الروائع العلمية : الرائعة 065 - أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت
- قصص و روائع و مقتطفات و ومضات
- /
- ٠1الروائع العلمية
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الصفات التي يتميز بها الجمل:
1- أولاً: الحَجْم المُتناسب:
فلو أنَّ حجْمَ الإِبِل أصْغر من ذلك لما تناسبَ مع رِمال الصَّحْراء، ومع الكُثْبان الرَّمْلِيَّة، ومع المسافات الشاسِعَة التي على الجَمَل أن يقْطَعَها،
فالحجْمُ مُناسب.

2- ثانياً: تحمل العطش:
هذه الصحْراء -كما تعْلمون- قاحِلَة لا نبات فيها ولا ماء، إذاً لا بد من أنَّ هذا الحيوان الذي سَخَّرَهُ الله لِخِدْمَةِ الإنسان أنْ يتحَمَّل العطش، إن الجَمَلُ يتَحَمَّلُ العَطَش إلى دَرَجَة مذهلة، فقد يستطيع أن يبقى بلا ماء عشْرة أيامٍ،
وفي الأحوال العادِيَّة يشرب في الأربعة أيام مرَّةً واحدة؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- زَوَّدَهُ بِمُسْتَوْدعات للماء في جَسَدِه يسْتَهْلِكُها رُوَيْداً رُوَيْداً، فربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، البَدْوُ يُسَمون الجمل (عَطا الله) ؛ أي عطاء الله -عزَّ وجلَّ-، وتعْلمون أنَّ المناطق القاحِلَة في العالم تُساوي سُدْسَ اليابِسَة، واليابِسَةُ تُساوي خُمْسَ الكرة الأرضية وسًدس الخمس صحارى وبوادٍ وأراضٍ قاحلة، والجمل هو الوسيلة الوحيدة للتنَقُّل في الصحارى،
وإلى الآن في بعض الدول لا يُسْتخدم إلا الجمل في نقْل الحاجات والمُعِدَّات، حتى أن بعض الجُيوش في العالم تسْتخدم الجمل حتى هذا التاريخ؛ لأنَّهُ الوسيلة المُجْدِيَة والأمينة والفعالة في الصحْراء.


3- ثالثاً: شفتا الجمل:
قال بعض العلماء: كلُّ ما في الجَمَل مُتْقَنُ التَّصْميم كي يتَحَمَّلَ البيئة القاسِيَة في الصحْراء، تحسُّ أنَّ وراء الجَمَل يوجد خلق مُبْدِعَ وإلهٌ عظيمٌ وعقل أول صممه، قالوا: شفتا الجَمَل مَطاطِيَتان قاسِيتان؛ قَساوة مع مُرونة، تسْتطيعان أنْ تلْتَهِما الشَّوْك الذي يخرق نعْل الحِذاء،
يوجد في الصَّحْراء شَوْكٌ لو وَضَعْتَ قَدَمَكَ فوقه لاخْتَرَقَ النعْل إلى رِجْلِك، وهذا الشَّوْك كأنَّهُ إبَرٌ فُولاذِيَّة تسْتطيعُ شفتا الجَمَل أنْ تلْتَهِمَهُ في الصحْراء، فما هذه القُدْرة التي منَحَها الجَمَل وَزَوَّدَها به، وشَفَتا الجَمَل تجْمعُ الطعام من دون أن يفْقِد فَمُ الجَمَل رُطوبته؛ لأنَّ الماء في الصحْراء نادِر والماءُ شيءٌ نفيسٌ في الصحْراء، إذاً كُلُّ تصْميمات الجَمَل بِشَكْل ألا يسْتَهْلِكَ الرُّطوبة التي في جَسَدِهِ؛ لذلك الشَّفتان المُتباعِدتان المطَّاطِيَّتان تلْتَهِمُ الأعْشاب وَفَمُهُ مُغْلق حِفاظاً على الرَّطوبة في فَمِهِ، ويأكُلُ الجَمَلُ نباتاتٍ لا يلْتَفِتُ أيُّ حيوانٍ إليها، فمهما كان النبات قاسِياً وشَوْكِياً وجافاً ومُؤَنَّفاً وحادّاً يأكله الجمل؛ لأنَّهُ يعيش في الصحْراء وفي الصحْراء شَّوْك، والشَّوْكُ أوْراقٌ إبَرِيَّة،
وهذا التَّصْميم من أجل الحِفاظ على الرُّطوبة، في المناطق الاسْتِوائِيَّة الأوراق كبيرة جداً لأنَّ الرُّطوبة متوفرة لكنَّ في الصحْراء الرطوبة نادِرَة جداً، فالنبات الذي ينْبُتُ في الصحْراء ترى أوْراقهُ كالإبَر المُؤَنَّفَة، كُلُّ هذا من أجل الحِفاظ على الرُّطوبة.


4- رابعاً: معدة الجمل:
مِعْدَةُ الجمل لها أربعة أجْواف فَهُوَ من الحيوانات المُجْتَرَّة، فَلَو أنَّك حَرَمْتَ الجمل الطعام أمداً طويلاً فإنَّهُ يهْضِمُ الطعام الذي كان قد أكله،
وقد ركَّبَ الله في ظهْره مُسْتَوْدعاً غِذائِياً يكْفيه عَشَرات الأيام بل ما يُعادل الشَّهْر؛ ذلك السَّنام، السٍّنام رَكَّبَهُ الله -عزَّ وجلَّ- في الجمل لأنه يقْطعُ مسافات طويلة بلا طعامٍ ولا ماء في طريقه الصحْراوي،
كما قُلتُ قبل قليل: يسْتطيع الجمل أنْ يسْتغْني عن الماء أربعة أيامٍ في الأحوال الطبيعِيَّة، وعشْرَة أيامٍ في الأحوال القاسِيَة، لذلك سيّدنا خالد -رضي الله عنه- اسْتَخْدَمَ الجِمال في معْرَكَة اليَرْموك ونقل بها الجَيش من العِراق إلى الشام في عَشْرة أيام دون أنْ تشْرب قطْرَةً واحدة.


5- خامساً: بوله وروثه:
لو تتبَّعْتَ الأجْهزة التي ركَّبَها الله في الجَمَل،
بَوْلُهُ كثيفٌ جداً لئلا يسْتهلك الماء، رَوْثُهُ قليل جداً لئلا يسْتهلك الماء.

6- سادساً: تعرّق الجمل:
لا يتعَرَّق الجمل، فلو كان يتعرَّق والحَرّ شديد لَفَقَدَ ماء جِسْمه، يعتمد في الحفاظ على حرارة جِسْمِهِ بِعَكْس الحرارة عن طريق وَبَرِهِ الملتمع،
الإنسان يتعرَّق والتعرُّق يُحافظ على حرارته، لكنَّ الجمل لا يتعرَّق أبداً حِفاظاً على الماء في جَسَدِه.

7- سابعاً: السرعة وتحمّل الأوزان:
الجمل يسْتطيعُ أنْ يسبق الحِصان، ويصْمُدُ على المسافات الطويلة وبالأحْمال الثَّقيلة -كما قلتُ قبل قليل- مُصَمَّمٌ ومُهَيَّأٌ للصحراء، ويسْتطيعُ حَمْلَ 200 كغ والسَّيْر بهما 40 كم لِمُدَّة ثلاثة أيام مُتواصِلَة دون تَوَقُّفٍ
ودون طعامٍ وشراب.

8- ثامناً: سَفِنات الجمل:
شيءٌ آخر، وهو أنَّ ربنا -عزَّ وجلَّ- لفتَ نظَرَنا إلى الجمل إلى سَفِناته، هذه السَّفِنات تلك الدوائر المُتَقَرِّنَة من جلده الموجودة في بطْنه وفي يَدَيْه ورِجْلَيْه، من أجل أن يسْتوي عليهما قاعِداً،
فالجَمَلُ إذا جلس على الأرض جلسَ جلْسَةً نِظامِيَّة من أجل أنْ يستطيع صاحِبُهُ أنْ يُحَمِّلَهُ، فلو جلس على الأرض كما يجْلس الحِصان أو البقرة أو الدابة لما أمْكَنَهُ تحْميلها، كيف يُحَمِّلُهُ صاحبه وهو عالٍ؟ يحْتاجُ إلى سُلَّم فإذا صعد السُّلَم وابْتَعَد الجمل رمى صاحِبَهُ ودقَّ عُنُقَهُ، لذلك ربنا -عزَّ وجلَّ- جعل الجمل ينْفَرِدُ بِهذه الجِلْسَة؛
جِلْسَة نظامِيَّة تعينه عليها سَفِنات بطْنه وفي رِجْلَيْه ويَدَيْه، كيفَ ينْهض وله هذه القوائِم الطويلة؟ لو نهضَ بدْءاً بِقَوائِمِه الخَلْفِيَّة لَوَقَعَ الحِمْلُ على الأرض، ولو وقَفَ بدءاً بِقَوَائِمِهِ الأماميّة لَوَقَعَ الحِمْل خلْفَهُ، لكنَّ الله -سُبحانه وتعالى- جعل له ذلك الرأس الكبير وذلك العُنُقَ الطويل كي يكون مُتوازِناً في قِيامه وفي قُعودِهِ
﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾



9- تاسعاً: رموش الجمل:
الجمل يسْتطيعُ أنْ يُغْلِقَ رُموشَ عَيْنَيْه وأنْ يرى طريقه دون أنْ يدخُل الرَّمْل في عَيْنَيْه، مُزَوَّدٌ بِرُموشٍ دقيقة مُتشابكة
تسْمحُ له بالرؤيا ولا تسْمح للغُبار بالدخول لِعَيْنَيْه لأنَّ الصحْراء مملوءَةٌ بالعجاج والغبار الدقيق جداً.

10- أنف الجمل وأذنيه:
الجملُ من بين الحيوانات التي تسْتطيعُ إغْلاق أُذُنَيْها وأنْفِها، إذا هَبَّت الرِّياحُ العاتِيَة وأثارَتْ الغُبار الدقيق
فإنَّ الجمل يسْتطيعُ أنْ يُغْلِقَ أُذُنَيْه وأنْفَهُ وأجْفان عَيْنَيْه
ومع ذلك يستطيع أن يرى طريقه من دون أن يتعثّر.


11-خف الجمل:
الجملُ مُزَوَّدٌ بِخُفٍّ يُعينه على السَّيْر في الرَّمْل،
اِذْهَب إلى ساحِلِ البحْر وامْشِ بقَدَمَيْكَ على أرْضٍ رَمْلِيَّة ثمَّ تذَكَّر مِقْدار المَشَقَّة التي تُعانيها في الَّسيْر على الرَّمْل، لكنَّ الجمل مُزَوَّدٌ بِخُفٍّ مَرِنٍ وبِظُفْرٍ يدْفَعُ عنه الأحجار إذا سار على الرَّمْل ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، صُنع من؟!

شيءٌ آخر؛ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقَتْ بِهذه الصِّفات، وكيْفَ تَمَّ خلْقُها؟! ألَيْسَ الجمل في أصله نُطْفَة؟ ألَم يتَكَوَّن الجمل في رَحِمِ أُمِّهِ؟ يدُ مَن صاغَتْ هذا الخلْق؟ يدُ مَن جعلتْ له أربعة أجْوافٍ هضْمِيَّة؟ يدُ مَن جعلتْ له مُسْتَوْدعاتٍ للماء في بطْنِه؟ يدُ مَن جعلتْ سنامهُ؟ يدُ مَن جعلتْ رقَبَتَهُ طويلة؟ يدُ مَن خلقَتْ هذه السَّفِنات؟ يدُ مَن جعلتْ هذه القوائِم العالِيَة؟ يدُ مَن جعلتْ هذه الخصائِص؟ هذه الشَّفَة المطاطِيَّة التي تحْتمِلُ أقْصى أنواع الشَّوْك، لِمَ لا يعرقُ الجمل؟ لم يُغْلِقُ رموشَ عَيْنَيْه؟ كيف يغلقُ أُذُنَهُ وأنْفَهُ؟ يدُ من؟ ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ فَرَبُّنا -عزَّ وجلَّ- في هذه السورة بَيَّن لنا طريق الإيمان، طريق الإيمان أنْ تُفَكِّر في آيات الله -عزَّ وجلَّ-، فإذا فَكَّرْتَ في آيات الله عَرَفْتَهُ، وإذا عَرَفْتَهُ اسْتَقَمْتَ على أمْرهِ، وإذا اسْتَقَمْتَ على أمْره أقْبَلْتَ عليه، وإذا أقْبَلْتَ عليه اصطبغتْ نفْسُك بالكمال فَصِرْتَ صالِحاً أن تسْعَدَ بِقُرْبِهِ إلى أبد الآبِدين
المصدر: التفسير المطول- الدرس : 2 - سورة الغاشية - تفسير الآيات17-20 الإنسان مُكَلَّف أنْ يتعرَّف إلى الله بالكون