- أحاديث رمضان
- /
- ٠08رمضان 1422 هـ - موضوعات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحظوظ التي آتانا الله إياها هي شيء موقوف على نوع استخدامه :
أيها الأخوة ؛ في آية :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾
سبعة رجال أشداء لا يستطيعون حمل مفاتيح كنوز قارون ، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى لا يحبه ، فالدنيا يؤتيها الله عز وجل للمؤمن والكافر ، لكن الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل ، إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، إذاً ليست مقياساً مادامت تعطى لمن تحب ولمن لا تحب ، مادام الله سبحانه وتعالى أعطى فرعون الملك وهو لا يحبه ، وأعطى قارون المال وهو لا يحبه ، وأعطى الملك لسيدنا سليمان وهو يحبه ، وأعطى المال لسيدنا عثمان وهو يحبه ، إذاً يعطي الدنيا والملك لمن يحب ولمن لا يحب هذا يعني أنها ليست مقياساً ، فهذا الذي له في الدنيا حظ كبير إذا توهم أن الله راض عنه لأنه أعطاه هذا الحظ الكبير فهو واهم .
النقطة الدقيقة أن هذا الحظ الذي آتاك الله إياه كلمة مطلقة آتاك مالاً ، والمال حظ، آتاك وسامة والوسامة حظ ، آتاك ذكاء والذكاء حظ ، آتاك قوة ، قوي لك منصب رفيع ، تتحكم بمئات الأشخاص ، الحظوظ التي آتاك الله إياها يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنها ليست نعمة ، كما أنها ليست نقمة ، إنما هي شيء موقوف على نوع استخدامه ، فإن استخدمت هذا الحظ في الحق انقلب إلى نعمة ، إن استخدمته في الباطل انقلب إلى نقمة ، فينقلب الحظ إلى نعمة أو إلى نقمة بحسب نوع استخدامه ، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة ، وقناة قذرة ، فالشهوات حيادية ، قوى محركة ، قال :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ﴾
الدنيا مهما عظمت هي متاع قليل :
أنا أقول كلمة : قل لي من يفرحك أقل لك من أنت ، هناك من يفرح بالمال فقط ، هناك من يفرح بامرأة جميلة تزوجها ، هناك من يفرح بمنصب رفيع تسلمه ، وهو لا يعلم أن هذا الفرح قد يكون سبب هلاكه ، الله عز وجل قال :
﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾
افرح لفضل الله ، افرح أن آتاك الله علماً .
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الدنيا مهما عظمت سماها الله متاعاً قليلاً .
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
يوجد عندنا بالشام هكذا سمعت من يملك قريب خمسة آلاف مليون ، وهناك بيل غيتس بأمريكا يملك تسعين مليار دولار ، الله ما سمّى المال حظاً عظيماً قال :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
فإذا كنت صادقاً تبحث عن الشيء الذي له عند الله شأن كبير لا تفرح بالدنيا ، إنها عرض زائل ، يأكل منه البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل ، ويكفي أن الموت ينهي كل شيء ، ينهي غنى الغني وفقر الفقير ، قوة القوي وضعف الضعيف ، ذكاء الذكي وغباء الغبي ، نسب النسيب وتواضع الذي ليس له نسب ، كله ينتهي بالموت ، لكن ما الذي يبقى ؟ العمل الصالح .
يا قُيس إن لك قريناً يدفن معك وأنت ميت وتدفن معه وهو حي ، إن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ألا وهو عملك .
مقياس الغنى هو غنى العمل الصالح :
العمل الصالح وحده هو الذي ينفعك ، بل إن مقياس الغنى هو غنى العمل الصالح ، قال :
﴿ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
بالدنيا ، ولكن يحب الفرحين بفضل الله عز وجل ، آتاك الله إيماناً واستقامة وأعمالاً صالحة كبيرة جداً ، آتاك أولاداً أبراراً سعيت في تربيتهم ، آتاك زوجة صالحة ، هذه كلها من جنس الأعمال الصالحة ، أو لأنها تعينك على عمل صالح ، ألم يقل الله عز وجل :
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
لكل إنسان في الدنيا نصيب و نصيبه معرفة الله وطاعته :
أما الآية التي هي مركز هذا اللقاء وهذا الدرس ومن أخطر آيات هذه السورة قال تعالى :
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾
آتاك اختصاصاً في اللغة الإنجليزية مثلاً ، قد تكون مترجماً ناجحاً جداً ، وقد تكون مراسلاً ، وقد تكون . . . . . أما حينما تستخدم هذا الاختصاص لترجمة التراث الإسلامي إلى اللغة الإنجليزية فأنت ابتغيت بهذا الاختصاص الدار الآخرة ، آتاك مالاً ، حينما توظف المال في خدمة المسلمين انقلب إلى نعمة ، هذا أمر بالقرآن ، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك .
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾
لكن سبحان الله ألف الناس في مشارق الأرض ومغاربها أن الإنسان إذا توسع في دنياه ، وغرق في المباحات ، وألِف الطعام الطيب ، والبيت الفخم ، واللباس الرائع ، والمركبة الفارهة ، يقول سبحان الله هكذا قال الله :
﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
لكن سياق الآية لا يعني هذا ، أنت بالدنيا بمهمة ، لك في الدنيا نصيب ، ونصيبك في الدنيا أن تعرف الله ، ونصيبك من الدنيا أن تطيعه ، ونصيبك من الدنيا أن تسخر كل ما تملك في خدمة الخلق ، هذا نصيبك ، فإياك أن تدخل إلى الدنيا وأن تخرج منها ونسيت نصيبك من الدنيا .
تماماً لو أرسل والد ابنه على حساب أخوته وحصته من ميراث أبيه إلى بلد ليدرس ، الطالب الموفق أينما وقعت عينه يذكر مهمته التي جاء من أجلها ، نصيبه من هذا البلد الدكتوراه فقط ، نصيبه أي مهمته ، الشيء الذي ينتفع فيه من هذا البلد الشهادة ، فكلما صرفه صارف عن الدراسة تذكر نصيبه من هذا البلد ، فالآية يساء فهمها إلى درجة غير معقولة تبحبحنا وتوسعنا وغرقنا في المعاصي والآثام ، الله عز وجل قال :
﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
توجد عملية احتقار للآخرين ، غارق بالعمل لقمة رأسه لا صلاة ، ولا صيام ، يقنع نفسه بأن هذا العمل أليس عبادة ؟ إذا تركت الصلاة من أجل العمل لا ليس عبادة .
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
الذي هو أن تعمل صالحاً .
الإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله :
ثم قال تعالى :
﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾
الله منحك نعمة الوجود ، ومنحك نعمة الإمداد ، ومنحك نعمة الهدى ، أحسن الله إليك أن خلقك ، وأن أمدك ، وأن هداك ، قال :
﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾
لا تفسد حياة الناس ، والله هذه الكلمة تتسع لها المجلدات ، لا تفسد إنساناً ، ولا شاباً، ولا فتاة ، ولا موظفاً تدفعه إلى الرشوة ، ضيقت عليه ، ضيقت عليه ، هو فقير وبحاجة فسولت له نفسه أن يأكل مالاً حراماً ، أنت أفسدته ، لو أنك أعطيته حقه لما فسد ، هذا الذي يعمل المنكرات يفسد فتيات ، هي مصممة زوجة مخلصة ، أم رؤوم ، جدة واعية ، فلما دلها على طريق الفساد ، فالإنسان بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله .
﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾
أكبر ذنب يرتكبه الإنسان معصية الله وعدم معرفته :
مع الأسف الشديد يوجد أعمال كثيرة قائمة على إفساد الناس ، وعلى ترويج الرذيلة ، وعلى انحلال الخلق .
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
وكلمة عندي هذه كلمة مهلكة .
﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾
خطر في بالي إنسان ساقوه إلى الإعدام عليه مخالفة سير يسامحونه بها لا مشكلة ، انتهت حياته ، فأكبر ذنب أنك ما عرفت الله ، وأنك عصيته ، فإذا كان هناك مخالفات كثيرة هذه تطوى لأن الإنسان هلك بدخوله النار ، هو أراد العلو في الأرض .
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾
سابقاً إذا سمح لأحد بأخذ الفيزا نقول : الله يطعمها لكل مشته ، كأنها كعبة أو حج لبيت الله الحرام .
﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
فأنت بالتعبير العامي تقول عن شخص : هنأه الله ، على ماذا ؟ على المال ؟ أنت من أهل الدنيا ، على المنصب الرفيع ؟ من أهل الدنيا ، نهنئه على ماذا ؟ إذا قلت بالتعبير العامي : هنأه الله على إيمانه الصحيح ، على أن الله سبحانه وتعالى أجرى على يده الخير فهذا صحيح ، أما لا تقل : هنيئاً لفلان إن لم تعلم أنه مستقيم على أمر الله ، أية هناءة ؟ هذه الدنيا تزول بلحظة ، والشيء الذي يلفت النظر ما تجمعه في عمر مديد تخسره في ثانية واحدة .
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾
الله عز وجل قصمه .
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾
من عبد الله في شبابه متعه الله في شيخوخته :
ختام هذه القصة قال :
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ﴾
لا يوجد كبر ولا مستكبر .
﴿ وَلَا فَسَاداً﴾
لا إفساد البيئة ، ولا إفساد الأخلاق ، ولا العقول بنظريات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا إفساد الأجسام بغذاء مسرطن ، تجد الغذاء مسرطناً ، والجو ملوثاً ، والإعلام طافحاً بالمنكرات ، يوجد فساد عريض .
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ﴾
الزوجة إذا رأت أن زوجها مضطر أن يتزوج عليها تقول له : ازن ما شئت لك أن تزني ولا تتزوج عليّ ، لا يهمها إلا سمعتها وأنه لم يتزوج عليها ، لا يهمها مصير زوجها وهناك من يقول ذلك .
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
العبرة من يضحك آخراً ، وحينما يأتي ملك الموت فإن كان من أهل الجنة يقول : لم أر شراً قط ، وإن كان من أهل النار ورأى مكانه في النار يصيح صيحة لو سمعها الناس لصعقوا يقول : لم أر خيراً قط ، فالعبرة للآخرة ، ولختام العمل ، ولخريف العمر ، أكثر الناس يتشابهون في الشباب أما في الخريف فيتفاوتون ، طبعاً من عبد الله في شبابه جعل الله له شيخوخة راقية ، عنده وعي ، وإدراك ، وكفاية ، وحوله أولاد أبرار ، فمن عبد الله في شبابه متعه الله في شيخوخته، ومن أسرف على نفسه في شبابه محقه الله في شيخوخته .