بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ .
شروط تلاوة القرآن حق تلاوته :
1 ـ قراءته وفق قواعد اللغة العربية :
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، كم هي المسافة بين خالق الأكوان وبين هذا الإنسان المسافة نفسها بين كلام الله وبين كلام خلقه ، فلذلك وصف الله المؤمنين بأنهم يقرؤون القرآن فقال :
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 121 ﴾
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ما حق التلاوة ؟
أول شرط لحق التلاوة كما ذكر الله عزَّ وجلَّ أن يقرأه قراءةً وفق قواعد اللغة العربية:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) ﴾
لو أن الإمام يُصلي وقال : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ) الصلاة باطلة بحركة واحدة ، لذلك ورد :
(( تعلموا العربية فإنها من دينكم ))
[ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ]
أن يقرأه قراءةً وفق قواعد اللغة العربية ، وهذه اللغة شرفها أن الله اختارها لتكون لغة وحيهِ العظيم ، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، إذاً أن يقرأ القرآن قراءةً وفق قواعد اللغة ، يستنبط من هذا قول سيدنا عمر :
(( تعلموا العربية فإنها من دينكم . ))
2 ـ قراءته وفق قواعد علم التجويد :
وأن يقرأه وفق قواعد علم التجويد إن أمكن : الإقلاب ، والغنة ، والإدغام ، إلخ . . لذلك تعلموا العربية والأفضل أن تتعلموا معها قواعد التجويد .
3 ـ أن يفهم القارئ المعاني التي أراد الله أن يوصلها إلى عباده و يطبقها :
شيء آخر : أن يفهم القارئ المعاني التي أراد الله أن يوصلها إلى عباده ، لذلك فهم الكتاب شيءٌ مهمٌّ جداً ، قد نقرأه قراءةً صحيحةً ، وقد نقرأه قراءةً مجودةً ، ولكن البطولة والنجاح والفلاح أن نقرأه قراءة تطبيق ، مثال : إذا شخص معه مرض جلدي خطير ويحتاج إلى أشعة الشمس قطعاً ، فإذا قبع في غرفةٍ قميئةٍ ومظلمةٍ وفيها رطوبة عالية وقال : يا لها من شمسٍ ساطعةٍ ! ما أروعها من شمس ! شمسٍ شافيةٍ ، كلامه لا يُقدم ولا يؤخر :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾
فإذا كنا لسنا ممكنين ، ولسنا مستخلفين ، ولسنا آمنين ، معنى هذا يوجد عندنا مشكلة كبيرة .
آخر كلمة بالآية : يَعْبُدُونَنِي فإذا قصّر المسلمون في عبادة ربهم فالله جلَّ جلاله في حلٍّ من وعوده الثلاث ، إذاً أن يقرأه وفق قواعد اللغة العربية ، ووفق قواعد التجويد إن أمكن ، وأن يفهم المعاني التي أرادها الله أن يوصلها إلى عباده المؤمنين .
الشيء الثاني : وأن يطبقها في عباداته ومعاملاته ، وفي حركته في الحياة .
الآيات هي القنوات السالكة لمعرفة الله :
الله عزَّ وجلَّ قال :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ، معنى ذلك أن مُطلق الآيات هي القنوات الوحيدة الفريدة السالكة لمعرفة الله عزَّ وجلَّ ، هذه الآيات كونية ، خلقه ، الموقف الكامل التفكر:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
للتقريب؛ الأرض تدور حول الشمس كما هو معلوم ، والمسار بيضوي إهليلجي ، معنى بيضوي هناك قطر أطول وقطر أصغر ، فالأرض الآن بالقطر الأطول تتجه نحو القطر الأصغر ، المسافة قلَّت ، الجاذبية ازدادت ، فلا بد من أن تنجذب إلى الشمس بحسب قانون الجاذبية الذي أساسه الكتلة والمسافة ، الكتلة ثابتة ، المسافة قلّت ، إذاً لا بد من أن تنجذب إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في وقتٍ قصيرٍ ، ما الذي يحدث ؟ ترفع الأرض من سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوةٌ نابذةٌ تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مكانها .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) ﴾
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَ ا أن تنحرف ، تابعت مسيرها إلى القطر الأطول ، المسافة قلَّت ، الجاذبية ضعفت إذاً تتفلت من جاذبية الشمس ، الحرارة 260 تحت الصفر فتنتهي الحياة إذا انجذبت وإذا تفلتت ، يد من ؟ حكمة من ؟ علم من ؟ رحمة من ؟
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
الآيات الكونية وقد قال الله عزَّ وجلَّ :
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ، معنى ذلك أن الإيمان يحتاج إلى تفكر ، هذه آيات كونية خلقه ، أما الآيات الثانية فهي أفعاله ، تكوينية ، قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾
وهناك آية ثانية :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) ﴾
ثُمَّ انظُرُوا ، فَانظُرُوا ، الفرق بين الفاء وثم : الفاء للترتيب على التعقيب ، وثم للترتيب على التراخي ، فقد تأتي المصيبة أو العقاب عقب المعصية فوراً ، وقد يأتي بعد حين ، فهذه آياته التكوينية .
الكونية خلقه ؛ الموقف الكامل منها التفكر في خلق السماوات والأرض :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
فالكونية تفكر ، والتكوينية نظر : قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ، يأتي العقاب عقب المعصية ، أو ثُمَّ انظُرُوا يأتي بعد حين ، وأما الآيات القرآنية فهي التدبر :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ﴾
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ، أو : وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ، أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان منكم الصدق ومني العدل ، أي تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم ، أو أن هذا القرآن من دفته إلى دفته ستمئة صفحة لا يزيد عن خبرٍ وأمرٍ ، الخبر صادق ، والأمر عادل ، هذه كليات القرآن الكريم .
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
لذلك فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من الذين ذكرهم الله والذين لم يذكرهم الله :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) ﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
أي فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلمتان لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا ، التوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية العمل ، فلذلك :
(( لاَ يَخَافَنَّ العبدُ إِلاَّ ذَنْبَهُ ، ولاَ يَرْجُوَنَّ إِلاَّ رَبَّهُ ))
[ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ]
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ