ز
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
8 – معية الله الخاصة بالمؤمنين لها ثمن:
أنا معكم.
لكن كما قلت البارحة: هو معكم بلطف، من دون أن تتضايقوا، معكم وأنتم مرتاحون، معكم بعلمه، مع أي إنسان بعلمه.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
بعلمي، لكنني مع المؤمنين بالتوفيق، وبالحفظ، وبالتأييد، وبالنصر، هذه المعية الخاصة لها ثمن، قال الله:
﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ﴾
المعية الخاصة لها ثمن، وقال الله:
﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ﴾
الثمن أن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنْ في حياته، أو بعد موته، عن طريق تطبيق السنة.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَان ِ﴾
إذا دعاني حقاً، إذا دعاني مخلصاً، إذا اتكل عليّ، ولم يكن الدعاء شكلياً، ولا أجوف، دعاني وهو موقن أنني قادر على إجابته.
9 – شروط الدعاء المستجاب:
لذلك الدعاء يحتاج إلى عناصر،أول عنصر أن توقن أن الله يسمعك، موجود أولاً، ويسمعك ثانياً، وهو قادر على تحقيق دعائك ثالثاً، وهو يحب أن يرفعك رابعاً فهو موجود، ويسمع، وقادر، ويحبك، لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
أي لا يكترث الله بكم لولا أنكم تدعونه، لأن الدعاء هو العبادة.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
من أجل أن يكون عبادي مستجابي الدعوة، من أجل أن تكون أيها المؤمن مستجاب الدعوة، من أجل أن يكون الدعاء سلاحك، من أجل أن تكون أقوى الناس بالدعاء استجب لله بعد أن تؤمن به، آمن به أولاً، واستجب له ثالثاً، عندئذٍ تغدو مستجاب الدعوة.
إذا آمنوا واستجابوا واخلصوا في دعائهم لعلهم يكونون من مستجابي الدعوة، وهو مقام كبير، ومن سلّم الإيمان، فلان مستجاب الدعوة.
إلا أن العلماء استثنوا إنسانين من وجوب تحقق شروط الدعاء، المضطر يستجيب الله له، ولو لم يكن أهلاً للدعاء، يستجيب له لا بأهليته، ولكن برحمته، والمظلوم يستجيب الله له لا بأهليته، ولكن بعدله.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
أيها الإخوة، الله عز وجل قريب من كل مخلوق، ولا تخفى عليه خافية، والله عز وجل قريب من كل مؤمن، بمعنى أنه يستجيب لك.
10 – الاعتداء والمعصية مانع من استجابة الدعاء:
الآية الأخرى:
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون معتدياً على خلق الله، وتقول: له يا رب استجب لي، لأن الله عز وجل من خلال هذه الآية يقول لك: لن أستجيب لك، لأنك من المعتدين، ولن تستطيع أن تسأل الله إلا إذا كنت محسناً، لذلك:
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الذي وقع في مخالفة شرعية، وفي أكل مال حرام، وفي تقصير في العبادات لا يستطيع أن يدعو الله، يدعو الله شكلاً بلسانه، لكن قلبه محجوب عن الله عز وجل، وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان أنه يحجب عن الله عز وجل.
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾
تروي الكتب أن شابا له شيخ، سمع من شيخه هذه المقولة: إن لكل معصية عقاباً، فزلّت قدمه يومًا، فبحسب مقولة الشيخ هو ينتظر العقاب، مضى يوم، يومانا، أسبوع أسبوعان، لم يحدث شيء، صحته طبيعية، بيته، أولاده، زوجته، مركبته، القصة رمزية، في أثناء المناجاة، قال: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبنِي، قال: قوقع في قلبه أن يا عبدي لقد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك ذلك ؟.
المؤمن له صلة بالله، يسعد بهذه الصلة، فإذا زلت قدمه يحجب عن الله.
الآن الأب العظيم، المربي الحكيم، لا يحتاج إلى أن يضرب ابنه إطلاقاً، يكفي أن يُعرض عنه، يحترق الابن، يكفي أن تسكت، يكفي ألا تنظر إليه، وهو على مائدة الطعام يكفي ألا تصغي إليه، فتحرقه.
لذلك قالوا: من أطاع عصاك فقد عصاك، يعني الذي لا يطيعك إلا إذا هددته فهو من أعدائك، أما المحب فيخاف على محبة محبوبه.
لذلك أكبر شيء يدفع المؤمن إلى طاعة الله أنه يخاف أن تنقطع الصلة بينه وبين الله، لماذا يستقيم ؟ لماذا يحاول أن يكون ورع تماماً ؟ لماذا يطبق الأمر تماماً ؟ لأنه ينعم بصلة بالله هي أثمن ما في الحياة.
لذلك قال بعض العلماء: " مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إنها الصلة بالله ".
وهذا العالم نفسه قال: " ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فبإعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يصنع أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ".
وقد قال هذا العالم أيضاً: " في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة ".
وبعضهم قال:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة.
إذاً: مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها إنها جنة القرب من الله عز وجل، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
ذاقوا طعمها في الدنيا.
11 – ليس مع الاتصال بالله شقاء:
والله أيها الإخوة، مع الاتصال بالله ليس هناك شقاء أبداً، في أي ظرف، في أي مكان، في أي بلد، في أي نظام، في أي ثقافة، في أي ضغوط، إن كنت مع الله كان الله معك، إن كنت مع الله كنت في حماية الله.
أطع أمـرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا مـن أحـبنا
و لذ بحمانا واحـــتمِ بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خـلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنـك شاغل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما الـقرب والإبعاد إلا بأمرنا
أيها الإخوة، القرب إما قرب علم لكل الخلق، أو قرب إكرام بالمؤمنين
﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
أي أنا معك.
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾
أحيانا لا يكون هناك تناسب إطلاقاً، شرذمة قلية مضطهدة، تعامل معاملة في الدرجة العاشرة، ليس لها أي حق، عليها كل واجب، شرذمة قليلة، وفرعون بجبروته وقوته، وحقده، وأسلحته، وإصراره على سحق هؤلاء، لا تناسب.
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾
سيدنا موسى وأخوه.
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾
﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
سيدنا موسى مع أصحابه.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
انتهينا، كم يقول من المسلمين الآن: انتهينا ؟ يقول: قوى الأرض تحاربنا، العالم كله يحاربنا، انتهينا.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
والله أيها الإخوة، أخشى ما أخشاه أن تضعف الهمم من الداخل، أن نهزم من الداخل، من الخارج لا قيمة لهذا الذي يجري، إن شاء الله سحابة صيف.
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
وينتهي أجل هؤلاء، ويحق الله الحق، ويبطل الباطل، لكن الخطر أن نهزم من الداخل.
إذاً:
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
12 – الله قريب فادعوه:
إخواننا الكرام، النعمان بن البشير رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام:
(( الدعاء هو العبادة ))
وقرأ:
﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
فقال أصحابه: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه فنزلت:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
13 – المحسن قريب من الله:
هذا عن قرب الله منك، القرب الذي يعلمك سرك ونجواك، وعن قرب الله القرب الذي يكرمك، بالتوفيق، والتأييد، والنصر، فماذا عن قربك منه ؟ هو قريب منك، هل أنت قريب منه ؟ متى تقترب من الله ؟ اسمعوا الحديث الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ، قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ، بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ ))
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
إن كنت محسناً فأنت قريب من الله، الإحسان المطلق، أن تحسن في بيتك، النبي عليه الصلاة والسلام يستوصيك بالنساء خيراً، أن تحسن إلى أولادك، أن تحسن إلى جيرانك، أن تحسن في عملك، أن تقدم شيء جيد بسعر معتدل، بمعاملة طيبة، الإحسان واسع جداً.
(( إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ))
صفة المؤمن أنه محسن، وصفة غير المؤمن أنه مسيء، وشتان بين الإحسان والإساءة، فعمله يقيم إجمالاً، ففي كلامه محسن، في ابتسامته محسن، في أخلاقه محسن، مع أقرب الناس له، مع زوجته محسن، مع أولاده محسن، مع بناته محسن، فكأن المؤمن في قلوب الخلق، هذا معنى قوله تعالى للتقريب:
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
هناك إنسان ليس له عمل صالح أبداً، الناس يستوحشون منه، وهناك إنسان الناس جميعاً يحبونه.
لذلك من علامة حب الله لك أن يلقي محبتك في قلوب الخلق.
ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً﴾
يعني جعلت الخلق يحبونك، وهناك إنسان مبغوض، لا يحبه أحد، متكبر، أناني، يحب ذاته، يحب أن يأخذ لا أن يعطي، يحب أن يستعلي لا أن يتواضع.
فلذلك صفات المؤمن تؤهله أن يكون محبوباً عند كل الخلق.
اسم الله ( القريب ) أيها الإخوة، أي يجب أن يكون قريباً من المؤمن، لأنه معك، تسأله فيجيبك، تتقرب منه فيقبلك، تستعين به فيعينك، تتوكل عليه، فهو حسبك، ونعم النصير، لذلك من عرف الله عرف كل شيء.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))