- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠41برنامج آفاق إسلامية - قناة التلفزيون الأردني
مقدمة :
الدكتور وائل:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أحييكم أعزائي المشاهدين، وأرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: "آفاق إسلامية"، حديثنا في هذه الحلقة سيكون بعنوان "قوانين القرآن الكريم".
السنن الإلهية موضوع اهتم به القرآن الكريم كثيراً، وقد ظهر ذلك في العديد من آيات القرآن الكريم، وقد أظهرت كثير من الدراسات والأبحاث أن هذه السنن ثابتة، وأنها قطعية لا تتغير ولا تتبدل، وذلك ليس إلا مصداق لقوله تعالى:
﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾
﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾
وقد أصبحت هذه السنن جزءاً من مكونات العقل المسلم، التي إن فهمها حظي بالدنيا، وحظي بالآخرة، وهذه السنن ستساعدنا كثيراً في فهم آيات الله في كتابه المسطور وهو القرآن الكريم، وفي فهم آيات كتاب الله المنظور وهو الكون، ومما لا شك فيه أن كتاب الله المنظور وكتاب الله المسطور هما صنوان للوصول على الله عز وجل.
السنن الإلهية سنن ثابتة وقطعية لا تتغير ولا تتبدل :
إن مرحلتنا اليوم التي نعيش كما يشير إليها بعض الباحثين والمفكرين من أمثال الدكتور جاسم سلطان، هي المرحلة التي تعتبر مرحلة الصحوة، والتي قد شارفت على الغروب، تلك المرحلة التي أنبتت نباتاً حسناً بإذن ربها، ولكنها أثبتت في الوقت ذاته أن الأمة فيها خير كثير، وأنها على استعداد تام للعودة إلى أصولها الحقيقية، وتجديد مسيرة النهضة، ولكنها تفتقد إلى دور العقل المرشد والموجه وإلى الرؤية الاستراتيجية الواضحة، وأن الأوان قد آن لتشرق شمس مرحلة اليقظة، التي تُسيّر أولي الأيدي والأبصار إلى طريق النهضة والوصول إلى الحق، وحتى نستطيع الوصول إلى تلك المرحلة المقبلة التي يُبشر بها يجب أن نتعرف على سنن الله في كونه، وعلى القواعد التي تحكم عملية النهوض إلى مجتمعات المدنية والحضارة، حتى لا نبقى حديثي الارتجال والانفعال بل نعتمد على الانطلاق على أدق قواعد البحث العلمي، وأقصى درجات الإعداد.
إن هذه القوانين هي قوانين صارمة لا تتبدل ولا تتغير، وهي صارمة، وثابتة، ولا تحابي أحداً مهما كان، من سار على نهجها نجي وعُصم، ولو كان بعيداً عن هذا الدين ولكنه يأخذ الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق، ومن تنكبها ضلّ ولو كان أقرب الناس إلى التعبد والتنسك إلى الله عز وجل.
اسمحوا لي أن أرحب بضيفي الكريم في هذا اللقاء الكريم المبارك، إنه فاكهة هذا البرنامج، وهو الحلوى التي نأخذها بعد وجبة دسمة من الجوانب الفكرية، وهو مفيد، وطعام طيب بإذن الله، إنه فضيلة الأستاذ الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي ـ أمدّ الله في عمره ـ مرحباً دكتور.
الدكتور راتب:
بارك الله بكم دكتور وائل، جزاك الله خيراً.
الدكتور وائل:
دكتور محمد راتب نحن دائماً نسعد بك، الشيخ محمد رشيد رضا يقول في تفسيره في قناة المنار في قول الله عز وجل:
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
يجب على الأمة أن يكون فيها قوم يبينون سنن الله في خلقه كما فعلوا في غيرها من العلوم، كالتوحيد، والفقه، وغيرها، ويقول: العلم بسنن الله تعالى من أهم العلوم وأنفعها، يُحيل الله إليه في مواضع كثيرة، وقد دلنا على مأخذه من الأمم الأخرى، إذ أمرنا أن نسير في الأرض لأجل معرفة حقيقة هذه الأرض، كيف ترى ضرورة معرفة قوانين القرآن الكريم؟
المصطلح القرآني سنن و المصطلح المعاصر قوانين :
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، دكتور وائل جزاك الله خيراً.
بادئ ذي بدء: المصطلح القرآني سنن:
﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾
المصطلح المعاصر قوانين، في أدق تعريفات القوانين أنها علاقة ثابتة بين متغيرين، مقطوع بصحتها، يؤيدها الواقع، عليها دليل، لو ألغينا كلمة من هذا التعريف، لو ألغينا الدليل لكانت تقليداً، التقليد لا يجدي، المقلِّد ليس كالمقلَّد، المقلِّد وضع لنفسه سقفاً ولن يبلغه إلا أقل منه، فالتقليد شيء غير مقبول، علاقة ثابتة، مطردة، شاملة، عامة، يقينية، في كل مكان، في كل زمان، في كل عصر، في كل مِصر، علاقة ثابتة.
بالمناسبة ربنا عز وجل تفضل علينا فثبت ملايين القوانين، قوانين الدوران، خصائص المواد، خصائص البذور، ثبت ملايين القوانين رحمة بنا، لكنه حرك قانونين؛ قانون الصحة، وقانون الرزق، وكأن الله عز وجل أراد أن يؤدبنا، وأن يربينا، وأن يأخذ بيدنا إليه من خلال حرصنا اللامتناهي على صحتنا، وعلى رزقنا، قوانين الكون ثابتة.
تعامل الله مع البشر وفق قوانين وسنن :
الآن تعامل الله مع البشر، أو مع خلقه، أو مع المؤمنين، وفق قوانين وسنن، بالمناسبة من الصعب جداً أن تتعامل مع إنسان مزاجي، لا تعرف متى يرضى؟ لا تعرف متى يغضب؟ قد يغضب غضباً غير معقول بلا سبب، وقد يرضى بلا سبب، فأي إنسان بمؤسسة، بشركة، بوزارة، هذا التعامل على رأس هذه الوزارة، أو هذه المؤسسة، مزاجي وهو تعامل صعب جداً، لكن أي مدير مؤسسة وضع قواعد ثابتة، الموظف يترفع كل عام إن لم يأخذ إجازة، إن لم يكن عليه شكوى، وضع قواعد، فالموظف يستريح عندئذ، فإذا كان الذي يدير مؤسسة، أو شركة، أو جامعة، أو مستشفى، واضع قوانين دقيقة في التعامل مع الموظفين، هؤلاء يتنافسون، يتسابقون، هم مرتاحون نفسياً، فربنا خالقنا، مربينا، مسيرنا، ويمكن أن يعطينا أوامر فقط، لكن شاءت حكمته أن يضع لنا في التعامل معه قوانين، فالبطولة أن تأخذ هذه القانون، أنت تصور باباً تريد أن تدخله، معك مطرقة، تبذل جهداً مخيفاً، لكن بالمفتاح بضغط بسيط ينفتح الباب، فالقانون قضية سهلة جداً.
فحينما يعلم المؤمن القوانين التي تحكم العلاقة بينه وبين ربه، القضية سهلة جداً، مثلاً الله عز وجل يقول:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
كأن الله يقول: "يا عبادي كلمتان؛ منكم الصدق ومني العدل، تتفاوتون عندي بالصدق، وأنا أعدل بينكم"، هذا قانون، "كن ابن من شئت".
اعتماد القرآن الكريم على قيمتين مرجحتين بين البشر؛ العلم والعمل :
كل المقاييس التي وضعها البشر، الأقاليم، و الأعراق، والأنساب، والمنابت الثقافية، والانتماءات القومية والطائفية، كل هذه المرجحات أغفلها الله عز وجل، أبقى مرجحين فقط، قال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
القرآن الكريم اعتمد قيمتين مرجحتين بين البشر؛ قيمة العلم، وقيمة العمل، بينما البشر يعتمدون مئات المرجحات الانتمائية، وأنا أقول دائماً: أي أمة تعتمد مقاييس انتمائية تتخلف، وأي أمة تعتمد مقاييس موضوعية تتقدم.
الدكتور وائل:
أنا أشكرك، هذا في غاية الدقة ما تفضلت به أن نعتمد على مقاييس موضوعية.
الدكتور راتب:
إن الدول المتقدمة القوية جداً أحد أسباب تقدمها أنها اعتمدت فيما بين رعاياها على مقاييس موضوعية.
الدكتور وائل:
وهذا يجب أن نعترف به.
بطولة الإنسان أن يغذي عقله باليقينيات وقلبه بحبٍّ يسمو به :
الدكتور راتب:
لو تابعنا تعريف القانون، علاقة ثابتة لا تتبدل، لا تتغير لا بالزمان، ولا بالمكان، ولا بالأمصار، ولا بالأقاليم، أبداً، بين متغيرين، تطابق الواقع.
بالمناسبة العلم بتعريف جامع مانع: الوصف المطابق للواقع، فكل شيء لم يطابق الواقع يعد جهلاً، وقد نتوهم أن الجهل فراغ وعائنا من المعلومات، لا، قد يكون الوعاء ممتلاً بمعلومات مغلوطة، الجاهل هو الذي يستوعب أفكاراً غير صحيحة، فعلاقة ثابتة بين متغيرين، يؤيدها الواقع، عليها دليل، مقطوع بصحتها، عند القطع وقفة متأنية؛ هناك وهم يقدر بثلاثين بالمئة، هناك شك يقدر بخمسين بالمئة، هناك ظن من تسعين إلى خمسة وتسعين بالمئة، هناك يقين مئة بالمئة، فالبطولة أن تعتقد حقائق يقينية.
أنا أقول دائماً: الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، لكن بطولة الإنسان أن يغذي عقله باليقينيات، لا بالترهات من أوهام وأباطيل، لا بالخزعبلات، لا بالمعلومات الساذجة غير الممحصة، بطولة الإنسان أن يغذي عقله باليقينيات، ويغذي قلبه بحب يسمو به، هناك حب يسمو بالإنسان، وحب يهوي به، الحب حبان، حب في الله وحب مع الله، الحب في الله يرقى بالإنسان، الحب مع الله يهوي به، الحب مع الله أن تحب جهةً ليست منضبطة، وقد تكون معتدية، لكن أصابك منها نفع، هذا حب مع الله هو عين الشرك، أما الحب في الله أن تحب الله أولاً، أن تحب أنبياءه ورسله، أن تحب سيد الأنبياء والمرسلين، أن تحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، أن تحب العلماء العاملين والفقهاء، أن تحب أهل العلم، أن تحب الأعمال الصالحة، أن تحب المساجد والأعمال الخيرية، وأن تحب زوجتك، وحب الزوجة فرع من محبة الله لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الحمد لله الذي رزقني حب عائشة"، من محبة الله.
الدكتور وائل:
دكتور محمد راتب الحب مع الله ما هو ضابطه إذا أردنا أن نضبط هذه الكلمة؟
ضابط الحب مع الله :
الدكتور راتب:
ألا تميل إلى جهة لا ترضي الله، معنى ذلك أن انتماءك لها انتماء مصلحي فقط، والمصلحة تثمر الحب أحياناً، ألا تنتمي إلى جهة لا ترضي الله، بل أن تنتمي إلى جهة ترضي الله.
الدكتور وائل:
أي ضابطها.
الدكتور راتب:
ضابطها استقامة المحبوب.
الدكتور وائل:
مثلاً إذا أردنا أن نسقطها على وضع العالم، هناك الأحلاف التي تصبح عالمياً، نذكر في التاريخ الإسلامية أن هناك أحلافاً إسلامية مسيحية بالمقابل هناك أحلاف مسيحية إسلامية إلى غير ذلك، هناك أناس يشاركون الناس في قضاياهم، ما هو ضابطها؟ هل هو ضابط محبة أم ضابط تعاون وتآلف؟
مفهوم المواطنة والتعايش مفهوم من أرقى المفهومات :
الدكتور راتب:
أنا لعلي ذكرت قبل أن آتي إلى هذا المكان أن النبي عليه الصلاة والسلام أتحفنا بمفهوم المواطنة والتعايش، هذا المفهوم من أرقى المفهومات، حينما دخل المدينة المنورة أبرم مع أهلها اتفاقية، تقول هذه الاتفاقية: أهل يثرب أمة واحدة، مع أن في يثرب يوجد أوس وخزرج وثنيون، وأوس وخزرج مسلمون، وفيها نصارى ويهود، وفيها أتباع وموال وأعراب، النبي عليه الصلاة والسلام يؤكد وهو لا ينطق عن الهوى أن أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحدة وحربهم واحدة، اليهود لهم دينهم ولنا ديننا، فأنت أحياناً تضطر أن تتفق مع جهة ليست مسلمة لكن تجمعنا بها تحديات مشتركة، وآمال مشتركة، فهذا التوافق لا شيء عليه في الدين إطلاقاً.
الدكتور وائل:
ولا يوجد نظرة عدائية بيننا وبينهم أبداً.
الابتعاد عن النظرة العدائية أثناء الحديث عن الآخر :
الدكتور راتب:
أنا أشد ما يؤلمني أن بعض الدعاة في العالم الغربي يدعون على الآخر بتدمير بلادهم، وترميل نسائهم، وتيتيم أطفالهم، مع أن دوساً قبيلة بالغت بإيذاء المسلمين والصحابة النبي دعا لهم، لمَ لا نقلد النبي عليه الصلاة والسلام؟ لذلك القضية أن عندنا خطأ في الخطاب الديني، الخطاب الديني إذا كان خطاباً صدامياً، خطاباً تكفيرياً، خطاباً يؤكد أن ما سوى المسلم يجب أن يموت، هذا خطاب مرفوض، وعندئذ يصبح الإسلام كله مرفوضاً، هذا النجاشي، ما طبق من الإسلام شيئاً في بلده، إلا أنه حمى الصحابة فقط، فحينما جاء وفد من النجاشي خدمهم النبي عليه الصلاة والسلام بنفسه، لو تعلمنا منه، لما خاطب قيصر قال: إلى عظيم الروم، ولم يسبهم.
الدكتور وائل:
اليوم الإشكالية الكبيرة أنك إذا خاطبت شخصاً بما يعرفه أهله، أي كأن تقول: هذا عظيم البلد الفلاني، هذا المقدس عند البلد الفلاني، تُشن حروب على الدعاة والمفكرين.
الدكتور راتب:
كنت في أستراليا فألقيت محاضرة، طبعاً اختاروا أكبر صالة بسيدني، ألقيت محاضرة مترجمة ترجمة فورية، صاحب المحاضرة مسيحي أثناء المحاسبة أعطاهم مئتي دولار، قالوا لمَ؟ قال: لأن الشيخ الذي ألقى كلمة في هذه الصالة لم يسبنا، ملاحظة دقيقة جداً يبدو أنه تعود إذا جاء داعية إسلامي يسب الطرف الآخر، لم يسبنا.
الدكتور وائل:
لكن الآن بفضل الله عز وجل بدأت هذه التحولات والخطاب الإسلامي الذي يرجع إلى أصوله الحقيقية والبعيدة عن التطرف، دكتور محمد راتب النابلسي أكثَرَ القرآن الكريم من وصف الحياة الطيبة، والكلمة الطيبة، والعمل الطيب، والبلد الطيب، وكأنه يشير إلى كلمات منتقاة في مفهوم الطيب، ماذا عن قانون الحياة الطيبة؟ هل هناك من هذه القوانين قانون يعتبر قانون حياة طيبة؟
الآية التالية أصل في موضوع الحياة الطيبة :
الدكتور راتب:
هناك آية هي أصل في هذا الموضوع:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
الدقة بالغة في هذه الآية، الإنسان قد يعمل عملاً صالحاً بدافع ذكائه، بدافع مصلحته، الله عز وجل أجلّ وأعظم من ألا يكافئه، لكن يكافئه في الدنيا، فأي إنسان بدافع ذكائه، بدافعه خبرته، بدافع ثقافته، بدافع حرصه على منجزاته، بدافع حرصه على أن يكون الأعلى في المجتمع، فكان عمله طيباً، هذا العمل له عند الله أجر ولكن في الدنيا، أما المؤمن فيعمل عملاً صالحاً ابتغاء مرضاة الله فله الدنيا والآخرة.
لذلك:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً ﴾
كلمة عمل صالحاً واسعة جداً أي زوج صالح، زوجة صالحة، موظف صالح، أستاذ جامعة صالح، تاجر صالح، صانع صالح أتقن صناعته، مدرس أتقن درسه، تاجر أعطى سعراً معتدلاً وجاء ببضاعة جيدة، هذه يمكن أن يكون حولها ندوة بكاملها، العمل الصالح كلمة جامعة مانعة تغطي كل شيء، صلاح نفسه، صلاح قلبه، صلاح طموحاته، صلاح بيته، صلاح تجارته، صلاح عمله،
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً ﴾
المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، والتشريف، والمسؤولية،
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾
كان الباعث في هذا العمل إيمانه بالله، وتعظيمه له، وابتغاؤه الدار الآخرة، الرد الإلهي الحتمي:
﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
وقد يتوهم أحدهم أن الحياة الطيبة حياة الأغنياء، لا أبداً، الآية لا تعني الغنى إطلاقاً، تعني أن الإنسان حينما يتصل بالله يسعد بهذا القرب، تسعد بهذا القرب ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقده ولو ملكت كل شيء، هذه السكينة العطاء الإلهي الأول، تتنزل على قلوب المؤمنين، يسعدون بها ولو فقدوا كل شيء، ويشقون بفقدها ولو ملكوا كل شيء.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لــغيرنا
و لـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولــو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقـــاً لقربنا
* * *
الإسلام منهج أخلاقي ينظم علاقة الإنسان بأخيه وعلاقته بربه :
هذه الحياة الطيبة، حياة فيها راحة نفسية، فيها رضا، فيها حكمة، فيها قرب من الله، فيها تفاؤل، فيها ثقة لعطاء الله، ثقة لنصره، ثقة بأنه متفوق بإيمانه بالله، الإنسان يشقى بحالة نفسية سيئة، ويسعد بحالة نفسية طيبة، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً ﴾
أي زواجه، عمله، شراء الحاجيات وفق منهج، المنهج الإسلامي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، الشيء المؤلم أن المسلم توهم أن الإسلام هو خمس عبادات، هو خمس عبادات لكن هذه العبادات أعمدة:
((بني الإسلام على خمس))
الخمس شيء والإسلام شيء آخر، الإسلام منهج أخلاقي، مجموعة قيم أخلاقية، مجموعة قوانين تنظم علاقة الإنسان بأخيه، وعلاقة الإنسان بربه، منهج، أنا أقول ولعلي لست مبالغاً: قد يصل إلى خمسمئة ألف بند، الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، أحد بنوده، فحينما تعتقد أن هناك منهجاً تفصيلياً رسمه الله عز وجل، رسم كلياته في القرآن الكريم، وتفاصيله في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، هذا المنهج إذا طبقته عشت حياة طيبة، الحياة التي أرادها الله لك، حياة الإيمان، حياة الحب، حياة الرحمة، حياة الزوجة الصالحة، الابن الصالح، حياة العامل الصالح، ما عند الله عز وجل متاح لكل البشر، من دون استثناء، والآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
هذه الحياة الطيبة، توفيق بالدراسة، توفيق بالصحة، توفيق بالعمل، توفيق بالعلاقات الاجتماعية، توفيق بالدعوة.
الدكتور وائل:
ما هو السر؟ هل العمل الصالح هو الذي يقودنا إلى التوفيق؟
الله عز وجل لا يتعامل معنا بالتمنيات لأن التمنيات بضائع الحمقى :
الدكتور راتب:
لا، الإنسان يوفق إلى عمل صالح، لك أن تطلب، الكلمة الدقيقة:
﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾
لا تملك إلا أن تطلب من الله، الذي يؤلمني أشد الألم أن الناس عاجزون عن الطلب فقط، اطلب، اطلب أن تكون داعية، اطلب أن تكون عالماً، اطلب أن تكون مصلحاً، اطلب أن تكون محسناً، أقسم لك بالله يقيني بهذه الآية يفوق حدّ الخيال، لو طلبت أن تكون أغنى أغنياء الأرض من أجل أن تنفق هذا المال لخدمة المؤمنين والناس أجمعين لبلغت ذلك، الله عز وجل لا يتعامل معنا بالتمنيات أبداً :
﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
لأنه صادق في طلبها، وسعى لها سعيها، فالله ينتظر منا أن نسأله:
﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء ﴾
الأغنياء طلبوا الغنى، الأقوياء طلبوا القوة، قد يكون الطلب نفسياً ليس شرطاً أن ينطق به، ما الذي تطلبه؟ الكلمة الدقيقة الدقيقة ما أنت فيه هو صدقك، وما لست فيه تمنياتك، كل طالب يتمنى أن يكون الأول على البلاد لكن لا يبذل جهداً يتوافق مع هذه الأمنية فالتمنيات لا قيمة لها، والعالم الإسلامي يتمنى النصر، يتمنى التفوق، يتمنى أن تأتي معجزة تهلك أعداءه، لا يتعامل الله إلا مع الصادقين، أي مع الحريصين على تحقيق ما يطمحون إليه.
الاستقامة ترقى بالإنسان إلى الهدف الذي أراده الله له :
إذاً هذا القانون:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
الحياة الطيبة واسعة جداً تطيب بها النفس، تسعد بها النفس، ترقى بها النفس، تتفاءل بها النفس، تتفوق بها النفس، الشيء الطيب شيء مريح للنفس، وأدق اتصال بينها وبين النفس أن هذه النفس تطيب بها، عفواً لو أن إنساناً تناول عصير فاكهة تطيب نفسه بهذا الشراب، لو شرب الخمر تخبث نفسه بهذا الشراب، هناك طعام مسرطن، وهناك طعام مغذٍّ، هناك علاقة ترقى بك إلى الله وعلاقة تهوي بك، هناك زوجة تسعدك، و زوجة تشقيك، هناك حرفة مبنية على ابتزاز أموال الآخرين تشقى بها، و حرفة أساسها الغش معها تدمير ، الاستقامة ترقى بك إلى الهدف الذي أراده الله لك.
إذاً:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾
وأنا أؤمن أن الأنثى لا تقل عن الذكر ولا واحد بالمليار، المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، المرأة ترقى برعايتها لزوجها وأولادها إلى أعلى مستوى في الجنة:
(( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ ))
الإعراض عن ذكر الله عز وجل يؤدي بصاحبه إلى جهنم :
لذلك هذا القانون الأول، طبعاً يقابله قانون آخر:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
الإعراض عن ذكر الله، ذكر الدنيا، ذكر المال، ذكر النساء، ذكر الطموحات، أراد الدنيا ولم يعبأ بالآخرة، أبعد الآخرة عن حساباته، ما أدخلها في حساباته إطلاقاً، نسي أن الله سيحاسبه عن كل صغيرة وكبيرة، هذا الذي أعرض عن ذكر الله، ما طبق منهجه، ما اتصل به، ما أدى فروضه، ما صام شهره، ما صلى الصلوات الخمس، ما حج بيت الله الحرام، ما أراد أن يكون قريباً من الله عز وجل، أعرض عن ذكر الله، عفواً أريد أن أضرب مثلاً بسيطاً، طالب كسول الأستاذ له جسم ضخم، وصوت جهوري، حينما أعرض عن الله ليس معنى ذلك أنه لم يؤمن به، آمن به لكنه لم يطبق أمره:
﴿ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾
آية دقيقة، معنى ذلك أنهم يصلون وينفقون.
الدكتور وائل:
كيف وصفهم؟
الكفر درجات و ليس درجة واحدة :
الدكتور راتب:
طبعاً الكفر درجات، هناك كفر يخرج من الملة، أن تنكر وجود الله، هناك كفر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام دون كفر، فأنت حينما لا تعبأ ببعض الأحكام الشرعية مع أنها قرآنية، لا تعبأ بقانون غض البصر، لا تعبأ بقانون أن الربا محرم، يقول لك: العصر هكذا، فعندما تنكر حكماً في القرآن الكريم أو ما جاء في السنة، ولا تعبأ به فهذا نوع من الكفر به.
الدكتور وائل:
وهذا الأمر حقيقة يقتضي أن من يتصدون إلى مهمة تكفير الآخرين، أن ينظروا إلى أن الكفر درجات وأن هناك كفر عمل، وكفر اعتقاد، والكفر ليس درجة واحدة.
تقييم الأشخاص ليس من شأن البشر بل من شأن خالق البشر :
الدكتور راتب:
لكن لي رأياً بهذا الموضوع لو سمحت لي به، أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن تقييم الأشخاص ليس من شأن البشر، من شأن خالق البشر، أنا أتمنى على كل مؤمن أن يكف عن تكفير الآخرين، هذا الموضوع ليس من اختصاصهم، بل إنني أقول: هذا تطاول على الله، ولبعض العلماء الكبار قاعدة رائعة، يقول: نحن لا نكفر بالتعيين، أنت ممنوع منعاً باتاً أن تقول: فلان كافر، من أنت؟ لكن من أنكر وجود الله، من أكل الربا واستحله ورآه هو الصواب فقد كفر بهذا المنهج، لا بد من أن تكفر حالات، أو تصورات، أو أعمال، أما أن تكفر أشخاصاً القاعدة الأساسية لا نكفر بالتعيين، ثم في بعض الأحاديث:"من كفّر مؤمناً فقد كفر"، تكفير المسلم كفر، من هو المسلم؟ قال: من غلب عليه الصلاح والتستر، هو لم يرتكب كبيرة، صائم، مصلٍّ، له عمل، دخله مشروع، أولاده لهم تربية جيدة، بناته محجبات، هذا مسلم، لا يوجد عندنا خبر سيئ عنه، أنا لا أقول: هو معصوم، لكن يغلب عليه الصلاح ولو أنه مرة صلى الفجر بعد الشمس، لا يفتخر بها يتستر، هذا تحرم غيبته، لذلك في بعض الأحاديث:
"من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن حرمت غيبته، وكملت مروءته، وظهر عدله، ووجبت أخوته".
أما من عامل الناس فظلمهم، فقد سقطت عدالته، حدثهم فكذبهم، سقطت عدالته، وعدهم فأخلفهم، سقطت عدالته، لكن العلماء الكرام ذكروا حالات كثيرة جداً بعمل لا يسقط العدالة لكنه يجرحها، من أكل في الطريق، من مشى حافياً، من بال في الطريق، من كان حديثه عن النساء، من تنزه في الطريق.
الدكتور وائل:
هذه من تنزه في الطريق، أو من كان حافياً، أو غيرها، ألا تعتبر قرفية مثلاً في ظل أحوال معينة ثم تتغير؟
الأشياء الثابتة في كلّ عصر :
الدكتور راتب:
ممكن لأن هذه بظرف معين، لكن التطفيف بتمرة، أكل لقمة من حرام، فاكهة غالية جداً تأخذ قطعة تأكلها كم السعر؟ السعر غال وتمشي! هذا أكل لقمة من حرام، صَحِب الأراذل، تنزه بالطرقات يملأ عينيه من محاسن النساء، هناك أشياء ثابتة في كل عصر.
الدكتور وائل:
اسمحوا لي أن أرحب من جديد بالدكتور محمد راتب النابلسي، حديثنا في هذه الحلقة قوانين القرآن الكريم، قانون الاستخلاف يقول الله :
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾
خلافة الإنسان لله في أرضه تقتضي أن يعمر هذه الأرض، يستخلفها في وجوه النفع، أن يراقب هذه الأرض فيكون مسؤولاً عنها، إلى أي درجة سعى الإسلام أن يكرس مفهوماً في ذهن الإنسان أياً كان هذا الإنسان مسلماً أو غير مسلم على أنه مستخلف في هذه الأرض، ولكن الاستخلاف يكون في الدرجة الأولى المسلمون مسؤولون عنه.
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
الدكتور راتب:
دكتور وائل، جزاكم الله خيراً، أنا أتصور أن هذا الموضوع يحتاج إلى مقدمة، ذلك أن الله إذا وعد المؤمنين وعداً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين:
﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
هناك من يتوهم أن كل وعود القرآن الكريم إلى المؤمنين غير واقعة، الحقيقة هناك مفارقة حادة بين واقع المسلمين وبين وعود رب العالمين، من هذه الوعود المتعلقة بالاستخلاف:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
أي أن يكونوا قادة للأمم، أن يكونوا مستخلفين من الله، أن ينشروا هذا الدين في أطراف المعمورة:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
ويبدو للاستخلاف قانون آخر:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
وعدنا بالاستخلاف، والتمكين، والتطمين، أنا أقول دائماً: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، نحن ـ لا أقول عن بلد معين، أقول على مستوى العالم الإسلامي ـ لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين.
الدكتور وائل:
أسبابه؟
إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها :
الدكتور راتب:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد لقينا ذلك الغي، بالمناسبة أضاعوا الصلاة وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها:
﴿ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾
هم عند الله كافرون بنوع من الكفر مع أنهم يصلون، أضاعوا الصلاة لا يعني تركها، بل يعني تفريغها من مضمونها، لأن الإنسان حينما يصلي الله عز وجل يقول:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
أي من لوازم الصلاة أن تمنعك لا ردعاً بل وازعاً عن أي عمل سيئ، فحينما ترى مصلياً يغش المسلمين، ترى مصلياً يأكل مال الناس بالباطل، ترى مصلياً يعتدي على أعراض الناس ولو بالنظر، هذا المصلي، ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، فهذه الصلاة تؤكد أن من ثمارها القطعية اليانعة العمل الصالح:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يقع المصلي الذي صلى كما أراد الله بالفحشاء والمنكر.
من ذكر الله أدى واجب العبودية ومن ذكره الله منحه الأمن و الطمأنينة :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
المعنى الأولي ذكر الله أكبر ما فيها، لقول الله :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
لكن لابن عباس معنى رائعاً جداً: ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، لأنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن، منحك التوفيق، منحك الحكمة، منحك الرضا، هذه ثمار مذهلة، لكن مليار وخمسمئة مليون يصلون وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، مشكلة كبيرة جداً لذلك: ليس كل مصلٍّ يصلي.
الدكتور وائل:
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))
المذنب يحجبه ذنبه عن الاتصال بالله عز وجل :
الدكتور راتب:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
أضاعوا الصلاة لا يعني تركها، بل يعني تفريغها من مضمونها، أي ألا تسبقها استقامة، فإن لم يسبقها استقامة أصبحت صلاة شكلية، لو أن إنساناً من المسلمين أو المشاهدين أو المستمعين عمل عملاً لا يرضي الله بعدها صلى العشاء هل يستطيع بهذه الصلاة أن يتصل بالله؟ لا، بل يؤدي حركات الصلاة؛ يقرأ ما ينبغي أن يقرأه، يركع، ويسجد، أما هل يستطيع أن يتصل بالله؟ الجواب لا، حجبه ذنبه عن الاتصال بالله، هذه حقيقة مرة، ليس كل مصلٍّ يصلي:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
من أجمل ما قرأت في قوله تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، القلب السليم هو القلب الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله، القلب السليم هو القلب الذي لا يحتكم إلا لشرع الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد إلا الله:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
.
العالم الآن يعبد مصالحه وليس له مبدأ يعبده :
الآن أول تفسير قرآني للتناقض المريع والمفارقة الحادة بين واقع المسلمين وبين وعود رب العالمين أنه:
﴿ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾
في آخر الزمان يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، في آخر الزمان يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، يؤتمن الخائن، ويخون الأمين، في آخر الزمان ترى أناساً تافهين يتحدثون عن مصير الأرض، مثلاً حينما تقول ملكة ماتت بحادث في الغرب، في مؤتمر صحفي بث على إحدى عشرة فضائية، أنها زنت عشر مرات، ولما ماتت مشى في جنازتها ستة ملايين إنسان، ما هذا العالم؟ حينما ترى أن هناك جرائم ترتكب في العالم والعالم ساكت سكوتاً مطبقاً، هذه مشكلة كبيرة، أي العالم يعبد مصالحه، ليس له مبدأ يعبده، نحن في آخر الزمان، لذلك:
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
ولقد لقينا ذلك الغي، لكن الطريق مفتوح إلى الله وبأي لحظة الصلحة بلمحة.
الدكتور وائل:
أي إذا كان هذا الحديث الذي تفضلت به يقودنا إلى قانون آخر، اسمح لي أن تتداخل هذه القوانين معاً حتى نصل إلى تلك الحقيقة، قانون الاستخلاف في الأرض، وأنت ذكرت بأن الخلف الذي أضاعوا الصلوات سوف يلقون غياً، وهناك من يرى من العلماء والمفكرين أن مرحلة الصحوة قد شارفت على الغروب ـ مما ذكرته سابقاً ـ وأننا الآن في مرحلة اليقظة، إذاً كيف يمكن أن نصل إلى مرحلة الاستخلاف مرة أخرى؟ ما هو القانون الذي يضبط مرحلة الاستخلاف هل هو قانون التغيير أيضاً؟
الجرعات المنعشة من الله عز وجل للمسلمين :
الدكتور راتب:
لا شك في مقدمة دقيقة جداً، إن صحّ أن هناك سطحاً عليه المبادئ والقيم في الأرض، قبل خمسين عاماً فيما أتصور كان هناك ثلاث كتل، الشرق، والغرب، والإسلام، الشرق تداعى من الداخل، ماذا بقي على هذا السطح؟ الغرب والإسلام، أنا أتكلم كلاماً موضوعياً؛ الغرب غني جداً، وذكي جداً، وقوي جداً، وطرح قيماً رائعة جداً، طرح قيمة الحرية، وطرح قيمة حقوق الإنسان، وطرح تكافؤ الفرص، فخطف أبصار أهل الأرض حتى أن كل إنسان في الأرض يتمنى هذه البطاقة الخضراء، وكأنها بطاقة إلى الجنة، والذي حدث لحكمة بالغة بالغة أن الله ما كان ليذر المؤمنين على ما هم عليه، ويقاس عليها الدول أيضاً، فهذه الدول العملاقة الغربية التي طرحت طروحات رائعة جداً هم ليسوا كذلك، وضعهم بظرف معين فانقلبوا إلى وحوش، رأينا وحشيتهم في أفغانستان، في العراق، وهنا وهنا، ما الذي حدث؟ سقط الغرب كحضارة وبقي قوة غاشمة، ما الذي بقي على هذا السطح؟ الإسلام وحده.
لذلك قال أحد أكبر علماء الغرب وهو مقيم في أمريكا: "أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب، على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام".
نحن والحقيقة مرة خلال نكبات تتابعت في العصر الحديث أورثتنا ثقافة اليأس، وثقافة الإحباط، وثقافة الطريق المسدود، لكن الله جلّ جلاله ما نسينا أعطانا جرعات منعشة، من هذه الجرعات انهيار النظام العالمي المبني على الربا، هذا دعم لديننا، والعالم الغربي الآن كله يتحدث عن النظام الإسلامي، من هذه الجرعات كيف أن أخوتنا في تركيا استطاعوا أن يصمتوا عن الحديث عن الدين ويقدموا إنجازاً حضارياً أقنع الطرف الآخر، هذا إنجاز أيضاً، جرعة منعشة ثانية موقف الأتراك من دافوس هذا جرعة منعشة، انتصار أخوتنا في غزة، هذه جرعات منعشة، ذكرتنا بماضينا، كأن الله أراد أن يقول لنا: أنا موجود يا عبادي، ثقوا بي، اصطلحوا معي، الأمر بيدي، موازين القوى بيدي، أي: عفواً جيش عملاق في المنطقة يعد الأول في تنوع الأسلحة، و يعد الرابع في العالم، لم يستطع خلال اثنين وعشرين يوماً أن يحقق أهدافه، هذه كلها جرعات منعشة أعطتنا الثقة، لذلك قال هذا العالم: "أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام، بشرط ـ هذا الشرط ورقة العمل لنا ـ أن يحسن المسلمون فهم دينهم، وأن يحسنوا تطبيقه، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر.
الدكتور وائل:
هذا ما حصل هنا مع فتح الله وكيف أنه قدم هذا الدين للآخر لا على أنه عقيدة وإنما على أنه منجز حضاري يمكن أن يكون خلاصاً في محاربة الفقر، محاربة الأمية، وغيرها من القضايا، واستطاع أن يجيب على إشكاليات كثيرة.
الدين يمكن أن يكون خلاصاً في محاربة الفقر و الأمية :
الدكتور راتب:
أنا أقول: المسلمون بحاجة إلى تجربتين، تجربة ماليزيا الاقتصادية، وأنا سافرت إلى ماليزيا على رأس وفد رسمي في مؤتمر إسلامي، فالتقى بنا السفير السوري في المطار، وقال لنا: إن هذا البلد مجموع صادراته إلى العالم تفوق صادرات العالم العربي بأكمله بما فيه النفط، ثلاثة وعشرون مليوناً كانوا في الغابات قبل ربع قرن، الآن عندهم فائض نقدي يقدر بستين مليار دولار، نحن في أمس الحاجة إلى هذه التجربة.
الدكتور وائل:
كيف نجحت هذه التجربة؟ من أين بدؤوا بعمليات الإصلاح؟ هل الإصلاح بدأ عندهم من الداخل أم الإصلاح فرض عليهم من الخارج؟
الدكتور راتب:
العمل، أقول لك كلمة دقيقة: هناك إحصاءات دقيقة جداً تؤكد أن المواطن في دول شرق أوسطية ـ لا أُعيّن ـ يعمل سبع عشرة دقيقة إلى سبع وعشرين دقيقة في اليوم فقط، في الغرب يعمل ثماني ساعات، لا أصدق أمة يعمل أفرادها سبعاً وعشرين دقيقة في اليوم تغلب أمة يعمل أفرادها ثماني ساعات، هذا كلام دقيق أنا دائماً أبتعد عن الوهم، أقول: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، عقب سقوط بغداد، كان هناك مسابقة بين مغنيتين، المحطة التي أجرت هذه المسابقة تلقت ستاً وثمانين مليون اتصال، هذه قيمتها ألوف الملايين، بغداد سقطت، نعاني ما نعاني، والله في بلد آخر خلال عشرين يوماً صدر أربعة وستين مليون اتصال لقناة ساقطة هابطة، عندنا مشكلة كبيرة.
الدكتور وائل:
مشكلتنا أين تتلخص؟ هل هي فجوة بين النخبة وبين الأمة؟ أم علاقة أولي الأيدي بأولي الأبصار؟
الإصلاح يبدأ من التعليم :
الدكتور راتب:
والله أنا في مثل هذه الأسئلة أنا أتجنب أن أعزو هذا إلى جهة واحدة، أنا أقول دائماً هذه الظاهرة الخطيرة التخلف، نحن جميعاً ـ شعوب وحكومات، وكبار وصغار، ومسؤولون ـ محاسبون عنه، القضية كبيرة جداً.
الدكتور وائل:
من أين يبدأ الإصلاح؟
الدكتور راتب:
من التعليم، يجب أن تتناغم المناهج الدراسية، والتوجيه الأسري، والتوجيه الديني، ثلاثة خطوط، الطالب يأتي إلى المسجد يتحدث الخطيب أن آدم أبو البشرية، يدخل إلى المدرسة يتحدث أستاذ الطبيعيات أن القرد هو أبو البشرية، هذا تناقض كبير جداً، ما لم تتناغم مناهج التدريس مع وسائل الإعلام مع الأسرة، تعرض نظرية دارون بما لها وما عليها، والله أنا عندي شريط عن دارون إذا شاهده المسلم مستحيل أن يؤمن بها، من أقوال علماء غربيين، هذه النظرية ساقطة الآن لكن يعتني العالم بها لأنها مريحة، دكتور وائل الإنسان أحياناً يعتقد بشيء غير صحيح لكنه مريح، كنت أضرب مثلاً: أراد شخص شراء سيارة ولم يشترِ بعد، والثاني أراد شراء سيارة واشترى، سرت إشاعة أن هناك مشروع قانون بتخفيض الرسوم إلى النصف، الذي اشترى يكذب الإشاعة، من دون دليل يكذبها، والذي لم يشترِ يصدقها من دون دليل.
فالإنسان مهيأ أن يصدق شيئاً من دون دليل، شيء يريحه، نظرية دارون مريحة لأنها تلغي المحاسبة، تلغي وجود الإله، تلغي الآخرة كلياً، الذين يقصفون الدول ويبيدون الشعوب هم مرتاحون بدارون.
الدكتور وائل:
نحن تحدثنا مع الدكتور زغلول نجار عن هذه النظرية بحلقتين عن خلق الإنسان بالقرآن الكريم، وبالفعل سقطت هذه النظرية تاريخياً منذ فترة، لكن دكتور أنت أشرت إلى نقطة وأنا أشكرك عليها، وهي قضية التعليم، ونحن اليوم نلاحظ على مستوى عالمنا العربي والإسلامي، إما تعليم كما يقال رفع عتب، وإما تعليم أمريكي وتربية غربية، وإما تعليم إسلامي وتربية إسلامية، وهذه الحقيقة كلاهما طامة كبرى، نحن الآن لا نريد أن نتغنى بالماضي، أنا من الناس الذين يحبون التاريخ، وأؤكد أن التاريخ ليس ماضياً هو حركة عقلانية، لأن الأمم التي ليس لها تاريخ تبدأ من الصفر، لكن علينا أن ندرك الواقع المر، والحقيقة المرة، بأننا اليوم لا نمثل نظاماً تعليماً راقياً، وإن كان هذا لنظام التعليم الراقي لسرنا على وفقه، ولتحركنا في هذا العالم، لكن لا بد لنا من أن نستفيد من تجارب الأمم الأخرى التعليمية، وأن نطبق مناهج تعليمية، ولكن أن تكون تربيتنا إسلامية، ما رأي الدكتور محمد راتب ؟
بطولتنا أن نقلد في الدين وأن نطور خطابنا الديني :
الدكتور راتب:
سئل مفكر كبير: ماذا نأخذ وماذا ندع من الغرب؟ قال: نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم، ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء، لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرّ الأجيال، وهل من المعقول إذا لسعتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها؟ أنا أقول: نحن مكلفون أن نقلد في ديننا، ديننا توقيفي لا يحتمل لا التطوير، ولا التغيير، ولا الزيادة، نطور خطابنا الديني ممكن، لكن نحن أمرنا أن نقلد في ديننا وأن نبتدع في دنيانا، أن نطور دنيانا، وأن نحل مشكلات شبابنا، الشباب هم المستقبل وما لم نهيئ لهم أعمالاً، وفرص عمل، وزوجات، وبيوتاً، نحن أمام قنبلة موقوتة، الشباب أمام تطرفين؛ تطرف تفلتي إلغاء القيم الإباحية، أو تطرف تشددي التكفير ثم التفجير، هذه مشكلة كبيرة جداً، أنا أقول: يجب أن نقلد في الدين وأن نطور خطابنا الديني، لكن البطولة أن نبتدع حلولاً لمشكلاتنا في الدنيا.
لذلك ما دامت العنوسة عندنا عالية جداً، والبطالة عالية، والأمية عالية، ونستورد ولا نصدر، وبأسنا بيننا، وسلمنا لأعدائنا، لا يحترمنا الغرب، القضية خطيرة جداً، أنا أقول لك رأيي الشخصي: الغرب لا يحبنا بدليل قوله تعالى:
﴿ ﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾ ﴾
لكن بين ألا يحبنا ويحتقرنا وبين لا يحبنا ويحترمنا، ممكن ألا يحبنا لكنه يحترمنا، يحترمنا إذا حللنا مشكلاتنا، الخطاب الديني ولو نجح أنا أقول لا يقنع الآخر مادام واقعنا سيئ جداً.
الدكتور وائل:
والفقه أن يحيط بالواقع وأن يقدم حلولاً لمشكلاتنا، لا نريد أن نقول هذا حرام من منطلق أنه حرام، أعطنا حلاً؟
الانتماء للمجموع أساس في حلّ مشكلاتنا :
الدكتور راتب:
ما الذي يمنع أن نكرس نظام فريق العمل الذي قوي به الغرب، العمل المؤسساتي، الانتماء للمجموع، أنا مرة ضربت مثلاً: إنسان لا ينتمي للمجموع، مستلق تحت شجرة تفاح قد قطفت كلها بقيت تفاحة كبيرة جداً لم يرها الذين قطفوا التفاح، اشتهاها، معه منشار شجر قطع الشجرة، وأخذ التفاحة وأكلها، هذا وضع الذي ينتمي إلى مصالحه لا إلى أمته، نحن بحاجة إلى انتماء للمجموع، بحاجة إلى نظام فريق العمل، عمل مؤسساتي.
الدكتور وائل:
وأنا أتصور أنه يبدأ من المدرسة؛ التعليم على فريق العمل، نحن اليوم حتى على مستوى الجامعة، الجامعة تدعو إلى البحث العلمي المشترك، بعض الأساتذة في الجامعات ماذا يفعلون؟ مطلوب منك عدد نقاط معين تكتب بحثاً عني وأكتب بحثاً عنك، وبالتالي مطلوب عشر نقاط يصبح كأني كتبت خمس نقاط، لم يعد هناك تعاون، هذه إشكالية.
الدكتور راتب:
هل تصدق أن الألعاب في العالم الغربي لا تستخدم إلا من قبل خمسة أطفال، فإن لم يتعاونوا لا تلعب، يدخلون التعاون في دمائهم، هم يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، والله مرة كنت في جنيف قال لي أحدهم: هناك مطعم في فرنسا طعامه طيب، وكنت مرة في سويسرا، أيضاً بمدينة جانب إيطاليا، المكتب في سويسرا، وبيته في إيطاليا، أين الحدود؟ نحن نقف ساعات طويلة بين بلدين مسلمين.
الدكتور وائل:
على مستوى الجامعات لننتقل قليلاً كيف الغرب احترمت أساتذة جامعاتها، لأن هذا الذي يسود القرار، الأستاذ الجامعي في الغرب عليه حصانة سياسية، إذا ذهب إلى مكان لا يؤخر يقدم على بقية الناس، لأن هذا وقته ثمين، ميزانيات البحث العلمي ويجبرون عليها، لماذا نحن لا نقول في آخر كل عام أساتذة الجامعات يفرغون إلى الاستفادة من تجارب أخرى في الغرب وارجع لي بتقرير بمقدار التفاعل بين هذا و ذلك؟ لماذا لا نفعل علاقة الجامعات بالوزارات الحكومية؟ إذا حدث عندهم إشكالية معينة أول ما يحتمون بجامعاتهم وأساتذتهم، لأن خلاصهم بأيدي هؤلاء على يد العلم.
الطب والتعليم أساسيات حياة الإنسان :
الدكتور راتب:
عندي بعض التعريف للجامعات في البلاد النامية، أنها مدرسة يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً يخرج منها جاهلاً متكبراً، الجامعة أساس تقدمنا فيجب أن نعتني بها، أنا أتمنى أن يعتني المسلمون بالطب وبالتعليم، الطب والتعليم أساسيات حياتنا، لكن أنا متفائل أن هناك تطوراً.
الدكتور وائل:
الأردن اهتم بقطاع الطب.
الدكتور راتب:
وأنا أقدر ذلك بهذا البلد الطيب، أرجو الله تعالى أن تكون هذه القوانين مفعلة في حياتنا.
الدكتور وائل:
قانون النصر ماذا عنه؟
شروط قانون النصر :
الدكتور راتب:
القانون يحتاج إلى ندوة كاملة، لا بد من إيمان يحمل على طاعة الله:
﴿ ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴾
ولا بد من إعداد المتاح:
﴿ ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ ﴾
إعداد من دون إيمان لا يكفي، إيمان من دون إعداد لا يكفي، إعداد وإيمان، الإيمان أي إيمان؟ الذي يحمل على طاعة الله، إيمان مطبق، وأي نصر وأي إعداد؟ إعداد ما تستطيع، ومن رحمة الله بنا أنه ما كلفنا أن نعد القوة المكافئة، كلفنا أن نعد القوة المتاحة، قال تعالى:
﴿ ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ ﴾
هناك نصر مبدئي، هناك نصر تقليدي، هناك نصر تفضلي، هناك نصر استحقاقي، هناك نصر كوني، فحينما يتحارب فريقان بعيدان عن الله الأقوى هو الذي ينتصر، وعندما يتحارب مؤمن وغير مؤمن المنتصر هو المؤمن بدعم الله، لذلك المعركة بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي.
خاتمة و توديع :
الدكتور وائل:
أشكرك جزيل الشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الحوارات الجميلة، كما أشكركم أعزائي المشاهدين على حسن متابعتكم، وصدق الله حينما يقول: :
﴿ ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ ﴾
إن العقيدة العبثية في الكون كما يشير إليها الأستاذ جودت سعيد هي عدم رؤية النظام، وعدم رؤية السنن، وعلاقة الطاقة المفكرة الإنسانية بسنن الكون، هذه هي العبثية في الوجود.
إننا اليوم لم نعد لنتعامل مع آيات الله في كتابه المنظور ولا في كتابه المسطور، وإنما أصبحنا اليوم نتعامل مع إنتاج المرعوبين الذين لا يروق لهم التبصر بسنن الله في الكون، إذا أردنا أن ننهض فعلينا أن نسير وفق الحقيقة المرة، بدلاً من العبثية المريحة التي أشار إليها الدكتور محمد راتب النابلسي، وصدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ ﴾
هذا محدثكم وائل عربية يستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين