- محفوظات
- /
- 2.من أجمل ما قرأ الدكتور
الكاتب : إسلام ويب
التصنيف : أمثال السنة النوبية
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال : ( للهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ، من رجل في
أرض دَويّة مهلكة ، معه راحلته ، عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ
وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : أرجع إلى مكاني
الذي كنت فيه ، فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ،
فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فاللهُ أشد فرحا
بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) رواه مسلم .
وجاء في رواية أخرى : ( فسعى شرفا فلم ير شيئا ثم سعى شرفا
ثانيا فلم ير شيئا ثم سعى شرفا ثالثا فلم ير شيئا فأقبل حتى أتى
مكانه الذي قال فيه ) ، وفي حديث النعمان بن بشير زيادة : ( ثم قال
من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه
مسلم .
غريب الحديث
أرض دويّة مهلكة : هي الأرض القفر والفلاة الخالية ، والتي يُخشى
الموت فيها .
قال فيه : أي نام القيلولة .
تفاصيل القصة
مع كثرة الذنوب ، وتوالي الخطايا ، ومع الانسياق نحو الموبقات رغم
تكرار الوعود وقطع العهود ، يتنامى سؤال كبير يدور في نفوس
العصاة من بني آدم : " أبعد كلّ هذا يغفر الله لي ؟ وهل عساني
أظفر بالعفو وقبول التوبة " .
وقبل أن تنقطع حبال الأمل من النفوس ، ويخيّم على أرجائها القنوط ،
تأتي الإجابة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثلٍ
مضروب ، يفتح للمذنبين أبواب الرجاء ، ويخرجهم من دائرة اليأس .
ويسرد النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل الذي تدور أحداثه في
صحراء مقفرة ، شديدة القيظ ، لا ماء فيها ولا كلأ ، وفي هذا المشهد
يظهر رجلٌ تبدو على قسماته ملامح الإجهاد والتعب ، في سفرٍ طويل
لا مؤنس له فيه سوى ما يسمعه من صدى خطواته ، وما يبصره من
ظلّ ناقته ، والتي جعل عليها طعامه وشراب .
ولم تزُل الشمس عن كبد السماء حتى كان الإرهاق قد بلغ به أيما مبلغ
فطاف ببصره يبحث عن شجرة تظلّه ، حتى وجد واحدة على قارعة
الطريق ، فاتّجه نحوها وأناخ ناقته ثم استلقى تحتها ، وأغفى قليلاً
ليستعيد نشاطه ويستردّ قواه ، إلى حين تنكسر حدّة الشمس وتخفّ
حرارة الجوّ ، ولأنّ الرّجل لم يُحكم وثاق ناقته ، انسلّت عنه ومضت في
سبيلها ، فلمّا استيقظ من نومه لم يجدها ، ففزع فزعاً شديداً ،
وانطلق يجري بين الشعاب وفوق التلال دون جدوى .
ولما استيأس الرّجل وأيقن بالهلاك ، عاد إلى موضعه تحت الشجرة
جائعاً عطشاً ، مرهق الجسد قانط النفس ، فنام في مكانه ينتظر
الموت ، ولكن يا للعجب ، لقد أيقظه صوت ناقته ، فوجدها فوق رأسه ،
ففارقه اليأس ، وحلّ بدلاً منه فرحٌ شديدٌ كاد يفقده صوابه ، إنّه فرح
من عادت له الحياة بعد أن أيقن بالموت والهلاك ، حتى أنّه أخطأ من
شدّة الفرح فأبدل الألفاظ : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) .
ثم يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من حوله أن فرح الله بتوبة
عباده وإقبالهم عليهم أشدّ وأعظم من هذه الفرحة التي طغت على
مشاعر الرّجل : ( فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته
وزاده ) .
وقفات مع المثل
إن الغاية من المثل الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا
الحديث هي دعوة المؤمنين إلى المبادرة بالتوبة ، حتى يطهّروا أنفسهم
من أرجاس المعاصي والذنوب ، كما قال الحقّ سبحانه وتعالى في
محكم التنزيل : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
(النور: 31) ، وقال تعالى : { أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله
غفور رحيم } (المائدة: 74) .
وقد بيّن - صلى الله عليه وسلم - أن ربنا عز وجل يبسط يده بالليل
ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، وأن
أبواب التوبة مفتوحة ، لا تُغلق إلى قرب قيام الساعة ، وما أكثر الآيات
والأحاديث التي جاءت تبيّن ذلك وتفصّله .
وإذا كانت المثل الذي بين أيدينا يعطينا لمحةً عن الرحمة الإلهيّة ، فهو
يوقفنا كذلك على صفة من صفاته سبحانه ، وهي المذكورة في قوله
عليه الصلاة والسلام : ( فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن ) ، وذلك
إثباتُ أن الله تعالى يفرح فرحاً يليق بجلاله وكماله ، ولا يشبه فرح
المخلوقين .
كما يشير الحديث إلى أنّ الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد على
الألفاظ والأقوال التي تصدر منه دون قصد ، فالرّجل قال من شدّة
الفرح : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) فظاهر العبارة كفرٌ ، لكنّ العبرة
بما وقر في قلبه وما أراده في نفسه .