بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
تعلمنا في المدارس أن الكون: جماد، نبات، حيوان، إنسان، الجماد شيء مادي يشغل حيزاً في الفراغ، وله طول وعرض وارتفاع، النبات يُضاف على الجماد النمو، والحيوان يُضاف على الجماد والنبات الحركة.
القوة الإدراكية لدى الإنسان لا ترتقي إلا بالعلم:
والإنسان الله -عزَّ وجلَّ- أعطاه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية ما لم تلبَّ بطلب العلم هبط هذا الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوًى لا يليق به، وإليكم آيات القرآن الكريم:
﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
ميت وقد يكون نبضه ثمانين، والضغط 8/12 مثالي (أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ) .
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(4) ﴾
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾
هذا الإنسان إذا غفل عن مهمته، وعن سر وجوده، وعن غاية وجوده، وعن الحقائق الكبرى، نحن عندنا مشكلة اسمها الغرق في الجزئيات، لا بد من أن نضيف إلى هذه الجزئيات أصول الدين، كليات الدين، من أنت أيها الإنسان؟ أنت المخلوق الأول والمكرم والمكلف، بماذا أنت مكلف؟ بعبادة الله، من أدق تعريفات العبادة أنها: طاعة طوعية، الذي خلقنا حياتنا بيده، موتنا بيده، رزقنا بيده، ومع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً، قال:
﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾
أنت المخلوق الأول، والمكرم، والمكلف، الآن هو في أدق تعريفات الإنسان للإمام الحسن البصري:" بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضْع منه"، لأن الإنسان زمن أو رأس ماله الزمن، أو أثمن شيء يملكه هو الزمن، أقسم الله له بمطلق الزمن، قال:
جواب القسم شيء مخيف.
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2)﴾
إله يقسم بالزمن، وجواب القسم الإنسان خاسر، يا ربي لماذا الخسارة؟ قال: لأن مضي الزمن وحده يستهلكك فقط، قبل أن نقول مؤمن أو غير مؤمن، سبت، أحد، إثنين، ثلاثاء، أربعاء، خميس، ذهبت جمعة جمعتان، ثلاثة، أربعة، شهر، أربعة شهور فصل، أربعة فصول سنة، عشر سنوات عقد، حياتنا بضعة عقود، نغمض نفتح على القبر؛ لأنه زمن الإنسان، لذلك الله -عزَّ وجلَّ- قال: (وَالْعَصْرِ) أقسم بهذا الإنسان بمطلق الزمن وجاء الجواب خاسر، لكن رحمة الله في (إلا) ، (إلا) بعدها أربعة أشياء، قال عنها الإمام الشافعي: هي أركان النجاة.
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ(3)﴾
البحث عن الحقيقة، البحث عن الحقيقة من خلقني، لماذا خلقني؟ ما الحياة الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ ما القيامة؟ ما الآخرة؟ هذه كليات الحياة، إلا الذين آمنوا لا يكفي، طبعاً (وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ) جاءت حركتهم في الحياة وفق منهج الله، الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده كفرد، يحركه الحاجة إلى الزواج حفاظاً دون أن يشعر على بقاء النوع، وما الذي يحركه؟ الحاجة إلى التفوق حفاظاً على بقاء الذكر، ليقال الطبيب الأول، المهندس الأول، العامل الأول، يوجد عنده حاجة إلى الطعام لفرده، وحاجة للزواج لنوعه، وحاجة للتفوق بدوام الذكر، فلذلك (إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ) ، أنا أقول: الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، كيف؟ طبعاً يوجد عندنا دعوة كفرض ودعوة إذا قام به البعض سقط عن الكل، الدعوة فرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف فقط، سمعت إلى خطاب يوم الجمعة حدّث عن هذا الخطاب زوجتك، أولادك، شركاءك، أصدقاءك فقط، هذه دعوة فرض عين، لماذا تصلي؟ الصلاة فرض، والدعوة فرض عين؟ (وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ) الآن (وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ) ، صبروا على معرفة الله من خلال الكون، وعلى طاعته، وعلى العمل الصالح، هذه السورة فيها أركان النجاة من أمضى حياته، لذلك الدعاء الدقيق جداً: ربي، يعني النقطة الدقيقة؛ أعوذ بالله أن يمضي يوم بلا أن تزداد معرفتي بك يا رب، المعرفة أساسية في حياتنا، من هنا أريد أن أقول: الإنسان خاسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، فالصبر شيء دقيق جداً، وهو يعيننا على معرفة الله أولاً، وطاعته ثانياً، والدعوة إليه ثالثاً.
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق