الدكتور: بلال نور الدين:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين،
إخوتي المشاهدين، أخواتي المشاهدات أينما كنتم، أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن في بداية حلقة جديدة من برنامجنا "تأملات دعوية"، نشرف فيها باستضافة فضيلة شيخنا المربي الدكتور: محمد راتب النابلسي، ونحن نحاوره حول الدعوة إلى الله، وحول أحكامها وأساليبها، فحياكم الله جميعاً، ومعاً نبدأ مشوارنا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي في اللقاء السابق كنا قد تحدثنا عن حكم الدعوة إلى الله بين فرض العين وفرض الكفاية، وفصلنا في الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وأريد أن أبدأ هذا اللقاء ونحن نتابع الحديث عن الدعوة إلى الله بآية في ختام سورة يوسف يقول تعالى:
﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾
معنى الدعوة إلى الله على بصيرة:
يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنّ السبيل التي توصل إلى الله هي سبيل الدعوة إلى الله، ويقول له أدعو إلى الله على بصيرة، فما هي البصيرة سيدي؟
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحقيقة الله -عز وجل- الإله العظيم قال:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) ﴾
الإله العظيم أعطى أسباب هذا الأمر، أنت تخاطب عاقلاً، فالإنسان هو المخلوق الأول عند الله، فإذا خاطبته بما يليق به يقبل هذه الدعوة:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
فهذه الدعوة إلى الله تحتاج إلى أخلاق، انفرد النبي الكريم بمئات الصفات، لكن حينما أثنى عليه قال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾
يعني كمعلومات تُؤخَذ من أي قرص ليزري، من أي كتاب، أما مَن لم يكن له قدوة لا ينتفع من هذه الدعوة، القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والأصول قبل الفروع، والتدرُّج لا الطُّفرة، معلومات دقيقة في الدعوة، الدعوة إلى الله هي العلاج الوحيد لهذه الأمة، تجتمع، تتعاون، الطرف الآخر يتعاونون وبينهم 5% قواسم مشتركة، والمسلمون أحياناً لا يتعاونون بل يتنافسون وبينهم 95% قواسم مشتركة، فهذا الدين منهج تفصيلي، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج للإنسان:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾
الدكتور: بلال نور الدين:
إذاً: البصيرة هي التعليل؟
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الدليل والتعليل، نصيحة لوجه الله لا تقبل في الدين شيئاً بلا دليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء،
(( إِنَّ هذا العلمَ دينٌ ، فانظروا عمن تأخذونَ دينَكم ))
[ رواه أنس بن مالك في الجامع الصغير وفي سنده ضعف ]
(( يا ابنَ عمرَ ! دينُك دينُك، إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ، فانظُر عمَّن تأخذُ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا. ))
[ الألباني عن عبد الله بن عمر وفي سنده ضعف ]
الدين قضية خطيرة جداً، يعني مثلاً: طالب نجح من التاسع إلى العاشر، من العاشر إلى الحادي عشر، أما في بلادنا في الشام علامات الشهادة الثانوية تحدد مستقبل الطالب، قضية مصيرية، فالإنسان افترضنا لو كان بيته سيئ يبيعه، إن اختار حرفة دخلها قليل ودوامها طويل يغيرها، أما أن تنسى سرّ وجودك!
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
الدكتور: بلال نور الدين:
الله أكبر، إذاً على بصيرة بالدليل والتعليل، يعطي الدليل من الكتاب والسنة ويعلل الحكم.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
ولا تقبل في الدين شيئاً إلا بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
الدكتور: بلال نور الدين:
ثم قال: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ .
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
يعني الذي لا يدعو على بصيرة ليس مُتَّبعاً لرسول الله، والذي لا يتبع رسول الله أصبح في وضع صعب جداً.
الدكتور: بلال نور الدين:
﴿ قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) ﴾
نعم سيدي، أيضاً من الآيات التي تتحدث عن الدعوة إلى الله كفرض عين قوله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
أليس التواصي بالحق من الدعوة إلى الله؟
الإنسان المخلوق المكرم عند الله:
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
جزاك الله خيراً على هذا السؤال، أنا أمامي طاولة لها وزن، وحجم، وطول، وعرض، وارتفاع، إلا أن النبات يزيد عليها بالنمو، والكائنات المتحركة تزيد عليهما بالحركة، أما الإنسان له من الجماد: وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، له من النبات النمو، له من بقية المخلوقات الحركة، إلا أن هذا الإنسان أكرمه الله بجهاز خطير جداً، هذا الجهاز يرى الحقيقة قبل الوصول إليها، هو العقل، فالإنسان كرّمه الله بهذه القوة الإدراكية، لكن –والحقيقة المرة المضطر لها أفضل ألف مرة من الوهم المريح- الذي ما فكّر، ما سأل عن سر وجوده، عن غاية وجوده، عن منهج ربه، عند الله وفي القرآن:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
لكن نبضه 80 مثالي، ضغطه 08/12 مثالي، عند الله ميت، ما دام ما فكّر بحكمة وجوده، وغاية وجوده، ميت، أنت مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فهذا الإنسان مخلوق مُكرَّم:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول، والمُفضَّل والمُكرَّم، والمُحاسَب، والمُعاقَب، فالإنسان هو المخلوق الأول عند الله -عز وجل-، خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فهذا الإنسان حينما يقتطع من وقته الثمين وقتاً لمعرفة الله، لقراءة القرآن، لحضور مجلس علم، يجب أن تعلم من أنت، أنت المخلوق الأول، والمُكرَّم، والمُفضَّل، والمُكلَّف، والمُحاسَب، والمُعاقَب.
رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
القضية خطيرة جداً، فالإنسان إذا عرف الله -والله لا أبالغ- إن لم يقل المؤمن المستقيم الذي له خط ساخن مع الله ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، القضية دقيقة جداً، خلقنا ليرحمنا، والدليل:
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾
وهذه الآية الكريمة يُرَدّ بها ألف كلام بعكسها، خلقنا ليرحمنا، رحمة الله واسعة.
الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي الدعاة اليوم بل في كل عصر ومصر يتعرضون لأصناف من الابتلاءات، الإيذاء من الناس، وهم من الدعاة الربانيين الذين نذروا حياتهم لله، ومع ذلك لا تخلو حياتهم من المنغّصات التي يثيرها عليهم الناس بين الفَينة والأخرى، فما رسالتكم للدعاة؟
البطولة أن تنجح في الابتلاء:
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحقيقة الإنسان إن دخل إلى جامعة، وتوهم أنه لا يوجد امتحان يكون أحمقاً:
﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً ا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ﴾
علة وجودنا الابتلاء، نحن مدعوّون إلى جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكن نحن في دار ابتلاء، والبطولة ليس ألا تُبتلَى، بل أن تنجح في الابتلاء، سيد الخلق وحبيب الحق:
(( لقد أُخِفتُ في اللهِ وما يخاف أحدٌ ، ولقد أُوذيتُ في اللهِ وما يُؤذَى أحدٌ ، ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يومٍ وليلةٍ ؛ ومالي ولبلالٍ طعامٌ يأكله ذو كَبِدٍ ، إلا شيءٌ يُواريه إِبِطُ بلالٍ . ))
[ صحيح الترغيب عن أنس بن مالك ]
هذا الابتلاء، والبطولة مرة ثانية ليس ألّا تُبتَلَى، بل أن تنجح في الابتلاء، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، الإله واحد، أما الطرق إليه لا تعد ولا تحصى.
الدكتور: بلال نور الدين:
هو سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم، صفات عديدة في القرآن الكريم، لماذا أثبتها القرآن؟ يقولون عنه: ساحر، مجنون، كاهن؟
النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لكل الدعاة:
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
جزاك الله خيراً على هذا السؤال، الحقيقة اتهم النبي باتهامات كثيرة، أنا جمعتها 14 اتهاماً، عندما ألغيت التكرار، بقي اتهامه أنه ساحر، وكاهن، وكاذب، ومجنون، لماذا أُثبِتَت في كتاب يُتلا إلى يوم الدين؟ جبراً لخاطر الدعاة من بعده، هذا سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وما أقسم الله قسماً بالعمر إلا برسول الله:
الدكتور: بلال نور الدين:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) ﴾
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الدعوة إلى الله شيء عظيم جداً، والله لو لم يقل الإنسان ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني من خلال قبول دعوته عند الله عز وجل، علة وجودنا العمل الصالح.
الدكتور: بلال نور الدين:
إذاً أعظم ما يسلّي عن الدعاة ما يجدونه قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
القدوة قبل الدعوة، النبي الكريم كان قدوة، الله -عز وجل- واجب الوجود، هذه منتهية، ما سواه ممكن الوجود، ما كان ممكن أن يكون الكفار بكوكب آخر، ممكن ونصف، ما كان ممكن بقارّة واحدة؟ ما كان ممكن بحقبة واحدة؟ لكن شاءت حكمة الله أن نكون معاً على أرض واحدة، وفي زمن واحد، وفي ظروف واحدة، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، هذا قدرنا.
الدكتور: بلال نور الدين:
وبهذا الفهم سيدي يستريح الداعية من هَمّ مواجهة الخصوم، ويتفرّغ إلى الدعوة إلى الله تعالى، لا يلقي بالاً ما دام هو مستقيماً على منهج الله، فإنه لا يلقي بالاً لِمَا يُحاك، ولِمَا يُقال عنه بالباطل من تُهم.
المؤمن في رعاية الله وحفظه:
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
ما من آية أعطت النبي الكريم المكانة الأولى في العالم:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾
وأقول للدعاة الإخوة الكرام، وأي إنسان سلك هذا المنهج له من هذا الوعد نصيب، ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ .
الدكتور: بلال نور الدين:
في رعاية الله وحفظه.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
فالإنسان المؤمن يرعاه الله:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ﴾
أيام الله، الحقيقة للأنبياء يوجد معجزات، للمؤمنين يوجد أيام، ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ أحياناً إنسان يُوفق توفيقاً غير متوقع، أحياناً ينجح في خدمته لوالديه، ينجح في اختيار حرفته، ينجح في زوجته، ينجح في أولاده، النجاحات لا تعد ولا تحصى.
الدكتور: بلال نور الدين:
هذه أيام الله.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
نعم، هذه أيام الله، فالله ودود، ويتودد إلينا إذا توددنا إليه، المودة هي حركة، الحب ميل نفسي، المودة حركة.
﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96) ﴾
فيما بينهم، أو فيما بينهم وبين الله، فالحب مَيل، والود حركة، والله من أسمائه:
﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) ﴾
الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي هناك مصطلح لكم، تقولون هناك دعوة إلى الله، وهناك دعوة إلى الذات مُغلّفة بدعوة إلى الله، هل يمكن لإنسان أن يدعو إلى ذاته، وهو يغلفها بأنه يدعو إلى الله؟
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
النقطة الدقيقة الدقيقة الدقيقة، الإنسان إذا دعا إلى الله، وليس مُطبِّقاً لِمَا يدعو إليه، هذا ينكشف، وله عقاب شديد.
الدكتور: بلال نور الدين:
لأنه يدعو إلى ذاته، يريد أن يتعلق به الناس.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
يدعو إلى ذاته، يدعو إلى مصالحه، وأحياناً المنافق الذكي بمعنى أنه يريد أن يجمع بين ميزات المؤمنين، وميزات المتفلّتين، هذا يُكشف أمره، فلا بد من أن يأخذ الإنسان هذا الدين مأخذاً رائعاً فيه تطبيق، وتوكل، وطلب علم، وعمل صالح، إذا سار وفق منهج الله –والله لا أبالغ- إن سار الإنسان وفق منهج الله ولم يقل ليس على وجه الأرض أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، هذا الدين.
الدكتور: بلال نور الدين:
سيدي، تقولون الدعوة إلى الله اتباع لا ابتداع، بينما الدعوة إلى الذات ابتداع.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحقيقة الابتداع قد تطرح شيئاً لا أصل له في الدين، لكن يحقق مصلحتك، هذا...
الدكتور: بلال نور الدين:
دعوة إلى الذات.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
دعوة إلى الذات، مغلفة بدعوة إلى الله، أما الدعوة إلى الله الخالصة...
الدكتور: بلال نور الدين:
أساسها الاتباع، لا الابتداع، والتعاون...
التعاون قوة وحضارة وتألق:
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
لا التنافس، الحقيقة التعاون لا التنافس لي وقفة عندها، الشيء الذي يلفت النظر وهو يؤلمنا أحياناً أن الطرف الآخر يتعاونون تعاوناً مذهلاً، وبينهم 5% قواسم مشتركة، والمسلمون مع الأسف الشديد قد لا يتعاونون، أو قد يتنافسون، أو قد يتقاتلون، وبينهم 95% قواسم مشتركة، هذه مشكلة كبيرة، وهذه المشكلة إن شاء الله تخفّ حدّتها، التواصل بين الدعاة والعلماء والتواصل والتعاون، التعاون حضارة، التعاون قوة، التعاون تألّق، فالتعاون يؤكد إخلاصنا، والتنافس لا يؤكد إخلاصنا.
الدكتور: بلال نور الدين:
وتقولون سيدي أيضاً من خصائص الدعوة إلى الله الاعتراف بالآخر، بما عند الأخر من فضل.
الدعوة إلى الوحدة بين العلماء:
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
نعم، يعني معقول هو يسكن بمكان لا يوجد غيره في الأرض؟ هذا صار معه مرض التوحد، الله يحب كل عباده بشكل أو بآخر، جعل لكل شريحة من عباده داعية يؤثر فيهم، ويفهمون عليه، من حب الله لكل عباده جعل لكل شريحة من شرائح المجتمع داعية يؤثر فيهم ويحبونه، فإذا شخص افتراضاً لم يرضَ أن يكون عند هذا الإنسان يكون ليس من شريحته.
الدكتور: بلال نور الدين:
له خطاب آخر، الاعتراف بالآخر بمعنى أننا متكاملون، لسنا متنافسين، ينبغي أن يكون التحاور بين الدعاة.
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
الحقيقة لأن التعاون فضيلة، التعاون قوة، التعاون تألق، التعاون نجاح، التعاون انتصار، نحن نملك نصف ثروات الأرض بالضبط، عندنا ثلاث ممرات مائية أصل التجارة الدولية، ومع ذلك، أو مع الأسف لا نتعاون أحياناً، بل نتنافس، ولا سمح الله ولا قدّر بل نتقاتل. وهذه سلبية من سلبيات حياتنا الاجتماعية.
الدكتور: بلال نور الدين:
وأنا أشهد سيدي أنكم كنتم وما زلتم تدعون دائماً إلى الوحدة بين العلماء، والتعاون بينهم ونشر الحق والخير بشكل مشترك حتى يُثمر أكثر وأكثر، ولكم في ذلك صولات وجولات، فأسأل الله تعالى أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يجزي كل داعية إلى الله خير الجزاء.
إخوتي الأكارم، دخل عالم من علماء دمشق إلى مجلسه، وقد اكتظّ بالحاضرين حتى لم يبقَ مكان لموطئ قدم، فنظر إليهم ودعا بدعاء جميل، قال: "اللهم لا تحجبهم عنك بي" لأنه يدعو إلى الله، ولا يدعو إلى نفسه، "اللهم لا تحجبهم عنك بي، ولا تحجبني عنك بهم" فهو لا يريد أن يُحجب عن الله بكثرة أتباعه، فالداعية إلى الله تعالى يدعو إلى الله على بصيرة، ويدعو إلى الله على نور، وعلى هدى من الله تعالى، فيصل كلامه إلى القلوب، ويؤثر أيّما تأثير.
باسمكم جميعاً أشكر لفضيلة شيخنا ما تفضل به من تلك التأملات الدعوية التي هي نتاج خبرة طويلة قضاها في هذا المضمار جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
إلى الملتقى، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الملف مدقق