- محاضرات خارجية
- /
- ٠24ندوات مختلفة - الجزائر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإنسان هو المخلوق الأول لأنه قَبِل حمل الأمانة :
أيها الأخوة الكرام، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، والكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
في هذا اللقاء الطيب مع ومضات من بعض آيات القرآن الكريم في سورة المعارج الله عز وجل يتحدث عن الإنسان، من هو الإنسان؟ هو المخلوق الأول عند الله، لماذا هو المخلوق الأول رتبة؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
لأنه قَبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول، لذلك سخر الله له:
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
الهلع من صفات الإنسان الجِبلِّية :
هل تعلم أيها الأخ الكريم أن كل هذا الكون الذي يصل إلى ألوف ملايين المجرات، وأن كل مجرة قد تستوعب ألوف ملايين الكواكب والنجوم، وأن الأرض كوكب صغيرٌ صغير فيه المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية نقطة في درب التبانة، المجموعة الشمسية بأكملها نقطة في درب التبانة، فهذا الكون لا نهائي، فلذلك الله عز وجل في سورة المعارج يقول:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ ﴾
وحيثما تأتي كلمة إنسان بالقرآن معرفة بال تعني أن الإنسان قبل أن يعرف الله، الإنسان قبل أن يكون مؤمناً:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
نقطة ضعف في أصل خلق الإنسان، للتقريب: أحياناً بالآلات الغالية جداً العظيمة النفع وصلة ضعيفة جداً، فإذا جاء تيار قوي لئلا يحرق الآلة هذه النقطة تسيح، فينقطع التيار وتسلم الآلة.
الهلع والضعف والجزع من صفات الإنسان الجِبلِّية :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
ما معنى هلوعاً؟ قال:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾
أي لا سمح الله ولا قدر إذا علم أنه يعاني من مرض خبيث، إذا فقد وظيفته، إذا فقد أقرب الناس إليه، هو شديد الهلع، هذه نقطة ضعف في أصل خلقه، لماذا خلق الله الإنسان ضعيفاً؟ هناك حكمةٌ بالغةٌ بالغة، خلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾
﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
حريص على ما في يده، إذا مسه الشر تنهار أعصابه، ترتعد فرائصه، ييئس الإنسان قبل أن يعرف الله، وإذا مسه الخير يمسك يده ويبخل على من حوله،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
هذه خصائص الإنسان في ضعفه، الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه.
الافتقار إلى الله سبب النصر :
لذلك الصحابة الكرام هم قمم البشر، في بدر افتقروا إلى الله، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
ضعاف، أما في حنين فهم هم، وفيهم سيد الخلق وحبيب الحق، لكنهم قالوا:
((ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا.
التولي و التخلي :
أخوتنا الكرام، هذا درس بليغٌ بليغ، إن قلت: الله تولاك، إن افتقرت إلى الله أغناك الله، إن استعنت بالله أعانك الله، إن استهديت بالله هداك الله، وإذا قلت: أنا بعلمي، بخبراتي، بنسبي، باختصاصي، بشهادتي، بأملاكي، بمن حولي، بأتباعي، تخلى الله عنك، هذا الدرس البليغ، هذا طُبق على أصحاب النبي،
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
والله لا أبالغ هذا الدرس يحتاجه كل واحد منا وأنا معكم، ليس كل يوم، كل ساعة تقول: أنا، يتخلى الله عنك، تقول: أنا اعتداداً - اعتداد بالذات- تقول: أنا، يتخلى الله عنك، تقول: الله يتولاك فأنت بين التولي والتخلي، إذا قلت: بفضل الله نجحت، إذا عزوت هذا النجاح إلى فضل الله عليك تابعت النجاح، فإذا عزوته إلى ذكائك، وإلى دراستك، ومتابعتك، قد لا تنجح مرة ثانية، فأكثر موضوع يؤدبنا الله به هذا الموضوع، تقول: أنا، يتخلى الله عنك، تقول: الله، يتولاك، أنت بين التولي والتخلي، والصحابة الكرام قمم البشر قالوا الله في بدر تولاهم، قالوا:
((ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
في حنين لم ينتصروا.
الإنسان شديد الخوف والجزع والحرص قبل أن يعرف الله عز وجل :
الإنسان خلق هلوعاً،
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾
حماكم الله عز وجل جميعاً من كل الأمراض، لكن لو إنسان شعر بورم بمكان في جسمه، وأخذ خزعة وفحصها، وتبين أنها ورم خبيث تنهار أعصابه، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
شديد الخوف، شديد الجزع، شديد الحرص،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
مرة حدثني طبيب، قال لي: هناك مريض بمرض القلب، عندما علم أن معه مرضاً خطيراً وقديماً في حياته، و أخبروه أنه من الممكن أن يعيش لمدة شهرين، مات بعد ساعتين، لم يتحمل الخبر،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
شديد الجزع، شديد الحرص،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
جزوع عند المصيبة، حريص عند العطاء، هذا من صفات الإنسان العادي قبل أن يعرف الله، لأن كل كلمة إنسان معرفة بال جاءت في القرآن الكريم تعني أنه قبل أن يعرف الله.
المصلي محصن لأنه يؤمن بالله العظيم :
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
اختلف الوضع،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
لكن ورد:
(( ليس كل مصلٍّ يصلي - ما القصد من هذا الكلام؟ كلام خطير - إنما أتقبل الصلاة ممن توضع لعظمتي))
لابد من أن تؤمن بالله العظيم.
عدم إيمان إبليس اللعين بالله العظيم :
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
آمن بالله، إبليس مؤمن، الدليل قال ربي:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
آمن به رباً، آمن به عزيزاً، قال:
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
لكن إبليس اللعين لم يؤمن بالله العظيم، أين الشاهد؟ أن تؤمن بالله العظيم.
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾
التفكر أساس الإيمان بالله العظيم :
كيف تؤمن بالله العظيم؟ تؤمن بالله العظيم حينما تتفكر في خلق السموات والأرض، والأصل في هذا الموضوع هذه الآية الرابعة، هي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
آيات الله الكونية و التكوينية و القرآنية طرق سالكة إليه :
أخوتنا الكرام، ثلاثة طرق سالكة إلى الله، آياته الكونية، وآيات التكوينية، وآياته القرآنية، آياته الكونية الكون، بسمواته وأرضه، بمجراته ومذنباته، بالأرض وما فيها من أسماك، من أطيار، من مخلوقات، من بحار، من جبال، هذه آياته الكونية، ينبغي أن نتفكر في آياته الكونية، والدليل:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
الآيات الكونية ينبغي أن تتفكر بها، والآيات التكوينية أفعاله، هذا الله عز وجل أكرمه، هذا ساق له مرضاً عضالاً، هذا ساق له شدة، هذا دخل سجناً، هذه آياته التكوينية أفعاله بالناس، آياته الكونية طريق سالك إليه، وآياته التكوينية طريق سالك إليه، وآياته القرآنية طريق سالك إليه، الآيات الكونية نتفكر بها، وآياته التكوينية ننظر إليها، دقق:
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
آية ثانية قل:
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾
الأولى: ثم نظروا، الثانية: فانظروا، أحياناً قد يأتي العقاب مباشرة.
حدثني أخ كريم يعمل في القضاء أن هناك بيت غال جداً في الشام، أبرز أحدهم عقداً لشراء هذا البيت قبل أن يتوفى صاحبه، دُعي لحلف اليمين، الذي حدثني المحامي، قال لي: والله وضع يده اليمنى على المصحف، والثانية مسك بها طرف الطاولة، وأقسم بالله كاذباً أن البيت له والعقد صحيح، و لم ينزل يده، قال له القاضي: أنزل يدك، كان ميتاً.
أحمق إنسان من لا يدخل الآخرة في حساباته :
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾
الفاء تفيد الترتيب على التعقيب، وهناك إنسان سيق إلى الإعدام- والقصة قديمة- حينما وضع الحبل في رقبته، قال: أنا سوف أشنق، لكن هذا المقتول الذي اتهمت به لم أقتله، أنا سأشنق، لكني لم أقتله، لكنني قتلت إنساناً قبل ثلاثين عاماً، والله حدثني بهذا أخ حضر الإعدام بدمشق.
فالآية الأولى
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾
هذا الذي مسك الطاولة وأقسم بالله يميناً كاذبة ففارق الحياة فوراً، هذه فانظروا، الذي قال: قتلته قبل ثلاثين سنة
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
أخواننا الكرام، صدقوني ولا أبالغ أنا لا أرى على وجه الأرض أغبى ولا أحمق ممن لا يدخل الله في حساباته، أحياناً يحسب حساب القانون، يحسب حساب الدولة، يحسب حساب الورثة، يحسب حساب الشريك، لكنه لا يدخل الله في حساباته.
مرة ثانية: لم أجد على وجه الأرض أغبى ممن لا يدخل الله في حساباته.
﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ﴾
أيها الأخوة،
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
بالخير يمسك، بالشر ينهار، هذه أمراض غير المؤمنين، عند المصيبة ينهار، ترتعد فرائصه، وعند الرخاء يقبض يده، يقول: حصّلت المال بتعبي وعرق جبيني.
التفكر في خلق السموات و الأرض :
أيها الأخوة، لكن الآية التي بعدها:
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
موضوع الصلاة أعمق بكثير من أن تقف وتقول: الله أكبر، وتقرأ الفاتحة، وسورة، وتركع، وتسجد، أعمق بكثير.
(( ليس كل مصلٍ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن توضع لعظمتي))
هل تفكرت في خلق السموات والأرض؟ هل نظرت إلى طعامك؟ هل نظرت إلى شرابك؟ هل نظرت إلى ابنك كيف خُلق من ماء مهين؟ دماغ، مئة وأربعون مليار خلية، ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، هل نظرت إلى الدماغ؟ مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، هل نظرت إلى ذاكرتك؟ مساحتها كمساحة حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، هل نظرت إلى شبكية العين؟ مساحتها ميلي وربع، فيها مئة وثلاثون مليون مستقبل ومخروط، العين.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
العين، الشبكية مساحتها ميلي وربع، كم مستقبل ضوئي فيها؟ فيها مئة وثلاثون مليون مستقبل ضوئي، لأن العين البشرية تفرق بين تسعة ملايين لون، ولو جئنا بالأخضر و درجناه ثمانمئة ألف درجة العين البشرية السليمة تفرق بين الدرجتين، هذا هو الإنسان.
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
الحديث عن عينه، عن نطقه، كل حرف تنطق به يسهم في صنعه سبع عشرة عضلة كل حرف فإذا كانت الكلمة خمسة حروف، والجملة خمس كلمات، والمحاضرة ساعة؟!
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
معجزة خالق الأكوان في خلق الإنسان :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
في الدماغ مئة وأربعون مليار خلية، وهناك ثلاثمئة ألف شعرة، الشبكية، مئة وخمسون عصية ومخروط، العينان، اللسان، لسان المزمار وأنت نائم وغارق في النوم يجتمع اللعاب في الفم، تذهب رسالة إلى الدماغ بأن اللعاب قد كثر يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم للسان المزمار يفتح المريء ويغلق القصبة الهوائية، تبلع ريقك وأنت نائم، جهازك العظمي فوقه عضلات تضغط على ما تحته من عضلات، العضلات التي تحته ضغطت، الأوعية ضاقت لمعتها، فضعفت التروية، تذهب رسالة من العضلات المضغوطة التي ضعفت ترويتها إلى الدماغ أن انضغطنا، وأنت نائم يأتي أمر من الدماغ فتقلب قلبة، قلبة على اليمين، لكن الثانية على اليسار.
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾
لو كنت تتقلب لنفس الجهة لرأيت نفسك على الأرض، قلبة نحو اليمين وقلبة نحو اليسار، صنع من؟ دقة من؟ وأنت نائم هناك أجهزة تعمل في دقة بالغة، لسان المزمار يعمل، التقليب تام، الهضم تام، التنفس تام، هذا التنفس يتلقى أمراً من مركز الدماغ، لو عمل القلب أوكل إليك، هل تستطيع أن تنام؟ لو أوكل إليك التنفس، والله لا أستطيع أن أنام إذا نمت أموت، أما الله عز وجل فأعفاك من التنفس، أعفاك من الهضم، مئة آلية تعمل بانتظام وأنت نائم، هذا من فضل الله علينا، الإنسان:
﴿ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
كلما أضفنا صفة تضيق الدائرة :
الآن بالله عليكم دققوا في هذا المثل، كلمة إنسان، هذه الكلمة كم تشمل من بني البشر؟ هذه الكلمة تشمل ستة آلاف مليون إنسان، إنسان، صيني، عربي، مثقف، غير مثقف، من دول الشمال، من دول الجنوب، عرقي، أنكلو سكسوني، سامي، أمريكي ، أوربي، أبيض، أسود، أسمر، إنسان، هذه الكلمة تغطي ستة مليارات إنسان، قل: إنسان مسلم الرقم نزل، من ستة مليارات إلى مليار وثمانمئة مليون، قلت: إنسان مسلم، الدائرة ضاقت، الآن تغطي هذه الكلمة مليار وثمانمئة مليون، الآن إنسان مسلم عربي، بقوا مئتين وخمسين مليوناً، إنسان مسلم عربي جزائري، كم عددكم أنتم؟ خمسة وثلاثون، من مئتين وخمسين مليوناً إلى خمسة وثلاثين مليوناً، إنسان مسلم عربي جزائري مقيم بالعاصمة، أربعة ملايين أو خمسة، إنسان مسلم عربي جزائري مقيم بالعاصمة طبيب، مئة ألف، إنسان مسلم عربي مقيم بالجزائر العاصمة طبيب قلب خمسمئة، طبيب قلب جراح؛ ثلاثون، كلما تضيف صفة تضيق الدائرة، المثل واضح؟، لأن الصفة تقليد:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
الآن عندنا مليار وثمانمئة مليون، أنا أتصور - تصور شخصي- إذا كان بالأرض مليار وثمانمئة مليون من المسلمين هناك مليار
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
صلاة الإنسان لا تقبل إلا ممن تواضع لعظمة الخالق و كفّ شهواته عن محارمه :
الآن:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾
ضاقت الدائرة.
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾
ضاقت الدائرة.
﴿ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾
أي مصلُّ؟
(( ليس كل مصلٍ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن توضع لعظمتي))
من أراد الدنيا و الآخرة فعليه بالعلم :
فكر في خلق السموات والأرض، بين الأرض وأقرب نجم ملتهب- عدا الشمس، الشمس نجم ملتهب - أربع سنوات ضوئية، الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربعة، ابنك الصغير بآلة حاسبة خلال دقيقتين يحسب لك المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم، لو كان هناك طريقاً سالكاً لهذا النجم، ومعك سيارة مرسيدس، وانطلقت اليوم متى تصل؟ بعد خمسين مليون عام، أقرب نجم ملتهب بعده عنا أربع سنوات ضوئية، إذا انطلقت بمركبة أرضية باتجاه هذا النجم تحتاج إلى خمسين مليون عام، متى أصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ متى أصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ متى أصل إلى أحدث مجرة اكتشفت قبل عشر سنوات تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية؟ اسمع القرآن ماذا يقول؟ قال:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
لذلك:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة و المكرم و المكلف بعبادة الله :
لذلك الإنسان هو الأول رتبة لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
والإنسان هو المخلوق المكرم.
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
والإنسان هو المخلوق المكلف، مكلف أن يعبد الله.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
أيها الأخوة الكرام، العبادة علة وجودنا في الأرض وحينما تعبد الله تهيئ نفسك لجنة عرضها السموات والأرض:
((فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ألتقي بكم ثانية، والله عز وجل هو الموفق، وشكراً لحضوركم ولإصغائكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته