وضع داكن
11-11-2025
Logo
الخطبة : 1090 - إتقان العمل وإعداد القوة أساس النصر - الجهاد البنائي والدعوي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضل له، ومن يُضلِّل فلن تجد له ولّياً مرشداً.
وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أُذُنٌ بخبر.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وآل بيته الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنّا وعنهم يا رب العالمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات .

طريق الإيمان بالله أن يكفر الإنسان بالكفر والطاغوت: 


أيُّها الإخوة الكرام: لا يمكن أن يصحّ الإيمان بالله إلا إذا كفرنا بالكُفر، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾

[ سورة البقرة  ]

فحينما قدَّم الله الكُفر بالطاغوت، معنى ذلك أنَّ طريق الإيمان بالله أن تكُفر بالكُفر، أن تكُفر بالطُغيان، ولعلَّ الله عزَّ وجل حينما قال لنا:

﴿ هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)﴾

[ سورة آل عمران  ]

والأيام تؤكد أنَّ الطرف الآخر لا ينضبط لا بقواعد، ولا بأخلاق، ولا بقيَم، ولا بمبادئ بل ينطلق من عتوٍ، واستكبارٍ، وغطرسة.

المعركة بين الحق والباطل معركة أبدية لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي: 


أيُّها الإخوة الكرام: نواجه أعداءنا، وقبل أن أُتابع أُطمئنكم إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى كان من الممكن أن يجعل هؤلاء الكُفَّار في كوكبٍ آخر ونرتاح منهم، وكان من الممكن أن يجعلهم في قارةٍ أُخرى، وكان من الممكن أن يجعلهم في حقبةٍ أُخرى، ولكن شاءت حكمة الله وهذا قرار الله عزَّ وجل، أن نعيش معاً في كوكبٍ واحدٍ، وعلى أرضٍ واحدة، وهناك تماس، واحتكاك، وعدوان، وطُغيان، وحرب، ومعركة بين الحقِّ والباطل هي معركةٌ أزليةٌ أبدية، وطِّنوا أنفسكم على أنَّ هناك معركةً أزليةً أبديةً بين الحقِّ والباطل، لأنَّ الحقَّ لا يقوى إلا بالتحدي، ولأنَّ أهل الحقّ لا يستحقون الجنَّة إلا بالبذل والتضحية.
لذلك هذا قدَرُنا، نحن نواجه أعداءً ماتت في ضمائرهم وضمائر الذين انتخبوهم كل القيَم الإنسانية، والأعراف الدولية، وداسوا على حقوق الإنسان بحوافرهم، لأنهم كالبغال يقتلون طفلاً، لا نقول قصفاً، لا، بل قتلٌ مباشر، طفلٌ صغير! يقتلون طفلاً، وامرأةً، ومدنياً، وبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، وغِناهم على إفقار الشعوب، وقوتهم على تدمير أسلحتها، إنهم يصفون المالِك للأرض الطريد المُشرَّد إرهابياً، لا حقَّ له في أرضه، والمُتمسِّك بدينه القويم أُصولياً، ويجعلون اللص الغالب على المُقدَّسات ربَّ بيتٍ محترماً، يملكون الأرض لا بالإحياء الشرعي، ولكن بالإماتة الجماعية، والقهر النفسي.
حينما أتى رئيسٌ سابقٌ إلى المنطقة، أذكُر هذا كثيراً، ضمن برنامج زيارته زيارة أُسرة الأسير الإسرائيلي الوحيد عند حماس، وأحد عشر ألفاً وثمانمئة أسيرٍ فلسطيني عند اليهود، ما خطر في باله أن يزور أُسرةً واحدة للفلسطينيين! للتوازن أقل شيء. 

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)﴾

[ سورة يونس  ]


تبدل القيَم أخطر حالة تمر بها الأُمة: 


أيُّها الإخوة الكرام: هؤلاء المُستكبرون ربما طالبوا الشعوب المُستضعفة أن تلعق جراحها، وأن تبتسم للغاشم، وأن تعُدَّ حقّها باطلاً، وباطل المُعتدي حقّاً، في مثل هذا يقول عليه الصلاة والسلام، دققوا فيما سأقول: 

(( كيف بكم أيها الناس إذا طغى نساؤكم وفسق فتيانكم؟! قالوا: يا رسول الله! إن هذا لكائن؟ قال: "نعم، وأشد منه، كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!   قالوا: يا رسول الله! إن هذا لكائن؟ قال: نعم، وأشد منه، كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا؟ ! ))

[ أخرجه الطبراني وأبو يعلى ]

العمل الخيري مُتَّهمٌ عند الغرب، التعليم الشرعي مُتَّهمٌ عند الغرب (كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا؟) !أخطر حالةٍ تمُر بها الأُمة تبدُّل القيَم.
أيُّها الإخوة الكرام: وضعٌ مؤلمٌ جداً، ونحن المسلمون ألا ينبغي أن نتجاوز مرحلة الاستنكار، ومرحلة اجترار الألم، والتنديد والتعريض؟! أما آن أن نتحرك لطاعة الله، أما آن أن نتعاون ولا أن نتفرق، أما آن أن ننتقل من القول إلى العمل، من التصوُّر إلى التنفيذ، من التسيُّب إلى الحركة، من التقوقُع إلى الانفتاح، من القبوع في البيت إلى عملٍ ينفع الأُمة؟!

على المسلمين إعداد القوة المتاحة بشتى المجالات لمقاومة الأعداء: 


أيُّها الإخوة: ألم يقل الله لنا: 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

[ سورة الأنفال  ]

أُسرُنا ينبغي أن تتماسك لأنها اللبِنة الأولى في المجتمع، أُمهاتنا ينبغي أن يتفرغنَّ لتربية أولادهنّ، لأنه لم يبقَ في أيدينا من ورقةٍ رابحةٍ إلا أولادنا، طالبُنا ينبغي أن يتفوق ليكون في خدمة أُمته، مُعلِّمُنا ينبغي أن يحمل رسالةً يسعى لتحقيقها عند طلابه، عاملُنا ينبغي أن يُتقِن عمله، فلّاحُنا ينبغي أن يرتبط بأرضه ليزرعها، موظفُنا ينبغي أن يتفانى في خدمة المواطنين، قاضينا ينبغي أن يعدل، عالِمُنا المُتخصِّص باختصاصٍ نادرٍ ينبغي أن يؤثِر خدمة أُمته على حظوظه من الدنيا، خمسة آلاف طبيب من سورية، في مقاطعةٍ واحدة في أمريكا ديترويت، أقاموا وما عادوا إلى وطنهم، فالخبرات العالية خارج بلادنا.
أيُّها الإخوة: داعيتُنا ينبغي أن ينصح لا أن يمدَح، ضابطنا ينبغي أن يوقن أنَّ المعركة مع العدو قادمةٌ لا محالة، وأنَّ حديث العدو عن السلام مُراوغة، وكذِب، وكسبٌ للوقت ليس غير، ثرواتنا ينبغي أن نستخرجها، مصانعنا ينبغي أن تتطور، أرضنا ينبغي أن تُستصلح، هذا معنى قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) ، الاكتفاء الزراعي قوة، تفوُّق الطلاب في اختصاصهم قوة، نستغني بطلابنا عن خبراءٍ أجانب، يتقاضون مئة ضعف عن رواتب طلابنا، القوة الآن لها مناحٍ كثيرةٍ جداً، الإعلام قوة، الاكتفاء الذاتي قوة، شيءٌ مؤلمٌ، المسلمون وإن كانت الحقيقة المُرَّة أفضل عندي ألف مرة من الوهم المريح، أنا أقول على مستوى العالم الإسلامي، المسلمون في رأس قائمة المستوردين، وفي أسفل قوائم المُصدرين.
بلد في آسيا زرته "ماليزيا" أول ما وصلنا إلى هذا البلد استقبلنا السفير السوري، قال لنا: هذا البلد كان أبناؤه في الغابات قبل ربع قرن، يعدّون ثلاثة وعشرين مليون إنسان، الآن صادراتهم إلى العالم، تفوق صادرات العالم العربي مجتمعاً بما فيه النفط، ستكون ثاني أقوى دولةٍ اقتصاديةٍ في العالم، مسلمون جميعاً، هكذا المسلم.
أيُّها الإخوة: هذا معنى قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم) .

إتقان العمل يحتاج إلى إيمان بالله و باليوم الآخر: 


مرحلة الاستنكار، والبكاء، واستجداء المُساعدات، واستجداء الأحلاف، هذا شيءٌ لا يُقدِّم ولا يؤخِّر، لابُدَّ من أن نكون أقوياء، لأنَّ أعداءنا لا يفهمون إلا لغة القوة فقط، لغةٌ واحدة يفهمونها، وما سوى ذلك من لغاتٍ يحتقرونها، لا تقُل معي الحقّ، قوِّ نفسك، واضرِب هذا العدو.
أيُّها الإخوة: ينبغي أن يُرشَّد استهلاكنا، نستهلك ماءً وكهرباء عشرة أضعاف ما يستهلك العالم الغربي، يجب أن نُرشِّد استهلاكنا، أنا لا أُريد أن أبكي، أُريد أن أضع خطة، أريد أن أعمل، أُريد أن يُسهِم كل واحدٍ منّا في قوة بلده، كل واحدٍ منّا باختصاصه، أتقِن عملك، قدِّم بضاعةً جيدةً مُعتدلة السعر للمواطن، أتقِن زراعتك، أتقِن صناعتك.
أيُّها الإخوة: ولكن هذا الإتقان يحتاج إلى إيمانٍ بالله، تبتغي عند الله الأجر الذي يحملنا على طاعته، وهذا العمل العظيم يحتاج إلى إيمانٍ باليوم الآخِر، يمنعنا ألّا نظلِم بعضنا بعضاً، وأن نطلُب جزاء عملنا، وجهدنا، وجهادنا من الله عزَّ وجل، هذا نوعٌ من الجهاد البنائي، لا أحد يعترض عليك، ولا أحد يمنعك من أن تُتقِن عملك، أن تفتح المحل التجاري، وتنوي خدمة المسلمين.
أيُّها الإخوة الكرام: هذا الجهاد البنائي لا تُقطَف ثماره عاجلاً بل آجلاً، حينما تقول لطالبٍ: واظب على دراستك، كُن متفوقاً، خطِّط لسنواتٍ قادمة، لتكون فيها شيئاً مذكوراً، لا تكن رقماً سهلاً، ملايين مُملينة جاؤوا إلى الدنيا، وتزوجوا، وأنجبوا، وماتوا، ولم يفعلوا شيئاً، أكلوا، وشربوا، واستمتعوا، لا تكن رقماً سهلاً، إن لم تترك أثراً في الحياة فأنت زائدٌ عليها.

الابتعاد عن العويل و البكاء لأنَّ هذا لا يقدِّم و لا يؤخِّر: 


أيُّها الإخوة: أن نكتفي بسماع الأخبار، وأن نكتفي بالبوح، والألم، والبكاء، والعويل، والاستنكار، وما إلى ذلك من مصطلحاتٍ ألِفناها جميعاً، هذا لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر.
قال لي مرةً طفلٌ صغير: ماذا أعمل؟ قلت له: اجتهد، كل واحدٍ منكم وأنا معكم بإمكانه أن يخدِم دينه، وأُمته، ووطنه من خلال عمله فقط.
من فضل الله عزَّ وجل، نحن نُصدِّر أدويةً لأربعٍ وأربعين دولة في العالم، هذه قوة كبيرة جداً، الاقتصاد قوة، التصدير قوة، التصنيع الداخلي قوة، استخراج الثروات قوة، استصلاح الأراضي قوة، أُمةٌ يعمل المواطن فيها ثماني ساعاتٍ كاملة، وأُمةٌ أُخرى يعمل المواطن فيها سبع وعشرين دقيقة فقط، وفي بلدٍ سبع عشرة دقيقة، وفي بلدٍ أقل من دقيقة، بلدٌ يعمل فيها المواطن سبعاً وعشرين دقيقة، لا يمكن أن ينتصر على بلدٍ يعمل فيها المواطن ثماني ساعاتٍ كاملة، والله هناك أرقامٌ مؤلمة.
شركة واحدة في اليابان عندها أربعون ألف عامل، أرباحها تساوي الدخل القومي لدولةٍ عربيةٍ تُعَد سبعين مليوناً، سبعين مليون إنسان جهدهم يساوي أرباح شركةٍ واحدة عندها أربعون ألف عامل.

على كل مؤمن أن يعدل خطته و يسعى لخدمة أمته و تطويرها: 


الأمر دقيق جداً، لا بُدَّ من صحوةٍ، لا بُدَّ من تعديل خططنا جميعاً، احمِل أيُّها الأخ الكريم همَّ الأُمة، احمِل همَّها، قوِّ نفسك، اطلُب العِلم، ارتقِ باختصاصك، طوِّر تجارتك ، طوِّر صناعتك، طوِّر معملك، هيئ فُرص عمل للناس، أنا حينما أرى صناعياً كبيراً عنده ثلاثة آلاف عامل والله أحترمه، فاتح ثلاثة آلاف بيت، لا تكن فرداً تعيش وحدك، لأنَّ الناس عاشوا وحدهم عن طريق الرِبا دُمِّروا جميعاً، معظم الناس الآن خسروا نصف ممتلكاتهم بالمليارات، هناك من انتحر، هناك من شنق نفسه، هناك من مات بالجلطة، لا تطلب تجارةً مُريحة، التجارة المُريحة فيها قنص، أحدهم يشتري أسهُماً، والحيتان في البورصة، الحيتان يلعبون بالعالم كله، يرفعوا الذهب، يُقبِل الناس عليه، ينهار الذهب يشترونه، في كل عمليةٍ هناك آلاف الملايين تذهب من جيوبنا إليهم، وآخر قضيةٍ قضية البورصة، العالم كله الآن خسر نصف ممتلكاته بلُعبةٍ، النفط من ثمانية دولارات إلى مئةٍ وخمسين، نزل من يومين إلى أقل من ستين، معنى ذلك أن هناك لعبة، ليس الموضوع طلب وعرض أبداً، الموضوع لُعب تجري في البورصة.
أيُّها الإخوة الكرام: هذا جهادٌ بنائي، هذه ورقة العمل الأولى، دعك من الألم والبكاء، دعك من كل هذا، دعك من الاستنكار، عند الغرب: 

قتلُ امرئٍ في بلدةٍ            جريمةٌ لا تُغتفر

وقتلُ شعـبٍ مسلمٍ            مسألةٌ فيها نظر 

[ أديب إسحاق  ]


خطوات ورقة العمل التي يحتاجها كل إنسان منا: 


1 ـ العودة إلى القرآن والسُنَّة:

أيُّها الإخوة: أول نقطةٍ في ورقة العمل، نحتاج إلى ورقة عمل، يُطبِّقها كل واحدٍ منّا، قد لا ترون الثمار بعد ساعة، ولا بعد يومين، ولا بعد سنة، لكن هذه الورقة ورقة العمل، حينما نؤمن بها جميعاً ونُطبِّقها، نرى أنفسنا بعد سنتين أو ثلاثة في وضعٍ أفضل، في إنتاجٍ أكثر، في أسعارٍ أرخص، في قوةٍ ذاتية، في تماسُك، الغرب وضعنا جميعاً في سلةٍ واحدة، ينبغي أن نقف جميعاً في خندقٍ واحد، الأولى أن نعود إلى القرآن والسُنَّة، هذا منهج ربنا، هذا طريق سلامتنا، طريق سعادتنا، طريق فوزنا، طريق نصرنا.

2 ـ تجديد الإيمان بالله عز وجل:

النقطة الثانية: أن نُجدِّد الإيمان بالله، أحياناً أنت مُقتنعٌ بشيءٍ لكن ما عندك إرادة قوية أن تُطبِّقه، تحتاج إلى أن تعود إلى القرآن والسُنَّة لتفهم، وتحتاج أن تقوي إيمانك بالله لتعمل، تحتاج عِلماً وإيماناً، لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم ))

[ أخرجه الطبراني والديلمي والحاكم ]

المعاصي تُضعِف الإيمان، استمراء الحياة الدنيا تُضعِف الإيمان، تقليد الغرب يُضعِف الإيمان، أن تُشدَّ إلى الشاشة طوال حياتك يُضعِف الإيمان.
أيُّها الإخوة الكرام: لنسأل الله عزَّ وجل أن يُجدِّد الإيمان في قلوبنا، هذه النقطة الثانية في ورقة العمل.
أيُّها الإخوة: من الدعاء الشريف: "اللهم إنّا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن الرجاء إلا فيما عندك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذُلِّ إلا في طاعتك " .
أيُّها الإخوة الكرام: روى مسلمٌ في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

[  صحيح مسلم ]

3 ـ الأخوّة الإيمانية:

أيُّها الإخوة: ورقة العمل الثالثة بعد العِلم بالقرآن والسُنّة، وتقوية الإيمان بالله من خلال الاستقامة والعمل الصالح، حتى تملِك الإرادة على تطبيق هذا المنهج، والشيء الثالث الأُخوّة الإيمانية.

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

[ سورة الحجرات  ]

والله أيُّها الإخوة، الآن لا يُسمح لإنسانٍ كائناً من كان، أن يطرح أي قضيةٍ خلافية، يجب أن نقف جميعاً في خندقٍ واحد، أن نتعاون جميعاً، قد يقول أحدكم هذا الكلام ما دليله؟ دليله: النبي عليه الصلاة والسلام، دخل إلى المدينة فيها أوسٌ وثنيون، وفيها خزرجٌ وثنيون، وفيها أوسٌ مسلمون، وخزرجٌ مسلمون، فيها يهود، فيها نصارى، وفيها مَوالي، وفيها مهاجرون، في أول وثيقةٍ كتبها النبي عليه الصلاة والسلام لأهل المدينة، أول سطرٍ بالوثيقة: "أهل يثرب أُمةٌ واحدة" ، هذه المواطنة، التعايش، "سِلمُهم واحدة، وحربُهم واحدة" ، العدو لا يُفرِّق، نحن جميعاً عنده جهةٌ واحدة، النبي قال: "أهل يثرب أُمةٌ واحدة" لنا ديننا، واليهود لهم دينهم، لو كان هناك اختلاف أديان، لو كان هناك اختلاف طوائف، بلد يواجه عدواً، هناك قواسمٌ مشتركة.
لذلك أول شيءٍ أن تعود إلى القرآن والسُنَّة، أن تفهم ما في القرآن والسُنَّة.
الشيء الثاني: قوِّ إيمانك بطاعة الله، بإتقان الصلوات، بالذِكر، بتلاوة القرآن، بالعمل الصالح، قوة الإيمان تعطيك قوة إرادة تُعينك على تطبيق هذه الأوامر والنواهي.
الشيء الثالث: نريد مجتمعاً متماسكاً.

إزالة الظلم الداخلي أساس في الانتصار على العدو الخارجي: 


لذلك لا أُفاجئكم إذا قلت: 

(( ابغوني الضُّعفاءَ، فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ ))

[ أخرجه أبو داوود والترمذي والنسائي ]

اسمعوا هذه الكلمة من القلب إلى القلب: ما دام في ظلم اجتماعي بيننا، زوجٌ يظلم زوجته، أبٌ يظلم أولاده، أخٌ أكبر يأخذ الميراث وحده، والله لا نشم رائحة النصر (فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ) يجب أن نُزيل الظلم الداخلي حتى نستحق أن ننتصر على العدو الخارجي.
لذلك يقول الله عزَّ وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، يجب أن تنتمي إلى جميع المؤمنين، وما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، قال عليه الصلاة والسلام:

(( مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى.  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم  ]

أيُّها الإخوة: سؤالٌ مؤلم: أين أُمة الجسد الواحد؟
أيُّها الإخوة الكرام: ترى مؤمناً ينظر إلى إخوانه في غزَّة، وفي فلسطين، وفي الصومال، وفي العراق، وفي أفغانستان، يهزُ كتفيه، ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه، لا من قريبٍ ولا من بعيد، أهذا هو الإيمان؟! يعني أضعف الإيمان أن تدعو لهم، أضعف الإيمان أن تنهمِر من عينك قطرةُ دمعٍ واحدة ألماً على ما ترى.

4 ـ تحويل العِلم إلى عمل:

النقطة الرابعة: تحويل العِلم إلى عملٍ، كل شيءٍ تعرفه ينبغي أن ينقلب إلى واقع، العِلم ما عُمَل به، فإن لم يُعمَل به كان الجهل أَولى.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾

[ سورة الصف  ]

أيُّها الإخوة الكرام: هذا المنهج الربّاني، يجب أن يتحول إلى واقعٍ عملي، يجب أن يتألق في دنيانا سُموُّاً، وروعةً، وحركةً، وبناءً، أن نتحرك في هذه المرحلة إلى الدعوة إلى الله، إلى الاعتصام بحبل الله، إلى تطبيق سُنَّة رسول الله، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[ سورة الأنفال  ]

ما دامت سُنَّتك قائمةٌ فينا أيُّها النبي الكريم، فنحن في مأمنٍ من عذاب الله.

الله عزَّ وجل وعد المؤمنين الصادقين بالنصر: 


أيُّها الإخوة الكرام: شيءٌ آخر هو أنَّ الله وعدنا بالنصر، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6)﴾

[ سورة القصص  ]

ويبدو أنه لكل عصرٍ فرعون.
أيُّها الإخوة: تطمينٌ ثانٍ، أول تطمين: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) هذه بشارة.
البشارة الثانية: 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الذي لا يُدخِل الله في حساباته غبيٌ أحمق، لأنَّ الله سبحانه وتعالى سيُدمِّره، وهذا الذي طغى وبغى، وهدم بيوت الفلسطينيين في غزَّة، هذه السنة الرابعة ولم يَمُت، وأمدَّ الله في عمره، هذا فعل الله عزَّ وجل، سمعت أنَّ وزنه يُقدَّر بأربعين كيلو.
صحوة المسلمين وعودتهم إلى كتاب الله و سُنَّة رسوله أساس انتصارهم على أعدائهم: 

﴿ فيا أيُّها الإخوة الكرام: الله موجود (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ). فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾

[ سورة المطففين  ]

أيُّها الإخوة الكرام: لكن الواقع اليوم مؤلمٌ جداً، قال عليه الصلاة والسلام وكأنه معنا:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:  بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ:  حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

[  أخرجه أبو داوود وأحمد ]

مليار وخمسمئة مليون المسلمون، ربع سكان الأرض (وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) وضع النبي يده على الجراح.
أيُّها الإخوة الكرام: لا بُدَّ من أن نصحو من غفلتنا، وأن نعود إلى طاعة ربّنا، أن نُطيعه، وأن نذكره، وأن نشكره، وأن نرجِع إليه والله سبحانه وتعالى وليُّ التوفيق.

كُتُب الرئيس الأمريكي السابق نكسون و ما تحمل في طياتها: 


ولكن قبل أن أُنهي هذا الموضوع، أقرأ على مسامعكم قصةً تأثرت بها كثيراً، هذه القصة موضوعها إنسانٌ اسمه "روبرت كرين" أحد مستشاري الرئيس الأمريكي السابق "نكسون" ، أحد أكبر مستشاريه، يحمل دكتوراه في الحضارات، وهو من الشخصيات السياسية البارزة، عاش في وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض أكثر من ثلاثين عاماً.
المُهم إنَّ الرئيس الأمريكي نكسون كتب كتاباً في عام 1990 بعنوان: "انتهزوا الفرصة"، في عالَمٍ تحكمه قوةٌ واحدة، هي الولايات المتحدة الأمريكية، قال في هذا الكتاب بصراحة، اسمعوا ماذا قال رئيس أمريكا: "لنا مهمتان في الشرق الأوسط هُما النفط وإسرائيل" ! كتابٌ مطبوع مؤلَّف باللغة الإنكليزية ومترجم، "لنا مهمتان في الشرق الأوسط هُما النفط وإسرائيل"، وتحامل فيه على الإسلام والمسلمين بشدةٍ بالغة، من دون تفصيل وصفنا بالهمجية، والتخلف، والفقر، والجهل، والمرض، والنزاعات الداخلية.
لكن المفاجأة أنه بعد سنتين من صدور هذا الكتاب، أي في عام 1992 أصدر هذا الرئيس نفسه كتاباً آخراً بعنوان "ما بعد السلام" قال فيه كلاماً مُناقضاً تماماً لما كتبه في الكتاب الأول، مما جاء في كتابه الثاني قال: "نحن خرجنا من الحروب الصليبية منهزمين، لكننا أخذنا بأسباب التقدُّم العلمي والتقني فوصلنا إلى ما وصلنا إليه، وبالرغم من أنَّ المسلمين خرجوا منتصرين، إلا أنهم لم يأخذوا بأسباب التقدُّم العلمي والتقني، فانفرط عِقدهم، وهُزموا عسكرياً وسياسياً، وانحسروا إعلامياً واقتصادياً"، هذا في الكتاب الثاني.
ثم بدأ الرئيس الأمريكي يُعدِّد مساوئ المجتمع الأمريكي فيقول: "نحن نُعاني من مشكلاتٍ داخلية، نحن نتعفن ونتآكل من الداخل، نحن نُعاني من زعامات الأحداث، نُعاني من حمل الأحداث، نُعاني من الأُسرة المُفككة التي يعولها عائلٌ واحد"، يقول: "هناك أكثر من ستين بالمئة من طلبة المدارس والجامعات في أمريكا، لا يعرفون لهم أباً، لُقطاء، ومعدلات الطلاق، وأبناء الحرام في تصاعدٍ مستمر، نحن ننفق سنوياً أكثر من أربعة عشر مليار دولار على مقاومة الجريمة، ومع ذلك فإن معدلات الجريمة في تصاعدٍ مستمر، وننفق أكثر من عشر مليارات دولار على مقاومة الإدمان، ومعدلات الإدمان في تصاعدٍ مستمر، وبالرغم من كل ذلك، نرى العالم الإسلامي قد احتفظ بقيَمٍ أخلاقيةٍ عُليا، وضوابط سلوكية صحيحة".

تغيير الرئيس الأمريكي نكسون نظرته نحو الإسلام و المسلمين في كتابه الثاني: 


الحقيقة هناك مفاجأة من نقلةٍ من مجتمعٍ همجيٍ جاهل، إرهابي، عنيف، متخلف، إلى مجتمعٍ راقٍ، مُنضبط بالقيَم الأخلاقية، ما السبب؟! وأنه بعد صدور الكتاب الثاني، عقد مؤتمراً صحفياً أوضح فيه للناس، لماذا غيَّر رأيه في الكتاب الثاني فقال:" كان لي مستشاراً أثناء وجودي في البيت الأبيض يدعى "روبرت كرين" يقول: وأنا أكتب في الكتاب الأول في الفصل الخاص بالعالم الإسلامي، طلبت من المخابرات الأمريكية ملفاً عن الأصولية الإسلامية، فأتوا إليَّ بملفٍ كاملٍ لم يكن لدي وقتٌ لقراءته، فأحلته إلى مستشاري الحضاري "روبرت كرين" ليقرأه، فتأخَّر عليه "روبرت كرين" في إرسال ملخصٍ له، فصدر الكتاب الأول بمساوئه وعِلّاته.
فلمّا صدر الكتاب الأول جاء إليه "روبرت كرين" وقال له: إن هذا الكتاب جريمة، لأنه وصف المسلمين بهذه الأوصاف، فقال له الرئيس الأمريكي: لماذا؟ أليس هذا هو الفكر الذي تربّينا عليه في البيت الأبيض؟ فقال له "روبرت كرين": هذا الملف الذي أحلته إليّ عن العالم الإسلامي، لم أكد أنتهي من قراءته حتى أعلنت إسلامي، ثم أعطاه ملخصاً عن العالم الإسلامي وحقيقته، وكان هذا سبباً في تغيير رأي الرئيس الأمريكي عن الإسلام.
أيُّها الإخوة: الآن "روبرت كرين" مسلمٌ يكتب سلسلةً من المقالات في دوريةٍ من أهم الدوريات الغربية بعنوان "ماذا يمكن أن يستفيد الغرب من الإسلام؟"

النظام الإسلامي النظام الأصلح في العالم: 


الخُطبة الماضية ذكرت لكم قرار مجلس الشيوخ الفرنسي، حينما أمر بدارسة البنوك الإسلامية، وكيف أنَّ هذه اللجنة اقترحت على فرنسا، أن تُقيم مصارف إسلامية على التراب الفرنسي، وأن تُقيم النُظم الإسلامية في اقتصادها، ثم اقترحت أيضاً على الرغم من أنَّ الإسلام يمنع الرِبا، يمنع بيع الغرر، يمنع المواد المُحرَّمة كالزِنا، والخمر، ويمنع التورُّق، ويمنع الفوائد كُليّاً، يبقى هذا النظام هو الأصلح في العالم، والآن الله عزَّ وجل من خلال فعله، بيَّن للأرض جميعاً أنَّ النظام الإسلامي هو النظام الصحيح، وكل دولةٍ ما تعاملت بالبورصة، هي الآن في منجاةٍ من هذه الأزمة الاقتصادية الحادة.
أيُّها الإخوة: مرةً ثانية أقول لكم: نحن نملِك ما يُسمّى بالأمن العَقدي، ليس هناك مفاجأةً في الأرض تُزلزل ديننا، أي حدث عالمي يزيدنا إيماناً بهذا الدين العظيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.

* * *

الخطبة الثانية : 

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. 

الدعوة إلى الله فرض عينٍ على كل مسلمٍ في حدود ما يعلم ومع من يعرف: 


أيُّها الإخوة الكرام: لا يقول أحدكم أنا ماذا أفعل؟ بإمكانك أن تفعل كل شيء، بإمكانك أن تكون لَبِنةً في صرح هذه الأمة، بإمكانك أن تكون قوةً لهذا الدين العظيم، والأشياء ضمن يدك، عندنا جهاد النفس والهوى، هذا جهاد، قال تعالى: 

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

وعندنا الجهاد الدعوي:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾

[ سورة الفرقان  ]

سمعت خُطبة خُذ شريطها واعطِه لأصدقائك، لزملائك، لجيرانك، لأهلك، خلال الجمعة انشر ما سمعته في الدرس بين مَن تعرفهم، الدعوة إلى الله فرض عينٍ على كل مسلمٍ، في حدود ما يعلم ومع مَن يعرف، أهله، جيرانه، أصدقاؤه، زملاؤه، ممكن أن تُبلِّغ عن النبي ولو آية، أن تُبلِّغ في الدين ولو حديث، ولو قصة، ولو حكم فقهي، هذه قصة مستشار الرئيس الأمريكي أسلَم، لأنه هناك جهلٌ، نحن مُقصِّرون في شرح هذا الدين العظيم.
أنا كنت في الصين قبل أسبوعين، لفت نظري شيء، عندهم لحم حلال يقابله لحم خنزير، أمّا الشيء الثاني عندهم لباسٌ حلال، شركات تُقدِّم نماذج للمسلمات، ثياب فضفاضة، محتشمة، أصبح عندهم لباسٌ حلال، وعندهم لحمٌ حلال، نحن كل لباسنا حرام، تذهب إحداهُنّ لتشتري كل الموضات الحديثة الفاضحة، الذين كانوا شيوعيين عندهم لباسٌ حلال، ولحمٌ حلال، فيجب أن تنشأ شركات ألبسة، تُقدِّم ثياباً للمحجبات، ثياباً فضفاضة، ثياباً إسلامية، ألوانها غير زاهية، غير ضيَّقة، هذه واحدة من آلاف اللقطات التي التقطها هناك.

الدعاء:


أيُّها الإخوة الكرام: ندعو والدعاء عبادة.
يا ربّ اجعل هذا البلد آمناً مُطمئناً، سخياً، رخياً، مستظلاً بكتابك، ملتزماً بهدي نبيّك صلى الله عليه وسلم، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فخُذ بيده إلى كل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين غير ذلك فخُذه أخذ عزيزٍ مُقتدر، واجعله عِبرةً لمَن يعتبر، يا ذا الجلال والإكرام.
يا ربّ إن أعداءك وأعداءنا يقولون كما قالت عادٌ من قبل: 

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)﴾

[ سورة فصلت  ]

يا ربّ لقد غاب عنهم بغرورهم أنك أشدُّ منهم قوةً، فصُبَّ عليهم من عندك سوط عذاب إنك لهم بالمرصاد.
اللهم إنّا نسألك بدموع الأطفال وبكائهم، وبخشوع الشباب وتضحياتهم، ببطولة الشابات واستشهادهنّ، بصلاح الأُمهات ووعيهنّ، بركوع الشيوخ ودعائهم، نسألك يا ربّنا باستغاثة المُستغيثين، واستجارة المُستجيرين، والتجاء المُلتجئين، وتسبيح المُسبّحين، وحمد الحامدين، وتهليل المُهللين، وتكبير المُكبرين، ورجاء الراجين، ألّا تتخلى عنّا يا ربّ، ومنّا من يفعل ما يوجِب أن تتخلى عنّا، يا ربَّ العالمين لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، وأصلِح لنا شأننا كله يا كريم.
 اللهم إنك أنت القائل:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم  ]

ونحن مؤمنون بك، مُقصِّرون في عبادتك، فإن كنّا لا نستحق أن تنصرنا بعدلك فانصرنا برحمتك، وإن كنّا لا نستحق أن تنصرنا استحقاقاً فانصرنا تفضُّلاً، نسألك اللهم بوعدك الذي قطعته على ذاتك العلية، نسألك اللهم بإيماننا بك أن تنتصر لنا، وأن تنصر إخواننا في فلسطين، وفي العراق، وفي كل مكانٍ في العالم، وأن تردَّ عنهم كيد الكائدين عاجلاً غير آجل بما شئت وكيف شئت يا ربَّ العالمين، اللهم أنت القائل:

﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾

[ سورة الأنفال  ]

وها نحن نستغيث بك، نسألك أن تُغيثنا.
اللهم إنك عفوٌ كريم تُحب العفو فاعفُ عنّا، اللهم نستغيث بك كما استغاثك نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وكما استغاثك السلف الصالح، نسألك اللهم بصدق إيماننا بك، وخالص عبوديتنا لك، وبذُلِّ افتقارنا إليك، أن تستجيب دعاءنا عاجلاً غير آجل يا ربَّ العالمين، اللهم إنك أنت القائل:

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14)﴾

[ سورة التوبة  ]

اللهم أرِنا تعذيبك لهم، أرِنا إهلاكك لهم، أرِنا قدرتك في تدميرهم يا ربَّ العالمين، اللهم إنك أنت القائل:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾

[ سورة يوسف  ]

اللهم إنّا لا نريد أن نصل إلى نقطة اليأس، نحن لا نيأس، نسألك اللهم بحسن ظننا بك أن تنصرنا على أعدائنا يا كريم، نسألك أن تكفَّ عنّا بأس الذين كفروا لأنك أشدُّ بأساً وأشدُّ تنكيلاً.
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تعاملنا بما فعل السفهاء منّا.
 اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ كلمة الحق والدين، وأذلَّ الشرك والمشركين.
اللهم وفِّق ولاة المسلمين لما تُحب وترضى، اجمع بينهم، وحِّد كلمتهم، اجمعهم على الحقِّ والهدى يا ربَّ العالمين.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، أرضنا وارضَ عنّا، وصلى الله على سيدنا محمدٍ النبي الأُميّ وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور