وضع داكن
25-02-2025
Logo
من أجمل ما قرأ الدكتور : الرد على من تحدث عن دعم المسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الكاتب    : إسلام ويب

التصنيف : أمثال السنة النوبية

عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - قال : ( للهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ، من رجل في

أرض دَويّة مهلكة ، معه راحلته ، عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ 

وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : أرجع إلى مكاني 

الذي كنت فيه ، فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ، 

فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فاللهُ أشد فرحا 

بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) رواه مسلم . 

وجاء في رواية أخرى : ( فسعى شرفا فلم ير شيئا ثم سعى شرفا  

ثانيا فلم ير شيئا ثم سعى شرفا ثالثا فلم ير شيئا فأقبل حتى أتى 

مكانه الذي قال فيه ) ، وفي حديث النعمان بن بشير زيادة : ( ثم قال 

من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه 

مسلم .

غريب الحديث

أرض دويّة مهلكة : هي الأرض القفر والفلاة الخالية ، والتي يُخشى 

الموت فيها .

قال فيه : أي نام القيلولة .

تفاصيل القصة

مع كثرة الذنوب ، وتوالي الخطايا ، ومع الانسياق نحو الموبقات رغم 

تكرار الوعود وقطع العهود ، يتنامى سؤال كبير يدور في نفوس 

العصاة من بني آدم : " أبعد كلّ هذا يغفر الله لي ؟ وهل عساني 

أظفر بالعفو وقبول التوبة " .

وقبل أن تنقطع حبال الأمل من النفوس ، ويخيّم على أرجائها القنوط ، 

تأتي الإجابة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثلٍ 

مضروب ، يفتح للمذنبين أبواب الرجاء ، ويخرجهم من دائرة اليأس .

ويسرد النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل الذي تدور أحداثه في 

صحراء مقفرة ، شديدة القيظ ، لا ماء فيها ولا كلأ ، وفي هذا المشهد 

يظهر رجلٌ تبدو على قسماته ملامح الإجهاد والتعب ، في سفرٍ طويل 

لا مؤنس له فيه سوى ما يسمعه من صدى خطواته ، وما يبصره من 

ظلّ ناقته ، والتي جعل عليها طعامه وشراب .

ولم تزُل الشمس عن كبد السماء حتى كان الإرهاق قد بلغ به أيما مبلغ 

فطاف ببصره يبحث عن شجرة تظلّه ، حتى وجد واحدة على قارعة

الطريق ، فاتّجه نحوها وأناخ ناقته ثم استلقى تحتها ، وأغفى قليلاً 

ليستعيد نشاطه ويستردّ قواه ، إلى حين تنكسر حدّة الشمس وتخفّ 

حرارة الجوّ ، ولأنّ الرّجل لم يُحكم وثاق ناقته ، انسلّت عنه ومضت في 

سبيلها ، فلمّا استيقظ من نومه لم يجدها ، ففزع فزعاً شديداً ، 

وانطلق يجري بين الشعاب وفوق التلال دون جدوى .

ولما استيأس الرّجل وأيقن بالهلاك ، عاد إلى موضعه تحت الشجرة 

جائعاً عطشاً ، مرهق الجسد قانط النفس ، فنام في مكانه ينتظر 

الموت ، ولكن يا للعجب ، لقد أيقظه صوت ناقته ، فوجدها فوق رأسه ، 

ففارقه اليأس ، وحلّ بدلاً منه فرحٌ شديدٌ كاد يفقده صوابه ، إنّه فرح 

من عادت له الحياة بعد أن أيقن بالموت والهلاك ، حتى أنّه أخطأ من 

شدّة الفرح فأبدل الألفاظ : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) .

ثم يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من حوله أن فرح الله بتوبة 

عباده وإقبالهم عليهم أشدّ وأعظم من هذه الفرحة التي طغت على 

مشاعر الرّجل : ( فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته 

وزاده ) .

وقفات مع المثل

إن الغاية من المثل الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا 

الحديث هي دعوة المؤمنين إلى المبادرة بالتوبة ، حتى يطهّروا أنفسهم 

من أرجاس المعاصي والذنوب ، كما قال الحقّ سبحانه وتعالى في 

محكم التنزيل : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون

(النور: 31) ، وقال تعالى : { أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله 

غفور رحيم } (المائدة: 74) .

وقد بيّن - صلى الله عليه وسلم - أن ربنا عز وجل يبسط يده بالليل 

ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، وأن 

أبواب التوبة مفتوحة ، لا تُغلق إلى قرب قيام الساعة ، وما أكثر الآيات 

والأحاديث التي جاءت تبيّن ذلك وتفصّله .

وإذا كانت المثل الذي بين أيدينا يعطينا لمحةً عن الرحمة الإلهيّة ، فهو 

يوقفنا كذلك على صفة من صفاته سبحانه ، وهي المذكورة في قوله 

عليه الصلاة والسلام : ( فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن ) ، وذلك 

إثباتُ أن الله تعالى يفرح فرحاً يليق بجلاله وكماله ، ولا يشبه فرح 

المخلوقين .

كما يشير الحديث إلى أنّ الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد على 

الألفاظ والأقوال التي تصدر منه دون قصد ، فالرّجل قال من شدّة 

الفرح : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) فظاهر العبارة كفرٌ ، لكنّ العبرة 

بما وقر في قلبه وما أراده في نفسه .

إخفاء الصور