السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلن تجد له وليِّاً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاهُ ومن تبِعه إلى يوم الدين.
﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)﴾
الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح:
أيُّها الإخوة الكرام الأحباب: ستون عاماً مضت، ونحن نتجرع كأس الاستبداد والظلم، مضت وأجيالٌ عاشت وماتت، ولم يتسنَ لها أن نشعر بطعم المواطنة الحقيقي، وبطعم أن نملِك وطناً، بطعم الانتماء إليه، بطعم المسؤولية عنه، الحقيقة المرة أحياناً أفضل ألف مرة من الوهم المريح، نعم هناك الكثير الكثير مما يمكن أن يقال، حول الظلم والقهر، وحول التعذيب والقتل، وحول الرعب اللامحدود، وحول الاقصاء والاستبداد، والذي استمر لستة عقودٍ أفرزت ما أفرزته، من الكوارث والشرور، ولكن هناك أيضاً الكثير مما يقال، حول تواطؤ الكثيرين وانسجامهم مع الفساد والإفساد، علاقاتٌ وشراكاتٌ ومصالح كانت تنفث خُبثها على الوطن وأهله، حتى أصبح المشهد وكأنه فسادٌ بالتراضي، يشارك به كثيرٌ من الناس.
كل ذلك والطاغية يكبُر، وسلطته تتجذَّر، وبغيه يزداد، ونحن نهرب إلى الأمام، كي نحتفظ بما سمح لنا الطغيان أن نحتفظ به.
مرةً ثانية: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، بيتك الصغير، متجرك الصغير، أسرتك الصغيرة، حتى نشأت أجيالاً لا ترى الوطن على اتساعه، سوى ممراً إجبارياً نعبر من خلاله إلى حوائجنا، فلذلك المأساة كبيرةٌ جداً جداً جداً، لكن إذا ذُكر الله معها تزول إن شاء الله.
لقد علَّمنا ديننا أنَّ الاهتمام بالشأن العام، ينبغي أن يكون على رأس حاجاتنا، من هنا فقد ربط الله تعالى في عشرات الآيات، الإيمان بالعمل الصالح، علة وجودنا العمل الصالح، والدليل:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
وسُمّيَ العمل صالحاً، لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً.
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)﴾
وهل يُتصور عملٌ صالح من دون أن يكون فيه اهتمامٌ بالآخرين؟ الاهتمام بالآخرين حضارة، قوة، تألق، تفوق، بل إنَّ فقهنا الإسلامي يميز بين أن يكون نفعه قاصراً على صاحبه، والعمل الذي نفعه يكون واصلاً إلى الآخرين، يعني حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، والدليل القوي: (رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) وسُمّيَ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله.
سُمّيَ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله:
هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، أهمية العمل للشأن العام، ولو كان الإنسان في لحظات دنياه الأخيرة فيقول:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ))
يعني علة وجودنا العمل الصالح، أكبر دليل: (رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) سُمّيَ صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً.
يقول الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)﴾
أي إذا حال مكانٌ ما، بينك وبين أن تعبُد الله، ينبغي أن تغادره، هذه الهجرة في سبيل الله، لذلك ينبغي أن نعلم، من آمن ولم يتحرك لنصرة دينه، ففي إيمانه خلل، علّة وجودك العمل الصالح، الدليل القرآني: (رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) سُمّيَ صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً.
فما أن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن، حتى تُعبِّر عن ذاتها بحركةٍ إيجابيةٍ نحو الخالق، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، نحو الخالق صلةً وإيماناً، ونحو الخَلق عملاً وبِرّاً وإحساناً، واشتراكاً بالعمل المُثمِر الذي يحمي الدين وأهله.
إخوتي الأكارم الأحباب: نحمد الله على مَنّه وفضله، أن شهدنا زوال هذا الطغيان، بزوال الطاغية وأعوانه، ونحمد الله على انحسار المدّ الطائفي الخبيث، الذي عبث بعقيدتنا وديننا وحياتنا.
لا تطاب اليوم إلا في أمرين: العدالة والإصلاح:
وكلامي الآن لعامة الناس من أبناء وطني الحبيب: اليوم عاد الوطن إلى أهله، واليوم رجع الحق لأصحابه السوريين، من كافة الطوائف والقوميات كافةً، ولا خطاب اليوم إلا في أمرين: العدالة والإصلاح، إلا بالعدالة ولن يقوم العدل إلا بردّ الحقوق، وأداء الواجبات، ومحاسبة المقصّرين الذين أجرموا وأفسدوا، نحن أمةٌ واحدة، حربنا واحدة وسلمنا واحدة، ولكن الحوار بيننا اليوم على كيفيته، تحصين هذا النصر بعد كل هذه التضحيات العظيمة، والدماء الزكية الكريمة التي أُريقت، ثمنٌ باهظ، ولنترك الماضي خلفنا، ولا ننظر إليه إلا للاستفادة من دروسه وعِبره، ولنركِّز تماماً على المستقبل، هناك ماضي، وهناك حاضر، وهناك مستقبل، لنركِّز على المستقبل، المستقبل يدفع ثمنه الأولاد، في الأسرة هناك أبٌ وأمٌّ وأولاد، والتفاني في صناعته على الشكل الأمثل، الذي يُرضي ربنا، دون تنازعٍ أو شِقاق.
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾
التعاون والاستشارة واحترام الآخَر حضارة:
التعاون والاستشارة واحترام الآخَر، حضارة، أعداؤنا يتعاونون تعاون مذهِل، وبينهم ثلاثة بالمئة قواسم مشتركة، نحن كمسلمين بيننا قواسم خمسةٌ وتسعون بالمئة، التعاون ضرورة، والتعاون قوة، والتعاون حضارة، والتعاون نصر، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) هذه الأيام أيام المرحمة، المرحمة من الرحمة، والتواصل وردّ الحقوق، وأداء الأمانات.
إخوتي الكرام الأحباب: ها قد حقَّق الله وعده، وتفضَّل على عباده، وأذهب عنهم الأذى، فليكن ردّنا على هذه النعمة العظيمة، شكراً لله باللسان وبالقلب وبالعمل
﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)﴾
الشكر امتنانٌ داخلي، نطقٌ باللسان، عملٌ بالإحسان، من أعظم أنواع الشكر، أن نعمل وفق رضى الله عزَّ وجل، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن نبني علاقتنا وفق منهج الله، فلا يُعقل أن نقابل النعمة بمعصيةٍ.
الحقيقة ينبغي أن تسأل الصانع، هو الذي يعلم ما ينفعك، الصانع هو الله
﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾
ومن هذا المنبر المُبارك إن شاء الله، أدعو الجميع دون استثناءٍ، إلى التكاتف والمشاركة في العمل والبُعد عن السلبية القاتلة، فللمعلِّم دوره، النبي الكريم قال:
(( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّ بمَجْلِسَيْنِ في مَسْجِدِهْ فقال: كِلَاهُمَا على خيرٍ، وأَحَدُهُما أَفْضَلُ من صاحِبِهِ، أَمَّا هؤلاءِ فيَدْعُونَ اللهَ ويَرْغَبُونَ إليه، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأَمَّا هؤلاءِ فيَتَعَلَّمُونَ الفِقْهَ أو العِلْمَ، ويُعَلِّمُونَ الجاهلَ، فهم أَفْضَلُ، وإنما بُعِثْتُ مُعَلِّمًا ، ثم جلس فيهِم ))
[ الألباني هداية الرواة ]
ضغط دعوته بالتعليم.
(( إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ ))
[ أخرجه البزار والبيهقي ]
للمُعلِّم دوره، وللتاجر دوره، وللصناعي دوره، وكلٌ من موقعه يستطيع أن يُقدِّم شيئاً لوطنه ولأمته، إنَّ المستحيل ليس الشيء الذي لا يمكن فعله، بل هو الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيعه، فلنبتعد عن كل خطابٍ يُثبِّط ويحبط حياتنا، ولنبدأ العمل من دون النظر إلى الوراء، إلى الأمام، فالوقت للعمل وللنقد البنَّاء، هناك نقدٌ بنَّاء أساسه محبة وغيرة، فالنقد هو حوارٌ بين المؤمنين، مع الصبر، فما دُمِّر خلال ستين سنة، دُمِّرت هذه الأمة، لا يمكن بناؤه بسرعةٍ كبيرة، ولا بجهودٍ فردية، التعاون حضارة، التعاون قوة، التعاون تألق، التعاون انتصار، أعداء المسلمين يتعاونون تعاون مُذهِل، أمّا المسلمون ينبغي أن يتعاونوا تعاون في أعلى درجاته.
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ ملَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدُّعاءُ هو العبادةُ، ثمَّ قرأ (وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) سورة غافر الآية (60)
[ أخرجه أبو داوود والترمذي وابن ماجه ]
الدعاء مخ العبادة
(( مَن لم يسألِ اللهَ يغضبْ علَيهِ ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد ]
إنَّ الله يحب من عبده أن تسأله حاجتك كلها.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن تولّيت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المُسيئين، يا رب العالمين.
اللهم انصر عبادك المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، انصر إخواننا في غزَّة العزة، وفلسطين نصراً عزيزاً مؤزَّراً، اللهم عليك بالصهاينة المجرمين فإنهم لا يعجزونك، اللهم اجعل بلدنا هذا وبلاد المسلمين، سخاءً رخاءً يا أرحم الراحمين، وصلِّ وسلم وبارك على نبينا محمدٍ عليه أتم الصلاة والتسليم.
الملف مدقق