وضع داكن
01-06-2025
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الجزائر - محاضرة : 21 - كليات الدين
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، أيها الإخوة الأحباب، الحقيقة الدقيقة أنني أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، وإن وجدتم بعد كلمتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده، وإلا حسبكم الله ونعم الوكيل.

كليات الدين:


بادئ ذي بدء، كم كتاباً إسلامياً؟ كم تفسيراً؟ كم جامعة؟ كم مؤسسة؟ بالآلاف، بل بمئات الألوف، يا ترى هل بالإمكان أن نلخص هذا الكم الكبير الكبير من مؤسسات، من دعاة، من جوامع، من جامعات؟ ممكن، الحقيقة اجتهاد، والمجتهد يصيب أو يخطئ.

الكلية الأولى: الفكر:

أول كلية في الدين: الفكر، التصرف، المنطلق النظري، الإيديولوجيا، كلها كلمات لمسمى واحد، الجانب العقلي، فهمك للدين، فهمك للقرآن الكريم، فهمك لليوم الآخر، فهمك للتشريع، هذا القسم الأول، الكلية الأولى: المنطلق النظري، الإيديولوجيا.
هذا المنطلق يحتاج وقفة متأنية، يعني حتى الإنسان يستطيع أن يضع د. قبل اسمه يحتاج إلى 23 سنة دراسة، فحتى يستحق الجنة إلى أبد الآبدين يحتاج إلى طلب علم:
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
إخوتنا الكرام، أخواتنا الفُضلَيات، القضية بند أساسي بحياتنا، هذا الطاولة أمامي لها طول، عرض، ارتفاع، ووزن وحجم، هذه الجماد، والنبات يزيد عليه بالنمو، والكائنات المتحركة تزيد عليهما بالحركة، والإنسان أخذ من الجماد: وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، أخذ من النبات النمو، من بقية المخلوقات الحركة، بماذا فضل الله الإنسان على بقية خلقه؟ بقوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية تُلبّى بطلب العلم، هذه القوة الإدراكية التي تميز بها الإنسان تعطينا خاصة لهذا الإنسان: وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، نمو، حركة، إلا أن الله أودع فيه قوة إدراكية تميز بها عن بقية المخلوقات، فإذا أعرض عن الدين ما الذي يحصل؟ استمعوا إلى القرآن الكريم:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[  سورة النحل ]

نبضه 80، الضغط 8/12 عند الله ميت( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[  سورة المنافقون  ]

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[  سورة الفرقان ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[  سورة الجمعة  ]

قرآن كله، إن أعرض الإنسان عن طلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
رُكِّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، إذاً بهذا الدين آلاف مؤلفة بل مئات ألوف العلماء من البعثة حتى الآن، والكتب والدوائر الإسلامية والجامعات و، و، ممكن أن يُضغط هذا الكم المذهل بكليات؟ الجواب: نعم، أول كلية: الفكر، العقيدة، التصور، المنطلق النظري، أسماء لمسمى واحد، هذا يحتاج إلى طلب علم.
حتى يكتب الإنسان قبل اسمه د. يحتاج إلى 23 سنة دراسة، وحتى يعرف الله أصل الجمال والكمال، والنوال الذات الإلهية، بيده كل شيء، 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

ألا يحتاج إلى اهتمام؟ علة وجودك في الدنيا العبادة، والعبادة: طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هذه الكلية الأولى من كَمٍّ لا ينتهي من المؤسسات والجامعات والكتب والعلماء...إلخ إلى كليات أساسية.
الكلية الأولى: المنطلق النظري، التفكير، التصور ، هذا يحتاج إلى طلب علم، ومرة ثانية: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
إخواننا الكرام، الله -عز وجل- بتعبير معاصر سرّب إلينا ما يقوله الكفار وهم في النار:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾

[ سورة الملك ]

إذاً: أزمة علم فقط، هناك 8 مليارات إنسان في الأرض، هل يوجد فيهم أحد يحب الفقر؟ لا أحد، القهر؟ لا أحد، المرض؟ لا أحد، فيهم أحد لا يحب أن يكون لديه بيت واسع، زوجة صالحة، أولاد أبرار، بنات محتشمات؟ كلنا، فيهم أحد لا يحب أن يعيش 130 سنة؟ معنى ذلك يوجد خصائص للبشرية، يعني بالتعبير المعاصر: تعليمات الصانع مهمة جداً، تركب سيارة حديثة جداً فتألق ضوء أحمر أمامك على لوحة البيانات، إن فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك وتحتاج إلى 100ألف، وإن فهمته بحسب تعليمات الصانع ضوءاً تحذيرياً، توقف المركبة وتضع الزيت وانتهى الأمر.
انطلاقاً من حبك لذاتك، انطلاقاً من حرصك على سلامتك وسعادتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع.
إخواننا الكرام، بارك الله بكم ونفع بكم، نحن في بلاد إسلامية، يوجد إيجابيات لا يعلمها إلا الله، فلا بد من البحث عن الحقيقة، يعني الإنسان ما هو الموت؟ شيء مخيف، من بيت ومركبة وصالة كبيرة، ومكانة اجتماعية وسيارات إلى جثة هامدة، هذا التفكر بالموت أعلى درجات اليقين والذكاء، من قصر إلى قبر، ماذا في القبر؟ أهل الأرض الآن يعيشون لحظتهم. 
كنت مرة في أمريكا بعدما عدت إلى الشام سُئلت ماذا رأيت؟ قلت رأيت الناس جميعاً يعيشون لحظتهم فقط، همهم الأول الرفاه فقط، هذا منهج العالم كله الآن، أما أن هناك دار آخرة إلى أبد الآبدين، هناك حساب دقيق:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر ]

إذاً: هذا الدين العظيم بمئات المجلدات بآلاف العلماء، بـ، بـ، بـ، هو أربع أشياء: منطلق نظري، فهم، إيديوبوجيا، حركة: نتحرك لماذا؟ لنأكل، بماذا وصف الأنبياء؟ كانوا:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) ﴾

[ سورة الفرقان ]

أي هم مفتقرون في وجودهم لتناول الطعام، ﴿وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ ومفتقرون إلى ثمن الطعام، هذا الإنسان، فالإنسان كائن حادث لم يكن من قبل، والإنسان لأنه في عالم الأزل قبل عالم الصور:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

تتمة الآية محيرة: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ ؟ استفهام إنكاري، أو ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ للتوضيح: أب غني كبير وعنده معامل، أعطى كل ولد من أولاده بيت وسيارة ودخل شهر كامل، لكنه قال من يأتي بالدكتوراه من بلد بعيد أعطيه نصف أملاكي، وإن لم يأتِ بهذه الشهادة أبقيه متسولّاً، لا يوجد حل وسط.
رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما- دقق هنا- فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، لا يوجد حل وسط,
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
إذاً: كليات الدين: العقيدة، المنطلق النظري، لا بد من طلب علم.

الكلية الثانية: الحركة:

ثانياً: الحركة: تتحرك لتأكل، هذه الحركة إما أن تكون وفق منهج الله، أو وفق الهوى، لا يوجد حل وسط، ولا يوجد شهوة- دقق- أُودِعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة، يعني للتقريب: بالعيد لديك نزهة إلى مكان معين في هذا البلد، صفيحة البنزين سائل غالٍ جداً، وسائل منفجر-دقق- إذا وُضعت هذه الصفيحة في المستودع المحكَم وسال هذا البنزين في الأنابيب المحكمة، وانفجر في البستونات ولّد حركة نافعة تقلُّك إلى مكان جديد في العيد، المادة نفسها صبها على السيارة وأعطها شرارة تحرق المركبة ومن فيها، فالشهوات مهمة جداً، هي محرك، أما إذا وُضعت بخلاف ترتيباتها أصبحت مهلكة.
سأقول مرة ثانية: ما من شهوة أُودعَت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها.

ثالثاً: الثمرة:

صار الدين: فكر، إيديولوجيا، مبادئ، قيم، وحركة نحو الطعام والشراب، ونحو ثمن الطعام والشراب، أما الثمرة:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه ]

إنك إن صليت ذكرت الله ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ آية ثانية:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾

[ سورة البقرة ]

يعني إذا ذكرك الله ماذا يكون؟ اذكروني: أقيموا الصلاة، أما أذكركم: دقق هناك ثلاث عطاءات مذهلة: أول عطاء: التوفيق:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾

[ سورة هود ]

ثم الحفظ: 

﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ﴾

[ سورة يوسف ]

ثم السكينة: هذه السكينة ذاقها النبي في الغار، وذاقها إبراهيم في النار، وذاقها يونس في بطن الحوت، السكينة أكبر عطاء إلهي تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، صار عنا عطاء كبير جداً.
إذاً: هناك حاجات أساسية، ثم ثمار، الثمار: توفيق وحفظ وسكينة، هذا الدين العظيم أيعقل أن نتجاهله؟ أيُعقَل ألا ننتبه إليه؟ 

﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

[ سورة الشعراء ]

القلب السليم الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد إلا الله.
هذه كليات الدين: فكر، إيديوبوجيا، منطلق نظري، فهم عام، تصور، كلها مفردات لحقيقة واحدة: الجانب العقدي.
الحركة: من أجل أن ترقى، ومن أجل أن تملك ثمن الطعام والشراب، هذه الحركة.
الثمرة: الاتصال بالله -عز وجل-، فإذا عرفنا من نحن، عرفنا سر وجودنا، وغاية وجودنا سعدنا في الدنيا والآخرة.
ماذا يقابل كليات الدين في الدنيا؟
الآن هذه الكليات في الدين ماذا يقابلها في الدنيا؟ لنحضر مثالاً بسيطاً: دعونا نحتاج إلى فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، هذه العلوم ماذا فيها؟ قالوا نهاية العلم القانون. 
تعريف القانون: علاقة مقطوع بها، بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل.
علاقة: لو كان غير مقطوع بها، الوهم 30%، الشك 50%، الظن 70%، غلبة الظن 90%، علاقة مقطوع بها 100%
تطابق الواقع، عليها دليل: إن لم يكن عليها دليل، فهي تقليد، وقال الله لا بد من أن تعرفوا الحقيقة، لا بد من دليل:

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) ﴾

[ سورة التكاثر ]

الله يريد اليقين، كما قلنا قبل قليل: 30% وهم، 50% شك، 70% ظن، 90% غلبة ظن، أما اليقين 100%

﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)  ﴾

[ سورة التكاثر  ]

شخص يركب دراجة، وبطريق منخفض شديد والسرعة متنامية، ولا يوجد معه مكبح، ممكن يعرف نهايته قبل أن تقع النهاية.
إذاً: يقابل القانون: السنن:

﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ﴾

[ سورة فاطر ]


سنن الدفع والرفع:


تقريباً السنن قوانين ولكن شرعية، هذه السنن مقسمة إلى فقرتين كبيرتين: سنن دفع إلى الله، والردع. 

سنن الدفع:

الدفع والردع، أول بند: الهدى البياني: كهذه المحاضرة: أنت مرتاح ولا يوجد لديك أي مشكلة إطلاقاً، استمعت إلى محاضرة، حضرت خطبة في المسجد لعالم رباني، قرأت كتاب تفسير، أخذت معلومات دقيقة موثوقة من الكتاب والسنة، الهدى البياني: الموقف الكامل للإنسان هو الاستجابة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[  سورة الأنفال  ]

شيء دقيق جداً، نحن أحياء أم أموات؟ الإنسان الذي عزف عن طلب الحقيقة بمثابة الميت، حينما تعرف من أنت، أنت المخلوق الأول: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾ أنت المخلوق الأول رتبة؛ لأنك قبلت حمل الأمانة، والمُكرَّم، والمُفضَّل، والمُحاسَب، والمُعاتَب، والمعاقَب لأنك اخترت في عالم الأزل قبل عالم الصور حمل الأمانة، والدليل القرآني ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾
هناك قراءة وهناك قراءتان ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ ؟ استفهام إنكاري، يعني إذا كان هناك أب ميسور جداً، وعرض على أولاده شهادة دكتوراه من بلاد بعيدة أعطاه نصف أملاكه، فهذا الطالب عاد إليه بهذه الشهادة ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ ؟ استفهام إنكاري، أما إذا عاد بلا شهادة ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ استفهام تقريري، فالإنسان خُلق لطاعة الله، دققوا:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
مرة ثانية: طاعة طوعية: خلقنا، حياتنا بيده، والموت بيده، والغنى بيده، والفقر بيده، والصحة بيده، والمرض بيده، والقوة بيده، والضعف بيده، وكل شيء بيده، ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، فقال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب، قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

فلذلك الحب في الإسلام شيء كبير جداً أن تحب الله:

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي     رأوه لما وليت عنا بغيرنا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا

ولو ذقت من طعم المحبة ذرة    عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا

ولو نسمت من قربنا لك نسمة        لمت غراما واشتياقا لقربنا

ولو لاح من أنوارنا لك لائح        تركت جميع الكائنات وجئتنا

فما حبنا سهل وكل من ادعى         سهولته قلنا له قد جهلتنا

فأيسر ما في الحب للصب قتله   وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

[ علي بن محمد بن وفا ]

إذاً إخواننا الكرام، هذا الدين منهج حياة: 

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

[ سورة الجاثية ]

يوجد كون، هذا الكون يعني للتقريب: الأرض تبعد عن الشمس 156 مليون كم، والشمس أكبر من الأرض بمليون و300 ألف مرة، يعني يدخل في جوف الشمس مليون و300 ألف أرضاً والمسافة بينهما 156 مليون كم، افتح القرآن:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) ﴾

[ سورة البروج ]

البروج: جمع برج، وهناك مئات ملايين البروج في العالم، أحد هذه البروج برج العقرب، كنت مرة في أمريكا دخلت إلى متحف فضائي، هذا البرج وصلوا الخطوط بين نجومه كالعقرب تماماًـ هناك نجم صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب، هذا النجم يحتوي الشمس والأرض مع المسافة بينهما، الشمس أكبر من الأرض بمليون و300 ألف مرة، وبينهما 156 مليون كم وبرج العقرب فيه نجم صغير أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يُعصى؟ ألا يُخطَب وده؟ ألا تُرجَا جنته؟ ألا تُخشَى ناره؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه     ذاك لعمري في المقال شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته      إن المحب لمن يحب مطيع

[ الإمام الشافعي ]

إخواننا الكرام، عندنا الهدى البياني، الموقف الكامل: الاستجابة.
ثانياً: التأديب التربوي: ما استجاب، يسوق الله لهذا الإنسان شيئاً سلبياً في حياته، البطولة أن يتوب:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

[ سورة السجدة ]

الهدى البياني أرقى مستوى: سمعت تفسيراً، قرأت تفسيراً، التقيت بعالم رباني، استفدت من علمه، الاستجابة، ما استجاب، الثانية: تأديب تربوي. 
أعرف شخصاً ذكر لي هذه القصة، يعني يريد أن يدفع زكاة ماله، زوجته ضغطت عليه أن يطلي البيت طلاء جيداً فاستجاب لها، حصل معه حادث مرور قال لي: كلفة الحادث تساوي زكاة مالي، هذه رسالة من الله -عز وجل-، الله يرسل رسائل، فإذاً التأديب التربوي منهج إلهي، الهدى البياني أرقى شيء، سمعت محاضرة، قرأت تفسيراً، فكرت بأمورك، رائع جداً، بالتأديب التربوي ما استجاب، كيف يستجيب؟
الآن يوجد حالة ثالثة لكن صعبة جداً اسمها: الإكرام الاستدراجي، تأتيه الدنيا فجأة يغير بيته وسيارته، بعدها قد يرتكب معاصي كبيرة، هذا الثالث الإكرام الاستدراجي، نحن بين هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي: لا هذه، ولا هذه، ولا تلك، يأتي القصم، هذه سنن الدفع إلى الله. 

سنن الردع:

لكن عندنا سنن أخرى: الردع، الردع المصائب، للأنبياء: تفسير، وللمؤمنين تفسير، وللآخرين تفسير.
التفسير الأول: كشف: أنت لديك مركبة ممكن الصعود وهي تحمل البضاعة وأشخاص كثر، وتمشي بسرعة 150 بالصعود أي بالطريق الصاعد وليس النازل، يعني طريق فيه صعود، كشفَ الحقيقة. 
يعني أثناء الهجرة تبعه سراقة، قال له: يا سراقة -دقق- شخص مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يقول له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ غير معقول، شخص مُطارَد، مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً يقول له: يا سراقة سوف تلبس سوار كسرى، هذا يقين المؤمن بعطاء الله.
لذلك الإنسان، اسمحوا لي بهذه الكلمة القاسية اليأس، والسوداوية، والتشاؤم هذه صفات تقترب من الكفر، التشاؤم والسوداوية هذه تقترب من الكفر، الله موجود، اذكر مئة قصة، يوجد غرب قوي، ويوجد أسلحة نووية، أضف كلمة واحدة بعدها، الله موجود أيضاً، بيده كل شيء:

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 متى أمرك أن تعبده؟ ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ هذه الـ الجنس، عندنا الـ العهد والـ التعريف، الـ الجنس يعني أي أمر بالخمس قارات- البعد المكاني- وأي أمر من آدم إلى يوم القيامة- البعد الزماني- يرجع الأمر كله، متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، يعني للتقريب:
50 أو 60 وحش مفترس، جائع، هذه الوحوش مربوطة بأزِمَّة مُحكَمة بيد جهة حكيمة، رحيمة، عليمة، لطيفة، علاقتك مع الوحوش؟ مع من يملكها، هذه ملخص المُلخَّص، يوجد دول قوية ويوجد حروب ويوجد كل شيء، ويوجد الله ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ 
إخواننا الكرام، القضية قضية إيمان، هذا الإيمان من آثاره الطمأنينة، من آثاره السكينة، من آثاره التفاؤل، من آثاره يعني للتقريب:
طفل وُلِد حديثاً، فرح أبواه فرحاً لا حدود له، سليم الحمد لله، فهذا الطفل بعد حين قال كلمة بابا –لا ينسوها- بعدها دخل حضانة، ابتدائي، إعدادي، ثانوي عنا بالشام، صار أستاذاً عمل جيداً واشترى سيارة واستمر في الصعود إلى أن أتى عزرائيل وأخذ روحه فخسر كل شيء في ثانية واحدة، إلا المؤمن يبقى خطه صاعداً والموت نقطة على هذا الخط، العبد الفقير درّست سيرة 70 صحابياً، لفت نظري شيء لا يصدق أنهم جميعاً كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند الموت، واكربتاه يا أبتاه، قال لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه، والله 70 صحابياً، لفت نظري أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم.
لذلك الآن ممكن أن تجمع فحوى دعوة الأنبياء جميعاً بآية واحدة، الآية تقول:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

الدين كله: ﴿لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا﴾ التوحيد نهاية العلم، والعبادة: نهاية العمل، لذلك: لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجوَنّ إلا ربه
نشكر لكم حضوركم، وأنا أقول لكم كلمة والله موضوعية لا علاقة لها بالمديح أبداً، في هذا البلد الطيب التدين ليس تهمة تُحاسَب عليها، انظر إلى الجميع، هذه أول ميزة، الشيء الثاني: يوجد قوة، القوة يعني فيها بقية رحمة، بقية إنصاف، بقية عدل، هذه أيضاً نقطة ثانية إيجابية، لذلك أرجو الله -عز وجل- يعني لما النبي الكريم حدّثه صحابي عن مكة بعد أن هاجر بكى النبي، اشتاق إلى بلده، فحب البلد من الإيمان.
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار بلادكم. والحمد لله رب العالمين

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور