- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
إليكم تطابق قول رسول الله مع الواقع بشأن الزلازل :
أخوتي المؤمنين, أعزائي المستمعين, أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثرَ الزلازل، ويتقاربَ الزمان، وتظهرَ الفتن، ويكثرَ الهرج، وهو القتل، وحتى يكثرَ فيكم المال فيفيض))
ففي كل حين نسمع في الأخبار؛ أن زلزالاً وقع في بلد، وزلزالاً وقع في بلد آخر، وأن هذه الأخبار تتقارب، وتتعاظم درجات هذه الزلازل، وتؤدي بحياة بضع عشرات من الألوف، وأن كثرتها وشدتها مصداق حديث رسول الله, الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى, إن هذه الزلازل من وظائفها: أنها تعطينا معنى الزلزلة الكبرى التي أوعد الله بها .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾
إليكم تفسير كلمة الزلزلة تفسيراً علمياً :
أيها الأخوة, الأرض من أكثرُّ الكواكب في المجموعة الشمسية كثافةً، فكثافة الأرض تزيد عن كثافة الماء بخمسة أضعاف, ويفسِّر العلماء الزلزلة: بأنها حركةٌ في باطن الأرض، بحيث ينشأ عنها ضغطٌ هائل، لا تحتمله قشرة الأرض، عندئذٍ تتصدَّع هذه القشرة . هذا التصدُّع في قشرة الأرض, هو الزلزال الذي نستمع إلى أخباره من حينٍ إلى آخر, علماً بأن هذه القشرة يزيد سمكها عن تسعين كيلو متراً، وهي من صخور البازلت، وهذه الصخور من أقسى أنواع الصخور, ومع ذلك تتصدع، فما هذا الضغط من باطن الأرض الذي يصدع قشرة من البازلت, يزيد سمكها عن تسعين كيلو متر, هذا طرفٌ من معنى أن الله قوي, قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾
الزلازل التي حدثت عبر التاريخ :
يقول بعض العلماء الزلازل: هناك زلازل حدث في الصين، في عام ألف وخمسمئة وستة وخمسين، أودى بحياة ثمانمئة وثلاثين ألفاً في ثوانٍ، وفي عام ألف وسبعمئة وسبعة وثلاثين, حدث زلزال في الهند، أودى بحياة مئة وثمانين ألفاً، وفي عام ألف وتسعمئة وثلاثة وعشرين, حدث زلزال في اليابان، أودى بحياة مئة ألف، وفي عام ألف وتسعمئة وستة وسبعين، حدث زلزال في الصين، أودى بحياة مئة ألف، وحدث زلزال بإيطاليا, أودى بحياة خمسة وثلاثين ألفاً في ثوانٍ معدودة, قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾
سألوا عالماً كبيراً من علماء الزلازل: هل يمكن بما أوتينا من علم متقدم، أن نتنبأ بالزلزال قبل وقوعه ولو بربع ساعة؟ قال: لا، إلا أن حيوانات كثيرة في مقدمتها من يضرب المثل بغبائه, يشعر بالزلزال قبل وقوعه بربع ساعة, ذلك لأن هذه الحيوانات ليست مكلفة كالإنسان, وليست مقصودة بالزلزال .
إليكم تفسير سورة الزلزلة :
﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾
زلزلت: تحركت تحريكا شديدا واضطربت، زلزالها العظيم، والكبير، والأخير, الذي ليس بعده زلزال، وذلك عند قيام الساعة، وما هذه الزلازل في الأرض إلا نماذج مصغرة ومحدودة,
﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾
وهو الإنسان: المخلوق الأول الذي خلق لجنة عرضها السموات والأرض, لأنه قبل حمل الأمانة, فسخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعا منه, وجعله خليفته في الأرض, فإن سما عقله على شهوته كان فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله كان دون الحيوان,
﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾
تعجباً وخوفاً,
﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾
ما عمله الإنسان على وجه الأرض من خير أو شر, بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا, أقدرها على الكلام، وأذن لها فيه، وأمرها به،
﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾
فرادى متفرقين، فلا تجمعات، ولا تكتلات، ولا تناصر على باطل، ولا هيمنة، ولا غطرسة ولا تعالي,
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ: -مقدار- ذَرَّةٍ: -الجزء الذي لا يتجزأ- خَيْرًا يَرَهُ﴾
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾
يجد جزاءه وعاقبته .
من حديث عبد الله بن عمرو, الذي أخرجه أبو داود, والنسائي, وابن حبان, والحاكم وصححه,
((جاء رجل إلى النبي, ليتعلم القرآن, فانتهى إلى قوله تعالى:
﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره, ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾
فقال: يكفني هذا وانصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انصرف الرجل وهو فقيه))
وفي رواية:
((فقه الرجل))
أي صار فقيهاً، وفي رواية:
((والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا, ثم أدبر الرجل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح الرويجل أفلح))
ما هي الأشياء الضائعة التي لا ينتفع بها الإنسان, وما هو أصل هذا الضياع ؟
عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها: علم لا يعمل به، وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء, ومال لا ينفق منه, فلا يستمتع به جامعه في الدنيا, ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله, والشوق إليه, والأنس به، وبدن معطل عن طاعته وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب, وامتثال أوامره، ووقت معطل عن استدراك فارط, أو اغتنام بر وقربة، وفكر يجول فيما لا ينفع, وخدمة من لا تقربك خدمته إلى الله, ولا تعود عليك بصلاح دنياك, وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله, وهو أسير في قبضته، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً, ولا موتاً ولا حياة, ولا نشوراً .
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان, هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت, فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة, وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء, والله المستعان .
العجب ممن تعرض له حاجة, فيصرف رغبته وهمته فيها إلى الله ليقضيها له، ولا يتصدى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والإعراض, وشفائه عن داء الشهوات والشبهات، ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته .