- موضوعات متنوعة
- /
- ٠4موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، دخلنا في العشر الأخير من رمضان ، وأهم ما في هذا العشر ليلة القدر ، وقد ورد في فضلها سورة من سور القرآن الكريم ، في قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾
ماذا في ليلة القدر ؟
نعيش في هذا الدرس في أجواء هذه السورة ، في هذه السورة إشارة إلى وقتين ، ليلة القدر وألف شهر ، الألف شهر 83 عاماً ، وهذا في أعمار البشر عمر طويل ، لأن معترك المنايا بين الستين والسبعين ، فما يكون في ليلة يفوق في فضله عمراً مديداً ،
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
فماذا في ليلة القدر ؟
القرآن الكريم مثاني ، ومن معاني كلمة ( مثاني ) أن كل آية تنثني على أختها فتفسرها ، قال تعالى :
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾
إذاً الذي ينبغي أن يكون في ليلة القدر معرفة الله عز وجل ، فإذا عرفته كان خيرًا لك من أن تعبد الله عبادة جوفاء 83 عاماً ،
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
كيف نعرف الله ؟
الله عز وجل :
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
ولكن العقول تصل إليه من خَلْقه ، ومن كلامه ، ومن أفعاله ، خلقه آيات كونية ، وكلامه آيات قرآنية ، وأفعاله آيات تكوينية ، لذلك هناك آية أخرى يقول الله عز وجل :
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ ﴾
المال من دون بنين حرقة في القلب ، والبنون من دون مال فقر مدقع .
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾
في كلمة ( الباقيات ) عُرف المال والبنون ، إنهن الزائلات ،
﴿ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾
تبقى ، لكن المال والبنين تفنى ، ما الباقيات الصالحات ؟ بعضهم قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا بالمعنى الترتادي كما يفعل بعض المسلمين ، بالمعنى العقلاني ، حينما تسبح الله ، تنزهه ، وتمجده ، وحينما توحده ، وحينما تحمده ، وحينما تكبره ،
معنى سبحان الله
أما أن تسبحه ، أن تقول : سبحان الله ، فكل شيء خطر في بالك عن الله فالله بخلاف ذلك ، تنزهت ذاته عن كل نقص ، وتنزهت صفاته عن كل نقص ، وتنزهت أفعاله عن كل نقص .
ثم التمجيد أن تعظم كمالاته ، أن تعرف أسماءه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، هذا معنى التسبيح ، أن تنزهه ، وأن تمجده ، التنزيه سلبي ، أن تنفي عنه عن ذاته ، وعن أفعاله ، وعن صفاته كل ما لا يليق به ، والتمجيد أن تسبح في كمالاته ، و كمالاته من خلال أسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، سبحان الله
معنى الحمد لله
والحمد لله ، الحمد رأس الشكر ،
القسم الإدراكي
أن تدرك أولاً أن كل نعمة تنعم بها هي من الله .
﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾
نعمة الصحة ، نعمة العينين ، نعمة الأذنين ، نعمة الحواس الخمس ، نعمة العقل ، نعمة الحركة ، نعمة الزوجة ، الأولاد ، نعمة معرفة الله ،
﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾
.
ثم أول قسم إدراكي أن تدرك أن كل النعم من الله عز وجل ، لكن هذه النعم يمكن أن تلخص في ثلاث : نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد .
القسم الانفعالي
أما الجانب الانفعالي فهو الحمد ، أن يمتلئ قلبك امتناناً من الله ، أن تحبه .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ ))
القسم السلوكي
والجانب السلوكي أن تشكره بخدمة عباده :
﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾
لا يرقى الشكر والحمد إلى أعلى مستوى إلا إذا رافقه عمل ، سبحان الله والحمد لله ،
معنى لا إله إلا الله
ولا إله إلا الله ، ألا ترى معه أحداً ، ألا ترى يداً تعمل غير يده .
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))
سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ،
معنى الله أكبر
والله أكبر ، أكبر من كل كبير ، أكبر من طغاة الأرض مجتمعين .
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
هذه للمؤمنين المستقيمين على أمر الله ، أما المتفلّتين فتنخلع قلوبهم خوفاً من كل من هو أقوى منهم ، إذاً : الله أكبر من كل كبير ، أكبر من كل قوي ، أكبر من كل غني ، لذلك في المعركة نقول : الله أكبر من العدو ، وفي الصلاة نقول : من كل شيء يشغلك عنه ، والله أكبر مما تعرف ، مهما عرفت عن عظمته فهو أكبر ، فإذا سبحته ، وحمدته ، ووحدته وكبرته فقد عرفته ، وإن عرفته عرفت كل شيء ، وإن فاتك فَاتَك كل شيء .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
إذاً :
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾
هذه الباقيات الصالحات تسعد بها إلى الأبد ، هي من ضمن ليلة القدر ، أن تسبحه ، وأن تحمده ، وأن توحده ، وأن تكبره ،
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
القلب الذي يذكر الله ، والقلب الذي لا يذكره كالحي والميت ، وقد قال الله عز وجل :
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾
ليس من مات فاستراح بميتٍ إنما الميتُ ميتُ الأحياء
***
يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة .
مضمون ليلة القدر
أيها الإخوة ، أن تقدّر الله حق قدره ، وأن تعبده حق عبادته ، وأن تطيعه حق طاعته ، وأن تشكره حق شكره ، وأن تتوكل عليه حق التوكل ، هو مضمون ليلة القدر ، فإن حصل لك هذا التقدير ، وتلك العبادة ، وهذه الطاعة ، وهذه التوبة فهذا خير لك من عمر بأكمله فيه تفاهة ، وفيه أعمال من سفاسف الأمور ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إنّ اللهَ يحبّ معاليَ الأمورِ وأشرافَها ، ويكرهُ سفسَافَها ودنِيّها ))
نتيجة التقرب من الله تفهم القرآن
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
الله عز وجل حينما تصطلح معه ، وحينما تتوب إليه ، وحينما تقبل عليه ، وحينما تطيعه ، وحينما تتقرب إليه ، يسمح لك أن تفهم القرآن ، والدليل أن الظالمين يصف الله علاقة القرآن بهم بأنه :
﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ * كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
لا يفهمون القرآن ، إذاً أنت حينما تصطلح وتنيب ، وتتوب ، وتطيع ، وتتقرب وتلتزم ، وتنضبط ، يسمح الله لك أن تفهم كلامه ، وإلا :
﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾
وإلا :
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾
وإلا :
﴿ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾
.
أقول لكم هذه الكلمة : إنسان يحمل دكتوراه في الأدب ، ويتقن النحو ، وهو عربي من أم عربية وأب عربي ، بل عربيته قحة ، إن لم يكن مستقيماً على أمر الله يقرأ القرآن فلا يجد فيه شيئاً ، يملّ من قراءته ، وهذا مؤشر خطير جداً ، إذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء ، إن ذكرت الله فلم تشعر بشيء ، إن صليت فلم تشعر بشيء ، معنى ذلك أن هذه علامة خطيرة على موت القلب .
سيدنا عمر يقول : " تعاهد قلبك " ، احرص على أن تنعقد لك صلة مع الله .
نتيجة التقرب من الله في رمضان المغفرة
النبي عليه الصلاة والسلام صعد المنبر فقال :
(( آمين ، ثم صعد الدرجة الثانية فقال : آمين ، ثم صعد الدرجة الثالثة فقال : آمين ، فقالوا : يا رسول الله علامَ أمّنت ؟ قال : جاءني جبريل فقال لي : خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له ))
هذا شهر الصلح مع الله ، إن لم يغفر له فمتى ؟ رمضان شهر العتق من النار ، ولا تنسوا أيها الإخوة أنّ :
((رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ))
كأنك برمضان فتحت مع الله صفحة جديدة ، لذلك :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
وكأن الله سبحانه وتعالى يغفر لك في رمضان ما كان منك من رمضان الماضي إلى رمضان الحالي ما اجتنبت الكبائر .
علاقة ليلة القدر بأن تشرق الأنوار في قلبك
أيها الإخوة ، ليلة القدر حركة ، ليلة القدر جهد ، وكأني أرى أن الإنسان حينما يعقد مع الله صلحاً ، حينما يتوب إلى الله ، حينما يقبل عليه ، تتنامى معرفته ، و تتنامى محبته ، و تتنامى استقامته ، و تتنامى أعماله الطيبة ، فإذا وصل إلى ليلة القدر كان العد التنازلي قد وصل إلى الصفر ، عندئذٍ تشرق أنوار الله في قلبك .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
حينما يقذف نور الله في قلب المؤمن يرى الحق حقاً ، والباطل باطلاً ، ومن الأدعية المأثورة:
(( اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ))
ليلة القدر تنقلك من عابد إلى عالم
أيها الإخوة الكرام ،
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
فرق كبير بين العالم والعابد ، العابد مقاومته هشة ، أقل ضغط يخرجه عن استقامته ، أقل إغراء يخرجه عن استقامته ، لكن العالم لا تستطيع سياط الجلادين اللاذعة ، ولا سبائك الذهب اللامعة أن تقوض إيمانه.
(( فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر سائر الكواكب ))
(( فَضْلُ الْعَالِمَ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ))
كم هي المسافة بين رسول الله وبين أدنى مؤمن في الأرض ؟ هي نفسها بين العالم والعابد ، العابد مقاومته هشة.
سيدنا عمر له كلمة ، قال : " إن هذا القرآن أنزل ليعمل به أفاتخذت قراءته عملاً ؟ تقرأه في الليل وتعمل به في النهار " .
الأمم الأخرى القوية تعمل ، والأمم المتخلفة لا تعمل ، بإحصاء دقيق البلاد النامية معدل وقت عمل أحد أفرادها من 17 دقيقة في اليوم إلى 27 ، بينما في الدول القوية من 6 ساعات إلى 8 ساعات .
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾
فالعابد يصلي ، ويتعبد الله ، لكن أدنى ضغط يخرجه من استقامته ، وأدنى إغراء يخرجه من استقامته ، يعبد الله على حرف ، ليلة القدر تنقلك من مرتبة العابد إلى ، الآن العابد لا ينجو ، لأن الفتن خطيرة جداً ، الفتن مستعرة ، الشبهات كثيرة ، لعله ينجو قبل مئة عام ، لعله ينجو يوم كان الناس صلحاء ، لعله ينجو قبل تلك الفتن ، وقبل النساء الكاسيات العاريات ، لعله ينجو قبل الكسب الحرام ، لكنه الآن لا ينجو ، لأن حياتنا في مجملها شهوات مستعرة مع شبهات مضللة ، ولا ينجو من مرتبة العبادة إلا من وصل إلى العلم ، لذلك ليلة القدر تنقلك من أن تكون عابداً إلى أن تكون عالماً .
أيها الإخوة ، جاء رجل النبي عليه الصلاة والسلام له شريك ، شريكه طالب علم ، لعل الشريك الأول الذي لم يطلب العلم شكا رسول الله شريكه طالب العلم ، أنه يبذل جهداً أقل مني ، لقد ظلمني ، الشيء العجيب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له : لعلك ترزق به ، لماذا خاطب العابد ، وقال : أخوك أعبد منك ؟ لأن العابد يعبد الله لذاته ، لمتعته ، لصفاء قلبه لراحته ، لكن طالب العلم يتعلم للأمة ، فقال للشريك الذي يتوهم أنه مظلوم : لعلك ترزق به .
إذاً يمكن أن تكون ليلة القدر نقلة نوعية من العبادة إلى العلم .
متى يمكن أن نعتبر ليلة القدر
بالمناسبة كل دقيقة في ليلة قدر ، لأن الليل والنهار مستمر ، في كل دقيقة فجر ، في كل دقيقة ظهر ، في كل دقيقة عصر ، بل في كل ثانية ، الأرض تدور حول الشمس ، وليلة القدر بالتقويم الهجري ، والتقويم الهجري يدور مع التقويم الميلادي ، وفي كل يوم ليلة قدر ، كيف أن رمضان يمشي من أشهر الصيف إلى أشهر الشتاء ، إذاً ليلة القدر مستمرة على مدى العام ، ومستمرة على ثواني اليوم ، ليلة القدر تقدير لنا ،
ما تفعله بليلة القدر
فتعرف إلى الله ، كن عالماً ، ولا تكن عابداً ، اعرف الله معرفة يقينية ، ولا تكتفِ بطاعته طاعة شكلية ، المشكلة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لَنْ ـ لن حرف ينفي المستقبل لتأبيد النفي ـ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))
أحياناً يحضر في خطبة هذا المسجد خمسون ألفًا ،
(( لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))
فكيف مليار وأربعمئة مليون غلبوا ، وليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، لأنهم ما عرفوا الله .
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
اجعل كل ثانية ليلة القدر ، واجعل كل يوم ليلة قدر ، تفكر في خلق السماوات والأرض ، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى غار حراء ، ويتعبد الله هناك ، ويتفكر في خلق السماوات والأرض ، وكان يقول عقب هذه الآيات :
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
كان عليه الصلاة والسلام يقول : ويل لمن لم يتفكر في هذه الآيات .
أردت في هذا الدرس أيها الإخوة أن نضع أيدينا جميعاً على حقيقة ليلة القدر ، ليلة القدر ليلة معرفة الله ليلة أن تنتقل من مرتبة العبادة إلى مرتبة العلم ، ليلة أن تقدره حق قدره ، ليلة القدر هي ليلة خير لك من ألف شهر ، هذه حقيقة ليلة القدر .
أما الاعتكاف فيمكن أن تنقطع في العشر الأخير لله عز وجل ، وإن كان صعباً عليك يمكن أن تجعل هذا الانقطاع يومياً ، فأنت حينما تصلي الفجر في جماعة ، وتقرأ القرآن ، وتتفكر في خلق السماوات والأرض ، وتذكره ، هذه الجلسة الصباحية تعدل عند الله حجةً تامة تامةً تامة ، يعني أن تتحرك لمعرفة الله ، ألاّ تكتفي بعقيدة لم تمحص بها ورثتها من أمك وأبيك ، ومن بعض معلميك ، ومن خطباء المساجد ، وأنت لم تبحث ، ولم تتحرك ليلة القدر ليلة هي خير من ألف شهر .
الإنسان الذي أدرك ليلة القدر
أيها الإخوة ، من ثمرات ليلة القدر أنك إنسان ترى ما لا يراه الآخرون ، وتشعر بما لا يشعرون ، تحكمك القيم ، وتحتكم إليها ، من دون أن تسخرها أو تسخر منها ، الإنسان الذي أدرك ليلة القدر ، وعرف الله حق القدر هو إنسان متميز ، يتمتع بصفات ثلاث ،
يتمتع بالخلق ، فلا يمكن أن يكون المؤمن خواناً ، ولا أثيماً ، ولا كذاباً ، ولا محتالاً ،
مرتبة الإيمان مرتبة خلقية ، ومرتبة الإيمان مرتبة جمالية ، إن لم تقل وأنا أعني ما أقول ، ولا أبالغ ، إن لم تقل : ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فلم تصل بعد إلى معاني ليلة القدر ، كيف يحزن قلب الإنسان وقد عرف الله ، عرف القوي ، هو أقوى الأقوياء .
إن أدركت ليلة القدر
إن أدركت ليلة القدر فلا تخافنّ إلا ذنبك ، ولا ترجون إلا ربك ، إن أدركت ليلة القدر تشعر أنك لله وبالله ، قائم به ، وعملك له ، إن أدركت ليلة القدر فلسان حالك يقول : إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي ، إن أدركت ليلة القدر تبلغ رسالات الله ، وتخشَ الله ، ولا تخشى أحداً إلا الله ، إن أدركت ليلة القدر :
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
إن أدركت ليلة القدر :
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾
وفّى ما عليه ، إن أدركت ليلة القدر :
﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾
إن أدركت ليلة القدر يصبح أكبر همك الآخرة ، وإن لم تدرك ليلة القدر تصبح وأكبر همك الدنيا .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ))
إن أدركت ليلة القدر تعتصم بالله من دون خلقه .
إن أدركت ليلة القدر تؤثر الآخرة على الدنيا فتربحهما معاً ، وإن لم تدرك ليلة القدر تؤثر الدنيا على الآخرة فتخسرهما معاً ، إن أدركت ليلة القدر لسان حالك يقول : يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
إن أدركت ليلة القدر لسان حالك يقول : إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ إذا أدركت ليلة القدر يمتلئ قلبك حيوية .
أطع أمرنا نـرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــا
ولذ بحمانا و احتمِ بجنابنـــا لنحميك مما في أشرار خلقنــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل وأخلص لنا تلق المسرة و الهنـا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن ما القرب و الإبعاد إلا بأمرنــا
فلو شاهدت عيناك من حسننـا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـا
و لو سمعت أذنك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئـتنا
ولو ذقت من طعم المحـبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبـنا
و لو نسمت من قربنا لك نسمة لمتّ غريباً و اشتياقاً لقربنـــا
***
كيف نخرج مما نحن فيه؟
إخوتنا الكرام ، إله الصحابة إلهنا ، ورب محمد ربنا ، وقوانينه بين أيدينا ، والطرق إليه سالكة ، والله يُسترضَى :
(( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء ))
والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد المسكين .
(( باكروا بالصَّدقة ، فإن البلاء لا يتخطاها ))
سيدنا يونس وجد نفسه فجأة في ظلمات ثلاث ، في ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر وفي ظلمة بطن الحوت :
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
والقصة انتهت ، وقلبها الله إلى قانون لتشمل كل مؤمن من آدم إلى يوم القيامة .
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
في ظل الخوف ، والتهديد ، والقهر ، وفي ظل الطغاة في العالم ، وفي ظل شبح المقاطعة ، ليس لنا إلا الله ،
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
والله عز وجل يستجيب للمضطر برحمته ، ويستجيب للمظلوم بعدله ، والدعاء سلاح المؤمن
(( إن الله يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ))
إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه ، وإن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها ، اصطلحوا مع الله ، وتوبوا إليه ، وعاهدوه على الطاعة ، وادعوه ليلاً نهاراً ليكشف عن الأمة الغمام ، الغمامة التي حلت بنا .