- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الموت مفرق الأحباب ومشتت الجماعات :
أيها الأخوة الكرام، ما من موضوع على الإطلاق أشد واقعية من الموت، من مغادرة الدنيا، لا يستطيع أحد كائناً من كان أن ينكر حدث الموت، و لكن الناس يتفاوتون لا في التصديق أو الإنكار، و لكنهم يتفاوتون في مدى استعدادهم لهذه اللحظة التي لا بد منها.
أيها الأخوة الكرام، انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه:
((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ ))
الموت مفرق الأحباب، مشتت الجماعات، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.
الخوف من الموت دليل ضعف في الإيمان :
أيها الأخوة الكرام، ما من إنسان إلا ويتمنى أن يعيش طويلاً حتى المؤمن، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ))
و لكن الخوف الذي يتجاوز الحد المعقول من الموت دليل خلل في العمل و نقص في الإيمان، هذه الحقيقة تؤكدها الآية الكريمة:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
هذه الآية مشعر دقيق، كل منا يتمنى طول العمر، و لكن الخوف الشديد إذا اقترب شبح الموت ينهار الإنسان، الخوف الشديد من الموت دليل ضعف في الإيمان، و خلل في العمل:
﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
يتحدث الله عن اليهود لعنهم الله:
﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾
الغنى والفقر بعد العرض على الله :
أيها الأخوة الكرام، أضرب هذا المثل كثيراً، لو أن الإنسان عاش ألوفَ ألوف الملايينِ والقرون، مهما عاش في حياته الدنيا فإن هذا العمر إذا قيس بامتداد الدار الآخرة فهو لا شيء، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ))
فلذلك الحياة الحقيقية هي الحياة في الآخرة، الحياة الحقيقية هي أن ينجو الإنسان من عذاب النار.
عدم استطاعة أيّ إنسان ردّ الموت :
أيها الأخوة الكرام، حقيقة ثانية، ليس في الأرض كلها إنسان واحد مهما يكن يقدر أن يردّ الموت، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
هل يستطيع إنسان في مشارق الأرض و مغاربها أن يدرأ عن نفسه الموت؟ هل يستطيع إنسان أن يؤكِّد أنه سيعيش ساعة من الزمن؟ من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت، هذه حقيقة ثانية.
الفوز الحقيقي هو الفوز بالجنة :
والحقيقة الثالثة، كل إنسان يحب وجوده، و يحب سلامة وجوده، و يحب استمرار وجوده، و يحب كمال وجوده، كل إنسان يسعى إلى التفوق، إلى الفوز، إلى النجاح، إلى الفلاح، إلى التقدم، و لكن الفوز الحقيقي، والنجاح الحقيقي، والتفوق الحقيقي، والتقدم الحقيقي ورد في هذه الآية، قال تعالى:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
تغر و تضر و تمر، الفوز الحقيقي من زحزح عن النار و أُدخل الجنة، قد تملك الدنيا بأكملها، قد تملك أكبر ثروة في الأرض، و قد تتسلم أعلى منصب في الأرض، و قد يجتمع حولك أكبر عدد في الأرض:
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
متاع الدنيا قليل :
أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
إلهنا، ربنا، خالق السموات والأرض، الخبير:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
يقول لنا:
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ ﴾
في أي مكان، بل في أيَّة مكانة:
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾
قال بعض الشعراء:
لا تأمن الموت في طرف و لا نفَس وإن تمنَّعتَ بالحُجَّاب و الحــرس
فما تزال سهامُ الموت نافــــذة في جنب مدَّرع منها ومتَّـــرس
أراك لست بوقَّاف ولا حــــذر كالحاطب الخابط الأعواد في الغلس
ترجو النجاة و لم تسلك مسالكـها إن السفينة لا تجري على اليــبس
***
من أحسن الاختيار ربح الأبد :
أيها الأخوة الكرام، معنى آخر، يقول الله عز وجل:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
أي أيها الإنسان تمتع وأنت في الحياة الدنيا بشيء نفيس جداً هو سبب سعادتك الأبدية، تتمتع بأنك مخير:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
و"هو" تعود على الإنسان، بدليل:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
والزمن يمضي، و مضي الزمن يستهلك الإنسان، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضعٌ منه، ما من يوم ينشق فجره إلى وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
هذه الميزة، هذه الخصيصة حرية الاختيار ليست أبدية، تتمتع بها و أنت في الحياة الدنيا، فإن أحسنت الاختيار ربحت الأبد:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾
في أي مكان كنت، وفي أية مكانة كنت:
﴿ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾
تعلق كرم الله بالنية الطيبة لا بالإنجاز :
أيها الأخوة الكرام، الموت جزء أساسي من عقيدة المسلم، لا يستطيع أن ينكره أحد، و لكن الناس يفهمونه فهماً متناقضاً أحياناً، أهل الغرب الماديون، الذين أداروا ظهرهم للأديان كلها يفهمون الحياة الدنيا على أنها هي كل شيء، و لكن أهل الإيمان يرون أن الحياة الآخرة هي كل شيء.
أيها الأخوة الكرام، حينما يتعرف الإنسان إلى الله عز وجل، المعرفة الحقيقية التي تحمله على طاعة الله، يُلغى أثر الموت، كيف؟
﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
وكأن الموت لم يكن، يعطيك الله الأجر الكامل، هذا من كرم الله عز وجل، كرم الله عز وجل لا يتعلق بالإنجاز يتعلق بالنية الطيبة، أحد أصحاب النبي رضوان الله عليهم سماه النبي زيد الخير، أقام عنده أياماً ثم أدركه الموت، و قد أثنى النبي على إخلاصه، وعلى إيمانه، فحينما تؤمن الإيمان الحق، لو جاء الموت فجأة تنال من الله كامل الأجر، وهذا من كرم الله عز وجل، بل إن الله سبحانه و تعالى قهر عباده بالموت، و قد يقول قائل: سبحان الذي قهر عباده بالموت، كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، و الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر:
كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جنــازة فاعلم بأنك بعدها محــمولُ
***
العمل الصالح أهم شيء في الحياة الدنيا :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في الآيات الكريمة التي تتحدث عن الموت، في سورة المؤمنون يقول الله عز وجل:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
ماذا يُستنبط؟ يستنبط أن أهم شيء في الحياة الدنيا أن تعمل صالحاً، لا يتألم من جاءه الموت على بيت لم ينهِ إنشاءه، و لا يتألم من جاءه الموت على بضاعة لم يحقق بيعها، و لا يتألم من جاءه الموت على مشروع لم ينجزه، و لكنه يتألم أشد الألم على عمل صالح فاته، حتى إن المؤمن لا يندم يوم القيامة إلا على ساعة مضت لم يذكر الله فيها، حتى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ﴾
أداة ردع و نفي:
﴿ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
قد تقع عين الأم على ابنها يوم القيامة، تقول: يا بني لقد جعلت لك بطني وعاء، وصدري سقاء، وحجري وطاء، فهل من حسنة يعود عليّ خيرها اليوم؟ يقول ابنها: يا أمي ليتني أستطيع ذلك، إنما أشكو مما أنت منه تشكين:
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾
الحكمة من تقديم الموت على الحياة :
أيها الأخوة الأكارم، الإنسان حينما يولد أمامه ملايين الخيارات، و لكن إذا أدركه الموت فهو أمام خيارين لا ثالث لهما، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، لذلك قال بعض علماء التفسير: إن الله قدّم الموت على الحياة في قوله تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾
وفي الآية ملمح رائع، كأن الحياة يوم امتحان، لا من أجل أن يُعرف من الناجح، من الراسب، ينبغي أن ننجح جميعاً، ولكن الامتحان بين المتفوقين:
﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
هذا هو الأصل.
أمراض الجسد و أمراض القلب :
أيها الأخوة الكرام، كأن الله يشفق علينا، حينما يرى إنساناً يتعلق بالدنيا، جعلها مبلغ علمه، و محط رحاله، وكل همه، ووضع البيض كله في سلة واحدة، هذا الإنسان يقامر و يغامر، إن كل حياته الدنيا، وكل مكتسباته تذهب جزافاً، إذا توقف قلبه، أو نمت خلاياه، أو ضاقت شرايينه، أو تجلط دمه، إلى ما لا نهاية من الأمراض الوبيلة، مع أن أمراض الجسد تنتهي عند الموت، لكن أمراض القلب تبدأ بعد الموت، و تشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، يقول الله عز وجل:
﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
وقال عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
إلهنا يقول:
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
ومن رحمته بنا، وحبه لنا، وإشفاقه علينا يقول:
﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
أما إذا أصررتم:
﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
النوم موت مؤقت والموت نوم مستمر :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في الآيات المتعلقة بالموت، يقول الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾
أيها الأخوة النوم موت مؤقت، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى أو استيقظ من منامه يقول:
((باسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))
إذًا النوم موت مؤقت، والموت نوم مستمر:
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
من علامات قيام الساعة أن المرء يمسي مؤمناً و يصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.
حال المؤمنين يوم القيامة :
لكن المؤمنين لهم حال آخر:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ* كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
مشهد من مشاهد مغادرة الدنيا :
أيها الأخوة الكرام، في سورة ق مشهد من مشاهد مغادرة الدنيا، يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
حبل الوريد متصل اتصالاً مباشراً بالإنسان، ليس هناك مسافة تفصل حبل الوريد عن جسم الإنسان، المسافة صفر، واللهُ عز وجل أقرب إلينا من حبل الوريد، أقرب منا، وأقرب إشرافاً و تربية:
﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ﴾
نقول في الصلاة: السلام عليكم و رحمة الله، السلام عليكم و رحمة الله، المتلقيان هما الملَكان:
﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾
رقيب يسجل، وعتيد حاضر لا يغيب:
﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾
سائق يسوقها إلى النار، وشهيد يشهد عليها كل أعمالها:
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾
الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، ولعل أخطر مرض يشقي الإنسان الغفلة عن الله، وطول الأمد:
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت :
كل إنسان كائن من كان، ولو كان ملحداً حينما يأتيه الموت يدرك الحقيقة التي جاء بها الأنبياء، وهل هناك أكفر من فرعون؟ قال:
﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
إذًا خيارنا مع الإيمان خيار وقت، وخيار القبول أو الرفض مع ملايين الحالات، إلا مع الإيمان خيار وقت فقط، لا بد للإنسان من أن يؤمن عند مغادرة الدنيا، الإيمان الذي ينفعنا أن نؤمن في الوقت المناسب:
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾
الشيطان لا يضل أحداً و لكن يوسوس له :
الحقيقة أيها الأخوة أن الشيطان لا يضل أحداً، و لكن يوسوس له:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
عدم تفلت الإنسان من قبضة الله :
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾
قال علماء التفسير:
﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾
أي أن الإنسان في الأرض لا يستطيع أن يتفلت من قبضة الله، والمعنى الثاني: لا يستطيع الكافر أن يفعل شيئاً ما أراده الله:
﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾
و لكن الكافر يتوهم أنه سبق، أي فعل شيئاً ما أراده الله، أو أنه في حرز حريز من قضاء الله و قدره.
توهم الإنسان أنه في حرز من قضاء الله و قدره :
أيها الأخوة الكرام، كثير من الناس يتوهم الموت في جهة من خلال مرض عضال، فإذا به يأتيه من جهة أخرى، تماماً كالذي يفر من إنسان يتبعه فيفاجأ بهذا الإنسان أمامه، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
لذلك أيها الأخوة، في قوله تعالى:
﴿ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
إنسان اغتصب مزرعة، رجل اضطر أن يقترض مبلغاً من المال من شخص، طلب رهناً، عنده مزرعة قيَّدها على اسمه في السجلات الرسمية، لكن ثمن المزرعة يفوق بكثير حجم القرض، فلما تمكن المقترض أن يؤدي الدين في وقته امتنع الذي كُتبت على اسمه هذه المزرعة أن يؤديها لصاحبها، صاحب هذه المزرعة أصابه همٌّ شديد، أودى به إلى أزمة قلبية، وهو على فراش الموت، استدعى ابنه الأكبر و قال: يا بني إذا مت سِرْ بالجنازة أمام دكان هذا الذي اغتصب مني هذه المزرعة، أوقف الجنازة و ادخل دكانه، وأعطِه هذه الرسالة، كتب في هذه الرسالة: " أنا ذاهب إلى دار الحق، فإذا كنت بطلاً فلا تلحقني"، حينما نوقن حق اليقين أننا سوف نُسأل عن كل شيء، عن كل كلمة، عن كل ابتسامة، عن كل عطاء، عن كل منع، عن كل غضب، عن كل رضى، حينما نُسأل ماذا نفعل؟ من الآن، من حاسب نفسه حساباًً شديداً كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً.
أيها الأخوة الكرام:
﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
المال ابتلاء :
ثم يقول الله عز وجل يخاطب المؤمنين:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
ورد في بعض الأحاديث عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
((جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَسْعَيَانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ ))
وأن المال ليس نعمة و ليس نقمة، إنما هو ابتلاء، فإذا أُنفق في طاعة الله، و في وجوه الخير انقلب إلى نعمة، أما إذا أُنفق رياء و بطراً، وفي متع رخيصة انقلب إلى نقمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ* وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
الموت بوابة خروج الإنسان من الدنيا :
أحد الأخوة الكرام، أحد العلماء خاطب نفسه، قال: " يا نفس لو أن طبيباً حذّرك من أكلة تحبينها، لا شك أنك تمتنعين عن أكل هذه الأكلة، أفيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله؟ إذًا فما أكفرك".
أيها الأخوة الكرام، قضية الموت قضية ترتعد لها مفاصل الإنسان، قضية مغادرة الدنيا قضية آتية لا ريب فيها، لا بد من بوابة خروج نخرج منها إلى الدار الآخرة، فبطولة المؤمن أن يجعل هذه البوابة بوابة إلى الجنة.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم.
العاقل من أعدّ لساعة مغادرة الدنيا عدتها :
أيها الأخوة الكرام، كلمة أرددها كثيراً ليس من باب التشاؤم، ولكن من باب إدراك الواقع، هل يستطيع أحد منا أن يكون كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله، إذًا لا بد من مغادرة الدنيا، لذلك ورد في الحديث:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
كل واحد منا له ساعة، ساعة مغادرة الدنيا، فأعقل إنسان، وأذكى إنسان، وأشد الناس فلاحاً ونجاحاً و تفوقاً من يعد لهذه الساعة التي لا بد منها.
أيها الأخوة الكرام، كلام سيدنا عمر قلته قبل قليل: "واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا".
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليه، وإنه لا يذل مَن واليت، ولا يعز مَن عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم صُن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد مَن أعطى وذم مَن منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين.