وضع داكن
23-12-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - كندا - المحاضرة : 02 - علو الهمة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 

الدعوة إلى الله أفضل عمل على الإطلاق :


أيها الأخوة الكرام ؛ علو الهمة من الإيمان ، ودنو الهمة من ضعف الإيمان ، وانعدام الهمة من الكفران ، والهمة في محاربة الحق من الطغيان .
الآن الطلب الذي طُلب مني عن الدعوة إلى الله ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)  ﴾

[  سورة فصلت  ]

ليس على وجه الأرض إنسان أفضل ممن دعا إلى الله ، دعا إلى الله بلسانه ، بعمله ، بلقاءاته ، بنزهته ، مع الناس ، مع أقاربه ، مع من حوله ، مع من يلوذ به ، دعا إلى الله ،  الدعوة واسعة جداً ، أما حركته بالحياة ، كسب رزقه ، إنفاق ماله ، علاقته بزوجته ، بأولاده ، ببناته ، بخروج بناته ، بحجاب بناته ، باختيار حرفته ، بعلاقته مع الناس ، مع الزبائن ، مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، هنا وفق منهج الله ، دعا إلى الله بلسانه ، بقلمه ، بلقائه ، بأمسيته ، بسهرته ، بنزهته ، دعا إلى الله ، أما ( عَمِلَ صَالِحاً ) جاءت حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله ، الإسلام الشعائري سهل ، صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ، وشهادة ، أما التعاملي فيبدأ من أدق العلاقات الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية ، دخل كسب مالك ، دخل إنفاق مالك ، دخل معاملتك لزوجتك ، لأقربائك ، لبناتك ، لأصهارك ، لأحبابك ، للغريب ، للقوي ، للضعيف ، منهج تفصيلي قد يصل لآلاف البنود ، يبدأ من العلاقات الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي ، لا يوجد قضية ، لا يوجد حركة ، لا يوجد موقف إلا ومغطى بمنهج إلهي ،   بتعليمات الصانع ، والصانع هو الله ، والصانع الجهة الوحيدة الخبيرة ، فالإنسان انطلاقه من حرصه على سلامته ، ومن حرصه على سعادته ، ومن حرصه على استمراره ، ومن حبه لذاته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع .
لذلك قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) أي ليس على وجه الأرض إنسان أفضل ممن دعا إلى الله ، كما قلت قبل قليل : بلسانه ، بخطابه على المنبر ، على الأرض ، بالجامع ، بسهرة بالبيت ، برحلة ، في كل أحواله دعا إلى الله ، بيّن الحق ، بيّن عظمة الله ، بيّن عظمة الأنبياء ، بيّن الاستقامة ، ومآلها الطيب ، بيّن الغش وآثاره ونتائجه ،  الإسلام منهج تفصيلي كامل جداً ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) .
 

الإنسان هو المخلوق الأول والمكلف والمفضل والمحاسب :  


الآن حركته بالحياة ، نشاطه ، اختيار حرفته ، معاملة الأشخاص الذين حوله ،   معاملة الأقوياء ، الضعفاء ، تربية أولاده ، خروج بناته ، الشاشة منضبطة أو غير منضبطة ،  مفتوحة أو مبرمجة على المحطات الإسلامية والإخبارية فقط ، أما يوجد أفلام وانحرافات المعاصي تُعرض بشكل دقيق جداً ، في كل البلاد الآن ، يوجد عنده أولاد ، يوجد عنده صبايا ، يوجد عنده أطفال صغار ، فالقضية معقدة جداً ، أنت أعقد آلة بالكون ، أنت الإنسان الأول .

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)  ﴾

[ سورة الأحزاب ]

ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
فالإنسان هو المخلوق الأول ، والمكلف ، والمفضل ، والمكرم ، والمحاسب ،   والمعاقب ، المخلوق الأول ، الملك عقل بلا شهوة ، الحيوان شهوة بلا عقل ، الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة  وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
 

الإسلام منهج تفصيلي :


الذي يلفت النظر أن أركان الإسلام خمسة ، الركنان الأساسيان المتكرران في معظم القرآن الإيمان بالله واليوم الآخر ، الإيمان بالله كي تعبده ، كي تطيعه ، كي تستسلم لأمره ، كي تقبل عليه ، كي تخطب وده ، اليوم الآخر ، لئلا تظلم مخلوقاً ، والله لو دست نملة قصداً تحاسب على ذلك ، بيعك ، شراؤك ، نوع بضاعتك ، فيها تعليمات صحيحة ، بالصناعة يوجد  تزوير ، مكتوب بضاعة أجنبية وهي عمل بلد متخلف ، الإسلام تفصيلي ، الإسلام يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية .
إذاً : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) بكل أنواع الدعوة ، بلسانه ، بسهرته ،  بلقاءاته ، بخطابه بالجامع ، بكتابة موضوع بالانترنيت ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) هنا تفاصيل الحياة ،  كسب المال ، إنفاق المال ، العلاقات مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، مع الوالدين ، مع الأقارب ،  مع الأخوات ، أي شيء تفصيلي ، الإنسان أعقد آلة بالكون ، والإنسان هو المخلوق الأول عند الله ، والمكلف ، والمكرم ، والمفضل ، والمحاسب ، والمعاقب .
 

الإنسان كائن متحرك :


لكن ( دَعَا إِلَى اللَّهِ ) كما قلت قبل قليل ، الآن حركته ، الإنسان كائن متحرك ، ما الذي يحركه ؟ الحاجة للطعام والشراب ، لماذا وصف الأنبياء بأنهم كانوا يأكلون الطعام  ويمشون في الأسواق ؟ هو مفتقر في حياته إلى تناول الطعام ، هؤلاء البشر كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، والله عز وجل من خلال حاجتنا إلى الطعام والشراب يمتحننا ، ومن خلال حاجتنا إلى شريك ، إن كان شاباً يحتاج إلى شابة يتزوجها ، وإن كانت شابة تنتظر شاباً يخطبها ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
( عَمِلَ صَالِحاً ) الحركة ، تفاصيل حركته بالحياة ، أي بنود لا تنتهي ، علاقته بأمه ، بـأبيه ، بإخوانه ، بأولاده ، بأصهاره ، بكنائنه ، بزبائنه إذا كان تاجراً ، بالموظفين إذا كان رئيسهم ، علاقات دقيقة ، كلها الشرع نظمها ، وسطرها ، وبينها ، ونشرها .
 

العمل الصالح علة وجودنا :


الآن : ( دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ) كلمة عمل صالحاً ؛ الإنسان إذا وافته المنية ماذا يقول في القرآن ؟ 

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾  

[ سورة المؤمنون ]

ما قال : ارجعونِ لعلي أتابع الطابق الخامس في البيت يا ربي ، ارجعونِ لعلي أتابع الدراسة أنال الدكتوراه بعد اللسانس ، لا ، ( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) .
إذاً بعد الإيمان بالله واليوم الآخر علة وجودك الوحيدة العمل الصالح ، وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، هذا شيء دقيق جداً ، دعا إلى الله بشتى أنواع الدعوة ، من لقاء ، من خطاب ، من درس بالشاشة ،  من سهرة فيها عالم رباني ( دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ) حركته في الحياة ، أنت عندك ثلاث حاجات أساسية ، عندك حاجة أولى إلى بقاء الفرد ، أنت بحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجودك كفرد ، لكن بعدما أكلت وشربت ، بسن معينة ، بنيل شهادة معينة ، بنيل عمل معين ، بحاجة إلى زوجة ، والزوجة بسن معينة بحاجة إلى زوج يخطبها ، شاب يخطبها ، فالحاجة الأولى إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد ، والحاجة الثانية إلى الزواج من الذكر أو الأنثى ، الذكر يَخطب ، والأنثى تُخطب ، حفاظاً على بقاء النوع ، لولا هذه الحاجة النوع ينقرض من آلاف السنين ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) الحاجة إلى الزواج تأتي بعد الحاجة إلى الطعام والشراب ، هذا أكل وشرب ، وتزوج وأنجب ، عنده حاجة ثالثة ، عنده حاجة ثالثة لبقاء الذكر ، للتفوق ، يكون الطالب الأول ، المهندس الأول ، الطبيب الأول ، المحامي الأول ، التاجر الأول ، فمن حاجة إلى بقاء الفرد عن طريق الطعام والشراب ، وحاجة إلى بقاء النوع عن طريق الزواج ، وحاجة إلى بقاء الذكر عن طريق التفوق ، والحاجات الثلاثة بكل تفاصيلها متوافرة في الدين .
للتقريب : صفيحة البنزين سائل متفجر ، وغال جداً ، هذا السائل إذا وضع في المستودع المحكم في السيارة ، وسال هذا السائل في الأنابيب المحكمة ، من المستودع إلى المحرك ، إلى البستونات ، وانفجرت في البستونات ، ولّد حركة نافعة تقلك في العيد إلى مكان جميل ، إلى نياغارا مثلاً ، إلى مكان آخر ، إلى أمريكا ، فالحاجة للطعام والشراب أولاً ، والحاجة إلى الزواج ثانياً ، والحاجة الثالثة ، لكن النقطة الدقيقة البنزين نفسه لو صببته على المركبة أحرق المركبة ومن فيها ، كأن هذا السائل عنده قوة دفع فإذا لم يوضع في مكانه الطبيعي صار معه قوة حرق .
تركب سيارتك ، ظهرت إشارة حمراء ، أي الزيت قلّ بالمحرك ، إن فهمت هذه الإشارة على لوحة البيانات هي تزيينية ، احترق المحرك ، تحتاج إلى مئة ألف ، لو فهمت هذه الإشارة تحذيراً من نقص الزيت ، أوقفت المركبة ، أضفت الزيت ، سلم المحرك .
فأنت انطلاقاً من حبك لذاتك بعبارة غير مقبولة ، من أنانيتك ، من حرصك على سلامتك ، على سعادتك ، على استمرارك ، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع .
إذاً : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فإذا توهم أنه الداعية الوحيد ، والمؤمن الوحيد ، كان معه مرض خطير اسمه : التوحد ، ( وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
 

الإسلام فردي وجماعي :


لكن الآن أقول بدقة بالغة : يوجد إسلامان ، إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، الفردي له ثلاث دوائر ، أنت أيها الأخ المستمع دائرة ، تستطيع أن تصلي أو لا تصلي ، تتوب أو لا تتوب ، تستطيع أن تضبط دخلك أو لا تضبطه ، تستطيع أن تضبط إنفاقك أو لا تضبطه ، تستطيع أن تغض بصرك أو لا تغضه ، هذا فردي ، الإسلام الثاني جماعي ، الفردي تغطيه الآية الكريمة : 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)  ﴾

[  سورة النساء  ]

أنت شكرت الله على أنه جعلك موجوداً ، وأكرمك بنعمة الزوجة ، والطعام والشراب  والعقل ، والحواس الخمس ، فأنت إن شكرت الله ، وأقمت على منهجه حققت الإسلام الفردي ، لو واحد من مليارين مسلم طبق منهج الله في دوائر يملك فيها القرار ، نفسه دائرة ، بيته دائرة ، عمله دائرة ، حقق الهدف من وجوده ، وعندئذٍ تتوقف جميع المعالجات الإلهية ، حقق الهدف من وجوده ، وانتهى الأمر ، أما كأمة :

﴿  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( 33 ) ﴾

[ سورة الأنفال  ]

أي يا محمد ! ما دامت سنتك قائمةً في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) إذاً صار عندنا إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، فأنت إذا رأيت أن الوضع صعب جداً في آخر الزمان .

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدوانا ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً .))

[ أخرجه ابن حبان والحاكم ]

(( عن عوف بن مالك رضي الله عنه : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة من آدم إذ مررت فسمع صوتي فقال : يا عوف بن مالك ادخل ، فقلت : يا رسول الله أكلي أم بعضي ؟ فقال : بل كلك ، قال : فدخلت ، فقال : يا عوف اعدد ستاً بين يدي الساعة ، فقلت : ما هن يا رسول الله ؟ قال : موت رسول الله ، فبكى عوف ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل إحدى ، قلت إحدى ، ثم قال : وفتح بيت المقدس ، قل اثنين ، قلت اثنين ، قال : وموت يكون في أمتي كعقاص الغنم ، قل ثلاث ، قلت ثلاث ، قال : وتفتح لهم الدنيا حتى يعطى الرجل المئة فيسخطها ، قل أربع ، قلت أربع ، وفتنة لا يبقى أحد من المسلمين إلا دخلت عليه بيته ، قل خمس ، قلت خمس ، وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر يأتونكم على ثمانين غاية كل غاية اثنا عشر ألفا ، ثم يغدرون بكم حتى حمل امرأة قال : فلما كان عام عمواس زعموا أن عوف بن مالك قال لمعاذ بن جبل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : اعدد ستاً بين يدي الساعة فقد كان منهن الثلاث وبقي الثلاث ، فقال معاذ : إن لهذا مدة ولكن خمس أظللنكم من أدرك منهن شيئاً ثم استطاع أن يموت فليمت ، أن يظهر التلاعن على المنابر ، ويعطى مال الله على الكذب والبهتان وسفك الدماء بغير حق ، وتقطع الأرحام ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد . ))

[ أخرجه الحاكم ]

لا يدري القاتل لِمَا يقتل ، ولا المقتول فيما قُتل ، في هذا الوقت :

(( عن أبي أمية الشعباني رحمه الله : قال : سألتُ أبا ثعلبةَ الخُشَنيَّ رضي الله عنه قال : قلت : ' يا أَبا ثعلبةَ ، كيف تقول في هذه الآية : قال : أَمَا والله لقد سألتَ عنها خبيرا ، سألتُ عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائتَمِروا بالمعروف ، وانْتَهُوا عن المُنْكَرِ ، حتى إِذا رأَيتم شُحا مُطَاعا ، وهوى مُتَّبَعا ، ودُنيا مُؤثَرة ، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيِه ، فعليكَ بنفسِكَ    ودَعْ عَنْكَ العَوَامَّ ، فإِن من ورائِكم أيامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فيهنَّ مثلُ القَبْضِ على الجَمرْ ، للعاملِ فيهنَّ مثلُ أجر خمسينَ رَجُلاً يعملونَ مِثلَ عَمِلكُم . ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي ]

إذا رأيت شحاً مطاعاً ؛ مادية مقيتة (( وهوى مُتَّبَعا وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيِه )) فالزم بيتك ، وأمسك لسانك ، وخذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة .
عندنا إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، أما الجماعي : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله .
 

العاقل من أدخل الموت في حساباته :


أنا لا أحب أن أعطي سلبية للقاء ، لكن الإنسان سيموت ، كل مخلوق يموت ، ولا يبقَى إلا ذو العزة والجبروت ، العظيم ، الآن الموت حقيقة صارخة ، من أهل ، من زوجة ، من أولاد ، من بنات ، من طعام ، من شراب ، من نوم ، من استلقاء ، من رحلة ، من سفر ، إلى قبر ، هذا الموت الحقيقة الصارخة ، الحقيقة اليقينية ، الحقيقة الحتمية ، إذا دخل في حساباتنا  طبعاً الموت لا يرد ، ولكن يستعد له ، يستعد له بالتوبة ، يستعد له بالدخل الحلال ، يستعد له بالشاشة المضبوطة ، يستعد له بخروج الأهل ، يستعد له بالعلاقات التجارية ، يوجد غش ، أو إن لم يكن هناك غش فهناك صدق ، أو يوجد كذب ، بالعلاقات الاجتماعية ، في نفاق ، أو في استقامة ، من تصاحب ؟ كيف تمضي الليل ؟ مع من ؟ ما نوع الشاشة التي في بيتك ؟ مفتوحة ؟ مضبوطة على محطات إسلامية أم إخبارية أم محطات مجتمعة ؟ يوجد ألف محطة إلى ما هنالك ، أي القصة قضية خطيرة جداً ، أنت حينما تحب نفسك ، تحب سلامتها ، وتحب استمرارها ، تحب أن يكون لديك أسرة صالحة ، وأولاد أبرار ، وبنات محتشمات ، وأقارب محبون ، ودخل معقول ، أي مكانة اجتماعية .

(( عن مالك بن أنس رحمه الله : بلغَهُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :  استقيموا ولن تُحْصُوا ، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن . ))

[  أخرجه مالك  ]

لن تحصوا الخيرات (( استقيموا ولن تُحْصُوا )) .
 

قواعد الدعوة إلى الله عز وجل :

 

1 ـ القدوة قبل الدعوة :


لذلك الشيء اللطيف بالدعوة الكريمة دُعيت إلى الدعوة إلى الله ، القدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، أي الأب عندما يكون صادقاً دائماً ، عندما يكون صادقاً مع زوجته ، والابن يجد الأب كيف هو محتشم ، لا يخلع ثيابه أمام أولاده ، ما فتح الشاشة على فيلم لا يرضي الله ، لا يتكلم كلاماً لا يوجد فيه انضباط ، الاستقامة وحدها دعوة إلى الله ، فالقدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، هذا :

(( عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا اعتمروا واستقيموا يستقم بكم . ))

[ أخرجه الطبراني ]

الأب صادق ، الأم محتشمة ، صادقة مع زوجها ، الابن يرى أن أباه كامل ، يرى أن أباه أخلاقي ، يرى أن أباه مصلّ يصلي الصلوات الخمس ، رأى أباه لا يلتقي بلقاء لا يرضي الله عز وجل ، لو لم يتكلم الأب ولا كلمة ، القدوة قبل الدعوة .
 

2 ـ الإحسان قبل البيان :

 
قال : والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك .
 

3 ـ الأصول قبل الفروع :

 
القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، يوجد أصول للدين ، ويوجد فروع .
شخص فرنسي أسلم على يد شيخ أزهري ، الشيخ بحسب معلوماته الجيدة أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر حتى خرج هذا الفرنسي من جلده الذي أسلم حديثاً وترك الدين ، التقى مع الإمام محمد عبده كان عالماً كبيراً ، قال له : الماء الذي تشرب منه توضأ منه .
نحن الآن لا نستطيع أن نقنع الآخر بهذا الدين إلا بالتبسيط ، والعقلنة ، والتطبيق ، التبسيط قبل مئة سنة يحكى بأنواع المياه ستة أشهر ، الآن يوجد ماء من الصنبور ، ماء طاهر ، انتهى ، الناس بحاجة إلى تبسيط ، وعقلنة ، وتطبيق ، تبسيط لا تعقد الأمور ، أو أنت اختر من الآراء المتنوعة الرأي الصائب ، الأقوى ، الأوضح ، فلابد من دعوة إلى الله ، الدعوة كما قلت قبل قليل هي أعظم عمل الآن ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فالقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع .
 

4 ـ مخاطبة القلب والعقل معاً :


الآن مخاطبة القلب والعقل معاً .

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) ﴾

[ سورة الانفطار  ]

يخاطب قلبه ( الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) يخاطب عقله ، فالإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا غذى عقله بالعلم ، وقلبه بالحب ، وجسمه بالطعام والشراب تفوق ، فإذا اكتفى بواحدة تطرف ، التطرف نوعان ، تطرف تفلتي ، إباحية ، وتطرف تشددي ، التكفير والتفجير.
 

5 ـ المضامين لا العناوين :


إذاً : القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، ومخاطبة القلب والعقل معاً ، والمضامين لا العناوين ، العبرة ليست بالعنوان ، بالمضمون ، مسلم مسلم ،  بالهوية مسلم ، لكن هل دخله إسلامي ؟ إنفاقه إسلامي ؟ سهراته إسلامية ؟ الشاشة مضبوطة ؟  الأولاد يربيهم على الصلاة والصيام ؟ يا ترى هل يعيش مع المجتمع الغربي بتفلت أم بانضباط ؟

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ . ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي ]

القضية ليست سهلة ، فالمضامين لا العناوين .
 

6 ـ المبادئ لا الأشخاص :


المبادئ لا الأشخاص ، نحن نعرف الرجال بالحق ، ولا نعرف الحق بالرجال ، الأصل الحق ، المنهج ، القرآن ، السنة ، تقيّم الرجال بالحق ، ليس الحق ما جاء به الرجال ، ولا تعرف هذا الرجل ماذا يقصد ، من يدفع له ، من يستخدمه .
 

7 ـ التدرج لا الطفرة :

 
التدرج لا الطفرة ، يوجد بالقرآن هذه الآية :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43) ﴾

[ سورة النساء ]

الآية تعني لك أن تسكر بين الصلاتين ؟! الآية منسوخة طبعاً ، منسوخة حكماً لماذا بقيت ؟ كي تتعلم التدرج في الدعوة ، ولاسيما إن كنت في بلاد الغرب ، لو أعطيتهم كل المحرمات في الإسلام لنفروا من هذا الدين ، أي بالتدرج ، التدرج لا الطفرة .
 

التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :


لكن الذي ينبغي أن يقال : الأنبياء ما أكثرهم ! منهم من ذكرهم الله ومنهم من لم يذكر .

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) ﴾

[ سورة غافر  ]

لكن الأنبياء جميعاً ما فحوى دعوتهم ؟ جميعاً .

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ) كأن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) ، ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) التوحيد نهاية العلم ، ( فَاعْبُدُونِ ) والعبادة نهاية العمل .
العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، هذا الوضع الدقيق .
إذاً بالنهاية : " لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه " .
 

من ذكره الله منحه السكينة والتوفيق :


لكن الآن يوجد موضوعات كثيرة جداً ، الله عز وجل قال :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)  ﴾

[ سورة طه  ]

الصلاة ذكر ، وقال :

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

إنك إن صليت ذكرت الله ، أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك منحك السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، منحك الحفظ .

﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ﴾

[ سورة يوسف ]

منحك التوفيق .

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾  

[ سورة هود ]

فلذلك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
 

طلب العلم فريضة على كل مسلم :


الموضوعات الإسلامية ممتعة ، ومؤثرة ، ودافعة إلى طاعة الله ، لكن إذا طفل أعطاه خاله مثلاً مبلغاً معيناً ، وخاله الثاني ، وعمه ، وابن عمه ، يقول لك : معي مبلغ عظيم ، خمسون دولاراً إذا كان بأمريكا مثلاً ، أو بعملة بكندا ، أما إذا مسؤول كبير قال : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ، قد يكون المبلغ مئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)  ﴾

[ سورة النساء  ]

فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، ومن يلوذ بكم ، وصحتكم جميعاً .
والحمد لله رب العالمين
 المذيع :
جزاكم الله خيراً دكتورنا الكريم ، اسمح لنا أن نأخذ سؤالاً ، أو اثنين على الأكثر .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا يوجد مشكلة أبداً تفضل .
المذيع :
بارك الله فيك ، أحد من أخواننا عنده سؤال ؟ استفسار ؟ يحب أن يأخذ رأي الشيخ في أمر ؟
أحد الحاضرين :
نريد نصيحة قبل رمضان .
 

رمضان شهر القرب والحبّ والإنفاق :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يا أخي رمضان شهر القرب ، شهر الحب ، شهر التوبة ، شهر الإنفاق ، شهر الصلاة ، الفجر :

(( " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " . ))

رمضان شهر صلة الأرحام ، شهر الإنفاق ، دفع الزكاة ، أي مناسبة سنوية للصلح مع الله ، للتوبة النصوح ، لإعلان القرب من الله ، لدفع الزكاة ، لدفع الصدقات ، لصلة الأرحام ،  رمضان ترتقي به إلى أعلى عليين ، لكن مع الأسف الشديد ، الشديد ، الشديد أصبح رمضان شهر الولائم والمسلسلات ، وأكبر مشكلة في المسلسل أنه قادر دون أن تشعر أن يهدم ثوابتك ويبني ثوابت أخرى ما أنزل الله بها من سلطان ، هذه الشاشة إن لم تضبط لا يوجد بالبيت توبة إطلاقاً بدءاً من صاحب البيت وانتهاء بأولاده الصغار ، الآن الشاشة أكبر سلاح بيد الأولاد الصغار ، تعطي المعاصي والآثام بأبهى صورة ، ويعطيك التدين بأبشع صورة دون أن تشعر ، فلذلك القضية قضية حياة أو موت .
كل مخلوق يموت ، ولا يبقَى إلا ذو العزة والجبروت :

والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر     والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر

***

كل ابن أنثى وإن طالـــــت سلامته           يوماً على آلة حدباء محمول

 فــإذا حملت إلى القبـــــــــور جنازة     فــاعلم بأنـــــــك بعدها محمول

***

أهل الأرض قاطبة يعيشون لحظتهم والماضي ، والله أنا كنت مهندساً درست بمصر ، الآن بكندا مثلاً ، أما المستقبل فلا أحد يتكلم عن المستقبل ، لأنه يوجد موت ، وقبر ، هذا رمضان ، عفواً ؛ الذي عليه خمسة ملايين أو ستة ملايين دولار كديون ، وهناك مصادرة لأمواله كلها قال له أحدهم : اعمل هذا العمل ثلاثين يوماً تعفى من كل الديون ، اسمعوا :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ . ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ]

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ' من قام رمضان إيماناً واحتساباً ـ في التراويح ـ غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ ، ومن قام ليلةَ القَدْرِ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ]

ما قولك ؟ فرصة أن تنتهي كل ذنوبك الصغيرة ، والكبيرة .
مرة ثانية : (( من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ، من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ )) لو فرضنا شخصاً طبق رمضان لا يوجد مانع ، لكن والله لا أبالغ من عاد بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان فكأنه ما صام رمضان ، برمضان ألغيت الغيبة تستمر إلى نهاية العام ، في رمضان ضبطت الشاشة تستمر إلى نهاية العام ، برمضان ضبطت البصر تستمر إلى نهاية العام ، بالعيد لا يفطر إلا فمك فقط ، أما كل الإيجابيات ، كل التحسينات ، كل النقلات النوعية برمضان يستمر بها إلى نهاية العام ، أما إذا عدنا بعد رمضان إلى ما كنا عليه قبل رمضان والله كأننا ما صمنا رمضان ، هذه الحاجة ، غض بصر ، ضبط لسان ، تلاوة قرآن ، صلة أرحام ، ضبط الشاشة أهم شيء ، ضبط الدخل ، الإنفاق ، عندما تشعر أنك أنت اتصلت بالله ، ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عندك برمضان مشكلة .
بارك الله فيكم ، وحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور