- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠2الصيام
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
صيام الجوارح عن المحرمات :
أيها الأخوة الأكارم ، إتماماً لموضوع صيام الخصوص وهو صيام الجوارح عن المحرمات تحدثنا في الدرس الماضي عن صوم العين ، وكيف أن العين عليها أن تغض عن محارم الله ، وعن كل شيء يولد في النفس الشهوة والهوى ، إياكم وفضول النظر فإنه يبذر في النفس الهوى ، وتحدثنا عن صيام الأذن :
(( من استمع إلى قينة صب في أذنه الآنك يوم القيامة ))
فالأذن تستمع ، وقد استنبط الإمام الغزالي قاعدةً وهي أن ما حرم فعله حرم النظر إليه ، وما حرم النطق به حرم استماعه ، فالذي يستمع إلى الغيبة شريك المغتاب بالإثم ، وقد حدثتكم من قبل : الذنب شؤم على غير صاحبه فكيف على صاحبه ؟ فكيف على غير من اقترفه ؟ الذنب شؤم على غير صاحبه إن عيره ابتلي به ، وإن ذكره فقد اغتابه ، وإن رضي به فقد شاركه بالإثم " قال تعالى :
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
أخلاق المسلم علية ، وإذا رآها الناس عليه أحبوا أن يكونوا مثله ، فدخل الناس في دين الله أفواجاً ، إذا طبق المسلمون أوامر دينهم مئة في المئة دخل الناس في دين الله أفواجاً ، فإذا تخلوا عن الأوامر وطبقوا العبادات خرج الناس من دين الله أفواجاً ، أي بين المسلمين وبين غير المسلمين نفور لا يعلمه إلا الله ، سببه أن المسلمين حرفوا على العبادات وتركوا مكارم الأخلاق ، فلما تركوا مكارم الأخلاق نفر الناس منهم ، الذنب شؤم على غير صاحبه ، إن عيره ابتلي به ، وإن ذكره فقد اغتابه ، وإن رضي به فقد شاركه بالإثم .
الصيام مدرسة خلقية :
فإتماماً لموضوع صيام الجوارح ، أي ترك الطعام والشراب شيء نعلمه جميعاً ، ما من مسلم على وجه الأرض إلا ويعلم أن الصيام ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية ، هذا تعريف الصيام ، ولكن هذا الصيام لا يرقى بالناس ، فالناس هم هم ، كيف يكون الصيام عبادة تلفت النظر ؟ أمر إلهي ، خالق هذا الكون يأمر بعبادة لا تقدم ولا تؤخر ولا تسمو بصاحبها ولا تغير من أخلاقه ولا تسمو بميوله؟ ليست هذه عبادة كما نفهمها نحن ، ولكن الصوم إذا صمت ثلاثين يوماً فصامت جوارحك عن كل المعاصي ، وصام قلبك عما سوى الله عز وجل ، وخرجت من شهر الصيام إنساناً آخر بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، بقيمك ، بأخلاقك ، يجب أن تقول زوجتك : والله ما كان فلان هكذا ، ما لهذا الحلم الذي يتمتع به ؟ ما لهذه الرحمة ؟ ما لهذا اللطف الذي هو فيه ؟ هذا هو الصيام ، مدرسة خلقية لأنك إذا تركت الطعام والشراب لله وهو مباح.
((عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ))
إذا تركت الطعام والشراب وسائر المفطرات والمخالفات والمعاصي كلها صغيرها وكبيرها ، لابد من أن تشعر أن الله راض عنك ، لابد من أن تقبل في الصلاة عليه، لابد من أن تدمع عينك ، لابد من أن تشعر أن الصلاة مائدةٌ ربانية ، كيف إذا دعاك إنسان إلى طعام نفيس وقدم لك من هذا الطبق ، ومن هذا الطبق ، وقال لك : كُل هذه ، ألا تشعر أنك أكرمت ؟ كذلك الصلاة ، الصلاة ميزان فمن وفى استوفى ، من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمرتها ، الدين كله صلاة ، قال تعالى :
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾
الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ، لا خير في دين لا صلاة فيه ، من ترك الصلاة فقد كفر ، بين الرجل والكفر ترك الصلاة.
الصيام من أجل الصلاة ، والزكاة من أجل الصلاة ، والحج من أجل الصلاة ، والصلاة من أجل الصلاة ، أي هذه الحركات والسكنات والقراءات والوقوف والركوع والسجود والقعود من أجل أن تصلي ، فإن لم تصلِّ فلا صليت ، قم وصلِّ فإنك لم تصلِّ أي آن الأوان أن نتعامل مع الحقائق ، المسلم عمره ثمين جداً ، يعيش عمره كله في الأوهام ، أنا أصلي والحمد لله ، أنا أصوم والله ما فطرت شهراً في حياتي ، حج أربع حجج ، وثماني عمرات ، أي آن الأوان أن تتعامل مع الحقائق ، هذه أوامر إلهية ، عبادات راقية جداً لابد من أن ترقى بك.
المغبون من تساوى يوماه :
المغبون من تساوى رمضاناه ، أي إذا كان رمضان الماضي كهذا الرمضان فأنت مغبون ، أي يجب أن تقول : هذا الرمضان أنا إنسان آخر ، معلوماتي عن الله أعلى ، صفاتي الأخلاقية أرقى ، تطبعت بطباع أحسن ، تركت بعض الصفات المذمومة ، لابد من أن تقول هذا ، والمغبون من تساوى شهراه ، هذه كلها أقوال وليست أحاديث شريفة ، والمغبون من تساوى أسبوعاه ، والمغبون من تساوى يوماه .
يوماه إذا كنت البارحة كاليوم فأنت مغبون ، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، لأن عمر الإنسان مثلاً ثلاث وسبعون سنة وثمانية أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وثماني ساعات وسبع دقائق وثلاث ثواني وأربعة أجزاء الثانية ، وانتهت الحياة ، معنى هذا أن اليوم ثمين جداً ، اليوم جزء من الحياة ، كلما انقضى يوم انقضى بضع من الإنسان ، أي آن الأوان أن يتعامل الإنسان مع الحقائق .
الصيام من أجل التقوى والتقوى فوق الإيمان :
الصيام أمر إلهي ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
معنى هذا الصيام من أجل التقوى والتقوى فوق الإيمان ، التقوى رؤية ، وإذا ملك الإنسان الرؤية الصحيحة هل يعقل أن يختار الشر ؟ أن يختار ما يؤذيه ؟ أن يختار ما يشقيه؟ أن يختار ما يبعده ؟ أن يختار طريق جهنم ؟ الحياة كلها رؤية ، وإن كنت تملك رؤيةً صحيحة فأنت من السعداء ، وإن كنت لا تملك هذه الرؤية فهذا هو عمى القلب ، قال تعالى :
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
رمضان مناسبة لتطهير النفس من أدرانها :
إذاً الصيام صيام الجوارح ، نعوذ بالله أن نقنع بصيام الفم واللسان هذا صيام العوام ، وصيام لا يقدم ولا يؤخر ، رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب ، لكن الصائم الذي تصوم جوارحه ، أي الغيبة تفطر الصائم ، خمسة يفطرن الصائم وينقضن الوضوء ؛ الكذب ، الغيبة ، والنميمة ، والنظر بشهوة، واليمين الغموس ، تفطر الصائم.
أي الإنسان أحياناً تقف سيارته في الطريق يتوقع أنه يوجد علة ، لا يوجد بنزين فيجد أن البنزين موجود ، يتوقع أنه لا يوجد كهرباء فيجد كهرباء ، كلما توقع شيئاً ووجد العكس يتوقع شيئاً آخر ، فإذا كان الإنسان لا يصلي ، صلاته شكلية ، أليست نفسه أخطر من سيارته ، ما السبب ؟ ما الذي يحول بيني وبين الصلاة الصحيحة ؟ أمعصية ارتكبتها ؟ ذنب مقيم عليه ؟ إعجاب بالكفار ؟ مودةٌ مع معرض ؟ أنقاد لمن يدعوني إلى الله ، لابد من علة حالت بينك وبين الصلة الصحيحة ، فرمضان مناسبة جميلة جداً لتطهير النفس من أدرانها وتصفية الحسابات وكأنها دورةٌ مكثفة .
الأوامر الإلهية في القرآن الكريم تقتضي الوجوب :
في الدرس الماضي تحدثنا عن صيام العين ، وعن صيام الأذن ، وعن صيام اللسان ، إتماماً لموضوع صيام الجوارح قد يكون الصيام ترك ما نهى الله عنه ، لكن من أجل أن تحدث الصلاة الصحيحة لابد من فعل ما أوجبه الله عليك ، الإنسان أحياناً يظن أن الأوامر الإلهية ؛ الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، مع أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، إذا قال الله عز وجل :
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
هذا أمر إلهي يقتضي الوجوب ، إذا قال الله عز وجل :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
هذا أمر إلهي يقتضي الوجوب ، إذا قال الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
أمر إلهي ، قد لا يقل هذا الأمر عن الصلاة ، أن تعاشر الزوجة بالمعروف فهذا أمر إلهي عظيم ، اقرأ القرآن في رمضان واستنبط الأوامر المتعلقة بالزوجة ، استنبط النواهي، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾
أمر إلهي ولا يخرجن ، قال تعالى :
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾
اقرأ القرآن ودقق في الأوامر الإلهية ، وقس نفسك بها أين أنت منها ؟ أين أنت من قوله تعالى :
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾
أخي ما عجبك ضعها من يدك وانصرف أنا صائم ، هذه الكلمة معصية ، هذا زبون لماذا الغلظة معه ؟ هذه ليست مأكولك وصائم ؟ ما هذا الصيام ؟ أهكذا البائع يكون ؟ قال تعالى :
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾
اتبع أوامر الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
أمر إلهي يقتضي الوجوب ، قال تعالى :
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾
أمر إلهي يقتضي الوجوب ، قال تعالى :
﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
أمر إلهي يقتضي الوجوب ، كتاب الله بين أيدينا نقرأه بلغتنا ، والحمد لله رب العالمين.
حق الزوج على الزوجة :
إتماماً لموضوع الأمس يقول عليه الصلاة والسلام :
((حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها ولو كان على ظهر قتب ، وألا تصوم يوماً واحداً إلا بإذنه إلا لفريضة ، فإن فعلت أثمت ولم يتقبل منها ، وألا تعطي من بيتها شيئاً إلا بإذنه فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب وترجع وإن كان ظالماً))
أي لا يقبل من الزوجة صلاة ولا صيام إن لم تؤدِ حق زوجها ، وإن كان الزوج بأوامره ظالماً في علاقته مع ربه ، أما علاقتها مع الله عز وجل ألا تصوم إلا بإذنه ، وألا تنفق من ماله إلا بإذنه ، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه ، وحسابه على الله عز وجل .
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لامْرَأَةٍ : لا تَصُومِي إِلا بِإِذْنِهِ ))
إذا فعلت الزوجة هذا مع زوجها تقبل الله صيامها .
حق الزوجة على الزوج :
حق المرأة على الزوج ، أن يطعمها إذا طعم ، يجب أن تطعمها مما تأكل ، لا أن تأكل أنت مع رفاقك ما لذّ وطاب وتجعلها تأكل أخشن الطعام في البيت وتقول : أنا مؤمن وأنا صائم ، أداء الحقوق جزء من الصيام ، ولا يهجر إلا في البيت ، اذهبي إلى بيت أهلك هذا خلاف الدين ، أبيح لك أن تهجرها ولكن أين ؟ في البيت ، الهجر لا يصح إلا في البيت لأنه إذا كان في البيت فالأمل بحل المشكلة قريب ، بضعة أيام ، أما إذا كان الهجر في بيت أهلها فربما انتهى الأمر بالطلاق .
حق الجار :
حق الجار إذا مرض عدته ، الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه له جار مغن أزعجه كثيراً وأتعبه كثيراً ، كان يغني هذا البيت :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة و سداد ثغر
***
يبدو أن حرس الخليفة قبضوا عليه وساقوه إلى السجن ، فذهب بنفسه إلى المحتسب - يعادل وزير داخلية تقريباً - وتوسط له ، فقال : يا فتى هل أضعناك وأنت تقول أضاعوني وأي فتى أضاعوا فهل أضعناك يا فتى ؟ فكان إسلام هذا الجار على يد الإمام الأعظم أبي حنيفة لأن عليه حقاً ، هذا جار له حق ، حق الجار إن مرض عدته.
يروون قصة - الله أعلم بصحتها - أن رسول الله له جار يهودي ، وكان هذا الجار يضع شيئاً يؤذي النبي في الطريق - مرة النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد شيئاً في الطريق فقال : لابد أن جاري مريض فزاره وعاده فشهد أنه رسول الله وأسلم.
اصنع المعروف مع أهله - أخي فلان ليس أهلاً - ومع غير أهله فإن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ، يكفيك فخراً أنك أهله ، إن قدر أو لم يقدر، إن شكر أو لم يشكر ، إن استجاب أو لم يستجب ، سيان فعلت هذا من أجل الله عز وجل ، لا تنسوا هذا الحديث ، و قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
إنسان عظيم له بنت قمة في العفاف والتقوى والصلاح ، يأتي إنسان ويشيع في المدينة إنها زانية ، وكان هذا الإنسان العظيم يساعده وينفق عليه ويعطيه من المال في كل وقت معلوم فلما سمع بفعلته الشائنة ، وخبثه ، وإشاعته هذا الافتراء ، تألم منه ونذر ألا يعطيه شيئاً فعاتبه الله ، فقال تعالى :
﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
إذا أنت أمرت أن تعطي من افترى على ابنتك الطاهرة ، سيدنا الصديق حديث الإفك لما توقف عن مساعدته ، الله عز وجل عاتبه وهو ليس أهلاً للمساعدة ، اصنع المعروف مع أهله ، ومع غير أهله ، فإن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ، يمكن أن تصنع معروفاً مع غير أهله ويسلم على يدك ، هكذا الإسلام ، هذا هو الدين أنعم به من دين ، يجب أن يقول الناس : فلان أين يحضر مجالس العلم ؟ على قدر ما سروا من معاملتك ، وأخلاقك ، وحيائك ، وعفتك ، وشرفك ، وتواضعك ، وكرمك ، وإنصافك ، وعدالتك ، من أين مأخذ هذا العلم ؟
هذه دعوة إلى الله في السلوك لا في اللسان هذا الذي نحن بحاجة إليه ، حق الجار إذا مرض عدته ، وإن مات شيعته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن أعوز سترته.
الأمير عبد القادر الجزائري كان رجلاً من أهل الفضل ، له جار فقير الحال ، عنده بيت عرضه للبيع فدفع له ثلاثون ليرة ذهباً ، فغضب صاحب البيت ، والله لا أبيع جيرة الأمير بمئة ليرة ذهباً ، جاء إنسان وقال للأمير هكذا قال جارك ، قال له : هذه ثلاثون ليرة ذهباً وابقَ جارنا ، وابقَ في بيتك .
حق الجار إذا مرض عدته ، وإن مات شيعته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن أعوز سترته ، وإن أصابه خير هنأته ، أخي بيت فلان أين ؟ مرة طرقت بناء بيتاً بيتاً بيت الأستاذ فلان أين ؟ لا أعرف ، فكان في نفس البناء ، هل هؤلاء جوار لا يعرف من فوقه بالضبط ؟ طرقت الباب الذي تحت صاحب البيت لا يعرفه أين .
وإن أصابته مصيبة عزيته ، قديماً يكون رجل معه ضيف أهل الجيرة يلاحظون يقرع الباب صحن طعام ، يوضع على المائدة ستون أو سبعون صحناً من الطعام ، جارنا معه ضيف ، الضيف ينظر ويقول متى طبخ هذا كله ؟ لأن جارنا معه ضيف ، كان إذا لم يصلِّ في المسجد يتفقدونه ، الكل يقرعون عليه الباب ، قال تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
وقد لقوا هذا الغي ، ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح إلا بإذنه ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ، هذا حق الجار.
رأس الدين النصيحة :
يجب أن تعرف حق زوجتك ، وحق أولادك ، وجيرانك ، وأخوانك ، وزبائنك، أخي انصحني أنا في هذا الموضوع لا أعرف ، يوجد عندك شيء لا يباع تقول له : هذه أفضل بضاعة ، والله هذا الذي أخّر المسلمين ، رأس الدين النصيحة ، إذا شعر البائع أن هذا الزبون غشيم يلبسه هموماً وليس بضاعة ويقول : ركبت هذه البيعة ، عند الله لا تركب ، من غش فليس منا ، يقول : هذا ليس مسلماً ، ولو كان عابد صنم لو أنك غششت عابد صنم لحاسبك الله أضعاف ما يحاسبك فيما لو غششت مسلماً ، أنا هكذا فهمت الدين لماذا ؟ لو غششت مسلماً يقول هذا المسلم : فلان سيئ ، أما إذا غششت غير المسلم فيقول : الإسلام سيئ هكذا الدين !! هذا دينكم ، هكذا قال لك الدين .
"... ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح إلا بإذنه ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها "
وفي رواية : " إذا اشتريت فاكهةً فأدي له منها ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ به ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها "
إذا الإنسان أعطى ابنه في المدرسة هذه القطع الأجنبية التي ثمنها اثنا عشر ليرة، وإذا أراد أن يأكلها أمام رفاقه ألا يشتهوا ؟ والله غلط كبير ، وكان فيها سموم ومواد مؤذية ، ثمنها اثنا عشر ليرة يأكلها ابنك أمام خمسة من رفاقه ، و يوجد واحد ليس مع أبيه اثنا عشر ليرة كل يوم ، أعطاه أبوه ليرة سورية ، وإذا اشتريت فاكهةً فأهد له منها فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ به ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها "
حق الولد على والده :
حق الولد على والده أن يحسن اسمه ، أي هناك أسماء محرجة ، إذا اسم الابن غير جيد سوف يصيبه أزمات نفسية مع أصدقائه في المدارس ، النبي الكريم صلى الله عليه إذا اسم لم يعجبه يبدله من أنت ؟ قال : أنا زيد الخيل ، قال : بل زيد الخير ، من أنت ؟ الحصين بن سلام قال : بل أنت عبد الله بن سلام .
أن يحسن اسمه ويزوجه إذا أدرك ، إذا كان الأب بإمكانه أن يستر ابنه في بيت صغير ويزوجه على حسابه والله هذا العمل يفوق حج بيت الله الحرام لأنه سوف ينحرف ، من تزوج ملك نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر.
الإمام الكبير عبد الله بن المبارك كان في طريقه إلى الحج رأى في الطريق طفلاً صغيراً ينقب في القمامة حتى عثر على طائرٍ ميت تبعه حتى عرف البيت ، فإذا أسرة فقيرة جداً لا تجد ما تأكل ، وهو الفقيه أعطاها كل ما يملك ، وعاد إلى بلده ولم يحج ، قرأت هذه القصة مجدداً فإذا الناس الذين في الحج رأوه يطوف في البيت ، معنى ذلك أنها كتبت له حجةً تامة.
حق الله على كل مسلم :
وحق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ، لأنه إذا لك رائحة طيبة لا تؤذي أحداً ، والماء أطيب الطيب المفقود ، قال الإنسان له رائحة عطرية لا تظهر إلا إذا كان نظيفاً ، أي إذا إنسان وضع يده على جلده وشمه وكان نظيفاً هناك رائحة عطرية ، الله عز وجل خلقه كاملاً لا يوجد عدم رائحة بل رائحة عطرية تفوح من الجلد ، اللهم إن كان هذا الجلد نظيفاً.
حق المسلم على الله :
حق المسلم على الله ، من نكح العفاف عما حرم الله ، قال رجل هذه قصة وقعت لصاحب مكتبة ، يظهر أن فتاة عابثة وأخلاقها سيئة أغرته فتبعها ، وكان شاباً وحاجاً هذا الشاب فقال في نفسه وهو في الطريق : أنا بهذا العمل سوف أضيع حجتي ، عاد إلى المحل وقال : إني أخاف الله رب العالمين ، في اليوم الثاني جاءه رجل وقور وقال له : أنت متزوج يا بني ؟ قال له : لا يا سيدي ، فقال له : أنا يوجد عندي بنت تناسبك
هذا اعتقد أنه يوجد بها عيب خطير لأنه عرض ابنته ، فقال له : أرسل أمك لتراها ، فأرسل أمه فقالت له إنها ممتازة ، في اليوم الثاني جاء إلى عنده وقال له : كيف رأيتم ؟ فقال له : ممتازة ولكن أنا لا أملك شيئاً ، فقال له : هذا ليس عملك ، هذا الرجل من وجهاء الحي توسم في هذا الفتى الصلاح زوجه ابنته ، وشاركه في العمل ، والآن هو رجل حي يرزق من كبار التجار ، هذه الثروة الطائلة وهذا الزواج السعيد بسبب كلمة قالها : إني أخاف الله رب العالمين.
أي إذا الشاب أراد أن يتزوج ليعف عن الحرام وانطلاقاً من قوله تعالى :
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
فحق على الله أن يعينه رغم أزمات السكن العنيفة ، وأزمات المهور الغالية، والأثاث المرتفع الثمن ، رغم كل هذه الأزمات حق على الله عز وجل ، والقضية قضية نية وطلب ، اطلب هذا بقلب صادق فالله سبحانه وتعالى يعينك على هذا الزواج .
حقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو بها ويذكر ذنوبه ويستغفر الله منها ، أي لابد من مجلس خاص مع الله عز وجل ، أنا جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني، لابد من جلسة خاصة مع الله تستغفر ، تذكر ، تناجي ، تسبح ، تهلل ، تقول : أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ، تقرأ كلامه ، تناجيه ، تمرغ جبهتك في الأرض ، تسأله ، تستغفره .
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))
شهود العشاء والصبح آية بين المسلم و المنافق :
و :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
آية بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح ، لا يستطيع أن يستيقظ وقت الفجر هذا فوق طاقته ، طبعاً مضطر من أجل السحور أن تستيقظ ولكن جرب بعد رمضان إن طلبت هذا من الله عز وجل ، يا ربي أيقظني الساعة الرابعة والنصف ، جرب لابد من أن تستيقظ بهذه الدقيقة بالذات ، الله يوقظك ، هذه قال عنها علماء النفس : ساعة الرأس لا تخيب أبداً ، أحياناً الإنسان يضبط الساعة يستيقظ قبل نصف دقيقة ، لو كان استيقظ بعد دقيقة معنى هذا أن الساعة هي التي أيقظته حتى يثبت الله له أنا الذي أيقظتك وليس الساعة ، فالآن رمضان فرصة أن تصلي الصبح حاضراً ولكن بعد رمضان البطولة أن تتابع هذه الفريضة طوال العام ، لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله ، أي أنت الآن طوال هذا النهار في رعاية الله لا يوجد مفاجآت ، ورطات ، تبلي ، مشكلة ، حادث ، رجل دخل يؤذيك وأنت في المحل ويقول لك : هات هويتك ، لأنك أنت اصطلحت مع الله عز وجل صباحاً بينك وبين الله عامرة إذاً يجعلها الله بينك وبين الناس عامرة ، إن كانت خربة بينك وبين الله ستكون بينك وبين الناس خربة ، من أصلح بينه وبين الله أصلح الله بينه وبين الناس .
موقف سيدنا ابن العاص من أقباط النصارى في مصر :
موقف واحد لسيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه أردت أن أذكره لكم ، سيدنا عمرو بن العاص قال مخاطباً أقباط النصارى وكبار أساقفتهم في مصر : إن الله بعث محمداً بالحق وأمره به ، وإنه عليه الصلاة والسلام قد أدى رسالته ومضى بعد أن تركنا على الواضحة - أي الطريق الواضح المستقيم- وكان مما أمرنا به الإعذار إلى الناس - أي دعوتهم إلى الإسلام - فنحن ندعوكم إلى الإسلام فمن أجابنا فهو منا له ما لنا وعليه ما علينا، هذا منهج المسلمين.
فنحن ندعوكم إلى الإسلام فمن أجابنا فهو منا له ما لنا ، وعليه ما علينا ، ومن لم يجبنا إلى الإسلام عرضنا عليه الجزية وبذلنا له الحماية والمنعة ، الجزية مقابل الحماية، معفى من الخدمة الإلزامية لأنه دفع جزية ، هذا إذا بقي الذمي على دينه.
ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا وأوصانا بأهلها خيراً صلى الله عليه وسلم فقال : ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً ، أين هذه القرابة ؟ السيدة هاجر من مصر ، انظر الوفاء ، السيدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم من مصر، وسيدنا إبراهيم أبو الأنبياء إذاً هذه أمه أم أبيه إذاً لها رحم .
فإن أجبتمونا إلى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذمة إلى ذمة ، صار لكم ذمة القرابة وذمة أهل الذمة ، وفرغ عمرو من كلماته فصاح بعصا الأساقفة : إن الرحم الذي أوصاكم بها نبيكم لهي قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء - على هذا المستوى لا يذكرها إلا نبي -.
قصة إسلام عمرو بن العاص :
سيدنا عمرو بن العاص قضى حياته في مواقف متعددة يروي لنا الآن كيف أسلم؟ سأل عاهل الحبشة عمرو كيف لم تؤمن به وتتبعه وهو رسول الله حقاً ؟ قال له : يا عمرو كيف لم تؤمن به ؟ وسأل عمرو النجاشي قائلاً أهو كذلك ؟ أكيد رسول ؟ فأجابه النجاشي : نعم فأطعني يا عمرو واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه ، سيدنا عمرو بن العاص كان إسلامه على يد النجاشي ، النجاشي لما أسلم النبي الكريم أكبر إسلامه جداً فلما جاءه وفد النجاشي أبى إلا أن يخدمهم بنفسه صلى الله عليه وسلم إكراماً للنجاشي فلما مات صلى عليه صلاة الغائب.
وركب عمرو البحر من فوره عائداً إلى بلاده ميمناً وجه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين ، وفق الطريق المفضية إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادماً من مكة ساعياً هو الآخر إلى النبي الكريم ليبايعه ، ولم يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه : لقد رمتكم مكة بفلذات أكبادها ، وتقدم خالد فبايع ، ثم تقدم عمرو فقال : يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدم من ذنبي ؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام : يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله ، هذه لنا تب إلى الله توبةً نصوحة إن الإسلام يجب ما كان قبله.
ذكاء عمرو بن العاص :
كان سيدنا عمرو ذكي جداً ، كان آية في الذكاء ، يقولون إن سيدنا معاوية قال له: يا عمرو ما بلغ من دهائك ؟ قال له : والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه ، قال له : لست بداهية أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه ، ومع ذلك يعد سيدنا عمرو داهية فكان سيدنا عمر رضي الله عنه إذا رأى إنساناً جاهلاً أبله ضعيف الذكاء كان يقول : سبحان الله ! إن خالق هذا وخالق عمرو إله واحد أي شتان بين الاثنين.
يروى أنه في ساعات الرحيل استعرض حياته فقال : كنت أول أمري كافراً وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مت يومئذٍ لوجبت لي النار ، هذه ساعة الوفاة ، ثم بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان في الناس أحد أحب إليه منه ، ولا أجل في عيني منه، ولو سئلت أن أنعته ما قدرت لأني لم أقدر أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، تصوروا سيدنا عمرو لو سئل أن يصف النبي الكريم لما استطاع لماذا ؟ لأنه ما كان يستطيع أن يملأ عينيه منه إجلالاً له ، فقال : فلو مت يومئذٍ لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم بليت بعد هذا بالسلطان وبأشياء لا أدري أهي لي أم علي - أي اجتهد اجتهادات لا يدري أكان مصيباً بها أم كان مخطئاً - ثم رفع بصره إلى السماء في ضراعة مناجياً ربه الرحيم العظيم قائلاً : "اللهم لا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر وإن لم تدركني رحمتك أكن من الهالكين" .
أي الإنسان يجب أن يعرف قدر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، الحياة كلها مواقف ، وقف موقفاً مشرفاً وأخلاقياً يسعد به إلى الأبد ، وكل شيء ما سوى الأخلاق ماض، ماذا أكلنا وماذا شربنا وأين سكنا وكيف تاجرنا وكم ربحنا ؟ هذا ليس لك وليس لك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأبقيت ، وما سوى ذلك ليس لك .
أحد أثرياء مصر الكبار توفي فله أهل في بحبوحة كبيرة سألوا رجلاً عتالاً حمال حطب أن أنزل معه إلى القبر وخذ عشرة آلاف جنيه و آنسه ، فقال : عندما نزل إلى القبر جاء الملكان رأيا إنساناً ممدداً وإنساناً يتحرك ، فقال الملكان : لنبدأ بهذا الذي يتحرك فحزم نفسه بحبلة ، فقالوا له : هذه الحبل من أين جئت بها وكم دفعت ثمنها وممن اشتريتها ؟ يا أخي على هذه الحبلة خمسون سؤالاً ، فخرج فزعاً وقال : أعان الله والدكم ، هو على الحبل لم يتحمل والبطولة بعد الموت ، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله ، لا تقول أنا غني ولا فقير.
((ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة ، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة ، ألا يا رب مكرم لنفسه و هو لها مهين ، ألا يا رب مهين لنفسه و هو لها مكرم ، ألا يا رب متخوض و متنعم فيما أفاء الله على رسوله ما له عند الله من خلاق))